13 نوفمبر، 2024 5:12 م
Search
Close this search box.

قصة قصيرة.. “الظن”

قصة قصيرة.. “الظن”

بقلم: أمين الساطي

نظر إلى ساعته وهو يشعر بالملل، فالوقت يمر ببطء شديد، إنها الرابعة بعد الظهر، وما زال أمامه تدريس حصة الرياضيات الحديثة لطلاب البكالوريا، لينتهي دوام هذا اليوم.

لقد لاحظ مؤخراً أن جميع من حوله يحاولون الإيقاع به، ما أدى إلى فقدانه الثقة بالناس والريبة منهم. منذ أسبوع بينما كان يسير على الرصيف عائداً إلى منزله اصطدم به شخص قصير يلبس بدلة سوداء، ما كاد ينسى الموضوع حتى اصطدم به البارحة الشخص نفسه وهو يقطع الشارع، خطر له أنه ربما تكون هذه الحادثة البسيطة جزءاً من مخطط كبير يجري حوله.

إن سير الأحداث في الآونة الأخيرة، يشبه فيلماً سينمائياً كان قد شاهده منذ قرابة سنتين، وفيه تشعل الحكومة الخفية التي تحكم العالم حرباً إقليمية صغيرة لتمرير بعض مصالحها الاقتصادية، لم يستطع أن يبوح بهذا السر الذي يأكله من الداخل لأي شخص من معارفه، لكيلا يتهموه بالجنون، وأنه متأثر بالوهم تجاه فكرة المؤامرة الدولية، إضافة إلى أن هذا الشخص من المحتمل أن يكون عميلاً للحكومة الخفية.

تفكيره الفوضوي قاده إلى الشعور بأنه مراقب من هذه الحكومة، فالكاميرات موجودة في كل زاوية، وتغطي الشوارع والمحال وحتى وسائل النقل. هاتفه الجوال يبث باستمرار إلى الشبكة العامة مكان وجوده ويحصي تنقلاته، حتى إن جواله يتآمر عليه، ويرسل إلى المراكز المختصة جميع رسائله على المسنجر والواتس آب.

دخل إلى حصة الرياضيات وحوّلها إلى محاضرة طويلة فضح فيها الحكومة الخفية التي تحكم العالم، وتسيطر على عقول أفراده، وتسيّرهم في الطريق الذي تراه يناسب مصالحها، محاولاً أن يكشف لطلاب الصف حقيقة ما يجري حولهم.

خرج من المدرسة متجهاً إلى بيته، الشمس قد غاصت تحت الأفق تاركةً ظلالاً طويلة للأبنية على الشارع الممتد أمامه، شعر بأن الوقت ينفد منه، لا شك أن سرّه الآن قد وصل إلى المسؤولين.

وصل إلى بيته، وجلس في البلكونة الصغيرة، يحملق في المدينة الساكنة أمامه، متأملاً خطوته التالية، هاتفه الجوال الذكي يرن باستمرار، لكن لم تكن عنده الجرأة ليردّ على هذه المكالمات.

الساعة الثامنة، إن وزن محاضرته يضغط عليه الآن، لكن ما كان باستطاعته أن يستمر في المساومات والمناورات اللاأخلاقية، كان لا بدّ له من أن ينفجر. بقلب حزين مكسور أخذ قراره، بأن عليه أن يستسلم، لأنه ببساطة لا يستطيع الهروب أكثر من ذلك.

في تلك اللحظة سمع صوت سيارة الإسعاف، وهي تتوقف أمام مدخل عمارته، لقد جاء معها شرطيان لينقلاه إلى مستشفى الأمراض العقلية لمعالجته من الانهيار العصبي.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة