14 نوفمبر، 2024 10:29 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (97) تأثر أشهر الفلاسفة في فرنسا بالفلسفة الصينية

قصة الحضارة (97) تأثر أشهر الفلاسفة في فرنسا بالفلسفة الصينية

خاص: قراءة- سماح عادل

يتناول الكتاب حقيقة هامة، وهي اطلاع الفلاسفة الغربيين علي الفلسفة الصينية، وخاصة الفلاسفة في فرنسا، وتأثر بعض من الغربيين بالحضارة والفلسفة الصينية القديمة. مما قد يثير التساؤلات في أذهاننا حول مدي تأثر الفلاسفة الغربيين الذين اطلعوا علي الفلسفة الصينية القديمة، وما مقدار الاقتباس أو اخذ بعض الأفكار والمبادئ من الفلسفة الصينية ووضعها في فلسفاتهم الشهيرة. وذلك في الحلقة السابعة والتسعين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

“جونج- دزه” والموت..

يكمل الكتاب عن الفيلسوف “جونج- دزه” ورؤيته للموت: “وليس الموت في رأيه إلا تغيرا في الصورة، وقد يكون تغيرا من حال إلى حال أحسن منها:

“مرض تزه- لاي حتى أصبح طريح الفراش يلفظ آخر أنفاسه، ووقف من حوله زوجه وأبناؤه يبكون. وذهب لي يسأل عنه فلما أقبل عليهم قال لهم: “اسكتوا وتنحوا عن الطريق! ولا تقلقوه في حركة تبدله”. ثم اتكأ على الباب وتحدث إلى (الرجل المحتضر). فقال له تزه- لاي: “إن صلة الإنسان بالين واليانج أقوى من صلته بأبويه. فإذا كانا يتعجلان موتي وأعصي أنا أمرهما فإني أعد حينئذ عاقا شرسا.

هنالك “كتلة الطبيعة العظمى” التي تجعلني أحمل هذا الجسم، وأكافح في هذه الحياة، وتهد قواي في سن الشيخوخة، ثم أستريح بالموت. وإذن فذلك الذي يعنى بمولدي هو الذي يعنى بوفاتي. فهاهو ذا صاهر يصب المعادن. فإذا كان المعدن الذي يتأرجح أثناء صبه يناديه.

“يجب أن أكون مويه (سيفا قديما مشهورا) فإن الصاهر العظيم يعد هذا المعدن معدنا خبيثا بلا ريب. وذلك أيضا شأن الإنسان، فإذا ما أصر أن يكون إنساناً ولا شيء غير إنسان، لأنه في يوم من الأيام قد تشكل في صورة الإنسان، إذا فعل هذا فإن من بيده تصوير الأشياء وتشكيلها سيعده بلا ريب مخلوقا خبيثا. وإذن فلننظر إلى السماء والأرض نظرتنا إلى مصهر عظيم، ولننظر إلى مبدل الأشياء نظرتنا إلى صاهر عظيم؛ فهل لا نكون في مكاننا الحق أينما ذهبنا؟ إن السكون هو نومنا والهدوء هو يقظتنا”.

ولما تصرم أجل جونج نفسه أعد أتباعه له جنازة فخمة ولكنه نهاهم عن ذلك وقال لهم: “أليس موكب جنازتي معدا إذا كانت السماء والأرض تابوتي وغطائي، والشمس والقمر والنجوم شعائري، والخلائق كلها تشيعني إلى قبري؟” ولما عارض أتباعه في هذا، وقالوا إنه إن لم يدفن أكلت طيور الهواء الجارحة لحمه، رد عليهم جونج بقوله: “سأكون فوق الأرض طعاما للحِدَأ، وسأكون تحتها طعاما لصراصير الطين والنمل فلم تحرمون بعضها طعامها لتقدموه للبعض الآخر؟”.

الفلسفة الصينية..

ويجمل الكتاب عن فلاسفة الصين: “البعض رجع إلى أن علم فلاسفة الصين الأقدمين هو أثمن تراث خلفته تلك البلاد للعالم. ومن الدلائل القوية على قدر هذه الفلسفة أن ليبنتز صاحب العقل العالمي الواسع، قام من زمن بعيد في عام 1697، بعد أن درس الفلسفة الصينية، ينادي بضرورة تطعيم فلسفة الشرق والغرب كلتيهما بالأخرى وعبر عن رأيه هذا بألفاظ ستظل محتفظة بقيمتها في كل عصر ولكل جيل:

“إن الأحوال السائدة بيننا وما استشرى في الأرض من فساد طويل العهد تكاد كلها تحملني على الاعتقاد بأن الواجب أن يرسل إلينا مبشرون صينيون ليعلمونا أساليب الأديان القومية وأهدافها. ذلك بأني أعتقد أنه لو عين رجل حكيم قاضيا. ليحكم أي الشعوب أفضل أخلاقا من سواها، لما تردد في الحكم للصين بالأسبقية في هذا المضمار”. وقد طلب ليبنتز إلى بطرس الأكبر أن ينشأ طريقا بريا للصين، ودعا إلى إنشاء جمعيات في موسكو وبرلين “لارتياد الصين وتبادل المدينتين الصينية والأوربية”. وفي عام 1721 بذل كرستيان ولف مجهودا آخر في هذا السبيل وذلك بما ألقاه من محاضرات في جامعة هال “عن فلسفة الصينيين العملية”، واتهمه ولاة الأمور بالإلحاد وفصلوه من منصبه، فلما أن جلس فردرك الأكبر على عرش بروسيا دعاه إليها ورد إليه اعتباره”.

تأثر الغرب بالفلسفة الصينية..

ويتابع الكتاب عن تأثر الغرب بالفلسفة الصينية: “وجاء عصر الاستنارة في فرنسا فعني بالفلسفة الصينية كما عني بتنسيق الحدائق الفرنسية على نمط الحدائق الصينية وتزيين المنازل بالنقوش والأدوات الصينية. ويلوح أن الفلاسفة الاقتصاديين الطبيعيين (الفزيوقراطيين) قد تأثروا بآراء لو- دزه، وجونج- دزه في نظرية “التخلي” وترك الأمور تجري في مجراها، وهي النظرية الاقتصادية التي يقولون بها ويدعون إليها.

ولقد كان روسو يتحدث في بغض الأحيان كما يتحدث المعلم القديم وإنا لنتبين صلة وثيقة بينه وبين لو- دزه وجونج، ولو أن كنفوشيوس ومنشيس قد وهبا ملكة الفكاهة لكانت الصلة وثيقة بينهما وبين فلتير. وفي هذا يقول فلتير نفسه: “لقد قرأت كتب كنفوشيوس بعناية، واقتبست فقرات منها ولم أجد إلا أنقى المبادئ الخلقية التي لا تشوبها أقل شائبة من الشعوذة” . وقد كتب جيته في عام 1770 يقول إنه اعتزم أن يقرأ كتب الصين الفلسفية القديمة، ولما دوت مدافع نصف العالم في ليبزج بعد ثلاثة وأربعين عاما من ذلك الوقت لم يلتفت إليها الحكيم الشيخ لأنه كان منهمكا في دراسة الآداب الصينية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة