قصة الحضارة (193):  لولا التجارة ما أمكن قيام الحضارة في أتكا

قصة الحضارة (193):  لولا التجارة ما أمكن قيام الحضارة في أتكا

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن أتكا التي تنتمي للحضارة اليونانية وأهلها الذين اشتغلوا بالتجارة. وذلك في الحلقة الثالثة والتسعين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

أتكا..

انتقل الكتاب إلي الحديث عن أتكا: “إن الجو نفسه في هذا الإقليم يختلف فهو هنا نظيف، بارد، مضيء؛ وكل سنة هنا تحتوي على ثلاثمائة يوم ذات شمس ساطعة. وإذا قدم الإنسان إليه تذكر من فوره وصف شيشرون “هواء أثينة الصافي الذي يقال إنه كان له أكبر الأثر في حدة عقول أهل أتكا”. ويسقط المطر في أتكا في الخريف والشتاء، وقلما يسقط في الصيف والضباب نادر فيها، ويسقط الثلج في أثينة مرة واحدة في العام تقريبا، ويسقط أربع مرات أو خمساً كل عام على قمم الجبال المحيطة بها. والصيف هنا حار ولكنه جاف يطاق؛ وكانت الأراضي المنخفضة في الزمن القديم ذات مناقع تنتشر فيها الملاريا فتقلل من ملائمة الهواء للصحة.

وتربة أتكا فقيرة، والصخور الصلبة قريبة من سطح الأرض في كل مكان تقريبا، وهذا القرب يجعل الزراعة كفاحا شاقا للحصول على أبسط ضرورات الحياة؛ ولولا التجارة التي تتطلب كثيرا من المغامرة، وزراعة الزيتون والكرم التي تتطلب كثيراً من الصبر، لما أمكن قيام الحضارة في أتكا.

وأكثر ما يدهش له الإنسان أن تقوم مدن كثيرة في هذه الشبه الجزيرة القاحلة؛ فهي تطالع الإنسان في كل مرفأ على الساحل، وفي كل وادٍ بين التلال.

شعب نشيط..

وعن شعبها يواصل الكتاب: “فقد استقر في أتكا شعب نشيط مغامر إبان العصر الحجري الحديث أو قبله، وأكرم وفادة القادمين عليه من الأيونيين وهم مزيج من البلاسجيين الميسينيين والآخيين الفارين من بؤوتية والبلوبونيز أمام المهاجرين والغزاة الشماليين، وتزوج منهم وتزوجوا منه. ولم يكن هؤلاء القادمون فاتحين من الأجانب، يستغلون أهل البلاد الأولين، بل كانوا سلالة مختلطة من شعوب البحر المتوسط، متوسطي القامة، سمر البشرة، ورثوا من طريق مباشر دم الحضارة الهيلينية وثقافتها، وكانوا يعتزون بنشأتها وصفاتها الأصلية، ويصدون عن قدسها القومي، الأكربوليس، الدوريين نصف الهمج الحديثي العهد بالثقافة اليونانية.

وكان نظامهم الاجتماعي مستمداً من صلة الدم هذه؛ فكانت كل أسرة تنتمي إلى قبيلة من القبائل يدعى أفرادها أنهم من نسل بطل مقدس واحد، ويعبدون إلها واحدا، ويشتركون في حفلات دينية واحدة، ولهم أركون، حاكم واحد وخازن على المال واحد، ويملكون مجتمعين بعض الأراضي العامة، ويستمتعون بحق التزاوج والتوارث، ويقبلون ما تفرضه عليهم واجبات التعاون، والثأر، والدفاع، ويوارون التراب آخر الأمر في مدافن القبيلة”.

قبائل..

وعن التكوين القبلي يضيف الكتاب: “وكانت كل قبيلة من قبائل أتكا الأربع تتألف من ثلاثة بطون، وكل بطن من ثلاث أفخاذ وكل فخذ من ثلاثين من آباء الأسر أو نحوهم. وكان تقسيم المجتمع الأتيكي هذا التقسيم القائم على صلة القربة مما يسر تنظيمه الحربي وتعبئته العسكرية، كما أنه ساعد على قيام طبقة أرستقراطية من الأسر القديمة اضطر كليسثنيز بسبب وجودها إلى إعادة توزيع القبائل قبل أن يستطيع إقامة نظام ديمقراطي في البلاد.

ويغلب على الظن أن كل بلدة أو قرية كانت في الأصل مواطن بطن من البطون وكانت تسمى أحياناً باسم هذا البطن أو باسم الإله أو البطل الذي تعبده، وكانت هذه هي الحال في أثينة نفسها. وإذا أقبل السائح على أتكا من بؤوتة الشرقية التقى أولاً بأوروبوس وانطبعت في ذهنه صورة غير جميلة لهذا الإقليم، لأن أوروبوس كانت بلدة قائمة عند تخومه يرتاع لها السائح ارتياعه من أية بلدة مثلها في هذه الأيام. ويصفها ديكي آركوس s حوالي عام 300 ق. م بقولهِ إن “أوروبوس معشش للبائعين المحتالين. وموظفو الجمارك في هذه البلد شرهون شرها لا يدانيه شره سواه، وخستهم متأصلة في لحمهم وعظامهم. ومعظم أهلها غلاظ شرسو الطباع، لأنهم أطاحوا برؤوس المؤدبين الظرفاء من الأهلين”.

بلدان متقاربة..

ويتابع الكتاب: “وإذا اتجه السائح من أوروبوس نحو الجنوب التقى في الزمن القديم بسلسلة من البلدان المتقاربة؛ رامنوس، أفدنا، دسليا، وهي مكان ذو موقع حربي حصين اشتهر في حرب البلوبونيز، وأكارني موطن ديسبوبوليس داعية السلام الشرس في مسرحيات أرستفنيز، ومراثون، وبرورونيا. وفي الهيكل العظيم الذي كان قائماً في هذه المدينة الأخيرة نصب تمثال أرتميس الذي جاء بهِ أرستيز وإفيجينيا من كرسنيز في طوروس، وكان يحج إليهِ كل أربعة أعوام كل من يستطيع الحج إليها من أهل أتكا ليشتركوا في حفلات التقى  المعروفة باسم برورونيا أو عيد أرتميس. وبعد هذا يلتقي السائح ببراسية وثوركوس ، ثم يدخل إقليم لوريوم الذي تستخرج الفضة من مناجمهِ، والذي كان عظيم الشأن في تاريخ أثينة الاقتصادي والحربي؛ ثم يلتقي في طرف شبه الجزيرة بسونيوم التي شيد على أطرافها هيكل جميل يهتدي به الملاحون ويوفون فيه بنذورهم إلى بوسيدن. وعلى الساحل الغربي لأن نصف أرض أتكا سواحل، واسمها نفسه مشتق من أكتيكي أي أرض السواح.

يمر المسافر بأنافلستوس ويصل إلى جزيرة سلاميس موطن إجاكس ويوربديز، ومن بعدها إلى إلوسيس المدينة المقدسة لدمتر وطقوسها الخفية، ثم يعود آخر الأمر إلى بيريس بيرية. وإلى هذا المرفأ، الأمين الذي ظل مهملاً حتى كشف ثمستكليز فائدته العظيمة، صارت السفن فيما بعد تنقل جميعها غلات عالم البحر المتوسط لتستخدمها أثينة فيما بعد عليها بالمنفعة أو اللذة. وكان جدب تربة أتكا، وقرب أجزائها كلها من شاطئ البحر، ووفرة الموانئ الصالحة، كان هذا كله حافزاً لأهل أتكا للاشتغال بالتجارة؛ وقد كسبوا بفضل شجاعتهم وقوة ابتكارهم أسواق بحر إيجة؛ ومن هذه الإمبراطورية التجارية العظيمة نشأت ثروة أثينة، وقوتها، وثقافتها، في عصر بركليز”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة