13 نوفمبر، 2024 5:13 م
Search
Close this search box.

قصة الحضارة (104): السجل التاريخي أعظم كتب التاريخ الصينية

قصة الحضارة (104): السجل التاريخي أعظم كتب التاريخ الصينية

خاص: قراءة- سماح عادل

حكي الكتاب عن الآداب الصينية حيث تفوق الصينيون في مجال النثر مثل تفوقهم في مجال الشعر، وقد كانت أهم آدابهم كتب التاريخ، والقصص التي عدت تسلية شعبية. وذلك في الحلقة المائة وأربع من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزء.
النثر ..
انتقل الكتاب للحكي عن النثر في الحضارة الصينية القديمة: “ليس شعراء تانج إلا فئة من شعراء الصين، وليس الشعر إلا جزءاً من الأدب الصيني، وإنه ليصعب علينا أن ندرك حقيقة ما كان في هذا العصر من وفرة في الأدب ومن سعة انتشاره بين كافة طبقات الشعب. وكان عدم وجود قانون للملكية الأدبية عاملاً من العوامل التي ساعدت على رخص أثمان المطبوعات، ولذلك كان من الأمور العادية، قبل دخول الأفكار الغربية في البلاد، أن يجد الإنسان مجموعات جديدة مجلدة من عشرين كتاباً تباع الواحدة منها بريال أمريكي، وأن يرى موسوعات مؤلفة من عشرين مجلداً تباع جديدة بأربعة ريالات، وأن تباع جميع روائع الأدب الصيني القديم كلها بريالين.
وأصعب مما سبق أن نقدر نحن قيمة هذا الأدب، وذلك لأن الصينيين يضعون الشكل والأسلوب فوق المادة حين يحكمون على كتاب ما، وليس في وسع أية ترجمة مهما بلغت أن تظهر جمال الشكل أو روعة الأسلوب.
ليس من حقنا أن نلوم الصينيين حين يقولون إن آدابهم أرقى من أية آداب أخرى عدى الآداب اليونانية، ولعلهم حين يستثنون آداب اليونان إنما يفعلون هذا من قبيل المجاملات المأثورة عن الشرقيين.
والصينيون لا يعدون القصص فرعاً من فروع الأدب، وهم في هذا يختلفون عن الغربيين حيث يرفع القصص من شأن المؤلفين ويذيع أسمائهم في سرعة وسهولة. ولذلك فإنا قلما نجد له ذكراً في بلاد الصين قبل أن يدخلها المغول”.
تسلية شعبية..
وعن رؤية الصينيين للقصص يواصل الكتاب: “بل إن أدباء الصين ما يزالون إلى هذا اليوم يعدون خير الروايات القصصية مجرد تسلية شعبية غير خليقة بأن تذكر في تاريخ الآداب الصينية. لكن سكان المدن الصينية السذج لا يبالون بهذه الفروق، ويتركون أغاني بو- جوي، ولي بو في غير تحرج، ويفضلون عليها الروايات الغرامية التي لا حصر لها، والتي يكتبها مؤلفون يخفون عن القراء أسماءهم، وينشرونها باللهجات الشعبية التي تكتب بها المسرحيات.
وهي تصوّر للصينيين في وضوح ما في ماضيهم من أحداث روائية رائعة؛ ذلك أن جميع الروايات الصينية الشهيرة، إلا القليل النادر منها، روايات تاريخية، وقلّ أن يوجد فيها ما هو واقعي النزعة، وأقلّ منه ما يحاول فيه مؤلفوه ذلك القرب من التحليل النفساني أو الاجتماعي الذي يرقى “بأخوة كرمزوف” و “الجبل المسحور” و “الحرب والسلم” و “البائسون” إلى مستوى الأدب الرفيع”.
قصة حواشي الماء..
ويضيف عن أقدم قصة صينية: “ومن أقدم الروايات الصينية رواية شوي هو جوان أو “قصة حواشي الماء” التي ألفها رهط من الكُتاّب في القرن الرابع. ومن أكبر هذه الروايات حجماً رواية “هونج لومن” أو حلم الغرفة الحمراء (حوالي 1650 م) وهي رواية في أربعة وعشرين مجلداً؛ ومن أحسنها كلها رواية لياو جاي جبىْ أو قصص عجيبة (حوالي 1660 م) وهي التي يجلها الصينيون لجمال أسلوبها وأناقة عبارتها.
وأشهرها كلها رواية ساق جورجي ياق إي أو “رواية الممالك الثلاث” وهي رواية منمقة الأسلوب في ألف صفحة ومائتين كتبها لو جوان – جونج (1260-1241م) في وصف الحرب والدسائس التي أعقبت سقوط أسرة هان ، وكلها شبيهة بالروايات الطويلة التصويرية التي كانت منتشرة في أوربا في القرن الثامن عشر.
وكثيراً ما تجمع هذه الروايات إذا جاز لنا في مثل هذه الموضوعات أن ننقل إلى القارئ ما يتحدث به الناس عنها بين تصوير الأخلاق الفكه اللطيف الذي تراه في رواية تم جونز وبين القصص الشائق الذي نراه في جل بلاس. وهي أصلح ما تكون لأن يقرأها الشيوخ الطاعنون في السن ليقطعوا بها أوقات فراغهم”.
التاريخ..
ويتابع عن مكانة التاريخ في الآداب الصينية: “والتاريخ أجل الآداب شأناً في الصين، وهو كذلك أحبها إلى الصينيين، وليس ثمة أمة ظهر فيها من المؤرخين عدد يوازي ما ظهر منهم في الصين، وما من شك في أنه ليس بين الأمم جميعهاً أمة كتبت في التاريخ بقدر ما كتبت الأمة الصينية. وذلك أن أقدم عصور الملوك كان لها كتابها الرسميون، يسجلون أعمال الملوك وأحداث الأيام؛ ولقد دام منصب مؤرخ البلاط إلى أيامنا هذه، وأوجد في الصين قدراً من الأدب التاريخي لا نرى له مثيلاً في طوله ولا في ملله في جميع بلاد العالم.
وحسبنا أن نضرب بعض الأمثلة ليدرك القارئ طول هذه التواريخ. فمنها أربعة وعشون كتاباً في “تواريخ الأسر” وهو تاريخ رسمي نشر في عام 1747م في 219 مجلداً ضخماً. وأخذت كتابة التواريخ تخطو خطى سريعة في الصين مبتدئة بالشو – جنج أو “كتاب التاريخ” الذي هذبه كنفوشيوس أحسن تهذيب، وبالدوز – جواق وهو شرح لكتاب المعلم الكبير وإحياء له كتب بعد مائة عام من ذلك الوقت وحوليات كتب الغاب التي وجدت في قبر أحد ملوك ويه”.

كتاب السجل التاريخي..
ويكمل عن كتاب تاريخي هام: “حتى أخرجت في القرن الثاني قبل ميلاد المسيح أعظم كتب التاريخ الصينية على الإطلاق، وهو كتاب السجل التاريخي الذي جمعه زوماتشين وبذل في جمعه جهوداً جبارة.
ذلك أنه لما خلف زوما أباه في منصب منجم البلاط بدأ عمله بإصلاح التقويم، ثم وجه جهوده للعمل الذي بدأه أبوه وهو رواية تاريخ الصين من عهد الأسرة الأولى الأسطورية إلى العصر الذي كان يعيش فيه. ولم يكن زوما مولعاً بجمال الأسلوب، بل كل ما كان يهدف إليه أن يجعل سجله هذا كاملاً.
وقد قسم كتابه هذا خمسة أقسام هي: (1) حوليات الأباطرة، (2) الجداول التاريخية، (3) ثمانية فصول في المراسم، والموسيقى، وموازين النغمات، والتقويم، والتنجيم، والقرابين الإمبراطورية، والمجارى المائية، والاقتصاد السياسي، (4) حوليات أمراء الإقطاع، (5) تراجم عظماء الرجال. ويبلغ طول العهد الذي تُؤرّخ له هذه الكتب كلها نحو ثلاثة آلاف عام، وقد سجلت في 000ر526 متر صيني نقشت بقلم مدبب على ألواح من الغاب في صبر طويل.
ولما فرغ زوماتشين من وضع كتابه هذا الذي قضى فيه حياته كلها أرسله إلى الإمبراطور وإلى العالم ولم يضف إليه إلا هذه المقدمة المتواضعة:
“لقد وهنت الآن قوة خادمك الجسمية، وضعف بصره وأظلمت عيناه، ولم يبق من أسنانه إلا العدد القليل، وضعفت ذاكرته حتى أصبح ينسى حوادث الساعة حين تدبر عنه، ذلك أن قواه كلها قد استنفدها إخراج هذا الكتاب. وهو لهذا يرجو أن تصفح جلالتكم عن محاولته الجريئة التي تشفع لها نيته الخالصة، وأن تتفضل في لحظات الفراغ بلقاء نظرة قدسية على هذا الكتاب حتى تعرف من أسباب قيام الأسر السابقة وسقوطها سر نجاح هذه الساعة وإخفاقها، فإذا ما استخدمت هذه المعرفة لخير الإمبراطورية، فإن خادمك يكون قد حقق غرضه ومطمعه في الحياة، وإن ثوت عظامه في الينابيع الصفراء” ويعقب المؤلفان: “ولسنا نجد في صفحات كتاب زوماتشين شيئاً من تألق تين، ولا ثرثرة ساحرة أو قصصا طريفة مكتوبة بأسلوب هيرودوت، ولا تعاقبا للعلة و المعلول كما نجدها في توكيديد، ولا نظرة واسعة الآفاق في لغة موسيقية كما نجد في ِجبُن. ذلك أن التاريخ قلما يرتفع في الصين من صناعة إلى فن”.
تاريخ الصين العام..
وعن محاولة أخرى لكتابة تاريخ الصين: “وقد ظل المؤرخون الصينيون من أيام زوماتشين إلى أيام سميه زوما جوانج الذي حاول بعد أحد عشر قرناً أن يكتب مرة أخرى تاريخاً عاماً للصين، نقول ظل هؤلاء المؤرخون يكدحون ليدونوا في صدق وإخلاص حوادث أسرة حاكمة أو ملك من أسره. وكثيراً ما أضاعوا في هذا العمل كل ما كان لهم من مال، بل إنهم أضاعوا فيه أحياناً حياتهم نفسها وكانوا ينفقون جهودهم كلها في سبيل الحقيقة لا يبغون عنها بديلاً، ولم يدخروا شيئاً من هذه الجهود ينفقونه في جمال الأسلوب.
ولعهم كانوا في عملهم هذا على حق، ولعل التاريخ ينبغي أن يكون علماً لا فناً، ولربما كانت حوادث الماضي يعتريها الغموض إذا وصلت إلينا في زينة ِجبُن أو في مواعظ كارليل”.
المقالة الصينية..
وعن فن كتابة المقالة: “أما المقالة الصينية فهي أجمل من التاريخ الصيني وأعظم منه بهجة. ذلك أن الفن فيها غير محرم والفصاحة مطلقة العنان. وأوسع كتاب المقالات شهرة هان يو العظيم الذي يقدر الصينيون كتبه أعظم تقدير، ويجلونها إجلالا بلغ من قدره أنهم يطلبون إلى من يقرؤها أن يغسل يديه بماء الورد قبل أن يمسها.
وكان هان يو وضيع المولد ولكنه وصل إلى أرقى المراتب في خدمة الدولة، ولم يغضب عليه الإمبراطور إلا لأنه احتج احتجاجاً شديداً صريحاً على تسامحه مع البوذية وما حباها من امتيازات. ذلك أن هان كان يعتقد أن الدين الجديد إن هو إلا خرافة هندية، وقد آلمه أشد الألم، وهو الكنفوشي الصميم، أن يرضى الإمبراطور عن هذا الحلم الموهن الذي أسكر أهل بلاده. ومن أجل هذا رفع مذكرة إلى الإمبراطور (803 ق.م) نقتبس منها هذه السطور لنقدم للقارئ مثلاً من النثر الصيني، وإن كانت الترجمة الأمينة قد شوهته:
“لقد سمع خادمكم أن أوامر صدرت إلى جماعة الكهنة بأن يسيروا إلى فنج – شيانج ليتسلموا عظماً من عظام بوذا، وأن جلالتكم ستشرفون من برج عال على دخوله في القصر الإمبراطوري؛ وأن أوامر أخرى أرسلت إلى الهياكل المختلفة تقضي بأن يحتفل بهذا الأثر الاحتفال الذي يليق به. وقد يكون خادمكم أبله ضعيف العقل، ولكنه يدرك أن جلالتكم لا تفعلون هذا لتنالوا منه نفعاً، بل تفعلونه مسايرة منكم لرغبة الشعب في أن يحتفل بهذا المجون الباطل في عاصمة البلاد، في الوقت الذي بلغ فيه الرخاء غايته، وامتلأت جميع القلوب بهجة وانشراحاً.
وإلا فكيف تجيز لكم سامي حكمتكم أن تؤمنوا كما يؤمن عامة الشعب بهذه العقائد السخيفة؟ وعامة الشعب يا مولاي بطيئو الإدراك يسهل التغرير بهم، فإذا رأوا جلالتكم تركعون خاشعين أمام قدمي بوذا صاحوا من فورهم: هاهو ذا ابن السماء مصدر الحكمة قوى الإيمان ببوذا؛ فهل يحق لنا نحن عامة شعبه أن نضن عليه بأجسامنا.
ثم يعقب هذا سفع النواصي وحرق الأصابع؛ وتجمع الناس من كل صوب يمزقون ملابسهم، وينثرون أموالهم، ويقضون وقتهم كله من الصباح إلى المساء يحذون حذو جلالتكم. ونتيجة هذا أن تتملك الشعب كله، صغاره وكباره، هذه الحماسة نفسها فيهمل الناس ما يجب عليهم أن يفعلوه في حياتهم. وتراهم يحجون إلى الهياكل زرافات، يقطعون أيديهم ويشوهون أجسامهم، ليقدموها قرباناً إلى الإله، إلا إذا حرمتم عليهم جلالتكم هذا العمل. وبهذا يقضى على عادتنا وتقاليدنا، ونصبح مضغة في أفواه الناس وهدفاً لسخريتهم على ظهر الأرض..
ولهذا فإن خادمكم، وقد تجلل بالعار من أفعال الرقباء ، يضرع إلى جلالتكم أن تتركوا هذه العظام طعمة للنار والماء، حتى يجتث هذا الشر من منابته فلا يعود أبداً، وحتى يعرف الشعب أن حكمة جلالتكم أعلى من حكمة عامة الناس. وإذا كان للرب بوذا من القوة ما يستطيع به أن يثأر لنفسه من هذه الإهانة بالكوارث يصبها على رأس من كان سبباً فيها، فليصب جام غضبه على شخص خادمكم، وهو في هذه اللحظة يشهد السماء على أنه لن يحيد عن عقيدته”.
وبعد فإذا ما قام النزاع بين التخريف والفلسفة فأكبر الظن أن النصر سيكون حليف التخريف، ذلك بأن العالم قد أوتي من العقل ما يجعله يفضل السعادة على الحكمة، ومن أجل ذلك نفي هان إلى قرية في هوانج – تونج حيث كان الناس لا يزالون همجاً سذجاً. ولم يشك من هذا النفي، بل شرع يهذب الناس ويجعل من نفسه خير قدوة يقتدون بها عملاً بتعاليم كنفوشيوس. وقد بلغ من نجاحه في عمله هذا أن صورته لا تزال يكتب عليها في هذه الأيام تلك الأسطورة “لقد كان ينشر الطهر حيثما مر” . ثم استدعي آخر الأمر إلى عاصمة البلاد، وأدى للدولة خدمات جليلة، ومات معززاً مكرماً أعظم الإعزاز والتكريم. وقد نصبت له لوحة تذكارية في هيكل كنفوشيوس وهو المكان الذي يحتفظ به عادة لأتباع المعلم العظيم أو لكبار شرّاحه؛ وذلك لأنه دافع عن العقائد الكنفوشية دفاعاً لم يبال فيه بما يتعرض له من الأخطار، وقاوم عقيدة كانت من قبل صالحة نبيلة ولكنها أصبحت الآن منحطة فاسدة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة