14 نوفمبر، 2024 1:22 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (106): لغي وانج آن- شي نظام السخرة وسعي لتحقيق المساواة

قصة الحضارة (106): لغي وانج آن- شي نظام السخرة وسعي لتحقيق المساواة

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن “وانج آن- شي” ذلك القائد الذي فرض تحقيق المساواة بين الناس، وسعي لدعم الجميع، وجعل وسائل الإنتاج في أيدي حكومته، مع التحفظ علي آراء مؤلفي الكتاب اللذان يفرضان وجهة نظرهما ورؤيتهما في تحليلهما لأحداث تاريخية. حيث تظهر عداوتهما واستخفافهما بالنظام الاشتراكي كما أسماه الكتاب أو بنظام تحقيق المساواة والعدل بين الناس. وذلك في الحلقة المائة والسادسة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.

النهضة في عهد أسرة سونج..

يحدثنا الكتاب عن النهضة في الحضارة الصينية القديمة: “لم تفق أسرة تانج من هزيمتها على يد آن لو- شان وثورته. فقد عجز الأباطرة الذين خلفوا منج هوانج عن إعادة سلطان الإمبراطور إلى سابق عهده في أجزاء الإمبراطورية المختلفة، ثم انقضى عهد تلك الأسرة بعد مائة عام من وهن الشيخوخة، وجاءت بعدها خمس أسر لم يطل عهدها مجتمعة أكثر من ثلاث وخمسين سنة، ولكنها بلا استثناء بلغت من الضعف ما بلغته من قصر الأجل.
وكانت البلاد في حاجة إلى يد قوية قاسية لتعيد إليها النظام شأن الدول كلها في مثل هذه الأحوال. وهذا ما حدث فعلا، فقد خرج جندي مقدام من غمار هذه الفوضى وأسس أسرة سونج واستولى على العرش وتسمى باسم تاي- دزو، وأعاد الحكومة إلى ما كانت عليه من البيروقراطية في أيام كنفوشيوس، كما أعاد طريقة تقلد المناصب الحكومية بالامتحانات العامة، وحاول أن يحل مشاكل استغلال الفقراء بوضع نظام للإشراف على حياة الأمة الاقتصادية لا يكاد يختلف عن النظام الاشتراكي في شئ، ومستعيناً في هذا الحل بمستشار إمبراطوري خاص يشرف على هذه الشئون”.

وانج آن- شي..

ويواصل الكتاب: “ويعد وانج آن- شي من الشخصيات الفذة التي تبعث الحياة والروح في تاريخ الصين الطويل؛ وقد خلد التاريخ ذكره رغم هذا الطول، وإن شخصيته لتبدو لنا ناصعة فذة رغم ما بين بلادنا وبلاده من تناء.
ذلك أن من مساوئ هذا التنائي أن يجعل انفصالنا الطويل عن مسرح الحوادث الأجنبية يطمس معالم الاختلاف في الأماكن وفي أحوال الناس، ويخفى ما بين الناس الشخصيات الشديدة الاختلاف من فروق، ويخلع عليها كلها غشاوة من وحدة المظهر والصفات تجعلها كلها جامدة كليلة. لكن وانج شذّ عن هذه القاعدة، فقد كان حتى في رأي أعدائه وإن كثرتهم في حد ذاتها لدليل على جلال شأنه رجلاً يختلف عن سائر الرجال، وهب حياته لإقامة نظام صالح لحكم البلاد، وعمل مخلصا لرفاهية شعبه، غير مبال بما يصيبه في سبيل هذا العمل من نصب وأذى، لا يدخر في ذلك جهداً، ولا يترك لنفسه من الوقت ما يعنى فيه بشخصه أو بملبسه، ولا يقل عن كبار العلماء في أيامه علماً وبراعة في الأسلوب، يحارب في شجاعة جنونية الطائفة الجامدة المتحفظة الغنية صاحبة السلطان القوي في أيامه.
وتشاء المصادفات أن يكون الشخص العظيم الوحيد الذي يشبهه في تاريخ بلاده هو سميه وانج مانج الذي عاش قبله بنحو ألف عام- أي أن مجرى التاريخ الصاخب المضطرب قد سار ألف عام كاملة منذ الوقت الذي أجريت فيه أول تجربة بارزة لتحقيق المبادئ الاشتراكية”.

الاشتراكية..

وعن تطبيقه لنظام المساواة يوضح الكتاب: “وما كاد وانج آن- شي يتولى أكبر منصب في مقدور الإمبراطور أن يوليه إياه، حتى وضع ذلك المبدأ العام وهو أن الحكومة يجب أن تكون مسئولة عن رفاهية جميع السكان البلاد. ومن أقواله في هذا: “يجب أن تسيطر الدولة على جميع شئون التجارة والصناعة والزراعة وتصرفها بنفسها، وأن يكون الهدف الذي ترمى إليه من وراء ذلك غوث الطبقات العاملة، وأن تحول بينها وبين أن يذلها الأغنياء ويطحنوها طحن الرحى”.
وقد بدأ عمله بإلغاء نظام السخرة الذي ظلت الحكومة الصينية تفرضه على الصينيين من أقدم العهود، فكانت تأخذ الناس بمقتضاه من الحقول حين تكون أعمال الزرع أو الحصاد في أشد الحاجة إليهم؛ ومع هذا فإنه أقام أعمالاً هندسية عظيمة لوقاية البلاد من غوائل الفيضان.
ومن أعماله أنه أنقذ الزراع من المرابين الذين كانوا يستعبدونهم، وأقرضهم أموالا بفوائد كانت تعد وقتئذ قليلة ليستعينوا بها على زرع أراضيهم، وأمد الفلاحين بالبذور من غير ثمن، ومنحهم من الأموال ما يعينهم على بناء مساكنهم على شريطة أن يردوا هذه الأموال إلى الدولة من غلات أرضهم”.

تأميم التجارة..

وعن سعيه لتأميم التجارة يتابع الكتاب: “وأنشأ لجانا في كل مركز من المراكز لتحديد أجور العمال وأثمان ضرورات الحياة. وقد أمم التجارة فكانت الحكومة تبتاع محصول كل إقليم من أقاليم البلاد، وتخزن بعضه في الإقليم ذاته اتقاء للطوارئ المحلية، ثم تنقل ما بقى منه ليباع في مستودعات أقامتها الدولة في سائر أنحاء الإمبراطورية. ثم إنه وضع نظاما لميزانية الدولة، فعين لجنة للميزانية تعرض عليه مقترحاتها وما تقدره من نفقات لكل مصلحة حكومية، وكانت الحكومة تتمسك بهذا التقديرات في إدارة أعمال الدولة.
فاقتصدت بذلك كثيرا مما كان يتسرب قبل من الأموال إلى الجيوب الواسعة الخفية التي تعترض طريق كل درهم حكومي. يضاف إلى هذا كله أنه خصص معاشات للشيوخ والمتعطلين والفقراء، وأصلح أساليب التعليم والامتحانات العامة، وابتكر ضروبا من الاختبارات ليعرف بها مقدار ما يعلمه الطلاب من الحقائق لا من الألفاظ، ويستبدل بعناية الناس بالأسلوب الأدبي عنايتهم بتطبيق مبادئ كنفوشيوس على الواجبات العامة والأعمال اليومية. وقلل من اهتمام المعلمين بالشكليات وبالحفظ عن ظهر قلب.
وقد أتى على البلاد حين من الدهر ألقى فيه “التلاميذ أنفسهم”، كما يقول أحد المؤرخين الصينيين، “في مدارس القرى بكتب البلاغة وأخذوا يدرسون الكتب المبسطة في التاريخ والجغرافية والاقتصاد السياسي””.

فشل التجربة النبيلة..

وعن إخفاق تلك التجربة الإنسانية يشرح الكتاب: “ترى لم أخفقت التجربة النبيلة؟ لعل من الأسباب الأولى لإخفاقها أن فيها عناصر عملية أكثر منها مثالية. وأولى هذه العناصر أن الضرائب، وإن كان معظمها يجبى من الأغنياء وذلك يتفق مع مبادئ الاشتراكية التي كان يسير عليها وانج آن -شي- فإن الدولة كانت تحصل على جزء من المال الذي كانت تحتاج إليه لمواجهة نفقاتها الكثيرة المتنوعة باستيلائها على جزء من محاصيل كل حقل من الحقول.
وسرعان ما انضم الفقراء إلى الأغنياء في الشكوى من فدح الضرائب، لأن الناس في جميع الأوقات أكثر استعداداً للمطالبة بإلقاء الأعمال على كاهل الحكومة منهم لأداء ما يلزمها للقيام بها.
يضاف إلى هذا أن وانج آن- شي أنقص الجيش العامل لأنه يستنزف جزء كبير من موارد البلاد، ولكنه استعاض عنه بإصدار قانون عام يفرض على كل أسرة فيها من الذكور أكثر من فرد واحد أن تقدم من أبنائها جنديا في وقت الحرب. وأهدى الرجل إلى كثير من الأسر خيلا وعلفا لها، ولكنه اشترط عليها أن تعنى بالخيل العناية الواجبة، وأن تقدمها إلى الحكومة إذا احتاجت إليها في الأعمال العسكرية.
فلما أن تبين الناس أن الغزوات والثورات أخذت تزيد من مطالب الحكومة العسكرية فقد وانج آن- شي في أسرع وقت مكانته بين الشعب وحبه إياه. وفوق هذا كله فإنه قد وجد من العسير عليه أن يعثر على الرجال الأشراف الأمناء ليعهد إليهم بالأعمال التي شرع في تنفيذها، وما لبث الفساد أن استشرى في جميع نواحي الإدارة البيروقراطية الضخمة، ووجدت الصين نفسها- كما وجدت نفسها أمم أخرى كثيرة من بعد- مرغمة على أن تختار بين اثنتين كلتاهما شر من الأخرى، فإما الانتهاب الفردي وإما الفساد الحكومي”.

المحافظون..

وعن انتقاد تلك التجربة يكمل الكتاب: “وقام المحافظون بزعامة أخي وانج نفسه والمؤرخ زوما كوانج ينددون بهذه التجربة الحكومية ويظهرون فسادها ويقولون إن الفساد والعجز المتأصلين في الطبيعة البشرية يجعلان إشراف الحكومة على الصناعات مستحيلا، وإن خير النظم الحكومية هو النظام الذي يدع الأمور تجرى في مجراها، والذي يعتمد على الدوافع الاقتصادية الطبيعية التي تحمل الناس على إنتاج السلع وأداء الخدمات.
واستخدم الأغنياء الذين أذاهم ما فرض على أموالهم من ضرائب باهظة واحتكار الحكومة للتجار، استخدم هؤلاء ما لهم من ثروة وقوة في العمل على الحط من شأن النظم التي وضعها وانج آن – شي ومقاومة تنفيذها، والقضاء عليها. وزاد ضغط هذه المعارضة المنظمة أحسن تنظيم على الإمبراطور.
وحدث أن تعاقبت على البلاد عدة سنين من الجدب وفيضان الأنهار، اختتمت بظهور مذنب في السماء، فلم ير ابن السماء نفسه بدا من إقصاء وانج عن منصبه، وإلغاء القوانين التي أثارت غضب الشعب، ورفع أعداء وانج إلى مناصب الحكم، وعادت الأمور مرة أخرى إلى ما كانت عليه من قبل”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة