11 يونيو، 2024 8:10 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (141): الدين في اليابان كان أعيادا مرحة وحجا إلى روائع الطبيعة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

يحكي الكتاب عن الدين في الحضارة اليابانية القديمة، وكيف كان يتصف بالرحمة واللطف والتدين الهادئ. وذلك في الحلقة الواحد والأربعين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

القديسون..

ينتقل الكتاب للحكي عن الدين في الحضارة اليابانية: “إن شعور الولاء الذي يعلن عن نفسه في الوطنية وفي الحب وفي حب الوالدين وحب الأبناء وحب الخليل وحب الوطن، هو نفسه الشعور الذي لابد أن يلتمس في الكون باعتباره كلاً واحداً، قوة رئيسية يتوجه إليها بالولاء، ويستمد منها شيئاً من القيمة والمعنى اللذين يكونان أوسع نطاقاً من حدود الشخص الواحد، وأدوم بقاء من حدود عمر واحد؛ ولئن كان اليابانيون على درجة من الاعتدال في تدينهم، فهم ليسوا كالهندوس في عمق إيمانهم الديني وشدة انغماسهم في ذلك الدين، كلا ولا هم يشبهون قديسي الكاثوليكية في العصور الوسطى في حدة عاطفتهم الدينية وتهوسهم في عقيدتهم حتى بلغوا في ذلك حد تعذيب أنفسهم.

وقل ذلك عن رجال الإصلاح الديني المتنازعين، لم يكن اليابانيون مثل هؤلاء ولا هؤلاء، ومع ذلك فقد أخلصوا إخلاصاً ظاهراً للتقوى وللصلاة وللفلسفة التي تنتهي بالتفاؤل، حتى لقد تميزوا بذلك من بني عمومتهم المتشككين الذين كان يفصلهم عنهم البحر الأصفر.

لقد جاءت البوذية من لدن مؤسسها سحابة قائمة من التشاؤم، تدعو الناس إلى الموت، لكنها لم تلبث تحت سماء اليابان أن تحولت إلى عقيدة قوامها آلهة وافية، وإلى محافل دينية تبعث الغبطة في النفوس، وأعياد مرحة وحجيج إلى روائع الطبيعة على غرار ما كان يتمناه روسو، وجنة موعودة تسري عن الصدور كروبها؛ نعم إن البوذية آمنت بالجحيم كما آمنت بالجنة.

بل آمنت بوجود عدد من الجحيمات يبلغ مائة وثمانية وعشرين، أعدت لشتى الغايات ومختلف الأعداء وآمنت بعالم للشياطين، كما آمنت بعالم للقديسين، وكذلك آمنت بوجود شيطان مشخص (يسمونه أوني) له قرون وأنف أفطس ومخالب وأنياب، ويسكن في مكان مظلم يقع في الشمال الشرقي، وأنه آناً بعد آن يغري النساء بالذهاب إليه هناك ليمتعنه، كما يغري الرجال ليستمد منهم في غذائه مادة البروتين”.

الرحمة..

وعن تناول اليابانيين الدين بإيجابية يواصل الكتاب: “ولكن إلى جانب هذا كله كانت عقيدة البوذية اليابانية أن هناك “بوذين” كثيرين على استعداد أن يخلعوا على بني الإنسان جزءاً من الرحمة التي جمعوها مقداراً على مقدار بسبب عودتهم إلى الحياة مرة بعد مرة، وفي كل مرة يقضون حياتهم في فضيلة، وكانت هنالك كذلك عقيدة في آلهة رحيمة؛ مثل “مولاتنا كوانون” ومثل “جيزو” الذي يشبه المسيح؛ وفي أمثال هؤلاء تجد الرحمة الإلهية بأدق معانيها.

وكانت العبادة يؤدّى بعضها صلاةً عند مذابح المنازل أو عند أضرحة المعابد، على أن معظم عبادتهم كان يتخذ صورة المواكب المرحة؛ كانت الديانة فيها تخلي المكان الأول لمظاهر الغبطة والفرح، وكانت التقوى تتبدى علائمها في لبس النساء للأثواب الجميلة، وفي انغماس الرجال في ألوان المتع؛ ويستطيع العابد الجادّ في عبادته أن يظهر روحه بالصلاة مدى ربع ساعة تحت شلال دافق في قلب الشتاء، أو بالأخذ في رحلات ينتقل فيها من ضريح إلى ضريح من أضرحة مذهبة ليشبع روحه أثناء هذه الرحلات بجمال أرض الوطن.

ذلك لأن الياباني يستطيع أن يختار لنفسه مذهباً من عدة مذاهب في البوذية: فله أن يحقق وجود نفسه وأن يلتمس سعادة نفسه عن طريق شعائر “زِنْ” (أي التأمل) الهادئة؛ وله أن يتبع “نيشيرين” المتأجج فيأخذ عنه مذهب اللوتس ويظل في صيام وصلاة حتى يظهر له بوذا بشخصه؛ وله أن يختار لطمأنينة نفسه مذهب الأرض الطاهرة؛ بحيث لا يجد الخلاص إلا في الإيمان؛ وله أن يختار لنفسه سبيلها في حج صبور إلى حيث دير “كوباسان” وهناك يبلغ الجنة بأن يدفن في أرض تقدست بفضل ما فيها من عظيم “كوبودايشي”، ذلك العظيم في علمه وفي تدينه وفي فنه، وهو الذي أسس في القرن التاسع مذهب “شنجون” أي مذهب “الكلمة الصادقة”” .

البوذية اليابانية..

ويصف الكتاب ديانتهم: “وعلى وجه الجملة فالبوذية اليابانية هي من أمتع ما اعتقدت فيه الإنسانية من أساطير، ولقد غزت اليابان مسُالمةً، ولم يتعذر عليها وأن تخلي من نفسها مكاناً في لاهوتها وفي عداد آلهتها لمذاهب “شنتو” ولآلهتها، فاندمج بوذا عندهم بـ “أماتيراسو” وخصص مكان متواضع في المعابد البوذية لضريح “شنتو” وكان الكهنة البوذيين الذين ظهروا في القرون الأولى رجالاً فيهم الولاء وفيهم العلم وفيهم الرحمة، وكان لهم أثر عميق في تقدم الآداب والفنون في اليابان، حتى لقد كان بعضهم رسامين أو نحاتين من الطراز الأول، كما كان بعضهم علماء، أخذوا على أنفسهم ترجمة الأدب البوذي والصيني، فكانت ترجماتهم تلك حافزاً قوياً على التقدم الثقافي في اليابان.

على أن هذا النجاح كان سبباً في إفساد الكهنة في العصور المتأخرة، إذ أصبح منهم كثيرون أميل إلى الكسل والجشع، لاحظ في هذا الصدد الصور الرمزية التي كثيراً ما يصورهم بها اليابانيون الذين يحترفون مهنة النقش على العاج أو الخشب، وبَعُدَ بعض أولئك الكهنة عن بوذا بعداً فسيحاً بحيث راحوا ينظمون لأنفسهم جيوشاً ينشئون بها سلطة سياسية أو يحافظون بها على مثل هذه السلطة السياسية إن كانت قائمة”.

تهيئة الأمل..

ولما كان الكهنة يهيئون للناس ضرورة هي أولى ضرورات الحياة، وأعني بها تهيئة الأمل الذي يسّري عن النفوس. فقد ازدهرت صناعتهم حتى في الوقت الذي تدهورت فيه صناعات الآخرين؛ وأخذت ثروتهم تزداد قرناً بعد قرن، بينما لبث الشعب فقيراً على حاله؛ وقد أكد الكهنة للعباد المؤمنين بأن الرجل في سن الأربعين يمكنه أن يشتري عقداً آخر من السنين يضيفه إلى حياته إذا هو دفع رسوماً لأربعين معبداً تدعو له بذلك، ويمكن للرجل في سن الخمسين أن يشتري عشر سنين أخرى إذا دفع الرسوم لخمسين معبداً تدعوا له، وفي سن الستين يستأجر ستين معبداً وهكذا حتى يموت بسبب ما قد يكون في تقواه من نقص.

وكان الرهبان في عهد “توكوجاوا” يشربون الخمر إلى درجة الإسراف ويحيطون أنفسهم بالغانيات صراحة، ويمارسون اللواط، ويبيعون أحسن مناصب الدين إلى من يدفع فيها أغلى الأثمان.

ويظهر أن البوذية قد فقدت سلطانها على الأمة خلال القرن الثامن عشر؛ واتجه الحكام العسكريون نحو الكونفوشية، ونهض “مايوشي” و “موتو أوري” فتزعما حركة تدعو إلى إحياء عقيدة “شنتو”؛ وحاول علماء من أمثال “إشيكاوا” و “أراي هاكوسيكي” أن ينقدوا الدين نقداً عقلياً؛ فقال “إشيكاوا” في جرأة بأن الأصول الدينية التي تتناقلها الأجيال عن طريق الرواية الشفوية يستحيل أن تبلغ من اليقين مبلغ المدونّات المكتوبة؛ وأن الكتابة لم تدخل اليابان إلا بعد ألف عام تقريباً من الأصل المزعوم للجزر اليابانية وأهليها من أن هذه الجزر وهؤلاء الأهلين قد نشئوا من قطرات الرمح التي أمسك بها الآلهة، أو من أصلاب هؤلاء الآلهة؛ وأن ادعاء الأسرة الإمبراطورية بأنها من أصل إلهي، إن هو إلا حيلة سياسية، وأنه إذا لم يكن أسلاف البشر بشراً مثلهم فالأرجح أن يكونوا حيواناً، فذلك أقرب إلى التصديق من أن يكونوا آلهة؛ وهكذا بدأت المدنية في اليابان القديمة، كما بدأت في بلاد كثيرة غيرها، بالدين، وهاهي ذي تدنو من ختامها بالفلسفة”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب