28 ديسمبر، 2024 3:02 م

قصة الحضارة (126):  كان تأُثير الغرب مدمرا علي الوحدة المجتمعية الصينية

قصة الحضارة (126):  كان تأُثير الغرب مدمرا علي الوحدة المجتمعية الصينية

خاص: قراءة- سماح عادل

يستأنف الكتاب الحكي عن ثورة قامت في الصين، وكيف أنها كانت بإيعاز من تأُثير المجتمع الغربي، وكيف كانت سلمية ثم تمت خيانتها. وذلك في الحلقة المائة والسادسة والعشرين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

التعليم في الغرب..

يحكي الكتاب عن اتجاه الصينيين إلي تعليم الشباب في البلدان الأوربية: “وغادر “طلبة الغرامة” وآلاف غيرهم من الطلبة بلاد الصين ليرتادوا حضارة الغزاة الفاتحين. فذهب كثيرون منهم إلى إنجلترا، وذهب أكثر من هؤلاء إلى ألمانيا، وأكثر من هؤلاء وأولئك إلى أمريكا، وأكثر منهم جميعا إلى اليابان، وتخرج في جامعات أمريكا وحدها مئات منهم في كل عام. وكانوا يأتون إلى هذه الجامعات وهم صغار السن سريعوا التأثر قبل أن تنضج عقولهم، فيدركوا ما تنطوي عليه حضارتهم القومية من عمق ومالها من قيمة، وارتووا وهم شاكرون معجبون من معين التربية الجديدة التي قدمت لهم، ومن علوم الغرب وأساليبه وأفكاره، وأدهشهم ما شاهدوه حولهم من وسائل الراحة والحياة النشيطة القوية، ومن حرية الأفراد في بلاد الغرب، وما تستمتع به الشعوب من حقوق.

ودرسوا الفلسفة الغربية وفقدوا إيمانهم بدين آبائهم، وسرهم أن يكونوا مصلحين متطرفين يشجعهم في ذلك من لقنوهم علومهم وحضارتهم، كما تشجعهم بيئتهم الجديدة على نبذ جميع العناصر التي تتكون منها حضارة بلادهم. ورجع إلى الصين في كل عام آلاف من هؤلاء الشبان الذي انتزعوا من بيئتهم في حداثة سنهم وهم حانقون على تأخر بلادهم المادي وخطوها البطيء في سبيل الحضارة الغربية، وبذروا في كل مدينة دخلوها بذور البحث والثورة على القديم”.

رفض الحياة القديمة..

ويستأنف الكتاب عن قيام ثورة بإيعاز من تأثير الغرب: “كان زعيم الثورة ممن اعتنقوا المسيحية. ذلك أن أحد المستأجرين من الزراع القاطنين قرب كانتون قد ولد له في عام 1866م ولد مشاغب سماه العالم فيما بعد في سخرية غير مقصودة صون يات- صن أي الشمس جنية السكينة. واعتنق صون المسيحية وقوى إيمانه بها فاندفع يحطم أصنام الآلهة في معبد قريته. وكان لهذا الغلام أخ له أكبر منه سناً هاجر من قبل إلى جزائر هاواي، فجاء بأخيه الأصغر إلى هنولولو وأدخله مدرسة يديرها راهب من أتباع الكنيسة الإنجليزية ويسير التعليم فيها بالأساليب الغربية البحتة. ولما عاد صون إلى الصين التحق بالكلية الحربية البريطانية فكان أول من تخرج فيها من الصينيين.

وكانت هذه الدراسات من أكبر الأسباب التي أفقدت الرجل كل ما كان في قلبه من العقائد الدينية، كما كانت الإهانات وضروب الإذلال التي يلقاها هو وأبناء وطنه في الجمارك التي يسيطر عليها الأوربيون وفي الأحياء الأجنبية من  ثغور المعاهدات مما أوغر صدره وجعله يفكر في الثورة. وكان عجز الحكومة الفاسدة الرجعية عن أن تقي الصين العظيمة مذلة الهزيمة على يد اليابان الصغيرة، وتجزئة البلاد بين الدول الأوربية لأغراضها التجارية، مما أشعره بالمذلة وملأ قلبه حقداً وضغينة على تلك الحكومة، فاعتقد أن أول خطوة يجب عليه أن يخطوها في سبيل تحرير الصين هي أن يقضي على أسرة المنشو”.

خطوات الثورة..

ويحكي الكتاب عن تفاصيل القيام بالثورة: “وكانت أولى حركاته شاهدا حقا على ثقته بنفسه، ومثاليته، وبساطته. ذلك أنه ركب سفينة تجارية دفع أجرها من ماله الخاص وسار بها مدى ألف وستمائة ميل نحو الشمال ليعرض على لي هونج- جانج نائب الملكة الوالدة مشروعاته التي تهدف إلى إصلاح أحوال البلاد واستعادة عزها وكرامتها. فلما رفض هذا الحاكم مقابلته بدأ حياة كلها مغامرات وتجوال لجمع المال الذي يؤجج به نار الثورة الصينية، ولقي معونة من كثير من النقابات التجارية والجمعيات السرية القوية التي كان قادتها يحسدون الطبقة الحاكمة الأرستقراطية ويتوقون إلى إقامة نظام للحكم يكون فيه للطبقات الحديثة من أرباب المصانع والمتاجر شأن يتناسب وثروتهم المتزايدة.

ثم غادر الصين وأبحر إلى أمريكا وأوربا يجمع المال القليل من ملايين الغسالين وآلاف التجار الصينيين. فلما جاء إلى لندن اعتقلته المفوضية الصينية دون سند قانوني وأوشكت أن ترسله سراً إلى الصين مكبلاً بالأغلال بحجة أنه خائن لحكومته، ولم ينجه إلا مبشر ممن علموه في صباه، فنبه الحكومة البريطانية وتدخلت هذه في الأمر وأنقذته. وظل خمسة عشر عاماً أخرى يتنقل من مدينة إلى مدينة في جميع أنحاء العالم، وجمع في تجواله مليونين ونصف مليون من الدولارات ليمول بها الثورة، ويلوح أنه لم ينفق شيئاً من هذا المال على نفسه.

ثم جاءته على حين غفلة في أثناء تجواله رسالة تنبئه أن قوات الثورة قد استولت على الجزء الجنوبي من بلاد الصين، وأنها بسبيل الاستيلاء على شمالها، وإنما اختارته رئيساً مؤقتاً للجمهورية الصينية. وبعد بضعة أسابيع من ذلك الوقت رست السفينة التي أقلته في هنج كنج التي لقي في ثغرها المذلة منذ عشرين عاماً على يد الموظفين البريطانيين”.

موت الإمبراطورة..

وعن الإصلاحات وموت الإمبراطورة: “وكانت الإمبراطورة الوالدة قد قضت نحبها في عام 1908م بعد أن دبرت موت الإمبراطور السجين جوانجشو قبل موتها بيوم واحد، وخلفها على العرش بويسي ابن أخي جوانج، وهو الآن إمبراطور منشوكو . وأدخلت الحكومة الصينية في أواخر حكم الإمبراطورة الوالدة وأوائل حكم حليفها الطفل كثيراً من ضروب الإصلاح التي تهدف إلى تجديد البلاد وصبغها بالصبغة الغربية الحديثة؛ فمدت الطرق الحديدية مستعينة في الغالب برؤوس الأموال الأجنبية وبخبرة الأجانب وإشرافهم، وألغى نظام الامتحان للتعيين في المناصب الحكومية، وأنشئ نظام جديد للتعليم، ودعيت جمعية وطنية لتجتمع في عام 1910م، ووضع مشروع يستغرق تنفيذه تسع سنين يهدف إلى إقامة حكومة ملكية دستورية وينتهي بتعميم حق الانتخاب بعد أن يتدرج خطوة خطوة مع انتشار التعليم العام في البلاد.

وجاء في المرسوم الذي أعلن به هذا المنهج ما يأتي: “كل تسرُّع في إدخال هذه الإصلاحات سيؤدي في النهاية إلى ضياع كل ما بذل فيها من جهود”. ولكن الثورة لم تكن لتوقف تيارها هذه النوبة التي جهرت بها الأسرة المريضة وهي على فراش الموت، وألفى الإمبراطور الشاب نفسه تحيط به الثورة من كل جوانبه، وقد تخلى عنه الجيش فلم يجد من يدافع عنه، فلم ير بُداً من أن يعلن تخليه عن العرش، وأصدر نائب الإمبراطور الأمير جون مرسوماً هو أعجب ما صدر من المراسيم في تاريخ الصين كله:

إن الشعب في جميع أنحاء الإمبراطورية يتجه الآن بعقله نحو الجمهورية إن إرادة الله واضحة ورغبات الشعب غير خافية. فكيف أستطيع أن أعارض رغبات الملايين الكثيرة للاحتفاظ بمجد أسرة واحدة وكرامتها؟ ومن أجل ذلك فإني أنا والإمبراطور نرى أن تكون الحكومة في الصين جمهورية دستورية إجابة لرغبات الشعب في داخل الإمبراطورية كلها، وعملاً بآراء الحكماء الأقدمين الذي كانوا يرون أن العرض تراث عام.

وكانت الثورة كريمة كل الكرم في معاملتها لبو- يى؛ فقد أمنته على حياته ومنحته قصراً مريحاً ومرتباً سنوياً يقوم بشئونه وخليلة يسكن إليها. لقد جاء المنشو إلى الصين آساداً وخرجوا منها حملاناً”.

خيانة..

وكان مولد الثورة هادئاً سلمياً، ولكن حياتها كانت حياة عاصفة مليئة بالأحداث. فقد كان ليوان شي- كاي وهو سياسي من الطراز القديم جيش قادر على مقاومة الثورة. وطلب أن يكون ثمن تأييده إياها أن يتولى رياسة الجمهورية، وأجابه صون يات- صن إلى ما طلب واعتزل الحياة العامة في كرم وعزة نفس، وكان قد بدأ منذ قليل يستمتع بمنصبه الجديد. وأخذ يوان يعد العدة لأن يجعل نفسه إمبراطوراً وينشئ أسرة حاكمة جديدة مستعيناً في عمله هذا بجماعات مالية قوية أجنبية ووطنية؛ وحجته في هذا أن الإمبراطورية هي السبيل الوحيد لمنع تدهور الصين وتفككها. واتهمه صون يات- صن بالخيانة وأهاب بأتباعه أن يجددوا عهد الثورة، ولكن يوان مرض ومات قبل أن يصل الأمر إلى امتشاق الحسام”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة