21 سبتمبر، 2024 8:37 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (107): الطباعة أحدثت في حياة الصين الأدبية ثورة كاملة

قصة الحضارة (107): الطباعة أحدثت في حياة الصين الأدبية ثورة كاملة

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن اختراع الطباعة في الصين، وعن الأختام كبداية للفكرة، وعن كتب تم اكتشافها من عهد الحضارة الصينية القديمة. وذلك في الحلقة المائة والسادسة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

– الفنون..

يحكي الكتاب عن مكان الفنون في الحضارة الصينية القديمة: “لقد كانت حياة الشعب الصيني في هذه الأثناء تجري في مجراها العادي خلال جميع ضروب التجارب والنظم التجارية والنظم الإدارية، لا تضطرب ولا تؤثر فيها الحادثات التي كانت لبعدها لا تصل إلى مسامعه، إلا بعد أن تمر وتنقضي بزمن طويل لقد زال حكم آل سونج في شمالي البلاد ولكنه عاد من جديد في جنوبيها وانتقلت العاصمة من بيان لينج (وهي الآن كايفنح) إلى لين – آن (هانج تشاو الآن).
وبدت مظاهر العز والنعمة في العاصمة الجديدة كما كانت في العاصمة القديمة، وأقبل التجار من كل فج ليبتاعوا منتجات الصناعة الصينية والفن الصيني.
وضرب الإمبراطور هوى دوزنج نفسه لشعبه أروع الأمثال في بيان – ليانج بأن كان فناناً قبل أن يكون حاكما، فكان في الوقت الذي يهاجم فيه البرابرة عاصمة ملكه يشتغل برسم الصور الفنية. وقد أنشأ مجمعاً للفن بعث النشاط في الفنون بما كان يعرض فيه من روائعها وما يغدقه على الفنانين من جوائز جعلت الفنون أكبر مفاخر أسرة سونج وأجدرها بتخليد ذكراها في سجلات الحضارة الإنسانية.
وقد حوت المتاحف وقتئذ مجموعات موحية من النقوش الفنية على البرونز وأحجار اليشب ومن الصور الزيتية والمخطوطات؛ وأنشئت في البلاد دور الكتب التي بقى بعضها بعد أن زالت أمجاد الحروب، وكانت كلتا العاصمتين الشمالية والجنوبية كعبة يحج إليها العلماء والفنانون”.

الطباعة..

ويواصل عن الطباعة: “وفي أيام هذه الأسرة دخلت الطباعة البلاد فأحدثت في حياة الصين الأدبية ثورة كاملة وإن لم يدرك الناس مداها وقتئذ، وكان هذا الفن قد نما شيئاً فشيئاً في خلال القرون الطوال حتى بلغ أوجه في أيام تلك الأسرة، فأتم مرحلتيه الكبيرتين إذ صنعت الألواح المحفورة لتطبع عليها صفحات كاملة، وصُفت الحروف المفككة المفردة، من المعادن المجموعة في القوالب. وكان هذا الاختراع الصيني الخالص أعظم اختراع في تاريخ الجنس البشري بعد الكتابة.
وكانت الخطوة الأولى في هذا الاختراع العظيم هي كشف مادة تكون الكتابة عليها أسهل منها على الحرير أو الغاب الذين قنع بهما الصينيون. ذلك أن الحرير غالي الثمن والغاب ثقيل، وقد احتاج مودى في تجواله إلى ثلاث عربات نقل يحمل عليها معه الكتب المدونة على شرائح الغاب التي كانت أثمن ما يملك من متاع الدنيا.
وكان شي هوانج – دي يضطر إلى مراجعة مائة وعشرون رطلا من الوثائق الحكومية في كل عام. فلما كان عام 105 ب.م أبلغ رجل يدعى تساي لون الإمبراطور أنه اخترع مادة للكتابة أقل من الغاب ثمنأً وأخف منه وزناً مصنوعة من لحاء الشجر والقنب الهندي والخرق وشباك السمك.
وعين الإمبراطور تساي لون هذا في منصب كبير، ومنحه لقباً رفيعاً، ولكنه تورط مع الإمبراطورة في بعض الدسائس، وافتضح أمره “فذهب إلى منزله، واغتسل ومشط شعره، ولبس أحسن ثيابه، وتجرع السم “”.

صناعة الطباعة..

وعن تحول الطباعة إلي صناعة يشرح الكتاب: “وسرعان ما انتشرت الصناعة الجديدة انتشاراً واسع النطاق، وشاهد ذلك أن أقدم ما لدينا من الورق هو ما وجده سير أرول اشتين في طنف من السور الكبير، وهو مجموعة من الوثائق الرسمية دونت فيها حوادث وقعت فيما بين عامي 21، 137 بعد الميلاد، وأكبر الظن أنها كانت معاصرة لآخر الحوادث التي دونت عليها. ولهذا فإن عهدها يرجع إلى حوالي عام 150 أي بعد خمسين عاماً لا أكثر من الوقت الذي أبلغ فيه تساي لون الإمبراطور نبأ اختراعه.
وكان هذا الورق القديم يصنع من الخرق البالية دون غيرها من المواد، فهو من هذه الناحية شبيه بما يصنع في هذه الأيام من ورق يحتاج فيه إلى طول البقاء. واستطاع الصينيون أن يرتقوا بصناعه الورق إلى أعلى درجة وذلك باستخدام مادة ماسكة من الغراء أو الجلاتين مخلوطة بعجينة نشوية ليقووا بها الألياف، وليجعلوا الورق سريع الامتصاص للحبر. ولما أن أخذ العرب عن الصينيين هذه الصناعة في القرن الثامن الميلادي، ثم أخذتها أوربا عن العرب في القرن الثالث عشر، كانت قد بلغت غاية الكمال”.

اختراع الحبر..

وعن اختراع الحبر يكمل الكتاب: “وكان اختراع الحبر أيضاً في بلاد الشرق. نعم إن المصريين قد صنعوا الورق والحبر في العهد الذي نستطيع أن نسميه أقدم العهود، ولكن الصين هي التي أخذت عنها أوربا طريقة خلط الحبر بسناج المصابيح. ولقد كانت “الحبر الهندي” صيني الأصل. وكذلك كان الحبر الأحمر المصنوع من كبريتور الزئبق شائع الاستعمال في الصين من أيام أسرة هان.
فلما ظهر الحبر الأسود في القرن الرابع الميلادي أصبح استعمال الحبر الأحمر ميزة خاصة بالأباطرة. وكان اختراع الحبر الأسود من العوامل المشجعة على انتشار الطباعة، لأنه كان أصلح المواد للاستعمال في القوالب الخشبية، ويمتاز بأن الكتابة به لا تكاد تمحى مطلقاً. فلقد وجدت أكداس من الورق في آسية الوسطى ظلت تحت الماء حتى عطنت ولكن ما عليها من الكتابة ظل واضحاً تستطيع قراءته”.

الأختام..

وعن الأختام كتمهيد لاختراع الطباعة: “وكان استخدام الأختام في مهر الأوراق هو البداية غير المقصودة التي نشأت عنها الطباعة. ولا يزال اللفظ الصيني الذي يطلق على الطباعة هو نفسه الذي يطلق على الخاتم. وكانت الأختام الصينية تطبع في بادئ الأمر على الطين كما كانت تطبع عليه في بلاد الشرق الأدنى. ثم أخذوا في القرن الخامس الميلادي يُنَدُّونها بالحبر.
في هذه الأثناء كانت أمهات الكتب الصينية القديمة تحفر على الحجر في القرن الثامن بعد الميلاد، وسرعان ما نشأت بعدئذ عادة استخراج صور من هذه النقوش المحفورة بعد طلاءها بالحبر. وفي القرن السادس نجد الدوَيين يستعملون أختاما من الخشب لطبع الرقى السحرية، وبعد مائة عام من ذلك الوقت أخذ المبشرون البوذيون يجرون التجارب بقصد استخراج عدة نسخ مطبوعة باستخدام أختام وألواح وورق نضاح وطباعة على المنسوجات، وقد أخذوا هذا النوع الأخير عن الهنود.
وأقدم ما وصل إلينا من الطباعة على لوح محفور ألف ألف رقية سحرية طبعت في اليابان حوالي عام 770م مكتوبة بالغة السنسكريتية وبحروف صينية، فهي بذلك مثل طيب لتفاعل الحضارات في بلاد آسية. وطبعت أشياء أخرى كثيرة من القوالب (الكليشهات) في هذه أيام أسرة تانج، ولكن يلوح أنها قد تلفت أو فقدت في أثناء الفوضى والقلاقل التي أعقبت عهد منج هوانج”.

“كهوف الألف بوذا”..

وعن مكتبة اكتشفت يضيف: “وحدث في عام 1907 أن استطاع سي أرول اشتين أن يقنع الكهنة الدويين في بلاد التركستان بأن يسمحوا له بفحص “كهوف الألف بوذا” التي في تون- هوانج. فلما تم له ذلك عثر في حجرة منها -يلوح أنها قد سد مدخلها حوالي عام 1035 م ولم تنفح بعدئذ إلا في عام 1900- على 1130 إضمامة من الأوراق تشتمل كل منها على نحو اثني عشر ملفاً مخطوطاً أو أكثر من اثني عشر، تتكون منها كلها مكتبة من خمسة عشر ألف كتاب، مكتوب على الورق، قد حفظت بعناية فبقيت في حالة جيدة كأنها لم تكتب إلا قبل العثور عليها بيوم واحد. وهذه المخطوطات هي التي عثر من بينها على أقدم كتاب مطبوع في العالم -كتاب “الحكم الماسية”- وهو ملف يختتم بالعبارة الآتية “طبعه في (اليوم المقابل لليوم) الحادي عشر من شهر مايو سنة 868 وانج – جيه، ليوزع بغير ثمن تخليداً لذكرى والديه وإجلالا لهما”.
ووجدت بين هذه المخطوطات ثلاثة كتب أخرى مطبوعة، يدل واحد منها على تطور جديد في شكل الكتب. ذلك أنه لم يكن ملفا ككتاب “الحكم القاسي” بل كان كتاباً صغيراً مطويا هو أول ما عرف من هذا النوع من الكتب التي لا يحصى عديدها”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة