قصة الحضارة (216):  عرفت اليونان دجالين يدعون تلقي الوحي

قصة الحضارة (216):  عرفت اليونان دجالين يدعون تلقي الوحي

خاص: قراءة- سماح عادل

يستأنف الكتاب الحديث عن  الاعتقادات الخرافية في الحضارة اليونانية، ووجود متنبئين يدعون أنهم يتلقون الوحي من الألهة، ويسيرون وفقا لرغبات أصحاب النفوذ والمال . وذلك في الحلقة السادسة عشر بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

المتنبئون..

يحكي الكتاب عن الاعتقادات المبالغ فيها في الحضارة اليونانية: “ولقد خيل إلى أهل ذلك الوقت الذين كانوا يعيشون في عالم مليء بالقوى العليا غير الطبيعية أن حوادث الحياة رهينة بإرادة الشياطين والآلهة، ولم يكن أمام اليونانيون الذين يريدون معرفة هذه الإرادة إلا أن يلجئوا إلى العرافين والمتنبئين يستشيرونهم في أمرهم، وكان هؤلاء ينبئون بالمستقبل بالنظر في النجوم: وتأويل الأحلام، وبحث أحشاء الحيوان، وزجر الطيور.

وكان العرافون المحترفون يؤجرون أنفسهم للأسر والجيوش والدول من ذلك أن نسياس استخدم قبل أن يسير حملته على صقلية طائفة كبيرة من مقربي القرابين وزاجري الطيور وقارئي الغيب. ولسنا نقول إن القواد لم يبلغوا كلهم من التقى ما بلغه هذا القائد مالك العبيد؛ ولكنهم كلهم تقريبا لم يكونوا يقلون عنه إيمانا بالخرافات.

وكان يظهر في البلاد في أوقات مختلفة رجال ونساء يدعون أنهم ممن يوحى إليهم أو ممن كشف الغطاء عن أبصارهم، وكان في أيونيا بنوع خاص نساء سبييلات أي إرادة الله يذعن نبوءات يصدقها ملايين اليونان، ويقال إن واحدة من أولئك السييلات تدعى هرفيلا طافت ببلاد اليونان مبتدئة من إريثرا ثم استقرت في كومي بإيطاليا حيث أصبحت أشهر سيبيلات زمانها، وعاشت كما تقول الرواية المتواترة ألف عام، وكان في أثينة، كما كان في روما، عدد كبير من المتنبئين والمتنبآت، وكانت الحكومة تحتفظ في بهو البلدية الأكبر برجال يحذقون تأويل أقوالهم.”

دودونا..

ويواصل الكتاب عن متنبيء شهير يدعي دودونا: “وكان في كثير من الهياكل المنتشرة في جميع أنحاء اليونان متنبئون عموميون، ولكن أشهرهم وأجلهم قدرا في الأيام القديمة متنبئي زيوس في دودونا، كما كان أشهرهم في العصور التاريخية متنبئي أبلو في دلفي. وكان اليونان و”البرابرة” يستشيرون هذا المتنبئ، وحتى روما نفسها كانت ترسل الرسل ليعرفوا إرادة الإله أو يوحوا إليه بهذه الإرادة.

وكانوا يظنون أن النساء أكثر استعدادا لتلقي الوحي من الرجال، ولذلك كانت ثلاث كاهنات لا تقل سن كل منهن عن نصف قرن يدربن على تعرف لإرادة أبلو وهن في غيبوبة، وكان غاز عجيب يخرج من فتحة في الأرض تحت الهيكل ويعزوه الناس إلى تحلل الأفعى التي قتلها أبلو في ذلك المكان. وكانت الكاهنة التي ستتلقى الوحي تجلس على نضد عال ذي ثلاث قوائم موضوع فوق الشق، وتستنشق الرائحة الكريهة المقدسة، وتمضغ أوراقا من تاج من أوراق الشجر المخدر، فتغيب عن وعيها ويتقلص جسمها، ثم ينزل عليها الوحي وهي في هذا الحال، فتنطق بألفاظ متقطعة يترجمها الكهنة للشعب المستمع وكثيراً ما كان الجواب النهائي يحتمل تأويلات مختلفة بل متناقضة، وبذلك تكون المتنبئة صادقة على الدوام مهما وقع من الحوادث”.

أصحاب النفوذ..

وعن تحكم أصحاب النفوذ في لعبة التنبؤ: “ولعل الكهنة هم والمتنبئة كانوا جميعا ألعوبة في أيدي غيرهم، وكانوا في بعض الأحيان يقبلون الرشاوي لينطقوا بما يحب الراشون أن ينطقوهم بهِ، وكان صوت المتنبئة يتفق في أكثر الحالات مع صاحب النفوذ الأكبر في بلاد اليونان. أما إذا لم تكن هناك سلطة خارجية ترغم الكهنة على أن ينطقوا بما ترغب فيهِ، فإنهم كانوا يلقون على اليونان دروسا قيمة في الاعتدال والحكمة السياسية؛ فقد أعانوا على استقرار القانون وتثبيت دعائمه، وكان لهم أثر كبير في تحرير الرقيق، وقد اشتروا عددا كبيرا من الأرقاء لكي يحرروهم من الرق؛ وإن كنا لا ننكر أنهم تغاضوا عن التضحيات البشرية بعد أن أخذ ضمير اليونان ينفر منها، ولم يرفعوا صوتهم بالاحتجاج على ما كان يحدث فوق جبل أولمبس من فساد خلقي. ذلك بأنهم لم يكونوا متقدمين على التفكير اليوناني.

ولكنهم مع ذلك لم يقفوا في سبيل هذا التفكير ويعطلوه بالتعصب لمبادئ وآراء خاصة. وكانوا يخلعون على السياسة اليونانية التي تمليها على الحكام والضرورات الملحة ستارا من رضاء القوى الإلهية، وخلقوا شيئا من الضمير الدولي والوحدة الأخلاقية بين مدن اليونان المبعثرة”.

حلف ديني..

وعن إنشاء تحالف ديني يضيف الكتاب: “وبفضل هذا الأثر الموحّد نشأ أقدم حلف بين الدويلات اليونانية، وكانت جامعة المندوبين اليونان الجامعة الأمفكتيونية  أول أمرها حلفا دينيا مؤلفا من “المقيمين حول” هيكل دمتر القريب من ممر ترموبيلي. وكانت أهم الدول التي تتألف منها هذه الجامعة تساليا، ومجنيزيا، وفثيوتس، ودوريس، وفوسيس، وبؤوتية، وعوبية، وآخية. وكان مندوبوها يجتمعون مرة كل ستة أشهر، في الربيع في دلفي، وفي الخريف في ترموبيلي، وقد تعهدوا بألا يخرب بعضهم مدن بعض، وألا يسمحوا بأن يقطع الماء عن أية واحدة منها، وألا ينهبوا كنوز أبلو في دلفي أو يسمحوا نهبها، وأن يقاتلوا أية أمة لا تحترم هذه المواثيق.

تلك مبادئ لعصبة أمم حال دون قيامها تغلب الثراء والسلطان بين الدول، وما طبع عليه الأفراد والجماعات من تنافس وتحاسد، فقد كونت تساليا جبهة من الدول الخاضعة لسلطانها، وفرضت على هذه العصبة سيطرتها الدائمة. ونشأت عصبة أخرى غيرها، فكانت أثينة مثلا عضوا في عصبة كلوريا وكانت كل واحدة من هذه العصب المتنافسة تعمل لنشر السلام بين أعضائها. ولكنها أضحت على مر الزمن أداة لتدبير الدسائس وإثارة الحروب على غيرها من العصب”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة