7 أبريل، 2024 5:00 ص
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (118):  اخترع الصينيون البارود والبوصلة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: قراءة- سماح عادل

انتقل الكتاب للحديث الاختراعات في الحضارة الصينية القديمة حيث اخترعوا البارود، والبوصلة، وتميزوا في مجال الطب. وذلك في الحلقة المائة وثمانية عشرة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

الاختراعات..

لقد كان الصينيون أقدر على الاختراع منهم على الانتفاع بما يخترعون. فقد اخترعوا البارود في أيام أسرة تانج، ولكنهم قصروا استعماله وقتئذ على الألعاب النارية، وكانوا في ذلك جد عقلاء ولم يستخدموه في صنع القنابل اليدوية وفي الحروب إلا في عهد أسرة سونج (عام 1161م). وعرف العرب ملح البارود (نترات البوتاسا)- وهو أهم مركبات البارود- في أثناء اتجارهم مع الصين وسموه “الثلج الصيني” ونقلوا سر صناعة البارود إلى البلاد الغربية، واستخدمه العرب في إسبانيا في الأغراض الحربية، ولعل سير روجر بيكين أول من ذكره من الأوربيين قد عرفه من دراسته لعلوم العرب أو من اتصاله بده- برو كي الرحالة الذي طاف في أواسط آسية.

والبوصلة البحرية أقدم عهداً من البارود. وإذا جازفنا أن نصدق ما يقوله عنها المؤرخون الصينيون فإن دوق جو قد اخترعها في عهد الإمبراطور تشنج وانج (1115-1078 ق.م) ليهتدي بها بعض السفراء الأجانب في عودتهم إلى بلادهم. ويقول الرواة إن الدوق أهدى إلى السفارة خمس عربات جهزت كل منها “بإبرة تشير إلى الجنوب”. وأكبر الظن أن الصينيين الأقدمين كانوا يعرفون ما لحجر المغنطيس من خواص مغنطيسية، ولكن استعماله كان مقصوراً على تحديد الاتجاهات في بناء الهياكل. وقد ورد وصف الإبرة المغنطيسية في السونج- شو وهو كتاب تاريخي مؤلف في القرن الخامس الميلادي. ويقول المؤلف إن مخترعها هو الفلكي جانج هنج (المتوفى في عام 139م)، على أن هذا العالمِ لم يفعل أكثر من أن يكشف من جديد ما كانت الصين تعرفه قبل أيامه.

وأقدم ما ورد عن الإبرة من حيث فائدتها للملاحين هو ما جاء في كتاب أُلّف في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعزو استخدامها في هذا الغرض إلى البحارة الأجانب- وأكبر الظن أنهم من العرب- الذين كانوا يسيرون سفنهم بين سومطرة وكانتون. وأول إشارة معروفة لنا عن البوصلة في أقوال الأوربيين هي ما ذكر عنها في قصيدة لجنيو ده بروفن”.

شرور الاختراعات..

ويواصل عن احتقارهم للجديد: “على أننا لا نستطيع أن نصف الصينيين بأنهم من الأمم النشيطة في ميدان الاختراعات الصناعية رغم اختراعهم البوصلة والبارود والطباعة والخزف. لقد كانوا مخترعين في الفنون وقد ارتقوا بها في صورها التي ابتدعوها حتى بلغت درجة من الكمال لا نظير لها في غير بلادهم أو في تاريخهم، ولكنهم ظلوا حتى عام 1912م قانعين بالجري على طرقهم الاقتصادية القديمة، يحتقرون الأساليب والحيل التي تغني عن العمل الشاق، وتضاعف ثمار الجهود البشرية، وتعطل نصف سكان العالم لتزيد من ثراء النصف الآخر، كأنهم في احتقارهم هذا كانوا يتنبئون بما تجره هذه الاختراعات على البشر من شرور.

وكان الصينيون من أوائل الأمم التي اتخذت الفحم وقوداً واستخرجوه من الأرض بكميات قليلة منذ عام 122 ق.م، ولكنهم لم يخترعوا آلات تريحهم من كدح استخراجه وتركوا معظم ما تخبئه أرضهم من الثروة المعدنية دون أن يستغلوها، ومع أنهم عرفوا كيف يصنعون الزجاج فقد رضوا أن يستوردوه من الغرب، ولم يصنعوا ساعات للجيب أو للحائط، ولم يخترعوا المسامير المحواة بل إنهم لم يصنعوا من المسامير العادية إلا أغلظها.

وقد ظلت حياة الصين الصناعية في أهم نواحيها على حالها لم تتغير كثيراً خلال الألفي العام التي بين قيام أسرة هان وسقوط المنشو- شأنها في هذا شأن الحياة الصناعية في أوربا من أيام بركليز إلى عهد الانقلاب الصناعي.”

سلطان العلم..

وعن عدم الاستفادة المادية للعلم: “كذلك كانت الصين تفضل سلطان التقاليد والعلماء على سلطان العلم والمال المثير للأعصاب، ولذلك كانت الحضارة الصينية أفقر الحضارات العظمى فيما أفادته منها فنون الحياة المادية. فقد أخرجت هذه الحضارة كتباً من أرقى الكتب الدراسية في الزراعة وفي تربية دود القز قبل ميلاد المسيح بقرنين كاملين وألفت رسالات قيمة في علم تقويم البلدان. وقد خلف عالمها الرياضي المعمر جانج تسانج (المتوفى في عام 152ق.م) وراءه كتاباً في الجبر والهندسة فيه أول إشارة معروفة للكميات السالبة.

وقد حسب دزو تسو تشونج- جي القيمة الصحيحة للنسبة التقريبية إلى ثلاثة أرقام عشرية، وحسن المغنطيس أو “الأداة التي تشير إلى الجنوب”، وقد وردت إشارة عنه غير واضحة قيل فيها إنه كان يجري التجارب على سفينة تتحرك بنفسها.”

الهندسة..

وعن تفوقهم في علم الهندسة: “واخترع تشانج هنج آلة لتسجيل الزلازل (سيمسغرافا) في عام 132م . ولكن علم الطبيعة الصيني قد ضلت معظم أبحاثه في دياجير الفنج جوي السحرية واليانج والين من أبحاث ما وراء الطبيعة . وأكبر الظن أن علماء الرياضة الصينيين قد أخذوا الجبر عن علماء الهند، ولكنهم هم الذين أنشئوا علم الهندسة في بلادهم مدفوعين إلى هذا بحاجتهم إلى قياس الأرض.

وكان في وسع الفلكيين في أيام كنفوشيوس أن يتنبئوا بالخسوف والكسوف تنبؤاً دقيقاً، وأن يضعوا أساس التقويم الصيني بتقسيم اليوم إلى اثنتي عشرة ساعة وتقسيم السنة إلى اثني عشر شهراً يبدأ كل منها بظهور الهلال، وكانوا يضيفون شهراً آخر في كل بضع سنين لكي يتفق التقويم القمري مع الفصول الشمسية. وكانت حياة الصينيين على الأرض تتفق والحياة في السماء؛ وكانت أعياد السنة تحددها منازل الشمس والقمر، بل إن نظام المجتمع من الناحية الأخلاقية كان يقوم على منازل الكواكب السيارة والنجوم.”

الطب..

وعن الطب في الحضارة الصينية: “وكان الطب في الصين خليطاً من الحكمة التجريبية والخرافات الشعبية. وكانت بدايته فيما قبل التاريخ المدون، ونبغ فيه أطباء عظماء قبل عهد أبقراط بزمن طويل، وكانت الدولة من أيام أسرة جو تعقد امتحانا سنوياً للذين يريدون الاشتغال بالمهن الطبية، وتحدد مرتبات الناجحين منهم في الامتحان حسب ما يظهرون من جدارة في الاختبارات. وقد أمر حاكم صيني في القرن الرابع .

قبل المسيح أن تشرح جثث أربعين من المجرمين المحكوم عليهم بإعدامهم، وأن تدرس أجسامهم دراسة تشريحية، ولكن نتائج هذا التشريح وهذه الدراسة قد ضاعت وسط النقاش النظري، ولم تستمر عمليات التشريح فيما بعد. وكتب جانج جونج- تنج في القرن الثاني عدة رسائل في التغذية والحميات ظلت هي النصوص المعمول بها مدى ألف عام، وكتب هوا- دو في القرن الثالث كتاباً في الجراحة، وأشاع العمليات الجراحية باختراع نبيذ يخدر المريض تخديراً تاماً.

ومن سخافات التاريخ أن ضاعت أوصاف هذا المخدر فيما بعد، ولم يعرف عنها شيء. وكتب وانج شو- هو في عام 300 بعد الميلاد رسالة ذائعة الصيت عن ضربات القلب.

وفي أوائل القرن السادس كتب داو هونج- جنج وصفاً شاملاً لسبعمائة وثلاثين عقاراً مما كان يستخدم في الأدوية الصينية، وبعد مائة عام من ذلك الوقت كتب جاو يوان- فانج كتاباً قيماً في أمراض النساء والأطفال ظل من المراجع الهامة زمناً طويلاً. وكثرت دوائر المعارف الطبية في أيام أباطرة أسرة تانج كما كثرت الرسائل الطبية المتخصصة التي تبحث كل منها في موضوع واحد في عهد الملوك من أسرة سونج.

وأنشئت في أيام هذه الأسرة كلية طبية؛ وإن ظل طريق التعليم الطبي هو التمرين والممارسة. وكانت العقاقير الطبية كثيرة متنوعة حتى لقد كان أحد مخازن الأدوية منذ ثلاثمائة عام يبيع منها بنحو ألف ريال في اليوم الواحد. وكان الأطباء يطنبون ويتحذلقون في تشخيص الأمراض، فقد وصفوا من الحميات مثلاً ألف نوع، وميزوا من أنواع النبض أربعاً وعشرين حالة.

واستخدموا اللقاح في معالجة الجدري، وإن كانوا لم يستخدموا التطعيم للوقاية منه، ولعلهم قد أخذوا هذا عن الهند، ووصفوا الزئبق للعلاج من الزهري. ويلوح أن هذا المرض الأخير قد ظهر في الصين في أواخر أيام أسرة منج وأنه انتشر انتشاراً مروعاً بين الأهلين، وأنه بعد زواله قد خلف وراءه حصانة نسبية تقيهم أشد عواقبه خطورة. غير أن الإجراءات الصحية العامة والأدوية الواقية، والقوانين الصحية لم تتقدم تقدماً يذكر في بلاد الصين؛ كما كان نظام المجاري والمصارف نظاماً بدائياً إذا كان قد وضع لهما نظام على الإطلاق. وقد عجزت بعض المدن عن حل أول الواجبات المفروضة على كل مجتمع منظم- ضمان ماء الشرب النقي والتخلص من الفضلات”.

النظافة..

وعن النظافة: “وكان الصابون من مواد الترف التي لا يحصل عليها إلا الأثرياء الممتازون، وإن كان القمل وغيره من الحشرات كثير الانتشار. وقد اعتاد الصيني الساذج أن يهرش جسمه ويخدشه وهو مطمئن هادئ هدوء الكنفوشيين. ولم يتقدم علم الطب تقدماً يستحق الذكر من أيام شي هوانج- دي إلى أيام الملكة الوالدة. ولعل في وسعنا أن نقول هذا القول بعينه من علم الطب في أوربا من عهد أبقراط إلى عهد باستير. وغزا الطب الأوربي بلاد الصين في صحبة المسيحية ولكن المرضى الصينيين من الطبقات الدنيا ظلوا إلى أيامنا هذه يقصرون الانتفاع به على الجراحة. أما فيما عداها فهم يفضلون أطباءهم وأعشابهم القديمة على الأطباء الأوربيين والعقاقير الأوربية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب