خاص: قراءة- سماح عادل
حكي الكتاب عن المسرح الصيني وعن تفاصيله، كما حكي عن الموسيقى. وذلك في الحلقة المائة والخامسة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
المسرح..
انتقل الكتاب إلي الحديث عن المسرح في الحضارة الصينية: “ليس من السهل أن نقسم المسرحيات الصينية أقساما جامعة مانعة، لأن الصينيين لا يقرون أن التمثيل أدب أو فن، وليس للتمثيل في الصين منزلة تتناسب مع ما يتمتع به من انتشار واسع بين طبقات الشعب، وشأنه في هذا شأن كثير من مقومات الحياة. من أجل ذلك لا نكاد نسمع بأسماء كتاب المسرحيات، والممثلون ينظر إليهم على أنهم من طبقة منحطة ولو أنفقوا حياتهم كلها في إعداد أنفسهم لهذا العمل والنبوغ فيه، ولو بلغوا فيه أعظم ما يبلغه الإنسان من الشهرة.
وما من شك في أن شيئا من هذا كان من نصيب الممثلين في جميع الحضارات، وبخاصة في العصور الوسطى، حين كان التمثيل يكافح للخروج من دائرة التمثيل الديني الصامت المضحك الذي نشأ منه وتفرع عنه”.
منشأ المسرح الصيني..
وعن نشأة المسرح الصيني يواصل: “وكان هذا بعينه منشأ المسرح الصيني. فلقد كانت الطقوس الدينية في عهد أسرة جو تشمل أنواعا من الرقص المصحوب بالمخاطر. ويقال أن هذا الرقص قد حرم فيما بعد لأنه أصبح مدعاة للفساد الخلقي، ولعل هذا التحريم الذي فصل الرقص عن المراسم الدينية هو الذي نشأ منه التمثيل غير الديني.
وشجع منج هوانج قيام هذا النوع المستقل من التمثيل كما شجع كثيرا من الفنون الأخرى، وذلك بأن جمع حوله طائفة من الممثلين والممثلات أطلق عليهم اسم: “فتيان حديقة الكمثرى”. غير أن المسرح لم يصبح نظاما قومياً معترفاً به إلا في عهد كوبلاى خان. ذلك أنه لما اختير كونج دوْفو- وهو من سلالة كنفوشيوس – في عام 1031 ليكون مبعوثاً صينياً إلى البلاط المغولي استقبل فيه باحتفال عظيم شمل فيما شمل تمثيل إحدى المسرحيات.
بيد أن الماجن في هذه المسرحية كان يمثل كنفوشيوس. ومن أجل هذا خرج كونج دو – فو غاضبا؛ لكنه لما عاد إلى الصين هو وغيره من الرحالة الذين طافوا بلاد المغول، تحدثوا إلى أبناء وطنهم عن ضرب من التمثيل أرقى كثيراً من كل ما عرفته بلادهم منه”.
المغول..
وعن تأثير المغول يتابع الكتاب: “ولما أن فتح المغول الصين أدخلوا فيها القصة المقروءة والمسرحية، وما تزال أرقى المسرحيات الصينية في هذه الأيام هي المسرحيات التي كتبت في أثناء حكم المغول.
وتقدم فن التمثيل على مهل، لأنه لم يلق معونة من رجال الدولة ولا من رجال الدين. وكان معظم العاملين فيه ممثلين جوالين، يقيمون طواراً في حقل خال من الزرع ويمثلون ما يشاءون أمام النظارة القرويين الواقفين في العراء.
وكان الحكام الصينيون يستخدمون الممثلين أحيانا لإقامة حفلات تمثيلية خاصة في أثناء المآدب، كما كانت النقابات أحيانا تمثل بعض المسرحيات”.
دور التمثيل..
ويضيف عن دور التمثيل: “وزاد عدد دور التمثيل في أثناء القرن التاسع عشر الميلادي، ولكنها رغم هذه الزيادة لم يكن منها في مدينة نانكنج الكبيرة أكثر من دارين، وكانت المسرحية الصينية مزيجا من التاريخ والشعر والموسيقى، وكانت حبكتها عادة تدور حول حادثة تاريخية روائية، وكان يحدث في بعض الأحيان أن تمثل مشاهد من مسرحيات مختلفة في ليلة واحدة، ولم يكن لزمن التمثيل حد محدود، فتارة يكون قصيرا وتارة يدوم عدة أيام، لكنه في أكثر الأحيان كان يمتد نحو ست ساعات أو سبع، وهو الزمن الذي تستغرقه أحسن المسرحيات الأمريكية في هذه الأيام وكان يتخلل المسرحيات كثير من التفاخر والخطب الرنانة، وكثير من العنف في الأقوال والأعمال، ولكن واضع المسرحية كان يبذل غاية جهده ليجعل خاتمتها انتصاراً للفضيلة على الرذيلة؛ ومن أجل ذلك أصبحت المسرحية الصينية أداة للتعليم والإصلاح الأخلاقي، تعلم الشعب شيئاً من تاريخه، وتغرس في نفوس أفراده الفضائل الكنفوشية – وأهمها كلها بر الأبناء بالآباء، وكانت تعمل لذلك باطراد ودأب أفسدا عليها غايتها”.
المناظر والأثاث..
ويفصل أكثر عن المسرح: “وقلما كان المسرح يزين بالمناظر أو الأثاث، ولم يكن له مخرج للممثلين، فكان هؤلاء جميعاً، سواء منهم أصحاب الأدوار وغير أصحابها، يجلسون على المسرح طوال وقت التمثيل ويقفون إذا ما جاء دورهم؛ وكان يحدث في بعض الأحيان أن يقدم الخدم الشاي لهم وهم جالسون؛ وكان غيرهم من الخدم يطوفون بين النظارة يبيعونهم الدخان والشاي والمرطبات، ويقدمون لهم القطائل ليمسحوا بها وجوههم في ليالي الصيف؛ وكان يشربون ويأكلون ويتحدثون حتى تستلفت أنظارهم قطعة من التمثيل جميلة أو عالية الصوت؛ وكثيراً ما كان الممثلون يضطرون إلى الصراخ بأعلى أصواتهم لكي يسمعهم النظارة، وكان في أغلب الأحيان يلبسون أقنعة على وجوههم حتى يسهل على النظارة فهم أدوارهم”.
تحريم النساء..
وعن تحريم المسرح علي النساء يتابع الكتاب: “ولما حرّم تشين لونج على النساء أن يظهرن على المسرح كان الرجال يمثلون أدوار النساء، وقد مثلوها تمثيلاً بلغ من إتقانه أن النساء حين سمح لهن في أيامنا هذه بالظهور على المسرح من جديد كان لا بد لهن أن يعملن جاهدات على تقليد مقلديهن حتى يضمنّ النجاح. وكان لا بد للممثلين أن يتقنوا الرقص والألعاب البهلوانية، لأن أدوارهم كثيراً ما كانت تتطلب منهم المهارة في تحريك أعضائهم، ولأن كل حركة من حركات التمثيل كانت تؤدى طبقاً لقواعد من الرشاقة معينة منسجمة مع النغمات الموسيقية التي تعزف في خلال التمثيل؛ وكانت حركات اليدين تستخدم رمزاً للكثير من الأعمال، كما كانت تصحب الكثير من الأقوال، وكان لابد أن تكون هذه الحركات دقيقة متفقة مع العرف والتقاليد القديمة؛ وكان فن تحريك اليدين والجسم عند بعض كبار الممثلين أشباه ماي لانج – فانج يؤلف نصف ما في المسرحية من شعر”.
التمثيلية..
ويجمل الكتاب عن التمثيلية: “وقصارى القول أن التمثيلية لم تكن كلها رواية مسرحية، ولم تكن كلها مسرحية غنائية، ولم تكن في أكثر أدوارها مرقصة، بل كانت مزيجاً من هذا كله تكاد تشبه في صفاتها مسرحيات العصور الوسطى في أوربا، ولكنها كاملة في نوعها كمال الموسيقى البلسترينائية أو الزجاج المصبوغ”.
الموسيقى..
وعن الموسيقى يشرح الكتاب: “وقلما كانت الموسيقى فناً قائماً بذاته عند الصينيين بل كانت تعزو منشأ كثير غيرها من الفنون إلى الإمبراطور الأسطوري فوشي. وقد احتوى اللي جى أو “كتاب المراسم” الذي يرجع عهده إلى ما قبل كنفوشيوس عدة رسائل في الموسيقى وأسماء عدة رسائل فيها، كما احتوى الدزو – جوان الذي كتب بعد مائة عام من أيام كنفوشيوس وصفاً بليغاً للموسيقى التي كانت تصحب غناء قصائد ويه.
وما أن حل عهد كونج فو – دزه حتى كان السلم الموسيقى الصيني قد ثبت وتقادم عهده؛ وحتى كانت البدع التي أخذت تتسرب إليه تقض مضاجع الهادئين المحافظين، وحتى أخذ هذا الحكيم يضج بالشكوى من الأنغام الداعرة الشهوانية التي بدأت في أيامه تحل محل أيام الماضي المتفقة في رأيه مع الفضائل وكرم الأخلاق.
ثم شرع النفوذ اليوناني البكتري والنفوذ المغولي يتسربان إلى الموسيقى الصينية حتى تركا آثارهما في السلم الموسيقي الصيني المعروف ببساطته.
وقد عرف الصينيون تقسيم البعد الكلي في الموسيقى إلى اثني عشر نصفاً من أنصاف النغمات، ولكنهم كانوا يؤثرون كتابة موسيقاهم في سلم خماسي يطابق على وجه التقريب نغماتنا F.G.A.D.C وكانوا يطلقون على هذه النغمات الكاملة أسماء “الإمبراطور” و”رئيس الوزراء” و”الرعية” و”شئون الدولة” و”صورة الكون”. وكانوا يفهمون التوافق في الألحان، ولكنهم قلما كانوا يعنون به إلا إذا أرادوا ضبط آلاتهم الموسيقية. وكانت هذه الآلات تشمل من آلات النفخ الناي والبوق والمزمار والصفارة، ومن الآلات الوترية الكمان الأوسط والمزهر وغيرهما، ومن آلات الدق الدفوف والطبول والأجراس والصنوج. وكانت لهم ألواح موسيقية من اليشب والعقيق(81). وكانت النغمات التي تنبعث من هذه الآلات عجيبة مزعجة لأذن المستمع الغربي، كما تبدو، في ظننا، أحسن الأغاني الغربية عجيبة مزعجة للمستمع الصيني. ولكن هذه النغمات هي التي أثرت في نفس كنفوشيوس فامتنع عن أكل اللحم، وأصبح رجلاً نباتياً، وهي التي جعلت كثيراً من مستمعيها يفرّون من منازعات الحياة واختلاف الأفكار والإرادات، وهو الفرار الذي لا يكون إلا نتيجة الاستسلام إلى الموسيقى الشجية. ومن أقوال هان يو في هذا: “لقد علم الحكماء الإنسان لكي يقشعوا ما في نفسه من حزن وغم”. وكانوا يؤمنون بقول نيتشه: “لولا الموسيقى لكانت الحياة عبثاً لا خير فيه”.