21 سبتمبر، 2024 2:32 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (85): كتب الصينيون الشعر العذب منذ أقدم العصور

قصة الحضارة (85): كتب الصينيون الشعر العذب منذ أقدم العصور

خاص: قراءة- سماح عادل

يقدم الكتاب نماذج من الشعر الصيني العذب الذي كتبه المبدعون في زمن عتيق في الحضارة الصينية القديمة. وذلك في الحلقة الخامسة والثمانين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
فساد الطبقة العليا..
يكمل الكتاب الحكي عن النظام الإقطاعي في الحضارة الصينية القديمة: “ولما كان الشر المستطير قد يجد له مكانا حتى في أكمل الدساتير، فقد كان تاريخ الصين السياسي هو التاريخ المألوف الذي يتناوبه الفساد الطويل وفترات الإصلاح القصيرة. ذلك أن الثروة حين زادت أدت إلى الإسراف والترف فأفسدا الطبقة العليا، كما غص بلاد الأباطرة وغصت فيما بعد لويانج عاصمة الدولة بالموسيقيين والقتلة والسفاحين والسراري والفلاسفة. وقلما كانت تمضي عشر سنين دون أن يهاجم فيها الدولة الجديدة البرابرة الجياع الذين لم ينقطعوا يوما ما عن الضغط على حدودها، حتى أضحت الحرب أولا ضرورة لا بد منها للدفاع، ثم صارت بعد قليل حرب هجوم واعتداء، وتدرجت من ألعاب يتسلى بها الأعيان إلى مسابقات في التقتيل بين عامة الشعب، يطاح فيها بعشرات الآلاف من الرؤوس، فلم يمض إلا قرنان من الزمان أو أكثر منهما بقليل حتى قتل من الملوك ستة وثلاثون، وعمت البلاد الفوضى، ويئس الحكام من إصلاح الأمور.
وظلت الحياة تتعثر في طريقها متخطية هذه العقبات القديمة فكان الفلاح يزرع ويحصد لنفسه في أحيان قليلة وللنبلاء الإقطاعيين في أكثر الأحيان، لأنه هو وأرضه كانا ملكا لهؤلاء النبلاء، ولم يبدأ الفلاحون في امتلاك الأرض إلا في أواخر أيام هذه الأسرة. وكانت الدولة، وهي مجتمع مهلهل من النبلاء الإقطاعيين يعترفون بعض الاعتراف بسيادة واحد منهم، تجند العمال للأشغال العامة، وتروى الحقول من قنوات كثيرة منبثة في أنحاء البلاد. وكان الموظفون العموميون يعلّمون الأهلين زرع الحقول وغرس الأشجار؛ ويشرفون على صناعة الحرير بكافة أجزائها. وكان صيد السمك واستخراج الملح من باطن الأرض احتكارا للحكومة في كثير من الولايات”.
التجارة الداخلية..
ويواصل الكتاب عن التجارة: “كانت التجارة الداخلية رائجة في المدن فنشأت من رواجها طبقة وسطى صغيرة العدد تستمتع بنعم لا تكاد تفترق عن نعم الحياة الحديثة، وكان أفرادها ينتعلون أحذية من الجلد، ويرتدون ملابس من الحرير، أو من نسيج آخر يغزلونه بأيديهم، وينتقلون في عربات مختلفة الأنواع، أو في قوارب تسير في الأنهار، ويسكنون بيوتا حسنة البناء، ويستخدمون الكراسي والنضد، ويتناولون طعامهم في صحاف وأواني من الخزف المنقوش. وأكبر الظن أن مستوى حياتهم كان أرقى من مستوى حياة معاصريهم في بلاد اليونان أيام صولون أو في روما أيام نوما”.
تطور ثقافي..
وعن التطور الثقافي يكمل الكتاب: “وسرت في الحياة الذهنية في الصين بين ظروف التفلك ومظاهر الفوضى السائدة في البلاد حيوية تنقض ما يضعه المؤرخون من نظريات وقواعد عامة يريدون أن يأخذ بها الناس، فقد وضعت في هذا العهد المضطرب قواعد اللغة الصينية والأدب والفلسفة والفن. ونشأ من ائتلاف الحياة التي أصبحت آمنة بفضل التنظيم الاقتصادي والادخار مع الثقافة التي لم تكن قد وحدت بعد أو قيدت بالقيود والأحكام التي تفرضها عليها التقاليد والحكومة الإمبراطورية القوية السلطان، نشأ من ائتلافهما ذلك الاطار الاجتماعي الذي احتوى أكثر العهود إبداعا وإنشاء في تاريخ الصين الذهني.
فكان في كل قصر من قصور الأباطرة والأمراء وفي آلاف من المدن والقرى شعراء ينشدون القصائد، وصناع يديرون عجلة الفخار أو يصبون الآنية الفخمة الجميلة، وكتبة ينمقون على مهل حروف الكتابة الصينية وسفسطائيون يعلمون الطلبة المجدين أساليب الجدل والمحاجة الذهنية، وفلاسفة يتحسرون ويأسون لنقائص البشر وتدهور الدول”.
كتاب الأغاني..
وعن ازدهار الشعر: “الشعر والفلسفة كانا من نتاج هذا العصر الذي نتحدث عنه، وهما يجعلانه أكثر عصور الفكر الصيني ازدهارا. ولقد ضاع معظم ما كتب من الشعر قبل كنفوشيوس، وأكثر ما بقي منه هو ما اختاره هذا الفيلسوف من نماذج كلها جد وصرامة، جمعت في الشي- جنج، أي “كتاب الأغاني” وقيلت في فترة تزيد على ألف عام تمتد من أيام الشعر القديم الذي قيل في أيام أسرة شانج إلى الشعر ذي الصبغة الحديثة الذي قيل في زمن معاصر لفيثاغورس. وتبلغ عدة هذه القصائد الباقية خمس قصائد وثلاثمائة قصيدة، وكلها موجزة إيجازا يجعلها مستعصية على الترجمة، ذات تصوير إيحائي، تتحدث عن الدين ومتاعب الحرب وهموم الحب.
وهذه أمثلة من نواح الجنود الذين انتزعوا من بيوتهم في غير الأوقات المناسبة ليلقى بهم في مخالب المنايا لغير سبب تدركه عقولهم:
ألا ما أعظم حرية الإوز البري وهو يطير في الفضاء
ثم يتمتع بالراحة فوق أغصان شجر اليو الملتف الكثيف!

أما نحن الدائمو الكدح في خدمة الملك،

فإنا لا نجد من الوقت ما نزرع فيه الذرة والأرز

ترى على أي شيء يعتمد آباؤنا؟

حدثيني أيتها السماء النائية الزرقاء!

متى ينتهي هذا كله؟..

وهل في الأشجار أوراق لم تصبح بعد أرجوانية؟

وهل بقي في البلاد رجل لم ينتزع من بين ذراعي زوجته؟

رحمة بنا نحن الجنود:

ألسنا نحن أيضا آدميين؟

وفي القصائد كثير من أغاني الحب المختلفة النغم التي تضرب على أوتار القلوب، وإن كان ذلك العصر يبدو لنا لفرط جهلنا عصر الهمجية الصينية وبداية تاريخها. ونحن نستمع في إحدى هذه القصائد إلى صوت الشباب المتمرد إلى أبد الدهر يهمس في آذاننا من خلال القرون البائدة، التي كانت تبدو عهودا نموذجية لكنفوشيوس، وكأنما هي تقول أن لا شيء يماثل التمرد والعصيان في قدم العهد:

أتوسل إليك يا حبيبي

أن تغادر قريتي الصغيرة

وألاّ تهشم أغصان صفصافي؛

وليس ذلك لأن تهشيمها يحزنني

بل لأني أخشى أن يثير تهشيمها غضب أبي.

والحب يناديني بعواطفه المقهورة:

“إن أوامر الأب يجب أن تطاع”

أتوسل إليك يا حبيبي

أو تحطم أغصان توتي

وليس ذلك لأني أخشى سقوطها

بل لأني أخشى أن يثير سقوطها غضب أخي.

والحب يناديني بعواطفه المقهورة:

“إن كلام الأخ يجب أن يطاع”

أتوسل إليك يا حبيبي،

ألاّ تتسلل إلى الحديقة

ولا تحطم أشجار الصندل؛

وليس هذا لأني أعني بهذه أو تلك

بل لأني أرهب حديث المدينة،

وإذا ما سار المحبون على هواهم

فماذا يقولون عنهم جيرانهم؟

الشعر والعاطفة..

ويتابع الكتاب عرض نماذج من الشعر الصيني: “وثمة قصيدة أخرى هي أقرب هذه القصائد إلى الكمال، أو أحسنها ترجمة، وهي تدل على أن العواطف البشرية قديمة موغلة في القدم:

جلال الصباح يعلو فوق هامتي

وتحيط بي الأزهار الشاحبة بيضاء وأرجوانية وزرقاء وحمراء، وأنا قلقة البال

وتحرك شيء بين الحشائش الذابلة

فظننت أن ما سمعته هو وقع أقدامه،

وإذا جندب يصر،

وتسلقت التل ساعة أن بزغ الهلال

فأبصرته مقبلا من الطريق الجنوبي

فاستراح قلبي وأطرح عنه حمله.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة