قطايف رمضانية.. “فرن الكنافة” !

قطايف رمضانية.. “فرن الكنافة” !

خاص : بقلم – إلهامي الميرغني* :

*باحث اقتصادي وكاتب صحافي

02 – فرن الكنافة..

زمان كانت رؤية هلال “رمضان” إشارة نتأكد منها لما؛ الحاج “محمد أبولمونة”؛ مستشار الترفيه في شارعنا، يبدأ بناء “فرن الكنافة”. “أبولمونة”؛ كان زي “تركي الشيخ”؛ مسؤول الترفيه، فهو يملك فرقة موسيقية لإحياء الأفراح والليالي الملاح؛ وكم مرة عاد بهم الميكروباص من فرح ليبدأو توزيع النقوط ويبدأ الشجار وتعلوا الأصوات؛ فنندفع إلى البلكونة لمشاهدة الأحداث والمطاوي المفتوحة والسباب المعتبرة؛ وفي النهاية الكل يتراضى ويأتون بزجاجة “روم رأس العبد” يقربعوها مع بعض عربون محبة. وكذلك كان “أبولمونة” يملك سيرك شعبي يجول به الموالد، وشاء القدر أنه كان في أحد الموالد في “قنا”؛ وجاء سيل غرق المولد ومات مسؤول الترفيه في شارعنا وفقدنا معه الكثير من مباهج الحياة.

إضافة إلى ذلك يقيم مصنع لحلوى المولد النبوي الشريف يبيعها في قرى “المنيا”، وفي رمضان يأتي تحت بيتنا ويبني “فرن كنافة” دائري من الطوب اللبن والطين على شكل دائرة؛ يوضع فوقها صينية الكنافة ويطلى من الخارج بالجير الأبيض وفي وسط الفرن يوضع موقد يعمل بالكيروسين؛ وهو الذي يسخن الصينية لتسوية الكنافة. ثم يحضر حمالة خشب يوضع فوقها ماجور العجين ويغطيه بالقماش لكي لا يجف ومعه مغرفة يعبيء بها كوز نحاس به صف من الخروم المتساوية البارزة في المنتصف ينساب منه العجين على الصينية، ويقوم الصنايعي بتحريك يده حركة دائرية لتمتليء الصينية وينتظر لنضج الكنافة ثم يسحبها بانسيابية ويفرشها على طاولة خشبية بجواره ويغطيها لكي لا تجف. وبجوار فرن الكنافة يوجد فرن آخر لعمل القطايف عبارة عن صندوق سطحه من الصاج وأسفله أيضًا موقد كيروسين ومغرفة أو “كبشة” لتعبئة الكوز بالعجين شبه السائل.

ويختلف كوز القطايف عن كوز الكنافة؛ لأنه يحوي فتحة واحدة يسدها الصنايعي بأصبعه ويتحرك بها؛ وكلما رفع أصبعة نزل العجين وفرش ليصنع أحلى “قطايف” في عصور ما قبل الميكنة وعصور ما قبل “الكريب”.

كانت “الكنافة” الرمضانية تُصنع في هذه الأفران البلدية التي تنتشر في شوارع وحواري المدينة يتم بنائها عقب ثبوت رؤية هلال رمضان؛ ويتم هدم الفرن بعد إعلان ظهور هلال عيد الفطر. الحقيقة متعة مشاهدة صنع الكنافة والقطايف البلدي كانت طقس نراقبه ونسعد به. وإذا نزلنا لشراء بعض طلبات المنزل نتلكع (نتلكأ)؛ في العودة لنقف نتأمل صنع الكنافة والقطايف. أعتقد أن الأجيال الجديدة فقدت هذه المتعة، فالأفران الآلية رغم أنها أكثر نظافة وتُنتج كنافة شعر، إلا إنني أفتقد لكنافة وقطايف “أبولمونة” واحتفال إقامة الفرن ثم احتفال هدم الفرن.

كان “فرن الكنافة” يسد باب ورشة الحج “محمد المربع” للخراطة؛ لأن لها بابين الأول علي شارع “محمود عبدالرازق”؛ والثاني على شارع “الوابور”، ولكني لم أشهد تزمر من “المربع”؛ لأنه موسم وربنا يوسع أرزاق الناس كلها. كانت هناك قيم تسامح ومحبة متبادلة. وعلاقات الجيران متشابكة؛ وفي رمضان يتم تبادل أطباق الحلوى والأصناف المميزة ما بين سيدات الشارع والجيران. لذلك كان لرمضان في “المنيا” طعم مختلف. ولقد حرصت لسنوات طويلة بعد مغادرة “المنيا” أن أقضي الأسبوع الأخير من رمضان في “المنيا”، ومرة سألني أبويا؛ الله يرحمه؛ “أنت شكلك بتيجي تحج عندنا”. قلت له: “أنا مش بأحس بطعم وروح رمضان إلا وأنا بأفطر معاكم”.

رحم الله أبي وأمي وكل الآباء والأمهات؛ الذين غادور عالمنا لمكان أفضل؛ وأطال الله في أعمار كل الآباء والأمهات صناع البهجة ولمة العيلة. وألف رحمة ونور لعم “محمد أبولمونة”؛ مستشار الترفيه في شارعنا وحتتنا.

ورمضان كريم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة