16 نوفمبر، 2024 10:00 م
Search
Close this search box.

كاتب عربي تنويري آخر يغيب : صلاح عيسى في ذمة الله

كاتب عربي تنويري آخر يغيب : صلاح عيسى في ذمة الله

القاهرة – خاص
توفى الكاتب والباحث والصحافي المصري الكبير صلاح عيسى عن عمر يناهز 78 عاما، بعد صراع مع المرض. وقال الكاتب والسياسى حسين عبد الرازق إن الراحل الكبير توفى متأثرا بمرضه، وأنه دخل فى غيبوبة خلال الساعات الأخيرة.
وكان الكاتب الراحل يعالج فى مستشفى السلام الدولي، قبل أن تطالب أسرته وعدد من كبار الصحافيين بنقله لتلقى العلاج فى أحد المستشفيات العسكرية المتقدمة، وهو ما تم بالفعل فنقل إلى مستشفى المعادى العسكري.

الثقافة المصرية : ترك بصمة في ذاكرتنا
إلى ذلك نعى وزير الثقافة المصري حلمي النمنم، الصحافي والكاتب الكبير صلاح عيسى، الذى وافته المنية مساء الإثنين بالقاهرة.
واكد النمنم، أن “الساحة الثقافية والصحافية فقدت ركنا كبيرا من أركانها ورائدا من روادها، تاركا بصمة ستبقي في ذاكرة المصريين”، مضيفا أن “صلاح عيسي لم يكن كاتبا متابعا للأحداث، أو صحافيا فقط، بل كان مؤرخا ناجحا، وصاحب آراء موثرة.”

كتاب مصر : وثّق تاريخنا الثقافي
من جهته نعى رئيس “النقابة العامة لإتحاد كتاب مصر”، الشاعر علاء عبد الهادى، الكاتب الكبير صلاح عيسى، وقال إن “صلاح عيسى واحد من أهم مثقفى مصر فى النصف الثانى من القرن العشرين، حيث حرص فى كتاباتته المتعددة التى وصلت إلى نحو 20 كتابًا في التاريخ والتوثيق لمصر من الناحية الثقافية والسياسية، كما كانت له تجربة كبيرة فى التواصل مع الشارع المصرى جعلت منه كاتبًا مميزًا يعرف الجميع قيمته.
كما نعاه “المجلس الأعلى للثقافة”، وقال أمين عام المجلس الدكتور حاتم ربيع، أن الكاتب صلاح عيسى، “يعد أحد القامات المصرية فى الصحافة، وأنه ترك رصيدا من المؤلفات القيمة للمكتبة المصرية، وهو قيمة صحافية وفكرية كبيرة، وله باع كبير فى إدارة بعض الصحف بالإضافة إلى كتاباته السياسية والاجتماعية والتوثيقية للوقائع المهمة، وسيظل صلاح عيسى باقيا بأعماله الإبداعية”.

جابر عصفور : مدرسة في الكتابة والحرية
إلى ذلك قال وزير الثقافة السابق والناقد المصري البارز الدكتور جابر عصفور، إن وفاة صلاح عيسى خسارة جسيمة للثقافة المصرية والعربية بوجه عام، فهو “كاتب متعدد، ومؤرخ من مدرسة حديثة ترفض الكتابة التقليدية فى كتابة التاريخ”.
وأوضح د. جابر عصفور أن “صلاح عيسى لم يكن كاتبا ومؤرخا فحسب، بل إنه سياسى بمعنى الكلمة، وكان مدافعا عنيدا عن الحرية والكرامة، لهذا السبب لم يتردد فى الاختلاف مع كل الحكومات ذات الطبع الاستبدادى آنذاك، بداية من عهد الرئيس جمال عبد الناصر وانتهاء بعصر مبارك، فهو واحد من ضمن المثقفين الذين دخلوا السجون فى هذا الوقت”.
وتابع جابر عصفور: “صلاح عيسى نموذج للمثقف النقى والشريف إلى أبعد حد، ونموذج للكاتب الصحافى الصريح الذى لا يتردد فى الكتابة بشجاعة وجرأة مهاجما الأوضاع السياسية، ومدافعا عن الفقراء والمساكين وقد ظل طوال كتاباته مدافعا عن الفقراء، وبالتأكيد سنخسر صوته الصريح ورأية العاقل والمستنير والأمين”.

مصر قضائى وقدري
“إلى مصر قضائى الذى أعانقه، وقدرى الذى أحتضنه، وأين يهرب المريد وشوقه قضاؤه وقلبه قدره”، بهذه الكلمات كان الكاتب الكبير صلاح عيسى قد بدأ مقدمة كتابه الشهير “حكايات من دفتر الوطن”، وربما كان هى لسان حال العديد من أعماله، والذى عانق فيها تاريخ الوطن وحكاياته ليؤرخ لفترة مهمة من تاريخ بلاده المعاصر.
وفي الكتاب الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1973 بعنوان “حكايات من مصر”، وعمل في 1988 على إعداد طبعة جديدة فإذا به يغرق فيها شهورًا ويعيد كتابة بعض فصولها من الأساس، ويضيف إلى بعضها الآخر ما كشفت عنه الدراسات التى صدرت بعد الطبعة الأولى.
يحتوى الكتاب على مجموعة من الحكايات المتناثرة فى كتب التاريخ والصحف، جمعها الكاتب ليصنع بها كتابا شيقا وممتعا، ومن هذه الحكايات “الموت على تل العقارب” و”مقتلة الأحد الدامى” و”جلاد دنشواى” و”رصاصات الأمير سيف الدين”.
ومن كتبه “رجال ريا وسكينة.. سيرة سياسية واجتماعية” الذي تضمن الكتاب سيرة أحد أهم جرائم القتل فى القرن العشرين للسفاحتين الشهيرتيين ريا وسكينة. والكتاب هو محاولة لرواية السيرة الحقيقية لـ”ريا” و”سكينة”، ولكل من أحاط بهما من رجال ونساء وظروف سياسية واقتصادية عامة، وهو يستند إلى وثائق التاريخ وليس إلى مرويات الخيال الشعبى الذى أسقط عليهما كل كراهيته وازدرائه لمن يخون علاقة العيش والملح التى يقدسها المصريون.
“الثورة العرابية” كتاب مهم آخر لعيسى، وهو بحسب مقدمته هو محاولة لفهم وإنصاف هذه الظاهرة التاريخية “الثورة العرابية”، من خلال المنهج الاشتراكى العلمى بعيدا عما تعرضت له من أحكام قاسية واتهامات شديدة صدرت عن المنهجين الآخرين المدرسة الاستعمارية الغربية والمدرسة القومية.
بينما كان كتابه “حكاية جلاد دنشواي”، تحليلا لشخصية الجلاد فى حادثة دنشواي الشهيرة، والتى وقعت فى محافظة المنوفية فى العقد الأول من القرن الماضى. ويتحدث صلاح عيسى عن الجلاد فى مقدمة كتابه قائلا: “ذلك الرجل الأسطورى الذى كان القطار يقف له، حيث لا يقف لأحد فى محطات صغيرة أو على مشارف المدن الكبيرة، والذى قام قطار خاص لكى يقله إلى جلسة فى إحدى المحاكم. طلب ملوك وأمراء ودّه، وكسب مئات الألوف من الجنيهات، وخسرها كلها، حتى عاد كما بدأ فقيرًا لا يملك شيئًا، لكنه مع ذلك بدأ من جديد.. ومات وهو مستور أو يكاد”.

كتابه الآخر “هوامش المقريزى”، هو عبارة عن مجموعة من المقالات نشرت بجريدة “الجمهورية” فى الفترة بين 1971 و1975، واستعار خلالها الكاتب إسم المؤرخ العربى الشهير المقريزى ليوقع المقالات به. ويضم الكتاب عددا من القصص التاريخية تغطى الفترة من العصور والوسطى وثورة 1919، ويحاول الكتاب أن يكشف بعض ما كان يجرى من كواليس السياسة والصحافة آنذاك.

قراءة التاريخ
ورأى الكاتب صلاح عيسى، إن هناك “مدرسة تطرح فكرة أن الشخصية التاريخية لابد أن تكون قدوة للأجيال القادمة لتسير على نهجها، وتخفى كل أشكال السلبيات. فتتناول حياة الشخصيات التاريخية بكونهم لا يكذبون ولا يرتكبون أخطاء، وأن كل شخصية ولدت هى قدوة حسنة ولا ترتكب أخطاء”.
بينما هو يؤكد “علينا أن نتعامل مع الحقائق التاريخية بجوانبها المختلفة، فلا توجد شخصية بعيدة عن ارتكاب الأخطاء، لكن يكفيهم أنهم ارتبكوا أخطاء وقاموا بتصحيحها وهذا أمر طبيعى، ومع ذلك فإن نقد الشخصيات التاريخية أمر ضروري”.

مواجهة الفكر المتطرف
وكان الكاتب صلاح عيسى الذي شغل منصب عضو المجلس الأعلى للثقافة، قد أوضح في وقت سابق أن المجلس به لجان متخصصة تتولى شئون الاهتمام بالمجالات والفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ولجنة جديدة للفكر المتطرف، مشيرًا إلى أن المجلس يلعب دور مهم فى التنسيق بين الوزارات المختلفة ذات الصلة بشؤون التنشئة الاجتماعية من وزارات التعليم والتعليم العالى والشباب والأوقاف ممثلين للنقابات.
وتمنى أن يعقد مؤتمر دوري للثقافة المصرية والمثقفين المصريين، ويجمع المؤتمر ممثلين للهيئات للحكومية والأهلية والشخصيات العامة المعينة ويقدم فيه مجموعة من الدراسات وتشارك كل الهيئات فى الموضوع، ويتم وضع خطة تلتزم بها الهيئات لمواجهة المشكلة التى تتناولها الدورة، مؤكدا أن لا يوجد حاجة أكثر أهمية من مواجهة الفكر المتطرف والإرهابي، وأنه آن الأوان ليناقش المجلس فى أول اجتماع له الفكر المتطرف والإرهابى، لأنها قضية بالغة الأهمية وتحتاج لعدة مؤتمرات للتصدي لها.

منع كتب الشيعة!
وفي تعليقه على منع كتب الفقه الشيعي في معرض القاهرة للكتاب في دورته الأخية، قال الكاتب الكبير صلاح عيسى، “لقد أصبحنا فى عالم مفتوح لا حد له، ومطاردة الكتب والأفكار لا جدوى من ورائها، فكل هذه الكتب موجودة على الإنترنت”
وأضاف عيسى” ليس كل من يقرأ كتابا معناه أنه يتبنى أفكاره، بل ربما يقرأه ليتعرف على ما فيه حتى لا يفعله، وربما يقرأه من منطلق أن هذه هى أفكار الآخرين”.
وفيما يتعلق بما يفعله البعض من مطاردة الكتب والقيام بعمليات تفتيش، فإن ذلك “أمر غير قانونى ولا يحق لهم، لأنه فى مصر لا توجد رقابة على الكتب سواء قبل النشر أو بعده، ومن لديه مشكلة فى هذا الأمر فعليه أن يتوجه إلى القضاء، وهو الوحيد الذى من حقه أن يمنع الكتاب أو يبيحه”.
يذكر أن الراحل صلاح عيسي من مواليد 14 أكتوبر 1939 بإحدى قرى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية وعمل بجريدة الجمهورية أوائل السبعينيات من القرن الماضى، كما شارك فى تأسيس وإدارة عدد من الصحف والمجلات منها “الكتاب” و”الثقافة الوطنية” و”الأهالي” و”اليسار” و”القاهرة”.
كما أصدر الكاتب الراحل أول كتبه “الثورة العرابية” عام 1979 وأتبعه بعدد من أهم المؤلفات فى الأدب والتاريخ والفكر السياسى منها : “مثقفون وعسكر”، “دستور في صندوق القمامة”، “حكايات من دفتر الوطن”، ” تباريج جريح”، “رجال ريا وسكينة”، ” جلاد دنشواى”، ” شاعر تكدير الأمن العام” وغيرها.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة