خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن انتقال الحضارة الصينية من مرحلة البداية إلى مرحلة الإقطاع، وتشكل الأخلاق والقوانين والدستور الذي حكمهم زمنا طويلا. وذلك في الحلقة الواحد والثمانين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
الحضارة الصينية الأولى..
يحكي الكتاب عن الحضارة الصينية الأولى: “لم تكن الولايات الإقطاعية، التي وهبت الصين بعدئذ ما استمتعت به من نظام سياسي قرابة ألف عام، من عمل الفاتحين، بل نشأت من المجتمعات الزراعية التي قامت في الأيام البدائية بامتصاص أقوياء الزراع ضعافهم، أو باندماج الجماعات تحت رئاسة زعيم واحد حتى يستطيعوا أن يدفعوا عن حقولهم من يغيرون عليها من الهمج المحيطين بهم.
وبلغ عدد هذه الإمارات في وقت من الأوقات سبع عشرة ولاية تتكون كل منها في العادة من بلدة مسورة تحيط بها أرض زراعية ومن ضواح مسورة أصغر منها يتألف من مجموعها محيط دفاعي واحد. ثم أخذت هذه الولايات يندمج بعضها في بعض على مهل حتى نقص عددها إلى خمس وخمسين ولاية تشمل الإقليم الذي يعرف الآن بإقليم هونان وما جاوره من أقاليم شانسي، وشنسى، وشانتونج.
وكان أهم هذه الولايات الخمس والخمسين ولاية تشي التي وضعت أساس الحكومة الصينية، وولاية تشين التي أخضعت سائر الولايات لحكمها وأنشأت منها إمبراطورية موحدة، وخلعت على بلاد الصين اسمها المعروفة به في جميع بلاد العالم إلاّ فيها هي نفسها”.
جوان جونج..
ويواصل عن ولاية تشي: “وكان السياسي العبقري الذي وضع لولاية تشي نظامها هو جوان جونج، مستشار الدوق هوان. وقد بدأ جوان حياته السياسية بمساعدة أخى هوان عليه في نزاعهما من أجل السيطرة على تشي، وكاد يقتل هوان في إحدى الوقائع الحربية. ولكن هوان انتصر في آخر الأمر وأسر جوان وعينه رئيس وزراء دولته. وزاد جوان من قوة سيده باستبدال الأسلحة والأدوات الحديدية بنظائرها المصنوعة من البرونز، وباحتكار الحكومة للحديد والملح أو بالسيطرة عليهما، ثم فرض الضرائب على النقود والسمك والملح “لكي يساعد الفقراء ويكافئ الحكماء وذوي المواهب”.
وأصبحت تشي في أيام وزارته الطويلة الأجل دولة حسنة النظام ذات عملة مستقرة، ونظام إداري محكم، وثقافة زاهرة. وقد قال عنه كنفوشيوس وهو الذي لم يكن يمتدح الساسة إلا بأوجز عبارة: “إن الناس ما يزالون حتى اليوم يستمتعون بالنعم التي أسبغها عليهم، ولولا جوان جونج لظللنا حتى اليوم ذوي شعر أشعث، ولظلت ملابسنا تزرر جهة الشمال”.
الإقطاع..
وعن الإقطاع ودوره في تطور الأخلاق والحضارة يوضح الكتاب: “وفي بلاط نبلاء الإقطاع نشأت طريقة التحية التي امتاز بها الصينيون المهذبون، كما نشأت فيها شيئا فشيئا تقاليد من الأخلاق والاحتفالات ومراسم التكريم بلغت من الدقة حدا يكفيها لأن تحل محل الدين عند الطبقات العليا في المجتمع. ثم وضعت أسس الشرائع وبدأ نزاع شديد بين حكم العادات التي نمت عند عامة الشعب وبين حكم القانون الذي وضعته الدولة”.
القانون والعادة..
وعن الصراع ما بين القانون والعادة يذكر الكتاب: “وأصدرت دوقيتا جنج وتشين (في عامي 535 512 ق. م) كتبا في القانون ملأت قلوب الفلاحين رعبا، وتنبئوا بما سيحل بهما من عقاب سماوي شديد على هذه الجريمة الشنيعة. وحدث بالفعل أن دمرت النار عاصمة جنج بعد ذلك بقليل. وكان في هذه الشرائع محاباة للطبقات العليا، فقد أعفتها من كثير من الواجبات المفروضة على غيرها من الطبقات على شريطة أن يؤدب أفرادها أنفسهم.
من ذلك أن القاتل منهم كان يسمح له بأن ينتحر، وكان الكثيرون منهم ينتحرون بالفعل على النحو الذي أصبح فيما بعد عادة مألوفة بين طبقة السموراي في اليابان. واحتج عامة الشعب على هذه التفرقة، وقالوا أن في مقدورهم هم أيضا أن يؤدبوا أنفسهم، وتمنوا أن يقوم بينهم وطني مخلص شبيه بهرموديس أو أرستجيتون يحررهم من ظلم القوانين. ثم تراضت الفئتان آخر الأمر واتفقتا على حل سليم فضيقت دائرة القانون الوضعي حتى لم تعد تشمل إلا المسائل الكبرى أو المسائل القومية، وظلت أحكام العرف والعادة هي الفيصل فيما دونها من الأمور. وإذ كانت الكثرة الغالبة من شئون البشر من المسائل الصغرى فقد ظل حكم العادة هو السائد بين كافة الطبقات”.
“دستور جو”..
وعن قواعد حاكمة للمجتمع الصيني: “واستمر تنظيم الولايات يجري في مجراه، وجمعت قواعد هذا النظام في الجو- لي، أو “دستور جو” وهو مجموعة من الشرائع تعزوها الروايات إلى جو جونج عم دوق جو الثاني وكبير وزرائه، وهو بالطبع قول لا يقبله عقل لأن هذه الشرائع لا يمكن أن تكون من وضع رجل واحد.
والواقع إن الإنسان يلمح فيها روح كونفوشيوس ومنشيس، ولهذا فأكبر الظن أنها وضعت في آخر أيام أسرة جو لا في أيامها الأولى. وقد ظلت مدى ألفي عام تمثل فكرة الصينيين عن النظام الحكومي وقوامه إمبراطور يحكم نيابة عن الخالق، وأنه “ابن السماء” يستمد سلطانه مما يتصف به من الفضيلة والصلاح؛ وأعيان، بعضهم بحكم مولدهم وبعضهم بحكم تربيتهم وتدريبهم، يصرفون أعمال الدولة.
وشعب يرى أن واجبه فلح الأرض يعيش في أسر أبوية ويتمتع بالحقوق المدنية ولكنه لا رأي له في تصريف الشؤون العامة، ومجلس من ستة وزراء كل واحد منهم على ناحية من النواحي الآتية وهي: “حياة الإمبراطور وأعماله، ورفاهية الشعب وزواج أفراده المبكر، والمراسيم والتنبؤات الدينية، والاستعداد للحرب والسير فيها، وتوزيع العدالة بين السكان وتنظيم الأشغال العامة”.
ويكاد هذا القانون يكون قانونا مثاليا، وأكبر الظن أنه نبت في عقل فيلسوف أفلاطوني مجهول لم يتحمل أعباء الحكم، لا من تجارب زعماء دنستهم السلطة الفعلية ويتعاملون مع خلائق حقيقيين”.