7 نوفمبر، 2024 5:55 ص
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (169): تقدمت النساء الصفوف في الحياة الكريتية

قصة الحضارة (169): تقدمت النساء الصفوف في الحياة الكريتية

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن نشأة حضارة اليونان وعن الملابس والحلي ومكانة النساء في حضارة كريت. وذلك في الحلقة التاسعة والستين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

حضارة تستعاد من بقاياها..

يواصل الكتاب الحديث عن حضارة اليونان: “إذا شئنا أن نستعيد هذه الحضارة المدفونة مما بقي من آثارها أي أن نفعل بآثار كريت المتفرقة ما فعله كوفييه بالعظام البشرية المشتتة وجب علينا أن نذكر أننا نقدم بهذا العمل على مغامرة تاريخية لا تؤمن مغبتها، وللخيال فيها شأن كبير، لأنه هو المصدر الذي نستمد منه الصلات الحية التي تسد الثغرات وتربط المادة العلمية الضئيلة المشتتة التي يحركها المؤرخون حركة اصطناعية، بعد أن ماتت من زمن طويل.

وسيظل ما تنطوي عليه جزيرة كريت من معلومات مجهولا خافيا على العالم حتى يقيض للأسرار المخبوءة في ألواحها عالم مثل شمبليون”.

الرجال والنساء..

ويكمل الكتاب: “بين الكريتيين، كما يتصورهم فنانوهم، وبين البلطة المزدوجة التي تظهر كثيراً في رموزهم الدينية شبه غريب فالرجال منهم والنساء لهم أجسام تدق من أعلاها ومن أسفلها حتى تنتهي في الوسط بدائرة شديدة الضيق كطراز هذه الأيام، ولكنه مبالغ فيه. وكلهم تقريباً قصار القامة نحاف، لدن، رشيقو الحركة، ذوو أناقة رياضية. وهم بيض البشرة وقت مولدهم؛ فأما نساؤهم اللائي يلازمن الظل فلهن وجوه بيض، جرى عرفهم بأن تمثل في صورهن ضاربة إلى الصفرة؛ وأما الرجال الذين يسعون في مناكب الأرض طلباً للرزق، فقد لوحت الشمس وجوههم فاحمرت، ولذلك كان اليونان يسمونهم كما كانوا يسمون الفينيقيين الفوينيقيين أي الأرجواني اللون، ورؤوسهم أقرب إلى الطول منها إلى العرض، ومعارفهم حادة دقيقة، وشعورهم وعيونهم سوداء براقة كشعور الإيطاليين وعيونهم في وقتنا الحاضر.

ولا جدال في أن هؤلاء الكريتيين فرع من جنس “البحر الأبيض المتوسط”؛ والرجال منهم والنساء يرسلون شعرهم، بعضه معقوص فوق رؤوسهم وأعناقهم، وبعضه في حلقات فوق جباههم، وبعضه الآخر في غدائر تنوس على أكتافهم أو صدورهم. ويضيف النساء إلى ذلك أشرطة في غدائرهن، أما الرجال فكانوا يصطحبون معهم حتى في قبورهم طائفة من شفرات الحلاقة ليحتفظوا بوجوههم حليقة نظيفة حتى في القبور. ”

الملابس..

وعن ملابسهم يضف الكتاب: “وليست ملابسهم بأقل غرابة من أجسامهم، فقد كان الرجال يضعون على رؤوسهم إذا وضعوا شيئاً عليها لأنهم كانوا في أغلب الأحيان يتركونها عارية عمائم أو قبعات عراضاً، وكان النساء يلبسن قبعات فخمة من طراز القبعات التي كانت منتشرة في بداية القرن العشرين. وكانوا في العادة حفاة الأقدام، عدا أفراد الطبقات العليا، فقد كانوا أحياناً ينتعلون أحذية بيضاء من الجلد، كانت عند النساء مزركشة جميلة في أطرافها، مزينة سيورها بالخرز.

ولم يكن الرجال في العادة يلبسون شيئاً على أجسامهم فوق وسطهم، أما في أوساطهم فكانوا يلبسون تنورات قصيرة، أو مناطق تكون أحياناً منتفخة من الأمام تأدباً وأحتشاماً. وقد تكون “التنورة” مفتوحة من الجانبين عند العمال، أما عند العظماء وفي الحفلات فكانت تطول حتى تصل إلى الأرض عند الرجال والنساء على السواء. وكان الرجال يلبسون السراويل أحياناً، وكانوا في الشتاء يلبسون رداء خارجياً طويلاً يتخذ من الصوف أو الجلد. وكانت الملابس تربط ربطاً محكماً في وسط  الجسم، لأن الرجال والنساء جميعاً كانوا يحرصون على أن يكونوا أو أن يبدوا رفيعي الوسط كأن أجسامهم تتركب من مثلثين.

وأرادت النساء في العصور المتأخرة أن ينافسن الرجال في ضيق أوساطهن فعمدن إلى المشدات القوية تجمع تنوراتهم حول أعجازهن، وترفع أثداءهن العارية إلى ضوء الشمس. وكان من عادات الكريتيات الظريفة أن تبقى صدورهن عارية، أو تكشفها قمصان شفافة، ولم يكن أحد يتحرج من هذا أو يرى فيه غضاضة. وكان المجول ربط تحت الصدر، ثم ينفتح فتحة دائرية غير دقيقة، ثم يعود فينطبق إنطباقاً جميلاً حول العنق أشبه بالطوق المديشي الطراز. وكانت الأكمام قصيرة منتفخة في بعض الأحيان؛ وكانت التنورات تزدان بالثنايا والألوان الزاهية، وتتسع كثيراً عند العجز، وتقوَّى في أغلب الظن بأعواد من المعدن أو بأطواق أفقية الوضع.

وإنا لنرى في ترتيب ملابس الكريتيات وأشكالها تناسقاً في الألوان، وجمالاً في الأشكال، ورقة في الذوق، تنم عن حضارة غنية راقية ازدهرت فيها الفنون وارتقت أساليب الحياة. ولم يتأثر اليونان بالكريتيين في هذه المسائل ولم تتغلب أزياؤهم على غيرها من الأزياء إلا في العواصم الحديثة؛ بل إن علماء الآثار أنفسهم يطلقون اسم “الباريسية” على صورة المرأة الكريتية ذات الصدر المرتفع البراق، والعنق الجميل، والفم المغري، والأنف البارز، والجمال القوي المثير. إن هذه المرأة لتجلس أمامنا اليوم في غير حياء مصورة في طنف منقوش، يطل فيه جماعة من العظماء على منظر لن يسمح لنا الزمان برؤيته ما حيينا. ”

الحلي..

وعن الحلي يذكر الكتاب: “وواضح في هذه الرسوم أن رجال كريت كانوا يحمدون لنسائها ما يخلعنه على الحياة من لطف ومغامرات، لأنهم لا يبخلون عليهم بما يحتجن من مال يزدن به جمالهم وفتنتهن. فقد كشف في الآثار عن حلى كثيرة مختلفة الأنواع من دبابيس للشعر نحاسية وذهبية، ودبابيس ومشابك منقوشة عليها بالذهب حيوانات أو أزهار، أو رؤوس من البلور أو المرمر، وأقراط مزركشة بخيوط من الذهب تختلط بالشعر، وعصائب أو حلى من المعادن النفسية تربطه، وأقراط أو قلادات مدلاة من الآذان، ومشابك وخرز وعقود على الصدر، وأساور في الأذرع، وخواتم في الأصابع من فضة، وعقيق، وجزع، وجمشت، وذهب.

وكان الرجال يتحلون أيضاً ببعض هذه الحلي، فإذا كانوا فقراء لبسوا عقوداً وأساور من حجارة عادية، وإذا أمكنتهم مواردهم أزينوا بخواتم كبيرة نقشت عليها صور الحرب أو الصيد. ونرى الساقي في الصورة الذائعة الصيت يلبس في عضده الأيسر إسورة عريضة من معدن نفيس، وفي معصمه إسورة مطعمة بالعقيق. ونرى الرجل في الحياة الكريتية أيا كان موضعه يعرض أنبل عواطفه وأشد ما يفتخر به من هذه العواطف وهي حرصه على التجمل.”

وضع المرأة..

وعن قوة المرأة اجتماعيا يحكي الكتاب: “وتكاد النساء أن يكن صاحبات السلطان الأعلى في الحياة الكريتية ذلك أن المرأة المينوية لم تكن ترضى بحياة العزلة التي كانت تسود بلاد الشرق، ولم تكن تطيق الحجاب أو البقاء في الدور، وليس ثمة دليل على أنه كان للنساء أجنحة خاصة في المنازل. لقد كانت المرأة تشتغل في البيت بلا ريب كما تفعل بعض النساء حتى في وقتنا هذا، تنسج الأقمشة وتضفر السلال، وتطحن الحب وتخبز العيش؛ ولكنها كانت فوق ذلك تعمل مع الرجل في الحقل وتصنع معه الفخار، وتختلط بالرجال في الأسواق.

وكان النساء يجلسن في المقاعد الأمامية في دور التمثيل وفي حلبات الألعاب، وينتقلن في المجتمعات الكريتية وعليهم سيماء العظمة والملل من التعظيم والتمجيد. ولما أن صاغت الأمة أربابها كان هؤلاء الأرباب في أكثر الأحيان أشبه بالنساء منهم بالرجال. وإن العلماء المبجلين المشغفين على غير علم منهم شغف لا غضاضة عليهم فيه بصورة الأم المنقوشة على صفحات قلوبهم ليطأطئون رؤوسهم إجلالاً أمام آثار المرأة في هذه الحضارة، ويقفون مذهولين أمام سلطانها العظيم”.

المجتمع..

وعن المجتمع: “وسوف نفترض أن كريت في عهدها القديم كانت تقسمها جبالها أقساماً تسكنها عشائر قليلة العدد متحاسدة متباغضة، تقيم في قرى منفصلة مستقلة، يحكمها زعماؤها، وتتقاتل كما يتقاتل سائر الناس بفطرتهم. ثم يظهر من بين هؤلاء الزعماء زعيم قدير يضم عدداً من هذه العشائر تحت سلطانه، ويؤلف منها مملكة، ويشيد قصره الحصين في كنوسس أو فستوس أو تلنيسوس أو غيرها من المدن، ثم تصبح الحروب أقل عدداً وأكثر أتساعاً وأشد تقتيلا. ثم تنضم المدن كلها وتحارب دفاعاً عن الجزيرة بأجمعها وتنتصر كنوسس؛ وتنشئ المدينة المنتصرة أسطولا بحرياً تسيطر به على بحر إيجة، وتقضي على القراصنة، وتفرض الخراج على غيرها من الجزائر، وتناصر الفنون كما فعل بركليز فيما بعد. وهكذا تقوم الحضارة في إثر القرصنة، والحق أن من الصعب قيام حضارة من غير سرقة كما أن من الصعب أن تبقى بغير عبيد

ويستند سلطان الملك، كما يستدل من الآثار، على القوة والبطش، وعلى الدين والقانون. وهو يغوي الآلهة ويستخدمها لمعونته ليجعل طاعة الناس إياه أيسر عليهم وأقل كلفة، ويلقن كهنته الناس أنه من نسل فلكانوس، وأنه تلقى من هذا الإله القوانين التي يصدرها، وإذا ما كان الملك قديرا أو سخيا فإن هؤلاء الكهنة يخلعون عليه من جديد السلطة الإلهية، ويتخذ الملك البلطة المزدوجة وزهرة الزنبق رمزاً لسلطانه كما فعلت روما وفرنسا فيما بعد. وهو يستخدم في تصريف شؤون الدولة، كما تشير بذلك أكداس الألواح، طائفة من الوزراء وموظفي الدواوين والكتبة.”

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة