قُراء بغداد .. “الحافظ خليل إسماعيل” عميد القراءة العراقية لـ”القرآن الكريم” الذي لم ينل ما يستحق من شهرة !

قُراء بغداد .. “الحافظ خليل إسماعيل” عميد القراءة العراقية لـ”القرآن الكريم” الذي لم ينل ما يستحق من شهرة !

وكالات – كتابات :

لم يكن صوتًا عابرًا أبدًا، فقد ترك آثاره في وجدان العراقيين لعقود طويلة، حين كان جهاز المذياع وسيلتهم للتعرف على العالم من حولهم، ثم انتقل بعد ذلك إلى التلفاز وأشرطة التسجيل، التي جعلت صوته جزءًا من الهوية العراقية الحديثة.

رافقهم في “رمضان” ومناسباتهم الدينية، وفي أحزانهم وذكرياتهم، فكان هذا الصوت الشجي عنوانًا لمرحلة من تاريخهم الشخصي، إنه “الحافظ خليل إسماعيل”؛ أشهر قُراء القرآن الكريم في “العراق”.. كما يقدمه الزميل “مروان الجبوري”، في صورة قلمية له نشرها موقع (الجزيرة. نت) القطري.

مدرسة القراءة العراقية وعميدها..

وقد أنجبت مدرسة القراءة العراقية العديد من الأسماء قديمًا وحديثًا، وكان من أبرز روادها: “مهدي العزاوي وسعيد حسين القلقالي ووليد الفلوجي وعبدالمعز شاكر” وغيرهم؛ لكن أهم هذه الأسماء، وربما عميدها هو: “الحافظ خليل إسماعيل العمر”، الذي يُلقبه البعض بشيخ القُراء العراقيين.

ولد المقريء “خليل إسماعيل العمر الجبوري”؛ عام 1920، في منطقة “سوق حمادة”؛ بجانب “الكرخ”، في “بغداد”، وتربى في بيئة دينية حببت إليه تعلم القرآن وتلاوته، ورغم فقدانه البصر منذ سن مبكرة؛ إلا أن ذلك لم يمنعه من مواصلة تعليمه، فتابع دراسته في مجال العلوم الشرعية في عدد من المساجد والمدارس.

واستقبلته إذاعة “بغداد”؛ عام 1941، ليكون ضيفًا دائمًا عليها، لما عرف عنه من حسن الصوت وجودة الأداء، ونال لقب “الحافظ”؛ عام 1942، حين أجرت الإذاعة اختبارًا للمُقرئين، من لجنة ضمت عددًا من العلماء الشرعيين، وممثلي “الأوقاف” و”وزارة العدل” و”قاضي بغداد” وآخرين، فحاز على اللقب لتميز قراءته، ومعرفته بالأحكام الدينية أيضًا.

ثم سافر لعدة بلدان عربية، وقرأ في جوامعها الكبيرة والمشهورة، كـ”المسجد الأقصى”؛ في “القدس”، وفي “مصر” و”الكويت”، واستطاع أن يُلفت أنظار العديد من القُراء، ومن بينهم القاريء المصري: “عبدالفتاح الشعشاعي”، الذي يُروى أنه قال عنه: “إني لم أطرب ولم أسمع مثل الشيخ المُقريء الحافظ خليل”.

جذور العلاقة بالمقام..

ومنذ أن قامت الحضارة في فجر تاريخ “بلاد الرافدين” نشأت الموسيقى، ورافقتها أنماط مختلفة من الإنشاد الديني المصحوب بآلات إيقاعية أو وترية طورًا، وبدونها طورًا آخر، وأدى كل ذلك إلى تطور أنساق معينة من الأداء الصوتي، عُرفت لاحقًا بالمُقام، انتعشت كثيرًا في العهد العباسي، ثم العثماني، وصولاً إلى العصر الحديث.

وتأثرت قراءة القرآن كثيرًا بالمقام العراقي، وبات القُراء يوظفون هذه المقامات في التلاوة والتجويد، ونشأت مدارس للقراءة عرفتها المدن العراقية، وخاصة: “بغداد والموصل وواسط”؛ إلا أنها ظلت حتى وقت قريب غير معروفة في العالم العربي إلا للمتخصصين.

ويقول عدد من النقاد الفنيين إن “الحافظ خليل” كان يُطوّع المقام لصوته ويأخذ بزمامه، وله طريقة فريدة في الانتقال بين الأنغام، حتى ينسى المستمع المختص أسماءها ويعجز عن تصنيفها خلال التلاوة، كما يؤكد ذلك قاريء المقام “مصطفى الزبيدي”.

ويُضيف أن “الحافظ خليل” قد تميز بصوت جهوري يمتلك مساحة عالية، لفتت الأنظار إلى صوته، وجعلت له مهابة وإجلالاً في المحافل التي يقرأ فيها، وهو ما جعل الكثيرين يقولون إنه كان يُرتل القرآن بطريقة “تصويرية” تؤثر في السامعين، بشكل يختلف عن الآخرين.

واستطاع بموهبته وأدائه وأسلوبه أن يُبدع في توظيف المقامات وسلسلتها من البداية حتى النهاية، ومن التحرير إلى التسليم – وفقًا لطريقة أداء المقام – بشكل منضبط وبما يلائم أحكام التلاوة، حتى قيل إنه قرأ خلال حياته أكثر من: 120 نغمًا ومقامًا خلال تلاوته للقرآن الكريم، وفقُا لـ”الزبيدي”.

توظيفه للمقام والنغم..

وعلى الصعيد الشخصي، اشتهر “الحافظ خليل” بأنه لم يكن يقرأ في المآتم أو المقابر، مما جعله مقدّرًا عند عامة الناس، ومقصدًا للشخصيات العامة، التي كانت تحضر إلى المساجد التي يجوّد فيها القرآن للاستماع إليه.

ولعمق الصلة بين أسلوب قراءة القرآن وفق الطريقة البغدادية وفن المقام، فقد لفت هذا الصوت العديد من الفنانين الكبار، ومن بينهم: الراحل “محمد القبانجي”، الذي وصف “الحافظ خليل” بأنه: “بستان الأنغام العراقية الأصيلة”.

ويرى الفنان “محمد سجاد الرفاعي”؛ أنه بالإضافة لتميز “الحافظ خليل” باستخدامه الواسع للمقامات العراقية في قراءة القرآن؛ بالقطع والأوصال كما يعرفها قُرّاء المقام، فإنه أدخل في قراءته مقامات ريفية لم تكن تُقرأ قبله، ورغم أنه كان يقرأ القرآن على طريقة المقام؛ لكنه كان ملتزمًا جدًا بأحكام التلاوة.

وقد اشتهر من قُراء “العراق”؛ قبل “الحافظ خليل”، 03 مشايخ، كانت لهم مدارسهم الخاصة، وهم: “الحافظ مهدي العزاوي”، و”عبدالفتاح معروف”، و”محمود عبدالوهاب”.

ثم أتى “الحافظ خليل” – وهو من مدرسة الشيخ “عبدالوهاب” – لكنه طور تلاوته، ومزج بين قراءة الأطوار الريفية، وحتى بعض الأنغام العربية خلال التلاوة.

وكان بالإضافة إلى ملكة الصوت، التي لديه، يتميز بحنجرة شجية ورخيمة، يُشبهها الكثيرون بحنجرة الفنان وقاريء المقام؛ “يوسف عمر”، وفق “الرفاعي”.

ويُشير الفنان “محمد سجاد” – الذي شارك مؤخرًا في مسابقة “عراق آي دول” الغنائية – إنه بالرغم أن “الحافظ خليل” قرأ في “القدس والكويت ومصر” ونال الكثير من الإعجاب والاهتمام؛ إلا أنه وسواه من المقرئين العراقيين لم يحوزوا شهرة واسعة في العالم العربي لسببين؛ الأول هو أنه لم تكن هناك عملية تسويق للقراءة العراقية، كما هو الحال مع الشعر وبقية الآداب والفنون العراقية الأخرى، التي لم تكن واسعة الانتشار في العالم العربي حتى وقت قريب.

أما السبب الثاني، فهو أن القراءة العراقية صعبة، ولا يُجيدها إلا من يُتقن المقام العراقي، فيما القراءة المصرية أكثر سهولة، وقريبة لطرق التلاوة والتجويد في معظم البلدان العربية، لذا انتشرت أكثر من غيرها، على حد قوله.

استمرت مسيرة “الحافظ خليل إسماعيل” في قراءة القرآن خلال عقود من الزمن، حتى حانت وفاته؛ في 05 تموز/يوليو عام 2000، وخرجت “بغداد” لتودعه، وسار في جنازته المئات من محبيه إلى مثواه في مقبرة “الكرخ”؛ (غرب بغداد)؛ لكن تلامذته ما زالوا يواصلون التعلم منه، ونشر تسجيلاته الصوتية عبر منصات التواصل الاجتماعي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة