14 سبتمبر، 2024 5:14 ص
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (90): “كنفوشيوس” سعي إلى إصلاح حال شعبه ونشر السلام

قصة الحضارة (90): “كنفوشيوس” سعي إلى إصلاح حال شعبه ونشر السلام

خاص: قراءة- سماح عادل

تتبع الكتاب حياة “كنفوشيوس” والذي اختلف عن الفيلسوف الذي سبقه في أنه كان يسعى إلى الإصلاح، ونشر السلام ومناهضة الخراب والفوضى. وذلك في الحلقة التسعين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

وحشية الظلم..

يواصل الكتاب الحكي عن الفيلسوف الصيني الشهير “كنفوشيوس”: “وكان من بين تلاميذه أبناء هانج هِي، أحد وزراء دوق لو، وقد وصل “كنفوشيوس” عن طريقهم إلى بلاط ملوك جو في لو- يانج، ولكنه ظل بعيداً بعض البعد عن موظفي البلاط، وآثر على الاقتراب منهم زيارة الحكيم لو- دزه وهو على فراش الموت كما سبق القول. فلما عاد إلى لو وجدها مضطربة ممزقة الأوصال بما قام فيها من نزاع وشقاق، فانتقل منها إلى ولاية تشي المجاورة لها ومعه طائفة من تلاميذه مخترقين في طريقهم إليها مسالك جبلية وعرة مهجورة.

ولشد ما كانت دهشتهم حين أبصروا في هذه القفار عجوزا تبكي بجوار أحد القبور. فأرسل إليها كنفوشيوس تسه- لو يسألها عن سبب بكائها وحزنها، فأجابته قائلة: “إن والد زوجي قد فتك به نمر في هذا المكان، ثم ثنى النمر بزوجي، وهاهو ذا ولدي قد لاقى هذا المصير نفسه”. ولما سألها كنفوشيوس عن سبب إصرارها على الإقامة في هذا المكان الخطر، أجابته قائلة: “ليس في هذا المكان حكومة ظالمة”. فالتفت كنفوشيوس إلى طلابه وقال لهم: “أي أبنائي اذكروا قولها هذا؛ إن الحكومة الظالمة أشد وحشية من النمر””.

الحكومة الصالحة..

وعن رأي “كنفوشيوس” في الحكومة العادلة: “ومثل “كنفوشيوس” بين يدي دوق تشي وسر الدوق من جوابه حين سأله عن ماهية الحكومة الصالحة: “توجد الحكومة الصالحة حيث يكون الأمير أميرا، والوزير وزيرا، والأب أبا والابن ابنا”، وعرض عليه الدوق نظير تأييده إياه خراج مدينة لن – شيو، ولكن كنفوشيوس رفض الهبة وأجابه بأنه لم يفعل شيئا يستحق عليه هذا الجزاء. وأراد الدوق أن يحتفظ به في بلاطه وأن يجعله مستشارا له، ولكن جان ينج كبير وزرائه أقنعه بالعدول عن رأيه وقال له: “إن هؤلاء العلماء رجال غير عمليين لا يستطاع تقليدهم؛ وهم متغطرسون مغرورون بآرائهم، لا يقنعون بما يعطى لهم من مراكز متواضعة. وللسيد كونج هذا من الخصائص ما يبلغ الألف عداً. ولو أردنا أن نلم بكل ما يعرفه عن مراسم الصعود والنزول لتطلب منا ذلك أجيالاً طوالاً”. ولم يثمر هذا اللقاء ثمرة ما، وعاد كنفوشيوس على أثره إلى لو وظل يعلم تلاميذه فيها خمسة عشر عاما أخرى قبل أن يستدعى ليتولى منصبا عاما في الدولة”.

كبير القضاة..

ويتتبع الكتاب حياة “كنفوشيوس”: “وواتته الفرصة حين عُيّن في أواخر القرن السادس قبل الميلاد كبير القضاة في مدينة جونج- دو. وتقول الرواية الصينية إن المدينة في أيامه قد اجتاحتها موجة جارفة من الشرف والأمانة، فكان إذا سقط شيء في الطريق بقي حيث هو أو أعيد إلى صاحبه. ولما رقاه الدوق دنج دوق لو إلى منصب نائب وزير الأشغال العامة شرع في مسح أرض الدولة وأدخل إصلاحات جمة في الشئون الزراعية، ويقال أنه لما رقي بعدئذ وزير للجرائم كان مجرد وجوده في هذا المنصب كافيا لقطع دابر الجريمة.

وفي ذلك تقول السجلات الصينية: “لقد استحت الخيانة واستحى الفساد أن يطلا برأسيهما واختفيا، وأصبح الوفاء والإخلاص شيمة الرجال، كما أصبح العفاف ودماثة الخلق شيمة النساء. وجاء الأجانب زرافات من الولايات الأخرى، وأصبح كنفوشيوس معبود الشعب” إن في هذا الإطراء من المبالغة ما يجعله موضع الشك، وسواء كان خليقاً به أو لم يكن فإنه كان أرقى من أن يعمر طويلاً.”.

مكيدة..

وعن محاولات إفساد ما يفعله “كنفوشيوس” من صلاح في المجتمع: ” وما من شك في أن المجرمين قد أخذوا يأتمرون بالمعلم الكبير ويدبرون المكائد للإيقاع به. ويقول المؤرخ الصيني: إن الولايات القريبة من “لو” دب فيها دبيب الحسد وخشيت على نفسها من قوة “لو” الناهضة. ودبر وزير ماكر من وزراء تشي مكيدة ليفرق بها بين دوق “لو” وكنفوشيوس، فأشار على دوق تشي بأن يبعث إلى تنج بسرب من حسان “الفتيات المغنيات” وبمائة وعشرين جوادا تفوق الفتيات جمالا.

وأسرت البنات والخيل قلب الدوق فغفل عن نصيحة كنفوشيوس، وكان قد علمه أن المبدأ الأول من مبادئ الحكم الصالح هو القدوة الصالحة، فأعرض عن وزرائه وأهمل شئون الدولة إهمالا معيبا. وقال دزه- لو لكنفوشيوس: “أيها المعلم لقد آن لك أن ترحل”. واستقال كنفوشيوس من منصبه وهو كاره، وغادر لو، وبدأ عهد تجوال وتشرد دام ثلاثة عشر عاما وقال فيما بعد “إنه لم ير قط إنسانا يحب الفضيلة بقدر ما يحب الجمال”. والحق أن من أغلاط الطبيعة التي لا تغتفر لها أن الفضيلة والجمال كثيرا ما يأتيان منفصلين لا مجتمعين”.

مغضوب عليه..

ويضيف الكتاب عن مصير كنفوشيوس: “وأصبح المعلم وعدد قليل من مريديه المخلصين مغضوبا عليهم في وطنهم، فأخذوا يتنقلون من إقليم إلى إقليم، يلقون في بعضها مجاملة وترحابا، ويتعرضون في بعضها الآخر لضروب من الحرمان والأذى. وهاجمهم الرعاع مرتين، وكادوا في يوم من الأيام يموتون جوعا، وبرح بهم ألم الجوع حتى شرع تزه- لو نفسه يتذمر ويقول إن حالهم لا تليق “بالإنسان الراقي”. وعرض دوق وى على كنفوشيوس أن يوليه رئاسة حكومته، ولكن كنفوشيوس رفض هذا العرض، لأنه لم تعجبه مبادئ الدوق.

وبينما كانت هذه الفئة الصغيرة في يوم من الأيام تجوس خلال تشي إذ التقت بشيخين عافت نفسهما مفاسد ذلك العهد، فاعتزلا الشئون العامة كما اعتزلها لو-دزه، وآثرا عليها الحياة الزراعية البعيدة عن جلبة الحياة العامة. وعرف أحد الشيخين كنفوشيوس، ولام تْزَه- لو، على سيره في ركابه، وقال له: “إن الاضطراب يجتاح البلاد اجتياح السيل الجارف، ومن ذا الذي يستطيع أن يبدل لكم هذه الحال؟ أليس خيرا لكم أن تتبعوا أولئك الذين يعتزلون العالم كله، بدل أن تتبعوا ذلك الذي يخرج من ولاية إلى ولاية؟”. وفكر كنفوشيوس في هذا اللوم طويلا ولكنه لم يفقد رجاءه في أن تتيح له ولاية من الولايات فرصة يتزعم فيها حركة الإصلاح والسلم”.

عزلة أدبية..

ولقد قضى حياته في عزلة: “ولما بلغ كنفوشيوس التاسعة والستين من عمره جلس دوق جيه آخر الأمر على عرش لو وأرسل ثلاثة من موظفيه إلى الفيلسوف يحملون إليه ما يليق من الهدايا بمقامه العظيم، ويدعونه أن يعود إلى موطنه. وقضى كنفوشيوس الأعوام الخمسة الباقية من حياته يعيش معيشة بسيطة معززاً مكرماً، وكثيرا ما كان يتردد عليه زعماء لو يستنصحونه، ولكنه أحسن كل الإحسان بأن قضى معظم وقته في عزلة أدبية منصرفاً إلى أنسب الأعمال وأحبها إليه وهو نشر روائع الكتب الصينية وكتابة تاريخ الصينيين.

ولما سأل دوق شي تْزَه- لو عن أستاذه ولم يجبه هذا عن سؤاله، وبلغ ذلك الخبر مسامع كنفوشيوس، قال له: ” لِمَ لم تجبه بأنه ليس إلا رجلاً ينسيه حرصه على طلب العلم الطعام والشراب، وتنسيه لذة طلبه أحزانه، وبأنه لا يدرك أن الشيخوخة مقبلة عليه” وكان يسلي نفسه في وحدته بالشعر والفلسفة، ويسره أن غرائزه تتفق وقتئذ مع عقله، ومن أقواله في ذلك الوقت: “لقد كنت في الخامسة عشرة من عمري مكباً على العلم، وفي الثلاثين وقفت ثابتاً لا أتزعزع، وفي سن الأربعين زالت عني شكوكي، وفي الخمسين من عمري عرفت أوامر السماء، وفي الستين كانت أذني عضوا طيعا لتلك الحقيقة، وفي السبعين كان في وسعي أن أطيع ما يهواه قلبي دون أن يؤدي بي ذلك إلى تنكب طريق الصواب والعدل”.

موت كنفوشيوس..

ويتابع الكتاب عن موت ذلك الفليسوف الشهير: “ومات كنفوشيوس في الثانية والسبعين من عمره، وسمعه بعضهم يوما من الأيام يغني في الصباح الباكر تلك الأغنية الحزينة:

سيدك الجبل الشاهق دكا،

وتتحطم الكتلة القوية،

ويذبل الرجل الحكيم كما يذبل النبات.

ولما أقبل عليه تلميذه تْزَه- كونج قال له: “لن يقوم في البلاد ملك

ذكي أريب؛ وليس في الإمبراطورية رجل يستطيع أن يتخذني معلماً له. لقد تصرم أجلي وحان يومي”.

ثم آوى إلى فراشه ومات بعد سبعة أيام من ذلك اليوم. وواراه تلاميذه التراب باحتفال مهيب جدير بما تنطوي عليه قلوبهم من حب له وجلال، وأحاطوا قبره بأكواخ لهم أقاموا فيها ثلاث سنين يبكونه كما يبكي الأبناء آباءهم. وبعد أن مضت هذه المدة غادروا جميعا أكواخهم إلاّ تْزَه- كونج، وكان حبه إياه يفوق حبهم جميعا، فبقي بجوار قبر أستاذه ثلاث سنين أخرى واجما حزينا تتشعبه الهموم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة