18 ديسمبر، 2024 10:01 م

قصة الحضارة (163):  أدي الانقلاب الصناعي إلي تحرر المرأة في الهند

قصة الحضارة (163):  أدي الانقلاب الصناعي إلي تحرر المرأة في الهند

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب في الجزء الثاني منه عن التحولات التي حدثت في الهند في القرن 19، وعن دخول الغرب، والانقلاب الصناعي. وذلك في الحلقة الثالثة والستين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

الهند في القرن 19..

يحكي الكتاب عن الهند في فترة القرن التاسع عشر: “الغرب انتقل إلي الشرق بشتى الوسائل، وهو آخذ هناك في تغيير كل وجه الحياة الشرقية؛ فثلاثون ألف ميل من السكة الحديدية قد تشابكت فوق قفار الهند وجبالها، وحملت وجوها غربية إلى كل قرية من قراها؛ وأسلاك البرق والمطبعة قد جاءتا بأنباء العالم المتغير إلى كل من يريدها، فأوحت إليه بإمكان تغير بلاده؛ والمدارس الإنجليزية أخذت تعلم التاريخ البريطاني من وجهه نظر أرادت أن تخلق من الطلاب مواطنين بريطانيين، فغرست  غير عامدة  في النفوس الأفكار الإنكليزية عن الديمقراطية والحرية؛ فحتى الشرق ينهض اليوم برهانا على صدق هرقليطس .

فلما رأت الهند أنها قد غاصت في الفقر إبان القرن التاسع عشر بفعل تفوق المغازل الآلية البريطانية، وقوه المدافع البريطانية بالنسبة إلى ما عند أهل البلاد، فقد أخذت توجه نظرها كارهة إلى تصنيع نفسها، ولذلك ترى الصناعات اليدوية في طريق الاندثار، بينما ترى المصانع الآلية في سبيل النمو والتكاثر؛ ففي “جامستبور” تستخدم “شركه تاتا للحديد والصلب” خمسة وأربعين ألفاً من العمال، وهي تهدد زعامة الشركات الأمريكية في إنتاج الصلب؛ ويزداد إنتاج الفحم في الهند ازديادا سريعا؛ وربما لا يمضي جيل واحد حتى تلحق الصين والهند بأوربا وأمريكا في إخراج مواد الوقود والصناعة الرئيسية من جوف الأرض.

وقد لا تكتفي هذه الموارد الأهلية بسد حاجات الأهالي، بل تجاوز ذلك إلى منافسة الغرب على أسواق العالم، وعندئذ يهبط مستوى المعيشة عند أهل بلادهم هبوطا شديدا، بسبب منافسة العمال ذوي الأجور المنخفضة في البلاد التي كانت فيما مضى طبعة متأخرة “أعني بها البلاد الزراعية” ، ففي البنغال مصانع على نمط كان معروفا في أواسط العصر الفكتوري تدفع أجورا على الأسلوب العتيق، مما يستدر الدموع في أعين المحافظين في البلاد الغربية”.

حراك طبقي..

وعن حلول رؤوس الأموال الهندية محل الغربيين يواصل الكتاب: “وقد حل أصحاب رؤوس الأموال الهنود محل نظائرهم البريطانيين في كثير من الصناعات، وهم يستغلون بني وطنهم بنفس الجشع الذي كان يستغلهم به الأوربيون الذين يحملون عبء الرجل الأبيض .

ولم يتغير الأساس الاقتصادي في المجتمع الهندي دون أن يترك ذلك التغير أثره في النظم الاجتماعية وعادات الناس الخلقية، فنظام الطبقات كان وليد مجتمع زراعي راكد لا يتغير؛ وهو إن ضمن النظام فلا يتيح طريق الصمود للعبقري إذا ظهر في طبقة دنيا، ولا يفسح من مجال الطموح والأمل، ولا يحفز الناس على الابتكار والمغامرة؛ ولذا فقد قضى عليه بالفناء حين بلغت الثورة الصناعية شواطئ الهند.

فالآلات لا احترام عندها للأشخاص، ففي معظم المصانع يعمل الناس جنبا إلى جنب بغير تميز الطبقات؛ والقطارات وعربات الترام تهيئ مكانا للجلوس أو للوقوف لكل من يدفع الأجر المطلوب والجمعيات التعاونية والأحزاب السياسية تضم كل المراتب في صعيد واحد؛ وفي زحمة المسرح أو الطريق في المدينة، تتدافع المناكب بين البرهمي والمنبوذ فتنشأ بينهما زمالة لم تكن متوقعة، وقد أعلن أحد الراجات أن كل الطبقات والعقائد ستفتح لها أبواب قصره.

وأصبح رجل من فئة “الشودرا” حاكماً مستنيراً لإقليم “بارودا” واستنكرت جمعية “براهما – سوماج” نظام الطبقات؛ وأيد “مؤتمر بنغال الإقليمي” التابع “للمؤتمر القومي” إلغاء الفوارق الطبقية كلها فورا، وهكذا تعمل الآلات على رفع طبقة جديدة رويدا رويدا إلى الثراء والقوة وتسدل الستار على طبقة أرستقراطية هي أقدم الطبقات الأرستقراطية القائمة اليوم.

وبالفعل فقدت الألفاظ المستعملة في التمييز بين الطبقات معانيها؛ فكلمة “فاسيا” تراها في الكتب اليوم، لكنك لا ترى لها مدلولاً في الحياة الواقعة؛ حتى كلمة “شودرا” قد اختفت في الشمال، بينما ظلت في الجنوب قائمة لكنها باتت لفظة تدل دلالة غامضة على كلٌ من ليس ببرهمي؛ والواقع أن الطبقات الدنيا في سالف الأيام قد حل محلها ما يزيد على ثلاثة آلاف “طبقة” هي في الحقيقة نقابات: ممولون وتجار وصناع ومزارعون ومعلمون ومهندسون وبائعون جوابون وجزارون وحلاقون وسماكون وممثلون ومستخرجو الفحم، وغسالات وبائعات وحوذية وماسحو أحذية.هؤلاء تنتظمهم طبقات مهنية تختلف عن نقابات العمال في أنه من المفهوم على نحو غامض أن الأبناء سيحترفون مهن آبائهم”.

المنبوذون..

وعن المنبوذون في اي نظام طبقي يضف الكتاب: “إن ما ينطوي عليه نظام الطبقات من مأساة عظمى هو أنه قد ضاعف على مر الأجيال من “المنبوذين” الذين ينخرون بعددهم المتزايد وثورة نفوسهم في قوائم النظام الاجتماعي الذي هم صنيعته؛ ويضم هؤلاء المنبوذين في صفوفهم كل من فرض عليهم الرق بسبب الحرب أو عدم الوفاء بالدين، ومن ولدوا عن زواج بين البراهمة وشودرات، ومن تعست حظوظهم بحيث قضى القانون البرهمي على مهنهم بأنها مما يحط بقيمة الإنسان كالكناسين والجزارين، والبهلوانات والحواة والجلادين؛ ثم تضخم عددهم بسبب كثرة التناسل كثرة حمقاء تراها عند من لا يملك شيئاً يخاف على فقده؛ وقد بلغ بهم فقرهم المدقع حداً جعل نظافة الجسد والملبس والطعام بمثابة الترف الذي يستحيل عليهم أن ينعموا به، فيجتنبهم بنو وطنهم اجتنابا يمليه كل عقل سليم.

ولذلك تقتضي قوانين الطبقات على “المنبوذ” ألا يقترب من عضو في طبقة “الشودرا” بحيث تقل المسافة بينهما عن أربعة وعشرين قدما، وإذا وقع ظلُّ “منبوذٍ” “رجل من طبقة الباريا” على رجل ينتمي إلى الطبقات الأخرى، كان على هذا الأخير أن يزيل عن نفسه النجاسة بغسل طهور؛ فكل ما يمسه المنبوذ، يصيبه الدنس بمسه إياه، وفي كثير من أجزاء الهند لا يجوز للمنبوذ أن يستقي ماء من الآبار العامة، أو أن يدخل معابد البراهمة، أو أن يرسل أولاده إلى المدارس الهندوسية، ولئن عملت السياسة البريطانية إلى حد ما على إفقار طبقة المنبوذين، فقد جاءتهم على الأقل بالمساواة مع غيرهم أمام القانون، وبحق الدخول  على قدم المساواة مع سائر الطبقات  في المدارس والكليات التي يقوم البريطانيون على إدارتها؛ وكان للحركة القومية، بتأثير غاندي، فضل كبير في الحد من الحوائل التي كانت تسد الطريق أمام المنبوذين؛ ويجوز ألا يأتي الجيل المقبل إلا وهم أحرار في الظاهر حرية تمس القشور”.

الانقلاب الصناعي..

وعن تأُثير الانقلاب الصناعي علي المجتمع يحكي الكتاب: “وكذلك عمل دخول الصناعة والأفكار الغربية على زعزعة الأفكار القديمة التي كان يتمتع بها الرجل في الهند، فالانقلاب الصناعي يعمل على تأجيل سن الزواج، ويتطلب “حرية” المرأة، وأعني بذلك أن المرأة لا يمكن إغراؤها بالعمل في المصنع إلا إذا اقتنعت بأن الدار سجن، وأجاز لها القانون أن تدخر كسبها لنفسها؛ ولقد ترتب على هذا التحرير كثير من الإصلاحات الحقيقية جاءت عرضا، فحرم زواج الأطفال رسميا “سنة 1929م” برفع سن الزواج قانونا إلى الرابعة عشرة للفتيات والثامنة عشرة للفتيان.

واختفت ظاهرة “السوتي” “أي دفن الزوجة التي مات زوجها حية”، ويزداد زواج الأرامل كل يوم وتعدد الزوجات جائز قانونا ولكن لا يمارسه إلا قليلون وإن رجاء السائحين ليخيب حين يجدون أن راقصات المعبد أوشكن على الانقراض، فالتقدم الأخلاقي في الهند يسير بخطوات سريعة لا يضارعها في سرعتها بلد آخر؛ فالحياة الصناعية في المدينة تخرج النساء من “البردة” حتى توشك ألا تجد ستًّا في كل مائة امرأة في الهند يقبلن اليوم أن يعشن وراء حجاب”.

صحف نسوية..

وعن ظهور صحف تناصر قضايا النساء : “وفي الهند عدد من الصحف الدورية النسوية النابضة بالحياة تناقش فيها أحدث المشكلات، بل تكونت هناك جمعية لضبط النسل واجهت بشجاعة أعقد مشكلة من مشكلات الهند  ألا وهي التناسل المطلق من كل قيد؛ والنساء في كثير من الأقاليم لهن حق التصويت، ويتولين المناصب السياسية، حتى لقد تولت امرأة رئاسة “المؤتمر القومي الهندي” مرتين، وكثيرات منهن قد حصلن على درجات جامعية واشتغلن طبيبات أو محاميات أو معلمات.

ولا شك أنه لا يمضي طويل وقت حتى ينقلب الوضع ويصير زمام الحكم بيد النساء؛ ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم الذي تراه في النداء التالي الذي يشتعل بالحماسة، والذي أصدره تابع من أتباع غاندي موجها إياه إلى نساء الهند، أقول ألسنا على حق إذا زعمنا أن الإثم في هذا النداء يرجع إلى أحد المؤثرات الغربية الجامحة؟

“انبذن (البردة) العتيقة! اخرجن مسرعات من المطابخ! اقذفن بالقدور والأواني مجلجلات في الأركان! مزقن الغشاء الذي ينسدل على عيونكن، وانظرن إلى العالم الجديد! قُلنَ لأزواجكن واخوتكن يطهوا طعامهم لأنفسهم، إن واجبات كثيرة في انتظاركن لأدائها حتى تصبح الهند أمة بين الأمم!””.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة