9 مارس، 2024 12:13 ص
Search
Close this search box.

كاشفاً مخفي ومستور صناديق الاقتراع عامر القيسي “يشيطن”الديمقراطية في العراق…

Facebook
Twitter
LinkedIn

بقلم : جمال كريم
المتن التدويني:
اذا كان أرسطو الفيلسوف قد المح بشكل او بآخر الى صعوبة تحقيق النظام الديمقراطي بطرازه الافضل في المجتمعات التعددية والمتمايزة في مأثورته العميقة: “الدولة تستهدف قدر المستطاع أن تكون مجتمعاً مكوناً من انداد وأتراب”فإن الطبقة السياسية في المشهد السياسي العراقي التي فرضتها طبيعة الزلزال الشامل الذي ضرب العراق ربيع 2003 جعلت هذا النظام المؤمل شعبياً ،على الاقل خلال مرحلتهم المظلمة/الظالمة،صعب التحقق والمنال،لكنه سيكون رغماً عن عمى بصيرتهم،وضيق افقهم ،وظلامية تطلعاتهم شاءوا أم أبوا.
الكاتب والاعلامي عامر القيسي يخوض غمار هذه المرحلة بجرأة وأناة ورؤية مقالية مركبة، تحليلية استقرائية واضعاً العمومي والتفصيلي على مدّة بصره،وتشريح قلمه ليشيطن عبر كتابه (شياطين الديمقراطية في العراق)الصادر بصفحاته الاثنتين وثلاثين وستمائة عن منشورات زين البيروتية، وبغلاف تصميم الصانع المبدع ماجد الماجدي،تجربة الديمقراطية بتوصيف القائمين عليها من متسايسي المرحلة التي اعقبت اقتلاع أعتى نظام شمولي ،قاهر ،باطش مبيد في الشرق الاوسط على الاطلاق،وهو اقتلاع بقوة أميركية هيمنيّة ،تفكيكية، تهديمية بالدرجة الاساس،عدا ذلك وغيره من المكشوف والمستور فانه سباق مصالح وتسلح ولي اذرع وإلقام افواه وحلب أبقار ونوق وشياه في في العراق و عموم المنطقة!!!!
يضم متن كتاب القيسي بعد عتبتات العنوان الرئيس، والاهداء ،والمقدمة ،ستة فصول،تندرج تحت عتباتها عناوين لمقالات تضافرت مجتمعة تحت وحدة موضوع خاص بكل فصل،ثم لتندرج الفصول مجتمعة ومتضافرة ثانية تحت وحدة موضوع واحد أحد بذاته وروحه، هو راهن العراق خلال الفترة التي انحصرت بين الاعوام 2010 و2018 وهي الاعوام ذاتها التي شهدت ثلاثة انتخابات برلمانية في العراق، والفصول على التوالي هي:المشهد السياسي من لوحة الفوضى العراقية،الارهاب..داخلنا وخارجنا..وجوه العملة الواحدة،الحكومة ومجلس النواب..وجها الفشل والازمات،الفساد المالي أفضل المتخادمين استراتيجياً مع الارهاب والوجه الثاني للعملة نفسها،من بين ركام هذه البلاد تظهر الصورة الانسانية للمواطن العراقي البسيط،صناديق الاقتراع..أرقام وأسماء، فضلاً عن ملحق بصري “فوتغرافي”لأحداث ،وشخصيات وأمكنة تخللتها تلك الفترة التي هي محمول الكتاب وثيمته الاساس.
يستهل القيسي الفصل الاول من كتابه بمقطتف لمستشارة الامن القومي الاميركي كوندليزا رايس :غزونا للعراق لم يكن هدفه نشر الديمقراطية،اتخذنا قرار الغزو مع حلفائنا ونحن نعلم اننا لن نجلب الديمقراطية للعراق،ولكن الهدف كان الاطاحة بصدام حسين”.وكأن عجينة صدام لم يتم شيًها في فرن أميركي !!!!
في الحقيقة ان محمول رايس قبل ان يكون ويعبر عن جوهره ،وبعدما تجسّدَ خطاباً للجوهر ذاته، قد قسًم الجمهور العراقي وبخاصة شريحته الثقافية الى فريقين: فريق راهن على الخلاص الاميركي منذ اول دبابة داست سرفاتها جسر الجمهوية، وأول مارينزي خطا ببسطاله في شارع المتنبي ،وفريق ظل الى اللحظة على خلاف مع لحمته الفريق الاول،غير مؤيد ولا مؤمن ولا مقتنع بتكسير أغلال الدكتاتورية العراقية وكل الدكتاتوريات في المنطقة بغير ارادة شعوبها.
إن قراءة متبصرة ومتأنية لكتاب القيسي الذي أتى على التجارب الثلاث وما تخللها من صراعات واحداث وحراكات، تكشف حجم الخراب الذي طغى على البلاد طولاً،وعرضاً،برصد وانتقاء مقالي موضوعي محايد لاهم احداث تلك الفترة،وتداعياتها الخطرة التي دعته الى اضفاء صفة “الشيطنة” على سياسي راهن العراق المعيش المهلك المتهالك،وذلك عبر “مَقْوَلة”تلك الاحداث الفظيعة العاصفة،وهي الاحداث التي لخصت ومهدت اليها رايس في محمول مقتطفها السابق الذكر.
واذا اعتبرنا هنا أن الخبر الصحفي-أي خبر- يبقى مع تطور الاعلام وتعدد أقنيته ووسائل نقله،وبثه ،واشاعته،وحتى انتشاره بين المتلقين البصريين،-قراءً ورائين- بؤرة،ومحوراً ،وروحاً ،في التقرير،والتحقيق،والريبوتاج،والقصة،والمقالة الصحفية ،والصورة الفوتغرافية المجردة،أم هي وتعليقها او شرحها، يبقى جوهر وروح الحدث،أو الاحداث متصلة ومرتبطة ببعضها بعضاً ،أحداث قد تأتلف هنا،وتتصادم هناك،ايجابية المعطى في هذا،وسلبية في ذاك،أحداث تبقى في النهاية تتماس مع حياة الشعوب،وتؤثر في مسارات مناحي حياتها كافة،من هذا الفهم والتصور أجد ان مقالة/ مقالات القيسي-متن الكتاب- جسّدت تلك الروح المركبة بين الحدث الواحد وتفرعاته او تشعباته،وبين الاحداث مجتمعة، وهذا ما اعطاها صفة التركيب ،وهو ما جعلني توصيفها بالمركبة،وأقصد ان بنيانها المقالي استند الى اكثر من حدث/خبر ،واحسب ان اغلب مقالات فصول الكتاب التي جُمِعت تحت وحدة موضوعها ،وهو راهن العراق في تلك التجارب الانتخابية وما رافقها من احداث وانقسامات وصراعات وفساد واستئثار ،وتسقيط،وارهاب وقتل بازهاق ارواح وقطع لصلة الانسان بالحياة،اقول هو راهن العراق بمؤطره الزماني المحدد بتلك التجارب-وهومازال على ركام زلزاله- وقد جسدته هذه الرؤى المقالية التي اتسمت بطابع التعقيد المعبرعن طبيعة تلك المرحلة المعقدة والمتشابكة اصلاً.
ليس من الغريب ان يتمكن القيسي بعين الكاتب والاعلامي والناقد الرائي من الاحاطة بالخطب السياسية النارية او التهكمية او الوعظية او الاستعراضية ذات العلاقة بين الزعامات المتضاددة،اوفيما بين ممثلي تشكيلاتها السياسية في الحكومة او النواب،او تلك الاجتماعات الودية الظاهر بين تلك التشكيلات على طاولة وعودهم وشعاراتهم الفضفاضة في بناء موعود،ورفاهية محسودة!!!! فضلاً عن الصراعات الفظيعة، وجرائم الفساد ،المالي والسياسي ،وجرائم الارهاب بمختلف أشكالها،والبطالة ،والفقر،والجهل والتخلف ،وانعدام الخدمات والامن،وغيرها من كوارث الفترة المتناولة،وعلى هذا المنحى ومن خلال التجربة/التجارب شَيطنَ القيسي الديمقراطية بتوصيف رعاتها غير الديمقراطيين وفي بلاد تفتقر أصلاً الى ثقافات الديمقراطية،والانتخابات،والدستور،والتعايش السلمي،والحوار ،وقبول الاخر المختلف والمغاير،ليخلص أن شياطينه قلبوا مفهوم النظام الديمقراطي التوافقي الذي اسست الكثير من الشعوب المتمايزة على هذا الكويكب الكوني الضئيل مشاريعها الحدثية والحضارية المدينية في بناء دولة العدالة والتكافؤ والمساواة والحريات والحقوق والاستحقاقات،اقول قلبوه الى نظام “ديمحصاصي، ان صح النحت والاصطلاح ” أودى بحياة البلاد الى حضيض مخزٍ على صعد الحياة كافة،وعلى ذلك وكل جِيَف تلك الفترة يمر كتاب القيسي بفصوله الستة،متعرضاً الى الصراع السياسي التفاشلي بين القوى المتهافتة على استنام الجمل، ولاحقاً على ما حمل بفساد ناخر،وتناقل مخفي سارق ناهب في نهار جاهر!!!!!
ففي مقاله المركب ،على سبيل القراءة والتأكيد، “صراع الدببة بعد اعلان نتائج انتخابات 2010” ،نرى ان محور/محاور المادة ارتكز على عدد من المقالات ضمن الفصل الاول على وحدة موضوع راهن العراق في جانبه السياسي الحاضر ،حيث بامكان المتلقي أن يقرأ أكثر من محور منضوٍ تحت لافتة عراق غارق بالصراعات، الفساد ،وانعدام الخدمات والبطالة والتردي الامني المخيف ،اذْ يستهل القيسي في المقطع الاول من هذه المادة بمركب= اسدال الستار على مسرح انتخابات 2010+ دوي الانفجارت واعمال العنف+ صراع القوى التسقيطي والمميت احياناً للنيل من السلطة :
“وضعت إنتخابات السابع من آذار 2010 أوزارها عندما قال الشعب العراقي فيها كلمته ، على إيقاعات أعمال عنف متنوعة طالت بعض مراكز الإنتخابات ، وأدى دوره كما كان يفعلها دائماً في اللحظات الحاسمة من حياته”.ليأتي على بعض التفصيل للحالتين في المقطع الثالث حيث ينقل الكاتب مشاهدته هو لمسرح الحدث العام اذ يقول:”قررت التوجه إلى أحد المراكز الإنتخابية ، الشوارع هادئة، والإجراءات الأمنية اليوم تجاوزت كل ما سبقه حيث يكاد يوجد حاجز أمني للجيش والشرطة كل 50 متراً، أنه أمر غير مسبوق. السيارة التي تقلني إلى المركز الإنتخابي بحي الكرادة هي السيارة المدنية الوحيدة في الشارع، ولا غرابة في ذلك، فهناك حظر على سير المركبات بإستثناء تلك المصرح لها في هذه الظروف كالإسعاف والإعلام ، وفيما تقترب السيارة من المركز الإنتخابي سمعت الإنفجار الأول وتلاه ثان وثالث ورابع وتوالت الأنباء عن إنفجارات هاون وعبوات ناسفة وسقوط ضحايا”.
في الحقيقة بإمكاننا اضافة مركب آخر، غاية في الاهمية ،ونجده يتكرر باسلوب مباشراو غير مباشر واعني به الصراع الذي كان يدور ومازال على استحكام السلطة ومعها خزانة البلاد العامة بين الكتل السياسية الطامحة بطمع لايضاهى يقول الكاتب:”لو كنت أوباما،مثلاً، لما صبرت على مايجري في العراق بين القيادات السياسية، التي باتت صراعاتها تنعكس مباشرة على الشارع العراقي والوضع الأمني، وبالتالي الوحيد الذي يدفع الثمن المر هو المواطن العراقي العادي”.
ويتكرر السياق والاسلوب ذاتهما في فصول الكتاب اللاحقة،اي ان القيسي يعمد الى تعددية المحاور في المقال الواحد مع حرصه على ابراز المحور الرئيس في المقالة نفسها.
وهنا ارى انه ليس من الصعوبة بقراءة ان يكتشف المتلقي هذه الخصوصية ،واعني خصوصية تركيب المقال الصحفي لدى القيسي على اكثر من حدث ومحور على مدى صفحات وفصول الكتاب/المتن،وعدا هذه الخصوصية فإن الكتاب بنفسه النقدي ،ولغته الصحافية السهلة الممتنعة،يعد توثيقاً موضوعياً محايداً غير منحاز على الاطلاق لأي طرف او تشكيل او قومية ومذهب ودين على حساب الحلم الديمقراطي الموءود في عراق ما بعد الدكتاتورية الطغيانية الجبارة،وهذي ميزة تضاف الى ميزة الرؤى التحليلية الاستقرائية للحدث/الاحداث .
وكنت قد اختزلت قراءتي للكتاب في موضع آخر بالقول: يكشف القيسي بشجاعة الرأي ومرجعية الادلة القاطعة والارقام المحصية المحسوبة,والتصريحات المحفوظة،فشل تجربة الاسلام السياسي في البلاد،وحجم الخراب في مناحي الحياة، وتفشي سرطان الفساد، وانعدام الخدمات، وتراجع التعليم، وهجرة الكفاءات،وجذام البطالة، ومصادرة الحريات،وكتم الاصوات، وتضييق كل مجالات الحياة في نفق دامس لا أمل بنقطة ضوء لا في وسطه ولا منتهاه، ولا يفوت القيسي في”شيطان ديمقراطيته” ان يشير من بين ما يشير من مخرجات مدونته الفجائعية لواقع البلاد،ومجهول المستقبل،الى تحويل البلاد الى ساحة تصفية لصراعات الاصدقاء والادقعاء اقليميا ودوليا،بل ان تشكيل الحكومتين لنتائج انتخابات 2010 و2014 لم يكن على الاطلاق بارادة احزاب الاسلام السياسي التي فشلت فشلا ذريعاً ببناء دولة الدستور والعدالة والمؤسسات المدينية،بل كانت بتوافقات ومراضاة اقليمية ودولية، وهذا ما جعل لدينا حكومة عمق هي صاحبة المر والنهي،مقابل حكومة سطح ورقية القرارات والتوصيات وتشكيلات لجان الهواء.ومن بين ما يسلط الكاتب بين سطور متن كتابه الضوء على مظاهر كثيرة غريبة وشاذة،بل خطرة ومؤلمة،يسلطه على تمكن الفكر الطائفي والمذهبي الألغائي المقيت من بعض الكتاب والاعلاميين الذين انجرفوا في خنادق مذهبيتهم السنية او الشيعية،ويعد هذا الامر تحولا خطرا وصادما في الخطاب الثقافي العراقي الحديث، من دون يفوته تحليل بنية الاحزاب الاسلامية السياسية المتطرفة والمتمثلة بالتنظيمات السلفية الراديكالية متمثلة بالقاعدة وداعش انموذجا،تقابلها تنظيمات اسلامية لديها فصائل تعمل وتعمل بتوجيه خطاب ديني تصادمي ازاحوي.
المتن البصري:
لم يأت المتن البصري “الفوتغرافيا” في ملحق خاتمة كتاب”شياطين الديمقراطية في العراق”ماكياجاً تزويقاً ،ولا هو فضلة بصرية ترويحية للمتلقي بعد رحلته القرائية للمتن التدويني الخطابي،انما هو جزء عضوي تكميلي مهم لوحدة موضوع منظومة الكتاب،وشبكته المتناسجة،اذ ان “الفوتغرافيا” كانت ومازالت تحتفظ بوظيفتها الاخبارية والجمالية في المقروء صحيفة او كتاباً،وفي المرئي تلفازاً او موقعاً الكترونياً تواصلياً حديثاً،فهي خبر مصور،ومعلومة،مصورة،بل قل هي احداث مصورة،حتى يصح لها ما لا يصح لغيرها، مختزل ماثور المثل:”صورة واحدة واحدة تعادل عشرة آلاف كلمة”.
المتن البصري لكتاب القيسي ضم مصورات لاتفاقية اربيل، وقانون تعديل قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959،وتقرير سقوط الموصل،وقرار المحكمة الاتحادية بشأن الكتلة البرلمانية الاكبرفي العام 2014،كما احتوى على فوتغرافيا للرموز السياسية المتصارعة،وأبرز مشاهد الحراك الشعبي واحتاجاته،وسوء الخدمات ،فضلاً عن جريمتي سبايكر ،والنزوح الجماعي الداخلي،وتهجير الايزيديين، وهنا ايضاً بإمكان القارئ الرائي الحاذق ان يعتبر المتن البصري برمته جزءًا لا ينفصل عن المتن التدويني،فالصور السبع والعشرون الملونة،والوثائق المصورة التي شكلت هذا المتن،اصبحت صوراً اخبارية بامتياز،وجسدت وقائع واحداثاُ ذات علاقة وصلة بالخطاب المقالي التدويني،وقد عزز خبرية احداثها اختيار تلك الشروحات المختزلة التي جعلت منها مع الفوتغرافيا تكاد تكون خبراً مستقلاً بذاته،كما في شرح صورة تجمع المالكي والهاشمي:ابتسامات الرياء،او كما في شرح صورة جمعت المالكي والصدر:الاخوة الاعداء،أو كما في شرح صورة المحتجين وهم يتسلقون جدارالمنطقة المحصنة:محتجون يدخلون المنطقة الخضراء..الخ.
خاتم موجز قراءتي اقول :يبقى الكتاب الذي تسلح مؤلفه بشجاعة الرأي ،وصدقية المرجعيات ذاكرة ناطقة لأهم الاحداث السياسية وتداعياتها الاجتماعية والفكرية وحتى الثقافية,ذاكرة مشطت الاحداث التي مشى عليها الزمن بالدم المراق،وبالفساد سرقة ولصوصية وهدراً.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب