خاص: إعداد- سماح عادل
قد يجد الكاتب نفسه مدفوعا بكتابة أحداث من الواقع لكي يجد بعض الاجابات عن أسئلة حيرته، يكتب تجاربه التي رسمت مسار حياته، أو يخلد حيوات امتلئت بالقسوة، لطرح فكرة ما تؤرقه، أو قضية يدافع عنها.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وقد وجهت إليهم الأسئلة التالية:
- هل السيرة الذاتية صنفا من الرواية، هناك من يعتبرها خارج إطار الرواية، وما حجم إعمال الخيال المطلوب حين يكتب الروائي/ة عن ذاته؟
- ماذا يهدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب؟
- هل جربت أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابتك المخاوف من رد فعل من كتبت عنهم؟
- ماذا كان رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتبت عنهم؟
- البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين؟
لإيجاد الاجابات على اسئلة حياتية..
تقول “منيرة الشايب” صحفية وكاتبة تونسية مقيمة في لندن: “أولا علينا أن نميز بين المذكرات والسيرة الذاتية، فالأولى عبارة عن مجموعة من الذكريات الشخصية المتعلقة بلحظات أو تجارب محددة في حياة المؤلف، تروى من وجهة نظر المؤلف.
ما يميز المذكرات عن السيرة الذاتية هي أن المذكرات تنظم نفسها بالتركيز على جانب واحد، مثل الأبوة أو الأمومة، أو فترة المراهقة، أو المرض أو الوفاة، أو الحب أو الزواج أو الطلاق، الصداقة أو الاغتراب، الإدمان وما إلى ذلك.
قد تروي المذكرات قصصا من لحظات مختلفة في حياة المؤلف، وليس بالضرورة من البداية، لكن يجب أن تقرأ كقصة متماسكة – وليس مجرد إعادة سرد للحقائق.
على عكس السيرة الذاتية، تركز المذكرات أكثر على علاقة المؤلف أو المؤلفة بتلك الأحداث ومشاعره تجاه ذكرياته”.
وتواصل: “وتميل المذكرات إلى نوع الرواية الخيالية أكثر من كونها قصة واقعية، وتركز على سرد جذاب، تماما مثل الرواية. ومن أركانها الموضوع الرئيسي وتطوراتها والحوار ووصف الشخصيات إلى غير ذلك..
أما السيرة الذاتية فتركز على الحقائق أكثر من العواطف، وفي حين أن المذكرات تركز على جانب معين في فترة معينة، فإن السيرة الذاتية تسرد حياة المؤلف بأكملها. وغالبا ما تبدأ السيرة الذاتية عندما كان المؤلف طفلا أو شابا وتتضمن التسلسل الزمني التفصيلي للأحداث والأماكن وردود الأفعال طوال حياة المؤلف.
وقد يقرر صاحب السيرة الذاتية تكليف شخص آخر بكتابتها لأسباب مختلفة. يسمى من يكلف بكتابتها بالإنجليزية.Ghost Writer
وتضيف: “يستخدم كتاب السيرة الذاتية العديد من مصادر المعلومات لتطوير القصة مثل الرسائل والصور الفوتوغرافية والسجلات الشخصية الأخرى. لهذا فإن الذاكرة الشخصية للمؤلف هي المصدر الأساسي وأي مصادر أخرى تثري القصة ببساطة وتنقل تجارب دقيقة.
تتضمن السيرة الذاتية الجيدة تفاصيل محددة لا يعرفها سوى المؤلف وتوفر السياق من خلال ربط هذه التفاصيل بقضايا أو موضوعات أو أحداث أكبر، مما يمكن القارئ من أن يتفاعل أكثر مع تجربة المؤلف.
من الأمثلة على السير الذاتية التي تعتبر ناجحة “يوميات فتاة صغيرة” بقلم آن فرانك و”أنا أعرف لماذا يغني الطائر المحبوس” بقلم مايا أنجيلو”.
وتوضح: “السمات الرئيسية للسيرة الذاتية:
أكثر موضوعية من المذكرات، ولكنها شخصية أكثر.
ذات إطار زمني أكبر، وغالبا ما تغطي حياة المؤلف بأكملها حتى وقت كتابتها.
تركز على الحقائق أكثر من العواطف.
تتطلب تدقيقا وبحثا أكثر شمولا من المذكرات”. وعن هدف الروائي حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب تقول:
“أظن أن الأمر يتوقف على المؤلف. إذ يكتب البعض سيرته الذاتية بدافع الغرور، فهناك من يحبون الكتابة عن أنفسهم لأنهم يعتقدون أن حياتهم ستكون مثيرة للاهتمام للآخرين ليتم ذكرهم بعد مماتهم ويقال إنهم تركوا بصماتهم في العالم.
يكتب البعض لأنهم يشعرون أنهم اكتسبوا من المعرفة أو الخبرة في حياتهم ما سيكون مفيدا للأجيال القادمة وأن هناك بعض الدروس التي يرغبون في نقلها. إذ قد يشعر بعض الكتاب أنهم يستطيعون تقديم المساعدة للآخرين في العالم الذين يمرون بظروف مماثلة لتلك التي عاشوها هم.
ويكتب آخرون لتبرئة ساحتهم من قرارات اتخذوها في حياتهم أو كشكل من أشكال الانتقام من أولئك الذين يشعرون أنهم أساءوا معاملتهم.
عادة ما يكتب الكاتب سيرته الذاتية لأنه يعتقد أن لديه ما يقوله لأن الكتابة بالنسبة إليه (ها) طريقة في البحث عن الذات خاصة في مرحلة عمرية معينة أو محاولة لإيجاد إجابات على بعض الأسئلة. وفي النهاية، تظل الكتابة طريقة للتعبير ينصح بها في العلاج النفسي.
ويكتب البعض على أمل كسب المال من مبيعات الكتاب، وأكيد أن الكتاب لن يحظى بفرصة النشر إن لم يكن فيه ما يستحق القراءة”.
وعن الكتابة عن شخصيات من العائلة والأصدقاء تقول:
“الكتابة عن العائلة بالتحديد هي واحدة من أصعب جوانب كتابة المذكرات أو السيرة الذاتية وربما أكثر صعوبة حتى من تذكر الأحداث بدقة أو العثور على العامل المشترك الخاص بالعائلة. يواجه كل من يكتب مذكراته تقريبا نفس الخوف: إذا نشرت ما حدث بالفعل، فلن تسامحني عائلتي أو شريك حياتي أو صديقي أبدا. في الواقع، يمكن لهذا القلق أن يحبط الدافع للكتابة من الأساس.
لكن لهذا الخوف ما يبرره، لأن العديد من المذكرات تتعامل مع الصدمة: بعد أن عاشها المؤلف وكيف تغلب عليها.
عندما يكون الأشخاص الذين تسببوا في هذه الصدمة طرفا في حياة الكاتب – كما يحدث عادة مع العائلة – عليه أن يفكر في تأثير قول الحقيقة عليهم وعلى علاقته بهم. لكن إذا لم يكترث برد فعلهم ، فربما لا يوجد سبب للقلق على الإطلاق.
غير أن العلاقات الأسرية معقدة جدا، ومهما كان حجم الخلافات بين الكاتب وأفراد عائلته، قد لا يكون على استعداد للتخلي عنهم. فالأقارب ليسوا شياطين بل مجرد بشر، بعيوبهم ونقاط ضعفهم، تماما مثل الكاتب نفسه.
نحن لا نعيش في فراغ، وعندما نكتب حكاياتنا، لا يمكننا أن نتجاهل ذكر الآخرين. ولكن ما مدى عدالة ذكر الناس في كتبنا – الأسماء والشخصيات والتفاصيل الصغيرة وكل شيء – لمجرد أنهم كانوا أو ما زالوا بحياتنا؟”.
تم بعض الكتاب عدم الكتابة عن الأمور الشخصية جدا. ويقوم آخرون بتغيير الأسماء أو التفاصيل – على الرغم من أن هذا أكثر نجاحا عند الكتابة عن الأصدقاء من العائلة، لأنه من الصعب إخفاء الأشقاء أو الوالدين او تغيير الأسماء, فكيف يمكن تغيير اسم “الأم” مثلا؟. اذن كيف يتعامل الكاتب مع هذا المأزق؟ يميل كثير من الكتاب إلى جمع شجاعتهم واخبار الأقارب والأصدقاء مسبقا وطلب إذنهم بدلا من التمسك بالصمت.
يقول الكاتب الأمريكي كالفين تريلين “إذا كان لديك سبب للاعتقاد بأنك دوستويفسكي آخر، فلا يوجد سبب للقلق بشأن التأثير الذي قد يحدثه ما تكتبه على حياة بعض أفرادا عائلتك. . . يمكنك قول أي شيء تريد قوله”.
في الغرب تحديدا، أكثر ما يخشاه كتاب المذكرات هي التبعات القانونية بسبب التشهير وانتهاك الخصوصية وما ينجر عن ذلك من تحريف الحقائق والإضرار بسمعة شخص ما. في هذه الحالة، الحقيقة هي أفضل دفاع له. لذا كثيرا ما ينصح بتجنب الكذب بشأن الناس أو اختلاق الأشياء. وكما قال أحدهم “تبقى الكتابة وجعا لذيذا.”.
كشف تناقضات الواقع..
ويقول “لخضر بن الزهرة”، الكاتب الجزائري:
“بالنسبة إلي تخرج السيرة الذاتية عن إطار الرواية إن كانت مغرقة في النقل للحدث دون خروج عن الحقيقة المطلقة، حتى وإن كانت هناك أحداث تفاعلية وتصاعد، وما يقترب من الرواية، فالرواية مثلا يمكننا أن نلخص فكرتها العامة وسبب كتابتها في سطر أو سطرين لنرى ما الهدف الأول من كتابتها، لكن السيرة لا يمكننا أن نلخصها كما نفعل في الرواية لما فيها من التفاصيل الكثيفة والتداخلات التي تأتي مرة في شكل قصص منفردة، أو متواليات قصصية، أو سرد تقريري يجعل من النص نقلا للواقع بلا بهارات الرواية من خيال وإضافة وتلاعب بالتفاصيل، قد أتقبل كون السيرة الذاتية رواية أو ما قد نسميه رواية سيرة ذاتية أن تكون ناقلة لفكرة ما يشتغل عليها النص وتبنى عليها الأحداث وهنا يجب أن يغفل الكاتب الكثير من تفاصيل البطل كي لا يشتت النص والقارئ في تتبع الفكرة المحورية.
وهنا قد نستغني عن إشغال الخيال كما نفعل مع الرواية العادية كون البناء السردي فيه زخم من الأحداث والشد والتشويق إلى معرفة ما وراء كل ذلك، وتحدث صياغة كل ذلك شيئا من المخيال الثري في عقل القارئ.
أما عن الخيال في النص والخروج عن الحقيقة بالإضافة أو الحذف والتلاعب بالحقائق فيتعلق الأمر بصدق الكاتب مع ذاته ومدى تحفظه حول ما حدث حقيقة، وما كان يؤمن به أثناء الحدث وما صار يؤمن به أثناء الكتابة، فمن يتنكر لبعض ما عاشه في فترة ما سيكون حتميا عليه لا شعوريا أن يعمل الخيال لإظهار أمر مخالف لما حدث حقيقة”.
عن هدف الروائي/ة حين يكتب سيرته الذاتية وينشرها في كتاب يقول:
“أهم ما قد يبدر في عقل الروائي أن ينقل رسالة ما أو تجربة قد نجد من ورائها فائدة أو خطا ما نستدل به في حياتنا على شيء ذي قيمة، فمثلا عندما استخدمت جزءا من تجربتي الذاتية في رواية (الوجع الغريب) كان هدفي أن أدافع عن خياري بالارتباط بفتاة كفيفة من بيئة مختلفة ومجتمع مختلف عن بيتي ومجتمعي، وأن أقدم صورة عن ذوي الاحتياجات الخاصة أنهم ليسوا عبئا داخل مجتمعاتنا، ما لم نقصهم من الحياة الطبيعية ونعتبرهم عبئا علينا. هي دعوة للتعايش والإيمان بالآخر”.
وعن تجربة أن تكتب عن شخصيات محيطة من العائلة والأصدقاء، وهل انتابته المخاوف من رد فعل من كتب عنهم: “جربت ذلك بتحفظ في (الوجع الغريب) وتحفظي في نقل تجربة شخصية ضمن رواية غير واقعية على مطلقها حماني من أي شعور بالخوف أو انتظار رد من أي طرف، أما رواية (ديسمبر، آخر فصل للحب) فهي نقل لتجربة قريبة لي تأزمت حياتها بسبب المخدرات، وماتت ميتة فيها شبهة القصدية أو الإهمال، لم أرد قول كل شيء فيها تجنبا لخلافات حقيقة داخل العائلة (المصرية) في القاهرة، لكن الرسالة التي أردتها بشأن السيدات الماكثات في البيت ضحايا المخدرات والأعمال الشاقة والاستنزاف كتبتها كما أردت وأحسست به، ولدي استعداد قادم لكتابة شيء ما أكثر جرأة ومصادمة مع أقارب من الجزائر لو تفرغت لذلك بشكل يسمح لي بكتابة نص جيد.
وعن رد الفعل الذي قامت به شخصيات كتب عنهم: “في رواية (ديسمبر، آخر فصل للحب) البطلة الحقيقية توفاها الله، وتلقيت بعض الردود من بعض أقاربها، كانت أختها مندهشة من كم التفاعل مع الحدث وكأنني عايشت مشاعرها أولا بأول رغم المعرفة السطحية بالشخصية، قريبة أخرى لها كانت تبدي الدهشة من التفاصيل وكانت معجبة بما كتبت، البعض كان يتوقع جرأة أكبر في التفاصيل، والبعض لم يبد رأيا مباشرا لي، بل سمعته من آخرين أن النص لمس قلوبهم، وذكرهم بيوم موتها الاستثنائي الذي ما زال مؤثرا في ذاكرتي. أما لو أنجزت مشروع روايتي القادمة فإنني أتوقع مصادمات حقيقية لأنني أعرف حجم ما سأواجه كون النص معريا للكثير من الأزمات المسكوت عنها.
وعن البوح، أم التعري والانكشاف، أم التوثيق لأحداث فارقة، أم اعتبار الواقع مصدرا هاما للكتابة هو ما يدفع الكاتب/ة لكتابة ذاته والآخرين يقول: “أظن أن لكل نص طبيعته وخصوصيته، فالبوح المجرد نقل لحالة عاطفية أو أحداث وقعت كحالة من التنفيس، أحيانا نجد شيئا من التعري والانكشاف كحالة من التطهر من المخفي عن عيون الناس، كحالة من التطهر من أي مشروع رياء زائف أو تصدير لصورة مثالية، في كثير من التجارب يرى القارئ كاتبه المفصل حالة مثالية من الجمال والرقي حتى يرى نصا عاريا من الزيف ناقلا لتجارب حقيقية تكسر ذاك البناء الهلامي في ذهن القارئ ويرى كاتبه إنسانا عاديا مثله يصيب ويخطئ يأمل وييأس ينجح ويفشل، يفطر في إنهاء حياته مرات مللا من الحياة أو يأسا منها ثم يثور ويقاوم هواجسه ويكمل طريقه، أما عن التوثيق فأراه جدير بشخصيات فارقة ومؤثرة على الصعيد الإنساني والاجتماعي والسياسي والديني، أما البسطاء مثلي فلا أرى ما يمكن أن أوثقه بصفة الأحداث الفارقة فأنا لم أقدم ما قد يغير في المجتمع أو يصنع حدثا ذا ضجة بين العام والخاص، وفي كل ذلك يبقى الواقع ثريا ومصدرا هاما لنقل تجاربنا الخاصة أو مشاهداتنا الحياتية.