قصة الحضارة (208):  وكانت الأرض موطن معظم الآلهة اليونانية

قصة الحضارة (208):  وكانت الأرض موطن معظم الآلهة اليونانية

خاص: قراءة- سماح عادل

يستأنف الكتاب الحكي عن الآلهة اليونانية. ويقسمهم ليسهل تصنيفهم عي كثرتهم. وذلك في الحلقة الثامنة بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء

سجل الآلهة..

الآلهة الصغرى..

يحكي الكتاب عن الآلهة في الحضارة اليونانية: ” في وسعنا أن نلقى شيئاً من الترتيب والوضوح على هذا الحشد الكبير من الآلهة إذا نحن قسمناه تقسيماً مصطنعا إلى سبع مجموعات: آلهة السماء، وآلهة الأرض، وآلهة الخصب، والآلهة الحيوانية، وآلهة ما تحت الأرض وآلهة الأسلاف أو الأبطال، والآلهة الأولمبية. وأما “أسمائها جميعا فمما يشق على الإنسان ذكرها” كما يقول هزيود.

(1) وكان إله الغزاة اليونان في بادئ الأمر، على ما تستطيع أن تتبينه من الأساطير، هو إله السماء العظيم المختلف الصور. ويشبه اليونان في هذا الهنود الفديين. ثم تطور هذا الإله شيئا فشيئا حتى أصبح هو أورانوس أو السماء نفسها، ثم أضحى “مرسل السحاب”، مسقط المطر، جامع الرعد، زيوس. وإذ كانت تلك البلاد تنال فوق كفايتها من ضوء الشمس، ولكنها ظمآى للمطر، فإن إله الشمس هليوس لم يكن له فيها شأن كبير ولذلك كان من الآلهة الصغرى. وقد صلى له أجممنون ودعاه لمعونته، وكان الإسبارطيون يضحون له بالخيل لتجر عربته الملتهبة في قبة السماء، وكان أهل رودس حين اصطبغت بلادهم بالصبغة اليونانية يعظمون هليوس، ويعدونه كبير آلهتهم، ويلقون في البحر كل عام أربعة جياد وعربة ليستخدمها في تجواله، وأقاموا الهيكل الضخم الذائع الصيت، وكاد أنكسجرس يفقد حياته في أثينة بركليز نفسها، لأنه قال إن الشمس ليست إلهاً وإنما هي كرة من النار لا أكثر. ثم زالت عبادة الشمس حتى لم يكد يبقى لها أثر في تاريخ اليونان القديم، وكان القمر أقل من الشمس شأناً، والكواكب والنجوم أقل منه ومنها”..

آلهة الأرض..

ويواصل الكتاب: “(2) وكانت الأرض، لا السماء، موطن معظم الآلهة اليونانية. فكانت الأرض نفسها في بادئ الأمر هي الإلهة جي Ge أو جيا Gaea الأم الصابرة السمحة الجزيلة العطاء، التي حملت حين عانقها أورانوس السماء فنول المطر. وكان يسكن الأرض نحو ألف إله آخر أقل من جي شأنا، في مائها وفي الهواء المحيط بها: منها أرواح الأشجار المقدسة، وخاصة شجرة البلوط، ومنها النريدات، والنيادات، والأوقيانوسيات في الأنهار والبحيرات والبحار، وكانت الآلهة تتفجر من الأرض عيونا، أو تجري جداول عظيمة مثل الميندر أو الاسبركيوس، وكان للريح آلهة مثل بورياس، وزفر، ونوتس، ويوروس، وسيدها إيوس.
وكان من آلهة الأرض بان العظيم، ذوالقرنين، المشقوق القدمين، الشبق، المغذي، البسام، إله الرعاة والقطعان، والغابات والحياة البرية، الكامن فيها، والذي تُسمع صفارته في كل جدول وواد، والذي تبعث صيحته الفزع، في كل قطيع لا يعنى به، والذي يقوم على خدمته جنيات الغاب والحراج، وتلك الجنيات المعروفة بالسليني وهي مخلوقات نصف جسمها معز ونصفه بشر. وكان في كل مكان في الطبيعة آلهة، وكان الهواء غاصاً بالأرواح الطيبة أو الخبيثة لا تكاد “تجد فيه شقا فارغا تستطيع أن تدفع فيه طرف ورقة نبات””.

آلهة الإخصاب..

ويضيف الكتاب: “وإذ كانت أعجب قوى الطبيعة وأقواها هي قوة التكاثر، فقد كان طبيعياً أن يعبد اليونان، كما كان يعبد غيرهم من القدامى، رمزي الإخصاب الرئيسيين في الرجل والمرأة إلى جانب عبادتهم خصب التربة. لهذا كان قضيب الرجل وهو رمز الإنتاج يظهر في طقوس دمتر، وديونيسس، وهرمس، وحتى في طقوس أرتميس الطاهرة. ويتكرر ظهور هذا الرمز في النحت والتصوير في أهم عصر من عصورهما تكراراً فاضحاً، بل إن عيد ديونيشيا العظيم، وهو الاحتفال الديني الذي كانت تمثل فيه المسرحيات اليونانية، كان يفتتح بموكب تحمل فيه رموز قضبان الرجال ترسل الكثير منها المستعمرات الأثينية شاهداً على صلاحها وتقواها.

وما من شك في أن هذه الحفلات كانت تثير الكثير من الفكاهات الجنسية البذيئة، كما تدلنا على ذلك كتابات أرستفنيز؛ ولكن كثرتها كانت خالية من هذه البذائة، ولعلها كانت تثير الشهوة الجنسية في الرجال والنساء وتساعد على كثر النسل.

وكانت أحط ناحية من نواحي مراسم الإخصاب تظهر في العهود التي انتشرت فيها الحضارة اليونانية الصبغة والحضارة اليونانية، والتي كان يُعبد فيها بريابوس الذي ولد نتيجة لاتصال ديونيسس وأفرديتي، والذي كان الفنانون يزينون بصورته المزهريات وجدران المباني في بمبي. وكان أظرف من هذه المراسم وأعف في موضوع التناسل نفسه إجلال الإلهات التي ترمز إلى الأمومة. فقد كانت أركاديا، وأرجوس، وإلوسيس، وأثينة، وإفسوس، وغيرها من الأماكن تجل أعظم الإجلال إلهات معظمهن لا أزواج لهن، كنَّ في أغلب الظن أثراً من آثار عصر ينسب الأبناء فيه إلى الأمهات قبل أن يحل عصر الزواج؛ ولقد كان الاعتراف بسلطان زيوس الإله الأب على سائر الآلهة رمزاً لانتصار مبدأ سيطرة الآباء على الأمهات .

ولعل سبق النساء على الاشتغال بالزراعة، وهو السبق الذي يرجحه الكثيرون، وقد ساعد على إيجاد أعظم إلهة من هاته الإلهات الأمهات، وهي دمتر إلهة الحنطة أو الأرض المنزرعة. ومن أجمل الأساطير اليونانية التي تقصها في أحسن عبارة ترنيمة دمتر وهي الترنيمة التي كانت تعزى في وقت من الأوقات إلى هومر نفسه، نقول إن من أجمل هذه الأساطير أسطورة تصف كيف اختطف بلوتو إله العالم السفلي برسفوني أبنة دمتر ونزل بها إلى الجحيم، وكيف أخذت أمها الحزينة تبحث عنها في كل مكان حتى عثرت عليها وأقنعت بلوتو أن يسمح لابنتها بأن تعيش على ظهر الأرض تسعة أشهر في كل عام وذلك رمز ظريف لموات التربة السنوي وتجددها.

وإذ كان أهل إلوسيس قد عطفوا على دمتر المتنكرة وهي “جالسة في الطريق في أشد حالات الحزن والكرب”، فقد علمتهم هم وأهل أتكا سر الزراعة، وأرسلت تربتولموس ابن ملك إلوسيس لينشر هذا الفن بين بني الإنسان. وهذه الأسطورة تتفق في جوهرها وأسطورة إيزيس وأوزيريس في مصر، وأسطورة تموز وعشتار في بابل، وأسطورة عشتروت وأدنيس في سوريا، وسيبيل وأتيس في فريجيا. وقد بقيت طقوس الأمومة طوال عصر اليونان العظيم، ثم عادت إلى الحياة من جديد في صورة تقديس مريم أم الإله”.

الآلهة الحيوانات..

ويكمل الكتاب: “(4) وكانت بعض الحيوانات في تاريخ اليونان المبكر تعظَّم وتتخذ أنصاف آلهةوكان السبب في أنها لم ترقَ إلى مرتبة الآلهة الكاملة أن الدين اليوناني كان في العصر الذي ازدهر فيه فن النحت دينا آدميا إلى حد لا يسمح بوجود آلهة حيوانية كثيرة بالصورة التي نجدها في مصر والهند؛ ولكن أثرا من آثار ما قبل هذا العصر الزاهر يبدو لنا في كثرة الجمع بين الحيوان والإله في بعض التماثيل. ولقد كان الثور حيوانا مقدسا لقوته وقدرته، وكثيراً ما كان يوصف بأنه رفيق لزيوس وديونيسس، أو صورة لهما تنكرا فيها، أو رمزاً لهما، وربما كان إلهاً قبلهما.

ولعل “هيرا ذات العين البقرية”، كانت هي أيضا بقرة مقدسة. وكان الخنزير أيضا مقدسا لكثرة تناسله، وكان يجمع بينه وبين دمتر الظريفة. وكان القربان الظاهر الذي يقدم لها هي في أحد أعيادها المعروف بعيد الثسموفوريا خنزيرا، أو لعل القربان كان يقدم إلى الخنزير نفسه.

وفي عيد الديازيا كان هذا القربان يقرب لزيوس في الظاهر، ولكنه في الحقيقة كان يقرب إلى أفعى تسكن في باطن الأرض تسمى وقتئذ باسمه تكريما لها. وسواء أكان تقديس الأفعى لأنها في ظنهم لا تموت، أم لأنها ترمز إلى القدرة على التناسل والإنتاج، فإنا نراها تنتقل في صورة إلهة من أفعى كريت إلى أثينة القرن الخامس؛ فقد كانت أفعى مقدسة تقيم في هيكل أثينة على الأكروبوليس، وكان يقدم إليها في كل شهر كعكة مقدسة زلفى إليها واستدرارا لعطفها.

وكثيراً ما تُرى الأفعى في الفن اليوناني حول تماثيل هرمس، وأبلو، وأسكلبيوس؛ وقد صور فدياس أفعى ضخمة محاطة بإكليل من الزهر في درع “أثيني برثنوس”، وتغطي الأفاعي الجزء الأكبر من تمثال أثينا الفرنيزية. وكثيرا ما كانت الأفعى تتخذ رمزا للإله الحارس للهياكل والمنازل أو صورة لهذا الإله، وربما كانت كثرة وجودها حول المقابر سبباً في اعتقاد الناس أنها روح الموتى. ويعتقد بعضهم أن الألعاب الدلفية قد احتفل بها في بادئ الأمر تكريماً لأفعى دلفي الميتة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة