قصة الحضارة (211):  هفستس الأعرج كان إله جميع الصنائع اليدوية

قصة الحضارة (211):  هفستس الأعرج كان إله جميع الصنائع اليدوية

خاص: قراءة- سماح عادل

يكمل الكتاب الحكي عن الآلهة اليونانية. ويحكي عن هفستس الأعرج الذي مثل إله الصناعة اليدوية، وكيف كان أقرب في صورته إلي البشر. وذلك في الحلقة الحادية عشر بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء

تأليه الموتى..

ويستأنف الكتاب الحديث عن تقديس الأموات: “من واجبنا أن نضيف إلى هذا، إنصافا للموتى، أن معظم هذه المغامرات كانت في أغلب الظن من اختراع الشعراء أو القبائل التي كانت تحرص على أن تصل أنسابها بأعظم الآلهة كلها، وهو يسير على سنة اليونان في عدم التفرق بين الذكور والإناث، فيحب جنميد الوسيم، ويختطفه لكي يجعله ساقيه فوق أولمبس.

وكان من الطبيعي أن يكون من بين أبناء هذا الأب المخصب بعض النجباء الممتازين. من ذلك أن أثينا حين ولدت كاملة النمو والسلاح من رأس زيوس، أمدت أدب العالم بإحدى استعاراته التي مازالت تتكرر حتى ملها الناس. وكانت أجدر الآلهات بأن تكون إلهة مدينة أثينة، تفخر بأنها عذراء وتتخذ من هذا سببا لمواساة فتياتها العذارى، وتبعث في نفوس رجالها الحماسة الحربية، وتمثل لبركليز الحكمة التي هي خليقة بها لأنها ابنة متيس وزيوس.

ولما حاول الجبار بلاس أن يغازلها قتلته وأضافت اسمه إلى اسمها ليكون ذلك نذيرا لغيره من خطّابها. وقد خصتها مدينة أثينة بأجمل هياكلها وأفخم أعيادها.

وكانت عبادة أبلو الوسيم أوسع انتشارا من عبادة أخته أثينا، وكان أبلو إله الشمس المتلألئ، راعي الموسيقى والشعر والفن، منشئ المدن، مشرع القوانين، إله الشفاء ووالد أسكلبيوس، إله الحرب الرامي بالنبال إلى أبعد مدى، الذي خلف جيا وفوبي . في دلفي، وكان أقدس من ينزل الوحي في بلاد اليونان، وكان إله المحاصيل النامية، وبهذه الصفة كان يتلقى العشور في أيام الحصاد، وكان في نظير هذا يبعث بدفئه وضوئه الذهبيين من ديلوس ودلفي ليخصب التربة ويغنيها.

وكان في كل مكان يقترن بالنظام والاعتدال والجمال؛ وبينما كانت عبادة غيره من الآلهة ومراسمها تتضمن كثيراً من عناصر الخوف والخرافات الغريبة، كانت النغمة السائدة في عبادة أبلو وفي أعياده العظيمة في دلفي وديلوس هي التعبير عن ابتهاج الشعب المستنير بإله الصحة والحكمة والعقل والغناء، وكانت أخته أرتميس ديانا، سعيدة مثله”.

 أرتميس..

وعن الإلهة أرتميس يواصل الكتاب: “وكانت أرتميس إلهة الصيد العذراء، المنهمكة في شؤون الحيوانات، وفي ملذات الغابات، انهماكاً لا يترك لها وقتا لحب الرجال، وكانت إلهة الطبيعة البرية، والمراعي والغابات والتلال، والغصن المقدس. وكما كان أبلو المثل الأعلى للشباب اليوناني، كذلك كانت أرتميس المثل الأعلى للفتيات اليونانيات كانت قوية الجسم، رياضية رشيقة عفيفة، وهذا فقد كانت راعية النساء في الولادة، وكن يدعونها لتخفف عنهن آلام الوضع.

وكانت تحتفظ في إفسوس بطبيعتها الآسيوية، فكانت إلهة الأمومة والإخصاب؛ وبهذه الطريقة اختلطت فكرتا العذراء والأم في عبادتها، وقد وجدت الكنيسة المسيحية في القرن الخامس بعد الميلاد أن من الحكمة أن تضيف ما بقي من هذه الطقوس الدينية إلى مريم، وأن تحول عيد الحصاد الذي كان يقام لأرتميس في منتصف أغسطس إلى عيد انتقال العذراء إلى السماء. وبهذه الطريقة وأمثالها يحتفظ الجديد بالقديم ويتبدل كل شيء عدا الجوهر ذلك أن التاريخ كالحياة يجب أن يستمر أو يموت؛ فقد تتبدل الأخلاق والأنظمة ولكنها تتبدل ببطء؛ وإذا حال حائل قوي بينها وبين نماءها وتطورها نسيت الأمم نفسها وجن جنونها”.

هفستس الأعرج..

ويضيف الكتاب عن هفستس الأعرج: ” وكان من بين تلك الآلهة إله أشبه ما يكون بالآدميين، هو الصانع الأولمبي الماهر هفستس الأعرج المعروف عند الرومان باسم فلكان. ويبدو أن هذا الإله المهين المظلوم، إله السماء الأول كان إلها خليقا بالرثاء، ولكنه في آخر الأمر يستدر عطفنا أكثر مما تستدره الآلهة الماكرة التي لا ضمير لها، والتي تسيء معاملته، ولعله كان في أيامه الأولى، قبل أن يصير قريب الشبه بالأناس، روح النار والكير. وهو في قصص هومر الديني ابن زيوس وهيرا، ولكن أساطير غير أساطير هومر تؤكد لنا أن هيرا حسدت زيوس على مولده لأثينا بلا معونة.

فولدت هي الأخرى هفستس من غير حاجة إلى ذكر. ولما رأته قبيح المنظر ضعيف الجسم، ألقت به من فوق أولمبس، ولكنه عرف طريق العودة إلى موطنه، وشاد للآلهة القصور الكثيرة التي كانوا يسكنون فيها. وكان يكن لأمه كل شفقة وإجلال رغم ما لقيه على يديها من سوء المعاملة، وقد دافع عنها دفاعا مجيدا في نزاعها مع زيوس، فما كان من إله أولمبس العظيم إلا أن أمسك بساقه وقذف به إلى الأرض.

واستغرق هفستس في نزوله يوما كاملا، حتى استقر آخر الأمر على جزيرة لمنوس، وجرح عقبه، ويؤكد العارفون أنه أصبح من ذلك الحين شديد العرج يتألم كلما مشى، وإن كان هومر يقول إنه كان أعرج قبل هذه الحادثة. وعاد مرة أخرى إلى أولمبس، وصنع في حانوته الكثير الضوضاء سندانا ضخما وضع فيه عشرين منفاخا كبيرا، وعمل دروع أخيل، وتماثيل تتحرك من نفسها، وعجائب أخرى كثيرة.

وكان اليونان يعبدونه بوصفه إله جميع الصناعات المعدنية، ثم أصبح عندهم إله جميع الصنائع اليدوية، وكانوا يعتقدون أن البراكين هي مداخن حوانيته التي تحت الأرض. وكان من سوء حظه أن تزوج أفرديتي ووجد أن من أصعب الأمور أن تجتمع الفضيلة والجمال في شخص واحد. ولما عرف هفستس بما كان بينها وبين أريس، صنع للمحبين شركا وقع عليهما في أثناء اجتماعهما. وهكذا أنقتم الإله الأعرج لعرجه بأن عرض على زملائه الآلهة إلهي الحب والحرب مكبلين في الأغلال، وكان منظراً أثار ضحك الآلهة. وقال هرمس لأبلو- كما يحدثنا هومر:

“أي هرمس يا بن زيوس… هل يرضيك حقيقة أن تنام على فراش واحد بجانب الإلهة أفرديتي، ولو كنت مكبلاً بالأغلال الثقال؟” فأجابه الرسول يقول: “أيها الإله أبلو؛ ليت هذا يكون، وليتني أكبل بثلاثة أمثال هذه الأغلال التي لا أجد منها خلاصا، وأن تشاهدوني أنتم أيها الآلهة- نعم والإلهات كلها أيضا- إن استطعت أن أنام إلى جوار أفرديتي الذهبية “.

أريس..

ويكمل الكتاب: ” أما أريس المريخ فلم يكن يمتاز بالذكاء أو الدهاء؛ وكانت صناعته الحرب، وحتى سحر أفرديتي ومفاتنها لم تكن تثير فيه النشوة التي يثيرها التقبيل الذي كان شهوة وغريزة فيه. ويسميه هومر “نقمة صبت على البشر”، ويصف لنا وهو مغتبط كيف ألقته أثينا على الأرض بضربة حجر، ويقول إنه “وهو نائم قد غطى سبعة أفدنة”. هذا أريس أما هرمس ميركري أو عطارد فأكثر منه طرافة. فقد كان في بادئ أمره حجرا، وعبادته مستمدة من عبادة الحجارة المقدسة؛ ولا تزال المراحل التي مر بها ظاهرة واضحة، فقد صار في المرحلة الثانية الحجر الطويل الذي يوضع فوق المقابر، أو الروح الديمون الكامنة في هذا الحجر؛ ثم صار بعدئذ حجر الحدود أو إلهها، يحدد الحقول ويحرسها، وإذا كان عمله فيها فضلاً عن تجديدها وحراستها هو توفير الخصب لها، فقد صار قضيب الرجل رمزاً من رموزه.

ثم أصبح فيما بعد العمود ذا الرأس المنحوت، والجسم غير المنحوت، وعضو التذكير البارز الذي كان يوضع أما بيت كل أسرة ذات شأن في أثينة. وسنرى كيف كان بتر هذه الأعمدة عشية الحملة على سرقوسة السبب المباشر لهلاك ألقبيادس وخراب أثينة. وهو إلى هذا كله إله المسافرين، وحامي المنادين، وعصيهم من أحب شعائره إليه. وقد أصبح بوصفه إله المسافرين إله الحظ، والتجارة، والدهاء، والكسب، ومن ثم أصيح مخترع المكاييل والموازين، وحارسها، كما أصبح الملاك الراعي للحانثين والمختلسين واللصوص.

وهو نفسه بشير ونذير يحمل الرسائل والأوامر بين الآلهة الأولمبية أو بينها وبين البشر، وهو يسير على خفيف مجتمعين بسرعة الريح الغاضبة العاصفة، وتكسبه هرولته لينا ورشاقة، وتهيئه لأن يتخذ الصورة التي يظهر بها في تمثال بكستليز. وهو بوصفه شابا سريع العدو قوي الجسم، راعي الرياضيين ونصيرهم، ونجد صورته التي تظهر فيها رجولته كاملة مكاناً لها في كل مكان للتدريب العضلي.

وإذ كان هو المنذر والمبشر فقد كان إله الفصاحة، وإذ كان الشارح السماوي فقد أصبح رأس عدد كبير من الشراح والمفسرين. وتصف إحدى الترانيم “الهومرية” كيف مد أوتارا على صدفة سلحفاة واخترع بذلك قيثارة. ثم يحين الوقت الذي يسترضي فيه أفرديتي فيستولدها، كما يخبرنا القصاصون، خنثى هرمفرديتي ناعم الجسم يرث منها مفاتنها ويشتق اسمه من اسميهما. “

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة