30 أبريل، 2025 10:08 ص

قصة الحضارة (203):  طبقت المساواة بين الذكور والإناث في مدرسة فيثاغورس

قصة الحضارة (203):  طبقت المساواة بين الذكور والإناث في مدرسة فيثاغورس

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن فيثاغورس في الحضارة اليونانية. وعن مدرسته ومبادئه والقواعد التي وضعها لطلابه. وذلك في الحلقة الثالثة بعد المائتين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

فيثاغورس..

يحكي الكتاب عن عالم الرياضيات المعروف “كان عمر كروتونا أطول من عمر سيبارس؛ فقد أنشئت في عام 710 ق.م. وما تزال حتى الآن تعج بالصناعة والتجارة بعد أن تغير اسمها إلى كروتون. وقد كان مرفؤها المرفأ الطبيعي الوحيد بين تاراس وصقلية، ولم تكن تعفو عن السفن التي تفرغ بضائعها في سيبارس. وقد بقي فيها من التجارة ما يكفي لكي يعيش أهلها عيشة هنيئة لينة، كما أن هزيمتهم الموفقة في الحرب، وكساد تجارتهم زمناً طويلاً، وجو بلادهم المنعش، ومزاجهم الدوري المتزمت بعض الشيء، كل هذه الظروف مجتمعة قد جعلتهم يحتفظون بنشاطهم وقوتهم رغم ثرائهم العظيم.

وفي هذه المدينة نشأ الرياضيون المشهورون أمثال ميلو، كما نشأت أعظم مدرسة طبية في بلاد اليونان الكبرى  ولعل اشتهار كروتونا بأنها ملجأ صحي حبب إلى فيثاغورس المجيء إليها. ومعنى فيثاغورس هو “الناطق الفيثي” بلسان مهبط الوحي في دلفي، وكان كثيرون من أتباعه يرون أنه هو أبلو نفسه، ويدعي بعضهم أنه أبصر وميض فخذه الذهبية”.

نشأته..

ويواصل الكتاب عن حياته: “وتقول الروايات المتواترة إنه ولد في ساموس حوالي عام 580، وتتحدث عن جده في صباه. وتعزو إليه أنه صرف ثلاثين عاماً في الأسفار. ويقول عنه هرقليطس، وهو الرجل الشديد الاقتصاد في مدحه إن “فيثاغورس كان أكثر الباحثين مثابرة”. ويروى عنه أنه زار بلاد العرب، وسوريا، وفينيقية، وكلديا، والهند، وغالة، وعاد يلقي على الرحالة حكمة غالية جديرة بالإعجاب هي قوله: إذا كنت مسافرا في خارج بلادك فلا تلتفت وراءك إلى حدودها”، ويجب أن تكبح جماح نزواتك عند كل ثغر تدخل فيه.

وما من شك في أنه زار مصر حيث درس مع الكهنة، وتعلم الكثير من علم الفلك والهندسة النظرية،. ولما عاد إلى ساموس ووجد أن طغيان بوليكراتيز يحد من طغيانه هو هجرها إلى كروتونا وكان قد جاوز الخمسين من العمر.

وهنا اشتغل بالتدريس، وكانت هيبته، وغزارة علمه، واستعداده لقبول النساء والرجال في مدرسته، سبباً في إقبال الناس عليها حتى بلغ عدد من فيها بضع مئات في زمن قصير”.

تكافؤ الفرص..

وعن مدرسته: “وقد قال بمبدأ تكافؤ الفرص للذكور والإناث على السواء قبل أن ينادي بذلك أفلاطون بمائتي عام، ولم يناد به فحسب بل نفذه عملياً. على أنه مع ذلك لم يكن ينكر أن بين الجنسين فوارق طبيعية من حيث وظائف كل منهما. وكان يعلم تلميذاته الشيء الكثير من الفلسفة والآداب، ولكنه كان يعلمهن أيضا فن الأمومة والتدبير المنزلي، ومن أجل ذلك اشتهرت النساء الفيثاغوريات في الزمن القديم بأنهن “أعلى نموذج في الأنوثة أخرجته بلاد اليونان في جميع العصور.”

وقد وضع فيثاغورس لطلابه بصفة عامة قواعد تكاد تحول مدرسته إلى دير للراهبات. فقد كان من يدخلونها يقسمون يمين الولاء للأستاذ ولبعضهم بعضا. وتجمع الروايات المأثورة على أنهم كانوا يشتركون على قدم المساواة في جميع طيبات الحياة ما داموا يعيشون في هذه الجماعة الفيثاغورية. وكان اللحم والسمك والفول محرمة عليهم، أما الخمر فلم تكن محرمة؛ ولكنه كان يوصيهم بشرب الماء، وتلك وصية شديدة الخطورة في جنوبي إيطاليا في هذه الأيام. وربما كان تحريم اللحم لسبب ديني ذي صلة بعقيدة تقمص الأرواح، فإن على الناس أن يحذروا أن يأكلوا أجدادهم. والراجح أنه كان يباح للطلاب أن يخرجوا على حرفية هذه القواعد من حين إلى حين”.

ويرى المؤرخون الإنجليز بنوع خاص أن من غير المعقول أن يصبح المصارع ميلو الفيثاغوري أقوى رجل في بلاد اليونان كلها دون أن يأكل لحم العجول، وإن كان العجل الذي أصبح بين ذراعيه ثورً قد شب على أكل الكلأ. وكان يحرم على أفراد هذه الجماعة أن يقتلوا أي حيوان لا يؤذي الإنسان أو أن يتلفوا شجرة مزروعة. وكان يطلب إليهم أن يلبسوا الثياب البسيطة وأن يطرحوا الكبرياء، وألا “يندفعوا في الضحك، وألا يكونوا مع ذلك عابسين”. ولم يكن يباح لهم أن يقسموا بالآلهة لأن “من الواجب على كل إنسان أن يعيش عيشة تجعله خليقاً بأن يصدقه الناس دون أن يلجأ إلى القسم”.

وكان محرماً عليهم أن يقدموا الضحايا قرباناً، وكان في وسعهم أن يتعبدوا أمام المذابح التي لم تلوثها الدماء. وكان عليهم أن يسألوا أنفسهم في آخر كل يوم عما ارتكبوه من الذنوب، وعما أهملوه من الواجبات، وعما فعلوه من الخير”.

 زهد..

 وبفصل الكتاب عن زهده: “وقد أخذ فيثاغورس نفسه بهذه القواعد ورعاها أشد مما رعاها أي تلميذ من تلاميذه اللهم إلا إن كان هو ممثلاً من أبرع الممثلين. وما من شك في أن أسلوب حياته قد أكسبه من احترام طلابه وسلطانه عليهم ما جعلهم يتحملون طغيانه بلا تذمر، وما جعل الكلمة الفاصلة في كل جدال أو نظرية هي: لقد قالها هو نفسه “Autos epha-ipsi dixit”. وقد نقل إلينا في عبارة تنم عن التعظيم وتستثير الإعجاب أن المعلم نفسه لم يشرب الخمر بالنهار أبدا، وأنه كان يعيش معظم أيامه على الخبز والعسل، وأن حلواه كانت هي الخضر، وأن ثوبه كان على الدوام ناصع البياض؛ وأنه لم يُعرف عنه قط أنه أفرط في الأكل، أو عشق، وأنه لم يغرق في الضحك، أو المزاح، أو القصص، ولم يعاقب إنسانا مطلقا ولو كان عبدا. وكان تيمن الأثيني يظنه “مشعوذا يخادع بقول الجد، ويعمل على اصطياد الناس”، وينقض هذا القول أن زوجته ثيانو وابنته  دامو كانتا من أشد أتباعه إخلاصاً له، وقد كان في وسعهما أن توازنا بين فلسفته وحياته. ويقول ديوجنيز ليرتس إنه “عهد بتعليقاته إلى دامو وأمرها ألا تذيعها لأي إنسان في خارج البيت، وإنها لم تفرط قط في أحاديثه مع أنه كان في وسعها أن تبيعها بالمال الكثير، لأنها كانت ترى أن طاعة أوامر والدها أثمن من الذهب، ويزيد في فضلها أنها امرأة””.

المجتمع الفيثاغوري.. 

ويتابع الكتاب: “وكان الانضمام إلى المجتمع الفيثاغوري يتطلب، فضلا عن تطهير الجسم بالعفة وكبح الشهوات، تطهير العقل بدراسة العلم. وكان ينتظر من الطالب الجديد أن يلتزم “الصمت الفيثاغوري” مدى خمس سنين  ولعل المقصود بالصمت الفيثاغوري أن يتقبل الأوامر من غير سؤال أو مناقشة قبل أن يعترف به عضوا كاملا في الجماعة، وقبل أن يسمح له بأن “يرى” فيثاغورس أي أن يدرس عليه. وتنفيذا لهذا النظام كان التلاميذ يقسمون إلى طلاب خارجيين وطلاب داخليين، وكان الداخليون هم الذين يحق لهم أن يعرفوا الحكمة السرية للمعلم نفسه.

وكان منهج الدراسة يتألف من أربعة موضوعات: الهندسة النظرية، والحساب، والفلك، والموسيقى. وكان يبدأ بالرياضيات  ولكنها لم تكن العلم العملي الذي استحالت إليه على أيدي المصريين القدامى، بل كانت علما مجردا نظريا يبحث في الكميات، ومثلا أعلى في التدريب المنطقي يجعل التفكير منظما واضحا بعرضه على محك الاستدلال الصارم والبرهان الواضح الملموس.

وأضحت الهندسة النظرية من ذلك الوقت مجموعة من البديهيات، والنظريات، والبراهين. وكانت كل خطوة في القضايا المنطقية المتتالية ترفع الطالب إلى مستوى أعلى من مستواه السابق  على حد قول الفيثاغوريين  يستطيع منه أن يطلع أكثر من ذي قبل على بناء العالم”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة