خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن مكانة المرأة في الحضارة الصينية القديمة، وكيف أنها تدهورت بعد أن كانت المرأة مساوية للرجل، وكان ينسب إليها أطفالها. وذلك في الحلقة المائة والواحد والعشرين من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
الأم..
وينتقل الكتاب إلي الحديث عن الأسرة في الحضارة الصينية القديمة: “وأكبر الظن أن الأم قبل أيام كنفوشيوس كانت محور الأسرة لأنها مصدر وجودها وسلطانها. وكان الناس في أول عهودهم كما سبق القول “يعرفون أمهاتهم ولا يعرفون آباءهم”، وما يزال اللفظ الدال على اسم أسرة الرجل مكونا من الأصل الذي اشتق منه لفظ “امرأة”، واللفظ الصيني المقابل لكلمة الزوجة معناه “المساوي”، وكانت الزوجة تحتفظ باسمها بعد زواجها. وكانت النساء حتى القرن الثالث بعد الميلاد يشغلن في البلاد مناصب إدارية وتنفيذية رفيعة، وقد وصل بعضهن إلى أن يكن حاكمات للبلاد.
ولم تكن “الإمبراطورة الأم” حين قبضت بيدها على شئون الدولة إلا متتبعة لخطى الإمبراطورة “لو” التي حكمت الصين حكما صارما دام من عام 195 إلى عام 180 ق.م. وكانت “لو” قاسية لا تلين قناتها، قتلت منافسيها وأعداءها أو قضت عليهم بالسم، وكانت تغتبط بتقتيلهم وتسميمهم اغتباط آل ميديشي، وكانت تختار الملوك وتخلعهم عن عرشهم وتصلم آذان محظيات زوجها وتفقأ عيونهن ثم تلقيهن في المراحيض”.
التعليم..
وعن التعليم يواصل الكتاب: “وكان التعليم منتشرا بين نساء الطبقات العليا في الأيام القديمة وإن كان عدد من يعرفون القراءة والكتابة من الصينيين في أيام المنشو لا يكاد يبلغ واحدا في كل عشرة آلاف. وكان كثيرات من النساء يقرضن الشعر، ولقد أتمت بان جاو أخت المؤرخ بان كو الموهوبة (حوالي عام 100م) تاريخه بعد وفاته ونالت حظوة كبيرة عند الإمبراطور.
ولعل قيام نظام الإقطاع في الصين قد قلل من منزلة المرأة السياسية والاقتصادية في تلك البلاد، وجاء معه بنمط صارم من الأسرة الأبوية. ذلك أن الأبناء الذكور هم وزوجاتهم وأطفالهم كانوا يعيشون في العادة مع أكبر رجال الأسرة. ومع أن الأسرة كلها كانت تمتلك أرضها امتلاكا مشتركا فإنها كانت تعترف للأب بالسلطان الكامل على الأسرة وعلى أملاكها”.
سلطة الأب..
وعن تنامي سلطة الأب يوضح الكتاب: “فلما أن حل عهد كنفوشيوس كان سلطان الأب يكاد أن يكون سلطانا مطلقا في جميع الأمور، فكان في وسعه أن يبيع زوجته وأبناءه ليكونوا عبيدا، وإن لم يفعل هذا إلا إذا ألجأته إليه الضرورة القصوى؛ وكان يستطيع إذا شاء أن يقتل أبناءه لا يحول بينه وبين هذا إلا حكم الرأي العام. وكان يتناول طعامه بمفرده لا يدعو زوجته ولا أبناءه إلى المائدة معه إلا في أوقات قليلة نادرة، وإذا مات كان ينتظر من أرملته ألا تتزوج بعده، وكان يطلب إليها في بداية الأمر أن تحرق نفسها تكريما له، وظلت حوادث من هذا النوع تقع في الصين إلى أواخر القرن التاسع عشر بعد الميلاد.
وكان الصيني يجامل زوجته كما يجامل كل إنسان سواها، ولكنه كان في حياته بعيدا كل البعد عن زوجته وأبنائه كأنه من طبقة غير طبقتهم. وكان النساء يعشن في أقسام خاصة من المنزل، وقلما كن يختلطن فيه بالرجال، وكانت الحياة الاجتماعية كلها مقصورة على الرجال إلا إذا كانت النساء من الطبقات التي يسمح لأفرادها بالاختلاط بالرجال كالمغنيات والمحدثات ومن إليهن وكان الرجل لا يفكر في زوجته إلا بوصفها أم أبنائه ولا يكرمها لجمالها أو لثقافتها بل لخصوبتها وجدها وطاعتها.
يشهد بذلك ما كتبته السيدة بان هو- بأن إحدى بنات الطبقة العليا في رسالة ذائعة الصيت بعبارات غاية في التواضع والخضوع تصف فيها المكانة الحقة للمرأة:
نشغل نحن النساء آخر مكان في الجنس البشري، ونحن أضعف قسم من بني الإنسان، ويجب أن يكون من نصيبنا أحقر الأعمال… وما أعدل ما يقوله في حقنا كتاب قوانين الجنسين وأصدقه: وإذا كان للمرأة زوج يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه طيلة حياتها؛ وإذا كان للمرأة زوج لا يرتضيه قلبها وجب أن تبقى معه أيضا طيلة حياتها”.
ويغني فوشوان قائلا:
ألا ما اتعس حظ المرأة
ليس في العالم كله شيء أقل قيمة منها.
إن الأولاد يقفون متكئين على الأبواب،
كأنهم آلهة سقطوا من السماء،
تتحدى قلوبهم البحار الأربعة،
والرياح والتراب آلاف الأميال؛
أما البنت فإن أحدا لا يسر بمولدها،
ولا تدخر الأسرة من ورائها شيئا،
وإذا كبرت اختبأت في حجرتها،
تخشى أن تنظر إلى وجه إنسان،
ولا يبكيها أحد إذا اختفت من منزلها
على حين غفلة كما تختفي السحب بعد هطول الأمطار،
وهي تطأطأ رأسها وتجمل وجهها
وتعض بأسنانها على شفتيها،
وتنحني وتركع مرارا يخطئها الحصر.
تعاون ومحبة..
ويواصل الكتاب: “قد يكون في هذه المقتبسات ظلم للبيت الصيني؛ نعم قد كان فيه خضوع ومذلة، وكثيرا أقام فيه النزاع بين الرجل والمرأة وبين بعض الأطفال، ولكن كان في البيت أيضا كثير من الحب والحنان، وكثير من التعاون والتآزر في الأعمال المنزلية، مما يجعل البيت مكانا طبيعيا ومستقرا صالحا للأسرة. وكانت المرأة رغم خضوعها للرجل من الناحية الاقتصادية تستمع بكامل حقها في استخدام لسانها، وكان في وسعها أن تؤنب الرجل حتى يرهبها أو يفر من وجهها كأحسن ما تستطيعه المرأة الغربية في هذه الأيام.
هذا وجدير بنا أن نقول أن الأسرة ذات النظام الأبوي ليس في مقدورها أن تكون أسرة ديمقراطية، وهي أشد من ذلك عجزا عن أن يكون جميع أفرادها متساوين في الحقوق، وذلك لأن الدولة كانت تترك للأسرة مهمة القيام على النظام الاجتماعي، ولأن المنزل كان مربى للأطفال ومدرسة ومصنعا وحكومة في وقت واحد. ولم يتراخ نظام الأسرة في أمريكا إلا بعد أن ضعف شأن المنزل في المدينة وقلت أهميته بانتقال واجبات الأسرة إلى المدرسة والمصنع والدولة.
ولقد أثنى كثير من الرحالة أجمل ثناء على الخلق الذي كان ثمرة هذه النظم المنزلية. فإذا صرفنا النظر عن الحالات الشاذة الكثيرة التي تضعف كل حكم عام يمكن أن يصدره الإنسان على أي نظام اجتماعي، استطعنا أن نقول أن الصيني العادي كان مثلا يحتذى في طاعة الأبناء للآباء وإخلاصهم ووفائهم لهم وفي احترام الصغار للكبار وعنايتهم بهم عن رضا واختيار .
وكان الصيني يقبل الحكم الأخلاقية التي جاءت في اللي- شي أو كتاب الحفلات ويعمل بما فيها من آداب اللياقة رغم مشقتها، وينظم كل ناحية من نواحي حياته حسب ما فيها من قواعد المجاملة العاطفية التي أكسبت أخلاقه من الرقة والسهولة والاتزان والكرامة ما لم ينله أمثاله من الغربيين- فقد يظهر الحمّال الذي ينقل الأقذار في الطرقات من الأدب وحسن التربية واحترام النفس أكثر مما يظهره التاجر الأجنبي الذي باعه الأفيون.
ولقد تعلم الصيني فن التراضي والمصالحة واستطاع بذلك أن يستل ضغينة عدوه المغلوب. ولقد كان في بعض الأحيان عنيفا في قوله، وكان على الدوام ثرثارا، وكثيرا ما تراه قذرا أو ثملا يدمن القمار ويلتهم الطعام التهاما، ويميل إلى ابتزاز الأموال العامة وإلى سؤال الناس في غير إلحاف، يعبد إله المال عبادة وثنية مسرفة في صراحتها، ويجري وراء الذهب جري الأمريكي كما نراه في صوره الساخرة، يستطيع أحيانا أن يكون قاسيا فظا غليظ القلب، إذا توالت عليه المظالم ثار أحيانا وأقدم على ضروب من السلب والتقتيل في جماعات كبيرة.
ولكنه في جميع أحواله تقريبا رجل مسالم رحيم، كثير الاستعداد لمساعدة جيرانه، يحتقر المجرمين والمحاربين، مقتصد مجد مثابر على عمله وإن كان لا يعجل فيه، بسيط في أسلوب حياته لا يحب التظاهر والتصنع، شريف إلى حد كبير في معاملاته التجارية والمالية. وكان من عادته الصبر على النوائب، يستقبل النعم والنقم على السواء بحكمة ووداعة، ويتحمل الحرمان والعذاب دون أن يفقد سلطانه على نفسه، ويصبر عليهما صبر من يرى أن كل شيء مقدر عليه في الأزل، ولا يعطف قط على من يتأفف منهما على مسمع من الناس، يحزن حزنا صادقا طويلا على من يموت من أقاربه، وإذا عجز عن الفرار من الموت بجميع ما لديه من الوسائل واجهه وهو صابر صبر الفلاسفة”.
حب الجمال..
ويذكر الكتاب حب الصينيين للجمال: “وكان مرهف الشعور بالجمال بقدر ما كان قليل الشعور بالألم، وكان يزين مدائنه بالنقوش الملونة ويتنعم في حياته بأرقى أنواع الفن. وإذا شئنا أن نفهم هذه الحضارة حق الفهم كان علينا أن ننسى، ولو إلى حين، ما تردت فيه البلاد من فوضى وعجز بسبب ضعفها في الداخل، واحتكاكها بمدافع الغرب وآلاته الضخمة القوية، وأن نراها في فترة من فترات عزها ومجدها في عهد أمراء جو أو في عهد منج هوانج أو هواي دزونج أو كانج- شي. ذلك أن الصيني في تلك الأيام أيام حب الجمال كان يمثل بلا ريب أرقى المدنيات وأنضج الثقافات اللتين شهدتهما آسية أو إن شئت فقل أية قارة من القارات”.