19 ديسمبر، 2024 9:00 م

قصة الحضارة (137):  النظام الطبقي في اليابان كان شديد الظلم للكادحين

قصة الحضارة (137):  النظام الطبقي في اليابان كان شديد الظلم للكادحين

خاص: قراءة- سماح عادل

استأنف الكتاب الحديث عن تكوين الطبقات في الحضارة اليابانية القديمة، وكيف أن الفلاحين كانت أحوالهم الاقتصادية سيئة أشبه بعمال السخرة، كما كانت الأجور ضئيلة، كما حكي عن تطور الصناعات في اليابان. وذلك في الحلقة السابعة والثلاثين بعد المائة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

العمال..

يحكي الكتاب عن أحوال العمال في الحضارة اليابانية القديمة: “انقسمت الجماعة في العصر الإمبراطوري إلي ثماني طبقات، ثم زالت بعض الفوارق في العهد الإقطاعي بحيث أصبحت تلك الطبقات أربعاً: الساموراي (أي السيافون) والصناع والفلاحون والتجار- والطبقة الأخيرة هي كذلك أخيرة في الترتيب الاجتماعي، ويأتي تحت هذه الطبقات جمع غفير من العبيد فتبلغ نسبتهم ما يقرب من خمسة في كل مائة من السكان، وقوامهم المجرمون وأسرى الحرب والأطفال المخطوفون الذين باعهم خاطفوهم، وكذلك الأطفال الذين باعهم آباؤهم عبيداً في الأسواق ويأتي دون هؤلاء العبيد أنفسهم في المنزلة الاجتماعية، طبقة من المنبوذين يسمونهم “إيتا”، يعدهم بوذيو اليابان منبوذين نجسين لأنهم يشتغلون بالحرارة أو بالدباغة أو بحمل القمامة.

والأكثرية العظمى من السكان (الذين بلغ عددهم في أيام يوشيموني عدداً يقرب من ثلاثين مليوناً) كانت تتألف من صغار ملاك الأراضي الذين يزرعون أرضهم زراعة مركزة، وهي مساحة تبلغ ثمن التربة اليابانية الجبلية التي تسمح للمحراث أن يشق جوفها، وحدث في عصر “نارا” أن أممت الدولة الأراضي الزراعية، وأجرتها للفلاحين مدى ست سنوات، أو مدى حياة الفلاح على أكثر تقدير”.

سخرة..

وعن سخرة الفلاحين يواصل الكتاب: “لكن الحكومة سرعان ما تبينت أن الناس لم يعنهم أن يصلحوا الأرض أو أن يحرصوا عليها حرصاً حقيقيـاً مادام من الجائز أن تؤول إلى سواهم بعد حين قصير، وانتهت التجربة بالعودة إلى الملكية الخاصة، مع مد الحكومة الفلاحين بالمال في فصل الربيع ليتمكن الفلاحون من سد نفقات البذر والحصاد، ومع هذه المعونة المالية لم تكن حياة الفلاح على درجة من اليسر تحلل قواه، فلا تزيد مزرعته على شريحة ضئيلة من الأرض، لأن الميل المربع- حتى في ذلك العهد الإقطاعي- كان مورد رزق لألفي رجل وكان على الفلاح أن يسخر في عمل للدولة مدى ثلاثين يوماً كل عام، كان من الجائز خلالها أن يلاقي حتفه بطعنة رمح عقاباً له على لحظة واحدة تراخى فيها عن العمل، وكانت تقتضيه الحكومة ستة في المائة من محصوله ضريبة وغيرها من القروض.

كان ذلك في القرن السابع، أما في القرن الثاني عشر، فكانت تقتضيه سبعة في المائة، وأربعين في المائة في القرن التاسع عشر، وكانت آلاته الزراعية غاية في بساطتها، وثيابه هلاهيل خفيفة في الشتاء، وهو في العادة لا يلبس شيئاً قط في الصيف، وكل أساسه في المنزل قدر للأرز وقليل من الأقداح وبضعة ملاعق خشبية، وداره من الضآلة بحيث يكفي نصف أسبوع لبنائها ذلك لأن الزلازل تحطم له كوخه حيناً بعد حين، أو تقضي عليها المجاعة”.

الأجور..

ويضيف الكتاب عن الأجور: “وإذا عمل أجيراً عند رجل آخر، حددت له الحكومة في عهد توكوجاوا ما يستحق من أجر، لكن تحديد الحكومة للأجور لم يمنع هبوطها هبوطاً فظيعـاً؛ وتجـد فـي كتاب لـ “هوكوكي”وهـو من أشهر كتب الأدب الياباني وصفاً لطائفة من الكوارث اجتمعت كلها في الثمانية الأعوام- ما بين 1177 و 1185- فزلزال ومجاعة وحريق كاد يأتي على كيوتو كلها، ووصفه لما شاهده بعينه من مجاعة سنة 1181 يعد مثلاً من أجمل ما في النثر الياباني:

“حدث في أرجاء البلاد جميعاً أن غادر الناس أراضيهم بحثاً عن سواها، أو نسوا ديارهم وذهبوا إلى التلال يتخذون في شعابها مسكناً؛ ولهجت الألسنة بكل ضروب الدعاء، وأدى الناس كل ألوان الشعائر الدينية التي لم تكن مألوفة في الأيام العادية، إذ أعادوها من جديد، كل ذلك فعلوه بغير ما جدوى. وأبدى سكان العاصمة استعدادهم لتضحية كل ما يملكون من نفائس من شتى الضروب، نفيساً في إثر نفيس من أجل القوت لكن لم يأبه لتلك النفائس أحد عندئذ. واحتشد السائلون الإحسان جماعات على جوانب الطريق، وامتلأت آذاننا بأصوات أنينهم الباكي. كان الناس جميعاً يموتون من جوع، وكلما تقدمت بنا الأيام، ازددنا يأساً حتى لقد أشبهنا ما تروى عنه القصة من سملك البركة.

وانتهى الأمر حتى بأولئك الذين توحي سيماهم بالاحترام، والذين يرتدون القبعات ويغطون الأقدام، انتهى الأمر حتى بأولئك الناس إلى الإلحاف في سؤال الإحسان من باب إلى باب، وكان يحدث أحياناً أن يأخذك العجب كيف يستطيع هؤلاء الذين بلغت بهم تعاسة الحال كل هذا الحد أن يمشوا على أقدامهم، وإذا بك تراهم يسقطون أمام عينيك إعياء، فمات عدد لا يحصى من المجاعة، وكانوا يلفظون أرواحهم بجوار أسوار الحدائق أو إلى جوانب الطرقات؛ ولما كانت أجسادهم لا تجد من يزيلها من أماكنها، فقد امتلأ الهواء بالرائحة النتنة؛ حتى ما إذا أخذ التغير يطرأ على أجسادهم، نشأت مشاهد لا تستطيع العين أن تراها.

ومن لم يكن له كسب يشتري به القوت، هدم داره ليبيع أجزاءها في السوق، وقيل إن الحمل يحمله الرجل بكل طاقته، لم يكن ثمنه ليكفي سد رمقه يوماً واحداً، والعجب أنك كنت ترى في هذا الحطام من أخشاب المنازل، الذي كانوا يبيعونه وقوداً للنار، قطعاً مزدانة في بعض أجزائها بالألوان أو بالفضة أو بطلاء الذهب. وشيء آخر يستثير في النفس أشد أحزانها، وهو أنه إذا كان ثمة رجل وامرأة يربط بينهما رباط الحب الشديد، فالذي كان منهما أقوى حباً من الآخر، وأعمق ولاء، يموت قبل زميله؛ وعلة ذلك أن الواحد منهما يؤثر غيره على نفسه، فالذي يشتد حبه يقدم لمحبوبه رجلاً كان أو امرأة أي شيء يطلبه منه.

فكان الوالدين بطبيعة الحال يموتون قبل أبنائهم؛ كذلك كنت ترى الرضع أحياناً عالقين بأثداء أمهاتهم، لا يعرفون أن هؤلاء الأمهات قد فاضت أرواحهن. وبلغ عدد الموتى في كيوتو الوسطى خلال الشهرين الرابع والخامس وحدهما 300ر42 من الأنفس البشرية”.

الصناعات اليدوية..

وعن الصناعات اليدوية يكمل الكتاب: “يقدم “كيمفر” صورة ساطعة عن الصناعات اليدوية في اليابان كما رآها في كيوتو سنة 1691:

“كيوتو هي المستودع العظيم الذي تخزن فيه كل المنسوجات والسلع اليابانية، وهي المركز التجاري الرئيسي في الإمبراطورية؛ فتكاد لا تجد في هذه العاصمة الكبرى منزلاً واحداً لا يصنع فيه شيء أو يباع شيء؛ فالناس هاهنا يُصفّون النحاس ويسكون النقود ويطبعون الكتب ويطرزون أفخر المنسوجات بزهور الذهب والفضة. وهاهنا كذلك تصنع أحسن صنوف الصبغة وأندرها، وأروع النقوش فناً، وكل ضروب الآلات الموسيقية والصور والخزانات اليابانية، وشتى الأشياء التي تصاغ من الذهب وغيره من المعادن.

وخصوصاً الصلب؛ مثال ذلك السيوف ذوات النصل القوي وغيرها من الأسلحة؛ كل ذلك يصنع هاهنا صناعة بلغت غاية الكمال، كما تصنع أفخر الأردية على خير طراز، وكل صنوف اللعب ونماذج الحيوان التي تحرك رؤوسها من تلقاء نفسها وأشياء أخرى أكثر عدداً من أن يحصرها العدد في هذا المكان؛ واختصاراً لست تستطيع أن تفكر في شيء مما لا تراه يصنع في كيوتو- وليس هنالك شيء مما يستورد من خارج البلاد- مهما بلغت دقة صناعته- مما لا تجد بين صناع العاصمة من يأخذ على نفسه أن يحاكيه. إنه ليس في المنازل التي تقع في الشوارع الرئيسية إلا قلة لا تعرض شيئاً للبيع؛ ولم يسعني إلا العجب أنىَ لهؤلاء الناس الزبائن شراء هذه المقادير الهائلة من البضائع؟””.

تطور الصناعة..

وعن تطور الصناعة يستأنف الكتاب: “لقد استوردت اليابان قبل ذلك بزمن طويل كل فنون الصين وصناعاتها؛ وكما ترى اليابان اليوم قد بدأت تفوق معلميها من أهل الغرب في الاقتصاد والمقدرة على الإنتاج الآلي، فكذلك حدث في أثناء حكومة توكوجاوا العسكرية، إذ أخذ صناعها ينافسون، بل وأحياناً يفوقون زملاءهم من أهل الصين وكورية الذين علموهم الصناعة؛ وكانت معظم الصناعة تقوم بها الأسرة في الدار- كما كانت الحال في أوربا في عصرها الوسيط- وكانت الأسرة تورث صناعتها ومهارتها من الوالد إلى ولده، وكثيراً ما أطلق على الأسرة اسم الصناعة التي كانت تقوم بها”.

نقابات كبرى..

وعن أحوال النقابات يحكي الكتاب: “وكذلك كما كانت الحالة أيضاً في أوربا في عصرها الوسيط تألفت نقابات كبرى، لم يكن قوامها الصفوف الدنيا من الصناع بقدر ما كان قوامها السادة الذين كانوا يستغلون الصناع استغلالاً لا يعرف الرحمة، وحددوا حق الالتحاق بهذه النقابات للأعضاء الجدد بقيود أسرفوا في ضيقها؛ وكانت نقابة الصيارفة من أقوى النقابات، الصيارفة الذين كانوا يقبلون الودائع والتحويلات المالية و”الكمبيالات” ويقرضون القائمين على التجارة والصناعة والحكومة.
وما جاءت سنة 1636 حتى كانوا يؤدون كل العمليات المالية الكبرى. وأصبح التجار الأغنياء والممولون من أعلام أهل المدن، وأخذوا ينظرون بعين الحسد إلى السلطة السياسية التي كانت مقصورة على السادة الإقطاعيين الذين أثاروا في صدورهم الشحناء باحتقارهم السعي وراء الذهب.

وأخذت الثروة التجارية تزداد شيئاً فشيئاً خلال عصر “توكوجاوا” حتى استطاعت آخر الأمر أن تتآزر مع المواهب الأمريكية والمدافع الأوربية على تحطيم القشرة المتحجرة فوق اليابان القديمة.”

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة