15 نوفمبر، 2024 12:18 ص
Search
Close this search box.

كاتب ياسين.. اعتز بأصله الأمازيغي وكان علامة في الأدب العالمي

كاتب ياسين.. اعتز بأصله الأمازيغي وكان علامة في الأدب العالمي

خاص: إعداد- سماح عادل

“كاتب ياسين” كاتب جزائري، كتب الرواية والمسرح والشعر وعمل في الصحافة، وحظي بشهرة عربية وعالمية، لقب بـ”نبي العصيان” و”الثوري المتمرد”، وهو من بين الأدباء الأكثر إثارة للجدل في الجزائر، من أشهر أعماله رواية “نجمة” التي ترجمت إلى عدة لغات عالمية.

حياته..

ولد “كاتب ياسين” واسمه الحقيقي “محمد خلوطي”، 1929 ببلدية “زيغود يوسف”، ولاية “قسنطينة”، تردد في صغره على المدرسة القرآنية بمسجد مدينة “قسنطينة”، ثم التحق بالمدرسة الفرنسية في ولاية “سطيف” وفيها تابع تعليمه حتى 8 ماي 1945، اليوم الذي ارتكب فيه المستعمر الفرنسي مجازر مروعة في حق الشعب الجزائري، راح ضحيتها أكثر من 45 ألف شهيد. وبسبب مشاركته في هذه المظاهرات، تم القبض عليه بعد خمسة أيام من انطلاقها وتم سجنه.

وفي السجن وبعد عام، أصدر”كاتب ياسين”  ديوانه الشعري الأول بعنوان “مناجاة”، وهاجر إلى فرنسا سنة 1947، وفي باريس التي استقر بها تعرف على مجموعة من المناضلين والمثقفين الجزائريين، وكان يشاركهم في تنشيط حلقات فكرية وأدبية، لكنه قرر العودة إلى الجزائر عام 1970، ليستقر بمدينة “سيدي بلعباس”.

في عام 1949، أسس رفقة “ألبير كامو” صحيفة الجزائر الجمهورية التي جعل منها منبرا لمناهضة الاحتلال الفرنسي للجزائر. وخلال إقامته في تونس التي دامت أربع سنوات، نشر عدة مقالات في مجلة «جون أفريك»، وعمل مديرا للمسرح الجهوي لمدينة “سيدي بعلباس”.

الكتابة..

يعد “كاتب ياسين” من أكثر الكتاب إثارة للجدل في تاريخ الأدب الجزائري المعاصر، حيث كان مفكرا حرا على الصعيد النظري وعبر أعماله الأدبية، سخر قلمه خلال الثورة لمكافحة الاحتلال وسجن بسبب مواقفه الثورية المتمردة على الاستعمار. كتب أعماله باللغة الفرنسية، لكنه كان مجبرا على ذلك، وشرح ذلك بقوله «أكتب بالفرنسية لأقول للفرنسيين إنني لست فرنسيا»، وكان يرى في اللغة الفرنسية غنيمة حرب.

خلال مسيرته، قدم الكثير من الأعمال الروائية أهمها «نجمة»، كتبها وعمره لا يتجاوز الـ28، ونجمة هي اسم المرأة التي أحبها، لكنها كانت متزوجة من رجل آخر، ويصنف النقاد هذه الرواية على أنها من النوع الفاصل، أي العمل الذي يحدث قطيعة بين الإنتاج الأدبي السابق واللاحق، وهي رواية تأريخ ورصد للكفاح الجزائري أصدرها عام 1956، وكانت في الأصل عبارة عن قصيدة بعنوان «نجمة والسكين».صنعت الرواية الحدث الأدبي والإعلامي، وترجمت إلى عدة لغات عالمية، وباتت نصا مرجعيا في أعرق الجامعات العالمية.

ولم يكتف “كاتب ياسين” بالرواية بل كتب الشعر والمسرح، وعن ذلك يقول: “عندما كنت أكتب الروايات أو الشعر، كنت أشعر بالحرمان لأنني لا أصل سوى إلى بضعة آلاف من الناطقين بالفرنسية، بينما وصلنا من خلال المسرح إلى ملايين المشاهدين في غضون خمسة أعوام”. ومن أهم أعماله “دائرة الانتقام”، و”شارع النساء”، و”المرصع بالنجوم”، و”المضلع النجمي” (1966)، و”محمد.. احمل حقيبتك”، و”فلسطين التي خانوها”، و”الرجل ذو الحذاء المطاطي”، و”الجثة المطوقة” 1959، و”القدماء يضاعفون ضراوتهم”، و”غبرة الذكاء”، و”ألف عذراء” (1958)، و”أشعار الجزائر المضطهدة” 1959.

نجمة..

في مقالة بعنوان “رمزية (نجمة) عند كاتب ياسين” يقول “احسن تليلاني”: “يعد الأديب الجزائري كاتب ياسين أقوى قلم تصدى لموضوع تشويه الاستعمار الفرنسي للهوية الجزائرية، ذلك أن هذه القضية بالذات هي هاجسه المركزي في أغلب كتاباته الروائية مثل (نجمة) أو المسرحية مثل (الجثة المطوقة) و (الأجداد يزدادون ضراوة)، وحتى في قصائده ودواوينه الشعرية، ففي تعابيره يصدح صوت المآسي الخرساء ليصور في جمال إبداعي ساحر آلام الجزائر وهي تعاني الاجتثاث والاستئصال والتشويه والمسخ والاستلاب..نجمة كما يقول عنها الكاتب ما هي إلا رمز، (إنها الجزائر نفسها، إنها الوطن الضائع، والماثل أبدا. إنها هذا الوطن الذي ينبغي خلقه من جديد، هناك في أعالي الجبل، جبل الأجداد). ولذلك يقترح (كاتب ياسين) الثورة المستمرة حلا للقضاء على ما طال الجزائريين من تشويه ومسخ، وذلك حتى تتمكن الجزائر من تلمس طريقها واستعادة هويتها”

ويواصل: “إن الوطن الذي تركه لنا الاستعمار الفرنسي بعد خروجه من الجزائر، والذي يحلو لبعض المغرضين تمجيد إنجازاته وإيجابياته، في إطار ما يسمى بحملة تمجيد الاستعمار، هو هذا الوطن الذي أبدع كاتب ياسين رمزيته، فشخصه في صورة الفتاة (نجمة) المحاصرة بكل أشكال المسخ والتشويه، وسيظل كاتب ياسين أقوى أديب فضح الاستعمار في رمزية شفافة، إنه مثل ذلك المحارب الأسطوري الذي يسلب سلاح عدوه ليدحره به قبل أن يقضي عليه، ففي حربه ضد الاستعمار الفرنسي، جعل من اللغة الفرنسية غنيمة حرب يقارع بها هذه الأمومة الفرنسية الرعناء حيث يصور قطيعته مع الاستعمار وإحساسه بمرارة التشويه الثقافي.. كاتب ياسين يختلف عن عموم كتاب الجزائر في كونه لم يتحدث في إبداعاته عن القتل الحقيقي الذي طال الجزائريين على يد زبانية الاستعمار الفرنسي، ولكنه تحدث عن القتل الرمزي، قتل الجزائر في هويتها وشخصيتها ووجودها، إنه يوجه أصابع الاتهام للاستعمار الفرنسي معبرا عن شعوره بالاغتراب والقطيعة مع ذاته وإحساسه بالضياع عندما فقد أمه ولغتها، إنها ربما طريقة أخرى لاعترافه بالغربة والمنفى”.

ويقول “شاكر فريد حسن” في مقالة له بعنوان “مع إبداع الروائي والمسرحي والشاعر الجزائري كاتب ياسين”: “أعمال كاتب ياسين ملتزمة وواضحة المعنى والمغزى ومشحونة بالصور والأفكار والمعاني وتتميز بحس شعبي صادق ورؤية سليمة للواقع، وتحكي قصة التشرد ولحظات النفي والهجرة والغربة والوحشة التي عاشها، وفي روايته “نجمة” يروي قصة الجزائر ويتحدث عن ناسها وواقعهم المر وعن القهر والتمرد والثورة والعشق الحقيقي لجوهر الكيان الجزائري العام. وهذه الرواية تحمل بعداً رمزياً لحرب التحرير الوطني وتطفح بالمشاعر الإنسانية النبيلة وتتضمن بين جنباتها دفئاً إنسانيا وإحساسا عارماً بإنسانية الإنسان وشعوراً مفعماً بهمومه وآلامه وأوجاعه وعذاباته وتبشر بالاستقلال والتحرير المنشود والمأمول”.

باللغة العامية..

وفي مقالة “كاتب ياسين…نجمة أدب لا تنطفئ” يقول عنه “فيصل شنشر”: “الحديث عن عالم الكتابة لكاتب ياسين لا يقتصر على الأعمال الأدبية فقط بل تجاوزها إلى الأعمال المسرحية التي تميزت كلها بمبدأ المعارضة «الذي كان خطا مسيرا» لهذه الأعمال. تعتبر ثلاثية كاتب ياسين، دائرة الانتقام تمثل أحسن مثال لهذه المعارضة وذلك من خلال الرسالة التي تحملها مسرحياتها الثلاثة، وهي «الجثة المطوقة» المستلهمة من أحداث 8 ماي 1945، و«غبرة الذكاء» المتمحورة حول العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية و”القدماء يضاعفون من ضراوتهم” التي تتحدث لأول مرة عن مملكة نوميديا من خلال فرسانها. كما تتجسد هذه المعارضة في اللغة نفسها التي استعملها ياسين في مسرحياته بالرغم من كونه كان يكتب بالفرنسية، حيث كان التعبير في مسرحياته باللهجة العربية الجزائرية التي كانت لغة الشعب”.

مناضلا شيوعيا..

ويقول عنه المؤرخ العراقي”سيّار الجميل” في (فصل من كتاب “نسوة ورجال: ذكريات شاهد الرؤية” لمؤلفه سيّار الجميل): “اعتدت مع أصدقائي من الأدباء والفنانين العرب والجزائريين أن أرتاد مقهى السنترال في قلب مدينة وهران الجزائرية.. عندما كنت أقيم هناك عند مطلع الثمانينيات أستاذا مساعدا للتاريخ الحديث في جامعة وهران بضاحية السينيا.. ويعد مقهى السنترال من أشهر الأمكنة العريقة التي تأسست منذ بدايات القرن العشرين من قبل الفرنسيين، وكان من أشهر رواده نخبة من الأدباء الفرنسيين المشهورين الذين ولدوا في الجزائر..وفي يوم بارد من أيام شتاء 1984، إذ يدخل السنترال الروائي والمسرحي الجزائري المعروف كاتب ياسين في هيئة رثة وحالة متعبة جدا.. وكنت قد تعرفت عليه قبل أشهر إذ كان ينتقل بمسرحه عبر أنحاء الجزائر. لمحني واقترب محييا بطريقته السريعة وجلس منهكا وقد بان الكبر عليه ودخلنا في حوار ممتع.. كانت عربيته علي الطريقة العامية الجزائرية ولكنها مليئة بالمفردات الفرنسية.. كان شجاعا في إبداء آرائه السياسية من دون أي وجل.. كان لم يزل حتى ذلك الوقت يؤمن إيمانا قاطعا بالماركسية منهج حياة وعمل وتطبيق.. كان لا يخفي أبدا نزعته في تأصيل الأمازيغية التي يراها الهوية الحقيقية له والفرانكفونية هي الأداة الحضارية التي عبر بها الأدباء الجزائريون عن أعمق خلجاتهم! تكلم عن “نجمة” الرواية التي أطلقت اسمه في عالم الشهرة قائلا: هل ماتت روحها الجزائرية لأنني كتبتها بالفرنسية؟ ثم دخل في بحر من المضامين الراديكالية وهو يعد نفسه مناضلا شيوعيا كان وسيبقي يعمل ويناضل ضد الامبريالية العالمية!! وأن مهمته الأساسية زراعة الوعي لدي أبناء مجتمعه.. لقد شرح لي لماذا يتنقل وهو في حالة من الشقاء والبؤس والعوز بين الناس ويجر من ورائه مسرحه الثوري ليعلم الفلاحين خصوصا، معني الطبقات ومبادئ صراع الطبقات”.

الجيل الجديد والتعريب..

ويضيف: ” سائلا إياه عن الأشياء التي تميزه عن بقية الأدباء الجزائريين المحدثين خصوصا وأن الساحة الجزائرية شهدت بروز عدد من المبدعين.. فعاجلني بسؤال مع بداية دخول بعض أصدقائي المثقفين للسنترال قائلا: ومن قرأت لهم؟ قلت: لقد اطلعت علي أعمال عدد من الروائيين الجزائريين المبدعين. عاجلني: من منهم؟ قلت له، منهم: رضا حوحو وعبد الحميد بن هدوقه والمثقف الرائع محمد ديب ورشيد بوجدره وكاتب ياسين والطاهر وطار.. وأتابع أعمال: واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي.. وغيرهم ؟ وجدني صاحب معرفة بشأن إبداعات غيره.. فبدأ يحلل باختزال كل اسم من الأسماء ويعطيني مكانته في نفسه وقد انتقد أعمال بعضهم انتقادا صارخا منطلقا من طبيعة العلاقة الشخصية معهم.. ولكنه اعترف في آخر المطاف بأن تلك النخبة المبدعة التي صقلها عنف التاريخ سوف لن يتكرر وجودها ثانية.. لأن الجيل الجديد  لم يستطع أن يبني نفسه علي نسق ثقافي وسياسي واحد علي عهد الاستقلال، وأن معاناته من التعريب الثقافي ومن القهر السياسي لم تجعله منطلقا في أجواء كالتي انطلق بها الرواد الذين بقدر ما حاربتهم وقهرتهم فرنسا، بقدر ما تعلموا منها الكثير!”.

علامة فارقة..

ويؤكد “سيار الجميل”: “ومع كل هذا وذاك، ظل اسم كاتب ياسين مختفيا لأكثر من عقد كامل من الزمن.. ومن المضحك أن فرنسا تعتبر رواية (نجمة) من أروع ما كتب في الأدب الفرنسي وتدرس مقاطع منها في المدارس الفرنسية في حين يتم إلغاء اسم كاتب ياسين وإقصاء فكره في الجزائر وبأوامر رسمية ليس لأي سبب إلا كونه نافذة فكرية حرة ويعتبرها الجزائريون الامازيغيون ( = القبائل ) رمزا لهم. وإذا كان اسمه اليوم قد أصبح علامة فارقة في الإبداع العالمي، فإنني سابقي أذكر ذلك المبدع المنحني والذي وجدته يحمل هموم العالم كلها فوق رأسه سواء وهو يحضر مسرحياته الأدبية باللهجة المحلية الدارجة أو في لقائي الوحيد معه في مقهي السنترال بوهران.. صحيح أنني أخالفه في جملة من أفكاره المحلية والطائفية ونزعاته الماركسية ومبادئه السياسية، ولكنني ما دمت أؤمن بالحرية والتفكير، فلابد أن أدافع عنه خصوصا وأنه واحد من المبدعين الذين من الصعب أن نلقي مثلهم في أي زمان أو أن ينجبهم أي مكان! لقد مات كاتب ياسين ولم يشهد فصول مأساة الجزائر بعد الانقسامات التي حدثت فيها في التسعينيات، وكم قوافل من نخب المثقفين والمبدعين قد ودعتهم الحياة إثر قتلهم! ومدي القسوة والعنف الذي يجتاح القري والقصبات الجزائرية التي يقطنها الفلاحون الذين أراد كاتب ياسين أن يعلمهم ويزرع فيهم أفكاره من خلال مسرحه المتجول! لابد أن تكون صورة كاتب ياسين ومضامينه وفلسفته مثار اعتزاز وتقدير من قبل الإجماع الوطني.. لأنه سيبقي علامة فارقة في تاريخ الإبداع العالمي”.

وفاته..

توفي “كاتب ياسين” يوم 29 أكتوبر 1989 بأحد مستشفيات مدينة “غرونوبل” الفرنسية، عن عمر يناهز 60 سنة خلال فترة علاجه من مرض السرطان، ونقل جثمانه ودفن في الجزائر.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=241&v=zHnpU74avvE

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة