خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (قبل وجه إلهك)، للكاتب الإيراني “مصطفى مستور”، ترجمة “أحمد عاطف”، إصدار المركز القومي للترجمة.. تتناول فكرة الشك في وجود الله، وتقدم المبررات المنطقية والعقلية للشك في وجوده من خلال بطل الرواية، لكنها في النهاية تنقلب إلى الإيمان به وكأنها كانت تقدم الشك كمقدمة لتأكيد الإعتقاد في وجوده.
الشخصيات..
البطل: “يونس فردوس”، طالب يدرس لنيل شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع.. ويختار موضوعاً شائكاً لرسالته، رغم إيمانه الشديد يبدأ يشك في وجود الله ويتأمل العالم من حوله بهذه النظرة الجديدة.
“سايا”: خطيبة “يونس”.. يوشك على الزواج منها، لكنها حين تشعر بموقفه من الله تتراجع عن حبها له.
“علي رضا”: صديق لـ”يونس”.. يؤمن بوجود الله بمنطق هادئ، حين يحتاجونه يلجئون إليه ليفك تشابك أفكارهم وتعقيداتها لما له من منطق وقدرة على الحديث بشكل مترابط ومتماسك.
“مهرداد”: صديق لـ”يونس”.. عاش في أميركا بعد تخرجه من الجامعة، وتزوج من امرأة أميركية تدعى “غوليا” لكن هاجمها مرض السرطان وأصبحت قريبة من الموت.
“محسن بارسا”: باحث في الفيزياء، وأستاذ جامعي ملتزم ومنظم وبارع في عمله.. في منتصف الثلاثينات من عمره ينتحر، حيث يرمي بنفسه من شرفة أحد المباني العالية دونما سبب معروف، ويهتم “يونس” بدراسة موته من وجهة النظر الاجتماعية، وتكون رسالته للدكتوراه تفسير إنتحاره اجتماعيا ويظل يفتش عن سبب موته.
“مهتاب”: فتاة كان يدرس لها “محسن بارسا”.. ثم يقع في غرامها ويعشقها عشقاً كبيراً يفوق الوصف.
الراوي..
هو بطل الرواية “يونس فردوس”، يستخدم ضمير المتكلم في الحكي، وتحكى الرواية من وجهة نظره هو، يتناول الشخصيات من خلال تعامله معها أو من خلال تقصيه عنها ومن خلال المعلومات التي يجمعها.
السرد..
إيقاع السرد هادئ، الرواية قصيرة تدور في 173 صفحة من القطع المتوسط، يهتم الكاتب بوصف المكان من حوله وبوصف الأحداث العرضية والناس الذين يحيطون به، التشويق يتركز في حكاية إنتحار”محسن بارسا”، لكن الكاتب لا يفرط في جرعة التشويق لأنه يستهدف طرح أفكار فلسفية أكثر من التركيز على الغموض والمفاجآت.
هل الله موجود ؟
يتساءل “يونس” في بداية الرواية هذا السؤال المتكرر، “هل الله موجود ؟”.. ويقدم البراهين المنطقية على تشككه في وجوده، إذا كان موجوداً فكيف تدور كل تلك المجازر والحروب في العالم ؟.. وكيف يعاني الفقراء ويتعذبون ؟.. ويموتون موتات شنيعة أو يعيشون طوال حياتهم في معاناة وذل، وإذا كان موجوداً كيف يصاب الناس بأمراض شتى خطيرة ومزمنة تتغذى على أجسادهم دون أن يعرفوا سبباً منطقياً لإصابتهم بتلك الأمراض المميتة، لا يقدم البطل شرحاً لبداية شكه في وجود لله، لكننا نفهم من حواره مع صديقه “مهرداد” أنه كان متديناً شديد التدين أثناء مراهقته وشبابه وفور تخرجه من الجامعة، لذا يندهش “مهرداد” من فكره الجديد وشكه في وجود الله.
لكن “مهرداد” نفسه يطاله هذا الشك، بعد أن تصاب زوجته “غوليا” بمرض السرطان، ويقول الأطباء لهما أنها توشك على الموت، فتتخبط “غوليا” في أفكارها وتبدأ تشك في عدالة هذا العالم، وفي رحمة الله الذي يتركها تموت بمرض خطير دون ذنب فعلته، لكن الكاتب لا يترك الشك في وجود الله يطول في روايته، بل يقدم وجهة النظر الأخرى من خلال “سايا” خطيبة البطل، “يونس”، وصديقه “علي رضا”، فـ”سايا” تحضر رسالة ماجستير عن “النبي موسى” وحديثه مع الله، وتظل تناقشه فيها مقتنعة تماماً في معجزة موسى، كما أن “علي رضا” يقدم فهماً لإيمانه بالله، فهو يقتنع أن الإيمان بالله هو الذي يحدد تأثيره علينا فقوة إيماننا بالله هي التي تجعله إلهاً قوياً ومتحكماً في حياتنا نحو الأفضل، أما فقدان الإيمان بالله هو الذي يجعله غير موجود رغم أنه يقر أنه موجود في كل الأحوال، لكن الإيمان به شرطاً أساسياً.
ثم تنتهي الرواية بإقتناع “يونس” بأن الله موجود في مظاهر كثيرة وبسيطة في حياتنا، في وجوه الفقراء والمحتاجين وفي تسليمهم بالحياة، وفي براءة الأطفال وصخبهم وضحكهم الخالي من الهموم وفي أشياء أخرى كثيرة يفندها في الرواية.
العشق قد يقتل..
يظل “يونس فردوس” يبحث عن سبب إنتحار “محسن برسا” في الرواية، لأنه يريد أن يفرغ من رسالة الدكتوراه ليتزوج من “سايا” تنفيذاً لشرط والدها، ويكتشف بعد بحث ومجهود أن “محسن برسا” كان عاشقاً، وأنه أختبر عشقاً روحياً عذباً غرق فيه تماماً، وأفقده نظامه الصارم الذي عاشه طوال حياته، فحين رأى “مهتاب” عرف أنه وجد معشوقته وظل يتطور داخله هذا العشق لدرجة أنه كان ينتشي لسماع نبرات صوتها حتى دون أن يفسر الكلمات، ويتلذذ برؤيتها دون أن يلمسها، وضمن الكاتب في الرواية نصوص عذبه عن العشق، هذه النصوص عبارة عن جزء من يوميات “برسا” قبل انتحاره، ثم يكتشف الراوي أن “برسا”اختار مبنى قريب من بيت محبوبته لينتحر منه، والتي حزنت كثيرا بسبب انتحاره وساءت حالتها الصحية.
يفسر “علي رضا” الذي استعان به “يونس” في رحلة بحثه عن لغز” برسا” أن انتحار “برسا” كان بسبب أن العشق كان أقوى منه، ولم يفهمه أو يستطيع التحكم فيه لذا فقد قتله العشق القوي، الذي أفقده منطقه وعقله وميله إلى دراسة كل شيء وفق قوانين علمية.
الرواية بسيطة سلسة تتناول أفكارا فلسفية ببساطة ويسر، تعتمد على مخاطبة الوجدان بالإضافة إلى مخاطبة العقل، فهي بدأت في نفي فكرة وجود الله عقليا لكنها انتهت إلى إثبات وجوده اعتمادا على الإحساس والمشاعر والإيمان الفطري.
الكاتب..
“مصطفى مستور” كاتب إيراني، ولد في 1964 في مدينة الأهواز غرب إيران، وهو مهندس وحائز أيضا على شهادة الماجستير في الأدب الفارسي، خاض عالم الكتابة 1990 وظهرت له أعمال عديدة في التأليف والترجمة، وقد حاز على عدة جوائز أدبية، أبرز إنتاجه رواية ” قبل وجه إلهك” التي أعيد طبعها سبع مرات في أربعة أعوام، وتم اختيارها كأفضل رواية لنيل جائزة القلم الذهبي، من أعماله الأخرى: الحب على الأرصفة ، مجموعة قصصية 1996 ، وكتاب مرتكزات القصة القصيرة 2000 ، والفاصلة وقصص أخرى ترجمة قصص كارفر 2001 ،ورواية عظام الخنزير والأيدي المجذومة.