خاص: قراءة- سماح عادل
يحكي الكتاب عن الدين في الحضارة الصينية القديمة، وموقف الصينيين منه، وكيف أنهم يفضلون الأديان التي تخدم حياتهم العملية الواقعية الدنيوية، ولا يلتفتون إلي الديانات التي تعد بحياة أخري مليئة بالمباهج والجنة والخيرات. وذلك في الحلقة المائة وتسعة عشرة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
الدين..
يحكي لنا الكتاب عن الدين في الصين: “لم يقم المجتمع الصيني على العلم بل قام على خليط فذ عجيب من الدين والأخلاق والفلسفة. ولم يشهد التاريخ شعباً من الشعوب أشد من الشعب الصيني استمساكاً بالخرافات، أو أكثر منه تشككاً أو أعظم منه تُقى، أو أكثر انصياعاً لحكم العقل أو أقوى منه دنيوية. ولم توجد على ظهر الأرض أمة تماثل الأمة الصينية في التحرر من سيطرة الكهنة، ولم يسعد قوم غير الهنود بآلهتهم أو يشقوا بها بمثل ما سعد بهم الصينيون أو شقوا. ولسنا نستطيع أن نفسر هذه المتناقضات إلا بأن نعزو لفلاسفة الصين نفوذاً لا نظير له في التاريخ، وأن نقر بما في فقر الصين من معين للأماني الخالية لا ينضب.
ولم يكن دين سكان الصين البدائيين يختلف بوجه عام عن دين عبدة الطبيعة، وأهم عناصره الخوف من الطبيعة وعبادة الأرواح الكامنة في جميع نواحيها، وإجلال شعري لما على الأرض من صور رهيبة وما فيها من قدرة عظيمة على الإنتاج والتوالد، وخشية السماء وعبادتها وإجلال ما فيها من شمس منعشة وأمطار خصبة كانوا يعدونهما عنصراً من عناصر الوئام والارتباط بين ما على الأرض من حياة وما في السماء من قوى خفية، فكانوا يعبدون الريح والرعد والأشجار والجبال والأفاعي؛ ولكن أعظم أعيادهم كانت تقام لمعجزة النماء”.
عيد الخلق..
ويصف الكتاب عيد الخلق ليهم: “كان الشبان والفتيات في أيام الربيع يرقصون ويتضاجعون في الحقول ليضربوا المثل لأمهم الأرض في الإخصاب والإنتاج. ولم يكن ثمة فرق كبير بين الملك والكاهن في تلك الأيام، وكان ملوك الصين الأولون كما ورد في أقوال المؤرخين الذين أطنبوا فيما بعد في وصفهم كهاناً سياسيين لا يقدمون على عمل من أعمال البطولة إلا بعد أن يمهدوا له بالأدعية والصلوات ويستعينوا عليه الآلهة.
وكانت الأرض والسماء في هذا الدين البدائي مرتبطتين إحداهما بالأخرى، لأنهما شطران من وحدة كونية عظيمة، وكانت صلة إحداهما بالأخرى أشبه ما تكون بصلة الرجل والمرأة وصلة السيد بالتابع واليانج بالين. وكان نظام السموات ومسلك الآدميين الخلقي عمليتين متقاربتين متشابهتين لأنهما شطران من نظام عالمي لا غنى عنه يسمى دو- أي الطريقة السماوية؛ وليست الأخلاق الطيبة في اعتقادهم إلا نتيجة للتعاون القائم بين أجزاء هذا الكل شأنها في هذا شأن القوانين التي تسير نجوم السماء.”
الإله الأكبر..
ويواصل الكتاب عن تصور الصينيين للإله الأكبر: “وكان الإله الأكبر هو هذه السماء العظمى نفسها، هذا النظام الأخلاقي، هذا الترتيب القدسي، الذي يشمل بين طياته الناس والجماد ويحدد العلاقات الحقة بين الأطفال وآبائهم والزوجات وأزواجهن، وبين الأتباع وسادتهم، والسادة والإمبراطور، والإمبراطور والإله. لقد كان هذا تفكيراً عجيباً ولكنه تفكير نبيل يتأرجح بين التجسيد الشخصي حين يصلي الشعب لتين- للسماء المعبودة- والتجريد حين يتحدث الفلاسفة عن جماع تلك القوى- الشديدة البعد عن قوة البشر فرادى أو مجتمعين- التي تسيطر على السموات والأرضين والأناسي. ولما تقدمت دراسة الفلسفة أضحت فكرة “السماء” الشيئية مقصورة على عامة الشعب، أما فكرتها المجردة غير الشيئية فأضحت عقيدة الطبقات المتعلمة ودين الدولة الرسمي.
من هاتين البدايتين نشأ العنصران اللذان يتألف منهما دين الصين القومي وهما: عبادة الأسلاف المنتشرة بين جميع طبقات الأمة وعبادة السماء وعظماء الرجال التي تدعو إليها الكنفوشية. وكان الصينيون يقربون في كل يوم قرباناً متواضعاً- ويكون في العادة شيئاً من الطعام- للموتى، ويرسلون الدعوات الصالحات إلى أرواحهم؛ ذلك أن الزارع أو العامل الساذج كان يعتقد أن آباءه أو أسلافه يعيشون بعد موتهم في مملكة غير محددة أو واضحة له، وأن في مقدورهم أن يسعدوه أو يشقوه”.
القربان..
وعن عادة تقديم القرابين لدي الصينيين يوضح الكتاب: “وكان الصيني المتعلم يقرب لأسلافه مثل هذا القربان، ولكنه لم يكن ينظر إلى المراسم التي تصحبه على أنها عبادة بل كان ينظر إليها على أنها نوع من إحياء ذكراهم. ولقد كان من الخير لأرواح الموتى وللشعب الصيني بوجه عام أن يعظم هؤلاء الأموات، وأن تخلد ذكراهم لأن في تخليدها تعظيماً للطرق القديمة التي كانوا يسيرون عليها وسداً لطريق البدع وإقرارا للسلام في أنحاء الإمبراطورية. وما من شك في أن هذا الدين كان يسبب للصينيين بعض المتاعب والمضايقات من ذلك أنه ملأ البلاد بما لا يحصى من القبور الضخمة التي لا يمكن انتهاك حرمتها، فعاقت هذه القبور إنشاء الطرق الحديدية وفلح الأرض للزراعة.
ولكن هذه الصعاب كانت في نظر الفيلسوف الصيني صعاباً تافهة لا يقام لها وزن أمام ما تسديه عبادة الأسلاف إلى المدنية الصينية من استقرار سياسي واطراد روحي. ذلك أن هذا النظام المتغلغل في كيان الأمة الصينية قد أفضى عليها وحدة روحية زمانية رغم ما فيها من عوامل التفرق والانفصال التي تحول دون وحدتها المكانية وأهمها المسافات الشاسعة، ومن فقرها في وسائل النقل وسبل الاتصال. وبفضل هذه الوحدة الروحية ارتبطت الأجيال بعضها ببعض برباط قوي من وحدة التقاليد، وبذلك كان للحياة الفردية نصيب مشرف موفور وخطر عظيم في هذه العظمة التي لا يحدها وقت وفي ذلك المجال الممتد على مدى الزمان.”
تقديس “كنفوشيوس”..
عن تقديس الصينيين لاحد الفلاسفة العظام: “ومن عجب أن الدين الذي اعتنقه العلماء واتبعته الدولة قد وسع دائرة هذه العقائد الشعبية وضيق نطاقها في آن واحد؛ ذلك أن إجلال الناس لكنفوشيوس قد أخذ يعظم جيلاً بعد جيل حتى أصبح بفضل ما كان يصدره الأباطرة من مراسيم في المكانة الثانية بعد السماء نفسها. فكانت كل مدرسة تكرمه بوضع لوحة تذكارية وكل مدينة تكرمه ببناء هيكل فيها، وكان كبار الموظفين يحرقون البخور أو يقربون القرابين من حين إلى حين تكريماً لروحه أو إحياء لذكراه، ويعدون هذه الذكرى أعظم دافع لفعل الخير بين جميع ذكريات الشعب الصيني التي يخطئها الحصر.
ولم تكن الطبقات الراقية المثقفة تعده إلهاً، بل كان كثير من الصينيين يعدّونه بديلاً من الإله؛ ولربما كان من بين من يحضرون الصلوات التي تقام تكريماً له لا أدريون أو كفرة ملحدون، ولكنهم إذا ما عظموه وعظموا أسلافهم كانوا يعدون في المجتمع الذي يعيشون فيه أتقياء متدينين”.
الديانة الكنفوشية..
ويفصل الكتاب عن الديانة الكونفشية: “وكان من الأصول المقررة في الديانة الكنفوشية الاعتراف بالشانج- تي، أي القوة العليا المسيطرة على العالم، وكان الإمبراطور في كل عام يقرّب القربان باحتفال عظيم على مذبح السماء لهذا المعبود المجرد. وقد خلا هذا الدين الرسمي من كل إشارة للخلود، فلم تكن السماء مكاناً بل كانت إرادة الله أو نظام العالم.
لكن هذا الدين البسيط الذي يكاد ينطبق على مقتضيات العقل لم يرض أهل الصين في وقت من الأوقات. ذلك بأن مبادئه لا تفسح المجال واسعاً أمام خيال الناس ولا تستجيب إلى آمالهم وأمانيهم ولا تشجع الخرافات التي تبعث البهجة في حياتهم اليومية. ولقد كان الناس في الصين كما كانوا في سائر بلاد العالم يجملون الحقائق الواقعية العادية بالخوارق الطبيعية الشعرية، وكانوا يحسون بأن آلافاً من الأرواح الطيبة والخبيثة ترفرف من حولهم في الهواء المحيط بهم وفي الأرض التي تحت أقدامهم، وكانوا يحرصون على أن يردوا عداوة هذه القوى الخفية أو يستعينوا بالأدعية وبالرقى السحرية.
وكانوا يستأجرون المتنبئين ليكشفوا لهم عن مستقبلهم من سطور إلاي- جنج أو أصداف السلاحف أو حركات النجوم، ويستأجرون السحرة ليوجهوا منازلهم نحو الريح والماء والعرّافين ليستنزلوا لهم نور الشمس وماء الأمطار. وكانوا يعرضون للموت من يولد لهم من الأطفال في أيام “النحس”. وكانت البنات المتوقدات حماسة وغيرة يقتلن أنفسهن في بعض الأحيان ليجلبن الخير أو الشر لآبائهن. وكانت نفوس الصينيين عامة وفي الجنوب خاصة تنزع إلى التصوف وتشمئز من النزعة العقلية الجامدة التي تسود العقائد الكنفوشية وتتوق إلى عقيدة تجد فيها ما يجده غيرها من الأمم من سلوى دائمة تحيي موات النفوس.”
عقيدة لو دزه..
وعن حاجة الشعب لدين يشبع خيالهم يحكي الكتاب: “ومن أجل هذا عمد بعض الفقهاء الشعبيين إلى عقيدة لو دزه الغامضة فصاغوها تدريجاً في دين جديد. لقد كانت الدوية في رأي الأستاذ القديم وفي رأي جوانج- دزه طريقة للحياة تهدف إلى الحصول على السلام الشخصي على ظهر الأرض، ويبدو أنهم لم يؤلهوا هذه الطريقة أو يتخذوها نوعاً من العبادة، كما أنهم لم ينظروا إليها على أنها ثمن يؤدونه في هذه الدار ليشتروا به الحياة في الدار الآخرة.
فلما كان القرن الثاني بعد الميلاد عدلت هذه العقائد على يد رجال ادعوا أنهم قد وصل إليهم عن طريق لو- دزه نفسه إكسير يهب صاحبه الخلود. وكان هذا الإكسير في صورة شراب شاع بين الصينيين وأسرفوا فيه إسرافاً يقال إنه أودى بحياة عدد غير قليل من الأباطرة الصينيين لكثرة إدمانهم إياه. وأشد من هذا غرابة أن معلماً من رجال الدين في سشوان (حوالي عام 148 بعد الميلاد) كان يعرض على الناس أن يشفيهم من أمراضهم كلها بطلسم بسيط يعطيهم إياه في نظير حفنات من الأرز. وبدا لبعض الناس أنهم قد شفوا من أمراضهم بفضل هذه الأعمال السحرية، وقيل للذين لم يثمر فيهم العلاج إن إخفاقه كان نتيجة لضعف إيمانهم.
وأقبل الناس على الدين الجديد زرافات ووحداناً، وشادوا له الهياكل وأغدقوا المال على كهنته بسخاء عظيم، ومزجوا به جزءاً من قصصه الشعبي الخرافي الذي لا ينضب له معين. واتخذ الناس لو دزه إلهاً يعبدوه، وقالوا إن أمه حملت فيه حملاً سماوياً، واعتقد المؤمنون الصالحون إنه وُلد كامل العقل طاعناً في السن لأنه أقام في بطن أمه ثمانين عاماً. ثم ملأوا الأرض بشياطين وآلهة جديدة، وكانوا يخيفون الأولى بصواريخ نارية تنفجر في أفنية الهياكل ويبتهج بانفجارها من يجتمع حولها من الناس، ويوقظون الثانية من سباتها بنواقيس ضخمة قوية الصوت لتستمع إلى دعوات عُبَّادها ومطالبهم الملحة.
وظلت العقائد الدوية ألف عام عقيدة الملايين من الصينيين، وآمن بها كثير من الأباطرة، وحاك أتباعها كثيراً من الدسائس، وكافحوا أشد الكفاح لينتزعوا من الكنفوشيين حقهم المقدس في فرض الضرائب وإنفاق حصيلتها. ثم قضى عليها آخر الأمر، ولكن الذي قضى عليها لم يكن منطق كنفوشيوس وأتباعه بل قضى عليها دين جديد أقدر منها هي نفسها على إلهام رجل الشارع وبعث السلوى في نفسه.”
البوذية..
وعن تحول الشعب الصيني للدين البوذي يتابع الكتاب: “وهذا الدين الجديد هو البوذية، ولم تكن البوذية التي بدأت تنتقل من الهند إلى الصين في القرن الأول الميلادي هي العقيدة الجامدة المكتئبة التي نادى بها “المستنير” قبل دخولها إلى الصين بخمسمائة عام، ولم تكن عقيدة قائمة على الزهد والتقشف، بل كانت ديناً يدعو إلى الإيمان في غبطة وبهجة بآلهة تعين البشر على أعمالهم، وجنة ذات أزهار ورياض. واتخذت على توالي الأيام صورة المركبة الكبرى أو الماهيانا التي وفق فقهاء الكتشكا بينها وبين الحاجات العاطفية لسكان الصين السُذج. وغمرت الصين بآلهة جدد لا يفترقون كثيراً عن الآدميين أمثال أميتبها حاكم الجنة، وكوان- ين إله الرحمة وإلهتها فيما بعد. وأضافت إلى مجمع آلهة الصين عدداً من اللوهان والأرباط- وهم ثمانية عشر من أتباع بوذا الأولين- المتأهبين في كل حين لأن يهبوا الناس بعض ما لهم من فضائل لكي يساعدوا بني الإنسان الحيارى المعذبين.
ولما ألفت الصين نفسها بعد سقوط أسرة هان مقطعة الأوصال من جراء ما سادها من فوضى سياسية، وخيل إلى أهلها أن حياتها نفسها قد قضى عليها اضطراب حبل الأمن وتوالي الحروب، ولت الأمة المعذبة وجهها شطر البوذية كما ولَّى العالم الروماني وجهه في ذلك الوقت نفسه شطر المسيحية. وفتحت الدوية ذراعيها لاحتضان الدين الجديد وامتزجت به على مر الزمان في نفوس الصينيين امتزاجاً تاماً؛ وأخذ الأباطرة يضطهدون البوذية والفلاسفة يشكون مما فيها من خرافات، وأخذ الساسة يأسفون لأن طائفة من خير أبناء الصين قد انزوت في الأديرة وعقمت فأضحت لا تفيد منها البلاد شيئاً.
لكن الحكومة وجدت آخر الأمر أن الدين أقوى من الدولة؛ فتصالح الأباطرة مع الآلهة الجدد؛ وأجيز للكهنة أن يجمعوا الزكاة ويشيدوا الهياكل، ورضيت طبقتا الموظفين والعلماء على الرغم منهما أن تبقى الكنفوشية ديناً أرستقراطياً لها. واستولى الدين الجديد على كثير من المزارات القديمة وأقام رهبانه وهياكله إلى جانب رهبان الدوية وهياكلها على تاي- شان جبلها المقدس، وحث الناس على أن يحجوا إلى هذه الهياكل مراراً كثيرة إظهاراً لورعهم وتقواهم، وكان له أثر عظيم في ازدهار فنون التصوير والنحت والعمارة والآداب وتقدم الطباعة ورقي كثير من طباع الصينيين.
ثم اضمحل كما اضمحلت الدوية، فدب الفساد في نفوس كهنة الديانة الجديدة وتغلغل في عقائدها على مر الأيام كثير من الأرباب المشئومين والخرافات الشعبية المؤذية، وقضى على ما كان لها من سلطان سياسي لم يكن كبيراً في يوم من الأيام نهضةُ الكنفوشية على يد جوشي. والآن قد هجرت هياكلها ونضب معين مواردها وأضحت وليس لها عُبّاد إلا كهنتها الفقراء المعدمون. بيد أنها مع ذلك قد نفذت إلى قرار النفس الصينية، وما تزال حتى الآن عنصراً هاماً من العناصر المعقدة غير الرسمية في دين الصيني الساذج”.
التسامح ما بين المتدينين..
وعن فضيلة التسامح الديني التي اتسم بها الصينيين: “الأديان في الصين ليست محدودة مانعة كما هي في أوربا وأمريكا، ولم تدفع البلاد في يوم من الأيام إلى الحروب الدينية. فأنصار كل دين في تلك البلاد متسامحون عادة مع أهل كل دين آخر، وليس هذا التسامح مقصوراً على شئون الدولة السياسية بل تراه أيضا في العقائد نفسها؛ فالصيني العادي من عبدة مظاهر الطبيعة ودوِّيّ وبوذي وكنفوشي في وقت وواحد. ذلك أنه فيلسوف متواضع، يعرف ألا شيء في هذا العالم محقق مؤكد، ويقول في نفسه لعل رجال الدين على حق ولعل هناك جنة كما يقولون، وخير ما يفعله الإنسان أن يتقبل كل هذه العقائد؛ ويستأجر كثيراً من الكهنة من ديانات مختلفة ليتلوا الصلوات على قبره. على أن المواطن الصيني لا يعبأ كثيراً بالآلهة ما دام الحظ يبسم له؛ فهو يعظم أسلافه ولكنه يترك هياكل الدوية والبوذية في رعاية الكهنة وعدد قليل من النساء.
ولم يعرف التاريخ نفساً أشد دنيوية من نفسه، فأكبر ما يهتم به الصيني أن يعيش بخير في هذه الحياة الدنيا، وإذا صلى فإنه لا يطلب في صلاته أن ينال نعيم الجنة بل يطلب الخير لنفسه في هذا العالم الأرضي. وإذا لم يستجب إلهه لدعائه فقد يطلق فيه لسانه بالسباب ثم يقذفه آخر الأمر في النهر. ومن الأمثال الصينية المأثورة: “ليس من صانعي التماثيل والصور من يعبد الآلهة، فهم يعرفون من أية مادة تصنع”.
الإسلام والمسيحية..
وعن موقف الصينيين من هاتين الديانتين: “ومن أجل هذا لم يقبل الصيني العادي بحماسة على الإسلام أو المسيحية؛ فذانك الدينان يمنيانه بجنة قد وعدته إياها البوذية من قبلهما، ولكن الذي يريده بحق هو دين يضمن له السعادة في هذه الأرض. وإذا قيل إن في الصين مسلمين فجوابنا أن معظم الخمسة عشر مليوناً من المسلمين في الصين ليسوا في الحقيقة صينيين، بل هم من أصول أجنبية أو أبناء أجانب.
وقد دخلت المسيحية الصين على يد النساطرة، وكان ذلك حوالي عام 636م. وأظهر الإمبراطور ناي دزونج شيئاً من العطف عليها، وحمى الداعين لها من الاضطهاد، وبلغ من اغتباط نساطرة الصين بهذا التسامح أن أقاموا في عام 781م نصباً تذكارياً سجلوا عليه تقديرهم لهذا المتسامح المستنير، ورجاءهم أن تعم المسيحية في القريب العاجل جميع أنحاء البلاد.
ومن ذلك الحين ظل المبشرون اليسوعيون ذوو الغيرة الدينية والعلم الغزير، وظل المبشرون البروتستنت تؤيدهم الأموال الأمريكية التي لا ينضب لها معين، ظل هؤلاء وأولئك يبذلون أقصى جهودهم ليحققوا آمال النساطرة. فماذا كانت النتيجة؟ إن عدد المسيحيين في الصين في هذه الأيام لا يتجاوز ثلاثة ملايين أي أن واحداً في المائة من سكان الصين قد اعتنقوا المسيحية في ألف عام كاملة” .