خاص: قراءة- سماح عادل
حكي الكتاب الحكي عن تأُثر الاحتكاك بالغرب، علي الشعر الياباني والأدب، وعلي مظاهر الحياة الاجتماعية. وذلك في الحلقة الواحد والستين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
زعزعة الحس الجمالي..
استأنف الكتاب الحديث عن تغير الحس الجمالي في اليابان فبعد وقت التصنيع: “كان التقدم العلمي في اليابان كما كان كذلك في الغرب مصحوباً بانحلال في الفنون التقليدية؛ فتقويض الطبقة الأرستقراطية القديمة قد قوض عشاً كان يترعرع فيه حسن الذوق، وراحت الأجيال بعدئذ تتخذ لنفسها ما شاء لها هواها من معايير الجمال، بحيث يستقل كل جيل في معياره الذوقي عما سلفه؛ وتدفقت الأموال من البلاد الخارجية سعياً وراء المنتجات الوطنية، فأدى ذلك إلى الإنتاج السريع الذي يعني بالكم وحده، وانحطت مستويات الرسوم اليابانية تبعاً لذلك، فلما عاد الشارون إلى طلب المصنوعات القديمة، انقلب الصناع جماعة من المزورين، وأصبحت صناعة الآثار القديمة في اليابان كما هي الحال في الصين أروج الصناعات في الفنون الحديثة.
ولعل جانب الصناعة الخزفية المعروف باسم Colisoune أن يكون الفرع الوحيد من فروع تلك الصناعة، الذي تقدم في اليابان منذ قدوم الغرب إلى البلاد؛ فالانتقال المضطرب من الصناعة اليدوية إلى الصناعة الآلية، وهجمة الأذواق والأساليب الأجنبية على أهل البلاد متسترة برداء من الظفر والثروة، قد أدى إلى زعزعة الحس الجمالي عند اليابانيين وإضعاف ذوقهم بحيث لم يعد على ما كان عليه من ثبات؛ وهاهي ذي اليابان قد اختارت السيف اتجاهاً، فلعلها قد كُتب لها أن تعيد تاريخ الرومان بأن تقلد في الفن وتسود في الإدارة والحرب”.
تقليد الحياة الغربية..
وعن التأثر بالغرب يواصل: “لقد لبثت الحياة العقلية في الإمبراطورية الحديثة جيلاً اتجهت خلاله نحو ممالأة الأساليب الغربية، فتكاثرت الكلمات الأوربية في لغة القوم، ونظمت الصحف على الطريقة الغربية، وأنشئت مجموعة من المدارس العامة على غرار المدارس النموذجية الأمريكية؛ إذ صممت اليابان تصميم الأبطال على أن تجعل من نفسها أمة تكون أسبق أمم الأرض جميعاً في إزالة الأمية، وقد نجحت فيما أرادت، ففي سنة 1925 كان يختلف إلى المدارس من أبناء البلاد 4ر99 في المائة، وفي سنة 1927 كان في مستطاع 93 في كل مائة من أهل البلاد جميعاً أن يقرءوا.
فقد أقبل الطلاب على الحركة العرفانية العلمانية الجديدة إقبالاً فيه حرارة الإيمان الديني، حتى لقد أفسد مئات منهم صحة أبدانهم بسبب حماستهم في كسب المعرفة؛ واضطرت الحكومة اضطراراً أن تتخذ الوسائل الفعالة لتشجيع الرياضة البدنية والألعاب بكافة صنوفها، القومي منها والمستعار من البلاد الخارجية؛ وخرج التعليم من كنفه الديني واصطبغ بصبغة علمانية أكثر مما اصطبغ به التعليم في معظم الأقطار الأوربية.
وأعينت خمس جامعات إمبراطورية، وقامت إحدى وأربعون جامعة أخرى قد تقل في نزعتها الإمبراطورية عن تلك الخمس وضمت بين جدرانها آلاف الطلاب المتحمسين؛ وفي سنة 1931 كانت الجامعة الإمبراطورية في طوكيو تشتمل على 8064 طالباً، وجامعة كيوتو تشتمل على 5552 طالباً.”
الأدب الياباني..
ويضيف الكتاب عن الأدب الياباني: “وأما الأدب الياباني في الربع الأخير من القرن التاسع عشر فقد أفنى نفسه في سلسلة من ألوان المحاكاة، وتوالت على الطبقة المثقفة موجات الحرية الإنجليزية والواقعية الروسية والفردية النيتشية والبراجماتية الأمريكية، فاكتسحتها واحدة بعد واحدة، حتى عادت روح الوطنية فأكدت نفسها، وبدأ الكتاب اليابانيون يكشفون عن مادتهم القومية فيعبرون عنها بأساليبهم القومية.
وقد ظهرت فتاة شابة تدعى “إيشي يو” فافتتحت حركة في كتابة القصة تنحو منحى المذهب الطبيعي قبل موتها سنة 1896 وهي في عامها الرابع والعشرين، وذلك بتقديمها صورة ناصعة عن تعاسة النساء وذلهن في اليابان، وفي سنة 1906 دفع الشاعر “توسون” هذه الحركة إلى أوجها بقصة طويلة عنوانها “هاكاي” أي عدم الوفاء بالعهد، قصَّ فيها بنثر شعري قصة معلم وعد أباه ألا يفضح عن نفسه حقيقتها وهي أنه من طبقة “إيتا” أي الطبقة التي انحدرت من أسلاف عبيد، وبهذا أتيح له بما كان له من قدرة وما ظفر به من تعليم أن يحتل مكانة عالية، فأحب فتاة مهذبة من ذوات المكانة الاجتماعية؛ وبعدئذ فار فورة صدق اعترف فيها بأصله، وتنازل عن حبيبته ومكانته، وغادر اليابان لغير عودة. فكانت هذه القصة عاملاً قوياً في تحريك النفوس تحريكاً انتهى آخر الأمر بإسدال الستار على العوائق التي لبثت طوال التاريخ مفروضة على طبقة “إيتا”.
الشعر وتطوره..
وكانت صورتا الشعر الموجز المعروفتان باسم “تانكا” و “بوكا” آخر صور الثقافة اليابانية استسلاماً للمؤثرات الغربية، إذ لبثتا أربعين عاماً بعد عودة الإمبراطور إلى عرشه الفعلي، هما الصورتين المنشودتين لقرض الشعر الياباني، وفني الروح الشعري في آيات معجزات من البراعة والصناعة، حتى كان عام 1897، ظهر معلم شاب، هو “توسون” في “سنداي”، وباع لأحد الناشرين ديواناً من الشعر بخمسة عشر ريالاً، فجاء هذا الديوان بقصائده الطويلة ثورة تكاد تبلغ في عنفها مبلغ أية ثورة أخرى مما زعزع نسيج الدولة؛ وكان الشعب قد مل الأقوال القصيرة الرشيقة، فأقبل على هذا الديوان ذي القصائد الطويلة إقبال الشاكر.
وسبب بإقباله هذا ثراء للناشر؛ وسار بعض الشعراء الآخرين في إثر توسون، وانتهى الأمر بصورتي الشعر الموجز الـ “تانكا” والـ “بوكا” أن أسلمتا زمام السيطرة بعد أن ظلتا ممسكتين به ألف عام.
وعلى الرغم من ظهور هذه الصور الشعرية الجديدة، فقد ظلت “المباراة الإمبراطورية في قرض الشعر” قائمة كما كانت؛ فالإمبراطور يعلن في كل عام موضوعاً، ثم يسوق مثالاً بنشيد يمليه في ذلك الموضوع؛ وتقتفي الإمبراطورة أثره، وبعدئذ يرسل خمسة وعشرون ألف شاعر ياباني من كافة الأشكال والطبقات، يرسل هؤلاء قصائدهم إلى “مكتب الشعر” في القصر الإمبراطوري، وتشكل لها هيئة تحكيم من أعلى أعلام البلاد؛ حتى إذا ما انتهى التحكيم إلى القصائد العشر الأولى، قرأت على الإمبراطور والإمبراطورة، وطبعت في الصحف اليابانية في العدد الذي يصدر في اليوم الأول من العام، فياله من تقليد بديع خليق أن يدير النفس لحظة عن دنيا التجارة والحروب، وهو يدل على أن الأدب الياباني مازال جزءاً حيوياً في حياة أمة هي أكثر الأمم حيوية في العالم المعاصر”.