17 نوفمبر، 2024 1:47 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (50): أسفار الفيدا تعبر عن الآداب والدين والفلسفة والسحر الهندي

قصة الحضارة (50): أسفار الفيدا تعبر عن الآداب والدين والفلسفة والسحر الهندي

 

خاص: قراءة- سماح عادل

يستمر الكتاب في تناول الدين في حضارة الهند القديمة، ويحكي  أسفار الفيدا حيث سفر واحد ينتمي إلى الآداب وتعبر الأسفار الأخرى عن الدين والفلسفة و السحر. وذلك في الحلقة الخمسين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

اللغة السنسكريتية..

تناول الكتاب اللغة السنسكريتية: “إنه لما ينبغي أن يثير اهتمامنا الخاص، هذه اللغة السنسكريتية التي كان يكتبها الآريون الهنود، ذلك لأنها تعد من أقدم مجموعات اللغات “الأوربية الهندية” التي تنتمي إليها لغتنا التي نتحدث بها، فإننا نشعر للحظة من الزمن شعوراً عجيباً باتصال حلقات الثقافة عبر هذه الآماد الفسيحة من الزمان والمكان، حين نلاحظ أوجه الشبه- في السنسكريتية واليونانية واللاتينية والإنجليزية- بين الألفاظ التي تدل على الأعداد، وعلى أنواع الصلة في الأسرة؛ وفي كلمات صغيرة وكبيرة الدلالة في هذا الصدد، وهي الكلمات التي أطلق عليها اسم “الفعل المزاوج” ولعل هذا الاسم قد أطلق عليها في غفوة من رجال الأخلاق.

وبعيد جداً أن يكون هذا اللسان القديم الذي قال عنه “سير وليم جونز” أنه “أكمل من لغة اليونان، وأوسع من لغة الرومان، وأدق من كلتيهما معاً”، بعيد جداً أن يكون هذا اللسان القديم هو ما كان يتحدث به الغزاة الآريون، فلسنا ندري بأية لغة كان هؤلاء يتكلمون، وكل ما نستطيعه في هذا الصدد هو أن نفرض فرضاً أنها كانت لغة قريبة الصلة باللهجة الفارسية القديمة التي كتبت بها “الأفستا”.

وأما السنسكريتية التي كتبت بها أسفار الفيدا والملاحم فتحتوي بالفعل على علامات اللغة الأدبية الكلاسيكية التي لا يستخدمها إلا العلماء والكهنة، بل إن كلمة “سنسكريتي” نفسها معناها “المعدة، أو الخالصة، أو الكاملة، أو المقدسة” ، ولم يكن الناس في العصر الفيدي يستخدمون في كلامهم لغة واحدة، بل لغات، لكل قبيلة لهجتها الآرية الخاصة، فلم يكن للهند في أي عصر من عصورها لغة واحدة”.

الكتابة لدى الهنود..

ويواصل عن الكتابة لدى الهنود والفيدات: “ليس في الفيدات إشارة واحدة تدل على أن مؤلفيها عرفوا الكتابة، ولم يحدث إلا في القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد أن جاء التجار الهنود- والأرجح أن يكونوا من طائفة الدرافيدين- من آسيا الغربية بكتابة سامية قريبة الشبه بالكتابة الفينيقية، وأطلق فيما بعد على هذه الكتابة اسم “الكتابة البراهمية” ومنها اشتقت كل أحرف الهجاء في الهند.

ولقد لبثت الكتابة قروناً طويلة- فيما يظهر- لا تستخدم إلا لأغراض تجارية وإدارية، دون أن يرد على أذهان الناس إلا خاطر جد ضئيل بأن يتخذوها وسيلة أدبية، “وكان التجار- لا الكهنة- هم الذين ارتقوا بهذا الفن الأساسي” حتى القانون البوذي لم يدون- على الأرجح- قبل القرن الثالث السابق لميلاد المسيح وأقدم ما بقي لنا من كتابات الهند المحفورة على الجدران، هي محفورات “آشوكا” وإنه ليتعذر علينا نحن الذين جعلت منا القرون المتعاقبة قوماً تعتمد على عقولهم على رؤية عيونهم للمكتوب والمطبوع (حتى جاء هذا العهد الذي امتلأ به الهواء من حولنا ألفاظا وأنغاما) يتعذر علينا أن نفهم كيف اطمأنت الهند- بعد أن عرفت الكتابة بزمن طويل- أن استمساكها بالأساليب القديمة في نقل التاريخ والأدب عن طريق الرواية والذاكرة.

فأسفار الفيدا والملاحم كانت أناشيد أخذت تنمو على تتابع الأجيال التي تناقلها بالرواية جيلاً بعد جيل، ولم يقصد بها إلى الكتابة لتراها العيون، بل قصد بها إلى أن تكون أنغاماً تسمعها الآذان ومن هذا الإهمال للكتابة نشأت ضآلة علمنا بالهند القديمة”.

أسفار الفيدا ..

ويضيف عن اسفار الفيدا: “إذن فما هي أسفار الفيدا التي نستمد منها جل عملنا بالهند في مرحلتها البدائية؟ إن كلمة “فيدا” معناها معرفة وإذن فسفر الفيدا معناه الحرفي كتاب المعرفة، و”والفيدات” يطلقها الهندوس على كل تراثهم المقدس الذي ورثوه عن أولى مراحل تاريخهم، وهي شبيهة بالإنجيل عندنا في أنها تدل على أدب أكثر مما تتخذ لنفسها صورة الكتاب، ولو حاولت تنظيم هذه المجموعة وتبوبيها لأحدثت خلطاً فظيعاً، ولم يبق لنا من الفيدات الكثيرة التي شهدها الماضي إلا أربعة أسفار:

1- سفر رج ، أو معرفة ترانيم الثناء.

2- سفر ساما، أو معرفة الأنغام.

3- سفر باجور، أو معرفة الصيغ الخاصة بالقرابين.

4- سفر أتارفا، أو معرفة الرقى السحرية.

وكل واحد من هذه الفيدات الأربعة، ينقسم إلي أربعة أقسام :

1- إلى “مانترا” أو الترانيم.

2- إلى “براهمانا” أو قواعد الطقوس والدعاء والرقي لهداية الكهنة في مهمتهم.

3- إلي “أرانياكا” أو نصوص الغابة، وهي خاصة بالقديسين الرهبان.

4- إلى “يوبانشاد” أو المحاورات السرية، وهي تقصد إلى الفلاسفة

وليس بين أسفار الفيدا إلا سِفر واحد ينتمي إلى الآداب أكثر مما تنتمي إلى الدين أو الفلسفة أو السحر، فسفر “رج” ضرب من الدواوين الدينية، يتألف من 1028 ترنيمة، أو أنشودة من أناشيد الثناء يتوجه بها الناس إلى مختلف معبودات الآريين الهنود- الشمس والقمر والسماء والنجوم والريح والمطر والنار والفجر والأرض وغيرها ومعظم الترانيم دعوات واقعية في سبيل القطعان والمحصول وطول العمر.

أسفار الفيدا والأدب..

وعن علاقة أسفار الفيدا بالأدب يوضح الكتاب: “قليل جداً منها هو ما يرتفع إلى مستوى الأدب، وبينها عدد ضئيل يبلغ درجة “الإنشاد” في رشاقتها وجمالها بعضها شعر طبيعي ساذج، كأنه الدهشة الفطرية يبديها الطفل إزاء ما يرى، فترنيمة أخرى تدهش لماذا لا تسقط الشمس على الأرض سقوطاً عمودياً حينما تبدأ في الانحدار، وترنيمة ثالثة تتساءل: كيف أمكن “لمياه الأنهار كلها أن تثب فواره إلى المحيط فلا تملؤه” ومنها ترنيمة على أسلوب “ثاناتويسيس” قيلت على جثمان زميل سقط صريعاً في ميدان القتال:

هاأنذا آخذ القوس من يد ميتة كانت تشدها

لتكسب لنا ملكاً وقوة ومجداً،

فأنت هناك، ونحن هاهنا، أعزاء بأبنائنا الأبطال،

سنهزم كل هجمة يوجهها لنا الأعداء،

اقترب من صدر الأرض، آمنا،

هذه الأرض الفسيحة الأرجاء العطوف بأبنائها،

هذه الشابة الناعمة كأنها الصوف المندوف تحت جنوب الأسخياء،

هاأنذا أضرع إليها أن تصونك من أيدي الفناء،

انفرجي له أيتها الأرض، ولا تضمي جسده ضماً ثقيلاً،

كوني له مثوى هينً، ومجديه بعونك الشفوق،

فكما تدثر الأم بالثوب ابنها،

كذلك دثري هذا الرجل أيتها الأرض.

وقصيدة أخرى (رج، الجزء العاشر ص10) عبارة عن حوار صريح بين الأبوين الأولين للبشر، هذين التوأمين من أخ وأخته، “ياما” و”يامي”، فأما “يامي” فتأخذ في إغراء أخيها أن يضاجعها على الرغم من تحريم مثل هذا الاتصال الجنسي بين أفراد الأسرة الواحدة، زاعمة له أن كل ما تريده من الأمر هو استمرار الجنس البشري، فيقاومها “راما” على أسس خلقية رفيعة، وتحاول معه كل ضروب الإغراء وتفشل، وأخيرً تصفه بالضعف، والقصة كما هي بين أيدينا ليست كاملة، ولو أنه في مقدرونا أن نحكم كيف يكون تماماً من منطق السياق، وأسمي أجزاء القصيدة قصة هائلة هي “ترنيمة الخلق” وفيها ترى عقيدة وحدة الوجود مبسوطة بظلالها الرقيقة، بل ترى ريبة التقي الورع، في هذا الكتاب الذي يعد أقدم كتاب ظهر بين أشد الشعوب تمسكاً بالدين:

لم يكن في الوجود موجود ولا عدم، فتلك السماء الوضاءة

لم تكن هناك، كلا ولا كانت بردة السماء منشورة في الأعالي،

فماذا كان لكل شئ غطاء؟ ماذا كان موئلاً؟ ماذا كان مخبأ؟

أكانت هي المياه بهوتها التي ليس لها قرار؟

ولم يكن ثمة موت، ومع ذلك لم يكن هناك ما يوصف بالخلود

ولم يكن فاصل بين النهار والليل

و “الواحد الأحد لم يكن هناك سواه

ولم يوجد سواه منذ ذلك الحين حتى اليوم،

كانت هناك ظلمة، وكان كل شئ في البداية تحت ستار

من ظلام عميق- محيط بغير ضياء –

والجرثومية التي لم تزل كامنة في اللحاء

برزت طبيعة واحدة من الحر الحرور

ثم أضيف إلى الطبيعة الحب، وهو الينبوع الجديد

للعقل- نعم إن الشعراء في أعماقهم يدركون

إذ هم يتأملون- هذه الرابطة بين ما خلق

وما يخلق، فهل جاءت هذه الشرارة من الأرض

تتخلل كل شيء وتشمل كل شيء، أم جاءت من السماء؟

ثم بذرت الحبوب، ونهضت جبابرة القوى –

فالطبيعة في أسفل، والقوة والإرادة أعلى-

من ذا يعلم السر الدفين؟ من ذا أعلنه هاهنا،

من أين، من أين جاءت هذه الكائنات على اختلافها

إن الآلهة أنفسها جاءت متأخرة في مراحل الوجود-

من ذا يعلم أنى جاء هذا الوجود؟

إن من صدر عنه هذا الخلق العظيم،

سواء خلقه بإرادته، أو صدر عنه وهو ساكن،

إنه هو ربنا الأعلى في السماوات العُلى،

إنه هو يعلم السر- بل لعله لا يعلم من الشر شيئاً

ولبث الأمر هكذا حتى أدركه مؤلفو أسفار “يوبانشاد” فتناولوا هذه المشكلات بالحل، وهذه الإشارات بالتوضيح، فكان ما أخرجوه في ذلك أدل نتاج على العقل الهندوسي، بل لعله أعظم نتاج أخرجه ذلك العقل.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة