خاص: قراءة- سماح عادل
يكمل الكتاب تناول الديانة الهندية، في العصر القديم، حيث تناول كتب “بيورانا”، وهي أشعار ضخمة تتناول نظرية خلق الكون وتاريخه. وذلك في الحلقة الثانية والسبعين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
كتب “بيورانا”..
انتقل الكتاب الى الحكي عن عقائد الهنود في العصر القديم وكتب “بيورانا”: “يمتزج بهذا اللاهوت المعقد، مجموعة معقدة من الأساطير فيها التخريب وفيها عمق الفكرة في آن معاً؛ فلما كانت كتب الفيدا قد دفنت في اللغة التي كتبت بها، ثم لما كانت فلسفة البراهمة الميتافيزيقية تجاوز حدود أفهام الناس، فقد نهض “فياسا” وآخرون في مدة تطاولت إلى ألف عام (من 500 ق.م إلى 500 ميلادية) وأنشئوا كتب “بيورانا”، ومعناها القصص القديمة، أنشئوها شعراً في أربعمائة ألف دوبيت (الدوبيت بيتان من الشعر) يعرضون فيها لعامة الناس حقيقة خلق العالم بصورتها الدقيقة، وما يطرأ عليه من مراحل الكون والفساد المتعاقبة على فترات دورية، ونسب الآلهة، وتاريخ عصر البطولة.
هذه الكتب لا تدعي لنفسها قالبا أدبيا ولا نظاما منطقيا، ولا اعتدالا في تقدير الأشياء بالأعداد، من ذلك مثلا أنها تذكر عن الحبيبين “إرفاشي” و”بورورافاس” أنهما قضيا واحدا وستين ألف عام في سرور وغبطة؛ لكنها مع ذلك أصبحت للديانة الهندية إنجيلا ثانيا لوضوح لغتها وروعة قصصها وسلامة العقيدة التي تشرحها، كما أصبحت تلك الكتب للديانة الهندية مستودعا عظيما لخرافاتها وأساطيرها، بل وفلسفتها؛ فهناك على سبيل المثال قطعة من “فشنوبورانا” تعبر عن أقدم فكرة جالت برأس الهندي وما فتئت تعاوده على طول الزمن- وأعني بها الفكرة القائلة بأن استقلال الأفراد في ذوات منفصل بعضها عن بعض، وهم، وأن الحياة كلها حقيقة واحدة:
“جاء “ربهو” بعد ألف عام.
إلى “نداغا” في مدينته ليزيده علماً.
فرآه خارج المدينة.
في نفس اللحظة التي كان الملك فيها على وشك الدخول بحشد كبير من الأتباع،
رآه واقفا على معبده، معتزلا بنفسه عن الزحام،
ذاوي العنق من أثر الصيام، وكان في طريقه عائداً من الغابة ومعه بعض الوقود والكلأ
لما رآه “ربهو” قصد إليه وحياه قائلاً:
“أيها البرهمي! فيم وقوفك هاهنا وحيدا؟”
فقال “نداغا”: “انظر إلى الحشد محيطا بالملك
الذي يوشك أن يدخل المدينة؛ هذا هو علة وقوفي وحيداً”
فقال “ربهو”: “أي هؤلاء يكون الملك؟
ومن عسى أن يكون الآخرون؟
أنبئني فيبدو عليك أنك بالأمر عليم”
فقال “نداغا”: “إن من يركب الفيل الأحمر، عالياً برأسه كأنه قمة الجبل
هذا هو الملك، والآخرون هم تابعوه”.
فقال “ربهو”: “إنك تشير إلى هذين، إلى الملك والفيل
دون أن تميز بينهما بفاصل
قل لي أين أجد الفاصل بين هذا وذاك؟
أريد أن أعلم أي هذين هو الملك، وأيهما يكون الفيل؟”
فقال “نداغا”: “الفيل أسفل، والملك من فوقه،
من ذا الذي لا يعلم علاقة الحامل بالمحمول؟”
فقال “ربهو”: “علمني ذلك فقد أستطيع تعلمه”،
ما هذا الذي تشير إليه بقولك “أسفل” وبقولك “فوقه”؟
فوثب نداغا من فوره على المعلم وخاطبه قائلاً:
“ها أنذا أعلمك ما أردت أن تتعلمه مني،
أنا “أعلى” مثل الملك وأنت “أسفل” مثل الفيل،
وإنما أسوق لك هذا المثل لأعلمك”
فقال ربهو: “إذا كنت في موضع الملك، وأنا في موضع الفيل
فما أزال أطلب منك أن تنبئني: أينُّا أنت أينُّا أنا؟”
فما لبث نداغ أن جثا أمامه وأمسك بقدميه وقال:
“حقاً إنك “ربهو” أستاذي …
بجوابك هذا عرفت أنك أنت شيخي قد أتى”.
فقال “ربهو”: “نعم، جئت لأعلمك
لأنك فيما سبق أبديت استعدادا لخدمتي،
أنا هو “ربهو” قد جئت إليك
وهذا الذي علمتك إياه اختصاراً-
وهو صميم الحقيقة العليا- يتلخص في نفي الثنائية من الوجود”
وبعد أن فرغ الشيخ “ربهو” من حديثه هذا مع نداغا، مضى لسبيله
ومن ثم أدار نداغا فكره- مهتدياً بهذا الدرس الرمزي الذي تعلمه- فركزه كله في اللاثنائية
ومن ذلك الحين أخذ ينظر في الكائنات كلها فلا يجد فيها ما يفرق شيئاً منها عن نفسه
وبهذا شاهد براهما، وحقق الخلاص الأعظم”.
نظرية الكون..
ويفصل الكتاب عن نظرية الكون: “في كتب “بيورانا” هذه، وفي أمثالها من آثار الهند في عصورها الوسطى، تقرأ نظرية عن الكون بعينها النظرية التي يقول بها العصر الحديث؛ فليس هناك خلق بمعنى التكوين بعد العدم، إنما هو كون يعقبه فساد أبد الدهر، هو نماء يعقبه ذبول، دورة بعد دورة؛ كهذا الذي تراه متمثلا في كل نبات في العالم وكل حيوان؛ والذي يحفظ مراحل هذه السيرة فلا تقف دورتها، هو براهما- أو إن شئت فقل براجاباتي كما يسمى الخالق في هذه الكتب التي نحن الآن بصددها.
براهما هو القوة الروحية التي تفعل ذلك ولسنا ندري كيف بدأ العالم، إن كانت للعالم بداية؛ يجوز أن يكون براهما- كما تذهب كتب بيورانا- قد جعل بداية العالم بيضة ثم احتضنها حتى أفرخت؛ ويجوز أن يكون هذا العالم غلطة عابرة من الصانع، أو فكاهة رأى فيها قليلاً من تسلية؛ وكل دورة- أو كالبا كما يسمونها”.
تاريخ الكون..
وبواصل الكتاب عن المراحل التي ينقسم اليها تاريخ الكون: “تاريخ الكون منقسم إلى عصور كبرى. ويسمون كل عصر منها ماهايوجا- طول الواحد منها 000ر320ر4 عام؛ ثم ينقسم كل “ماهايوجا” إلى أربعة “يوجات”- أي عصور “يطرأ على الجنس البشري خلالها تدهور تدريجي؛ ولقد مضت ثلاثة أعصر من “الماهايوجا”- أي العصر الأعظم- الحاضر، بلغ مداها 888ر888ر3 عام، ونحن الآن نعيش في العصر الرابع- ويسمونه “اليوجا الكالي” ومعناها عصر الشقاء.
ومن هذه المرحلة الرابعة انسلخ 035ر5 عام، وبقى منها 965ر426عام، وعندئذ يصيب العالم موت من ميتاته الدورية، بعدها يبدأ براهما يوما آخر من “أيام براهما” وما يومه إلا “كالبا” أي دورة طولها 000ر000ر320ر4عام؛ وفي كل دورة “كالبية” من هذه الدورات يتطور الكون بفعل العوامل الطبيعية مارا بالخطوات الطبيعية، وبفعل العوامل الطبيعية مارا بالخطوات الطبيعية يعود إلى الانحلال، وفناء العالم كله لا يقل في يقينه عن موت فأر؛ وليس هناك غاية نهائية يتحرك وليس هناك غاية نهائية يتحرك نحوها الكون، أي ليس هناك “تقدم” بل كل ما هناك تكرار لا ينتهي”.