13 أبريل، 2024 6:06 ص
Search
Close this search box.

قراءة وموازنة بين روايتي (عندما تزهر البنادق – دير ياسين) لبديعة النعيمي و(يس) لأحمد أبو سليم.

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتب: الأستاذ علي فضيل العربي – الجزائر

عندما ينحرف الإبداع و يتحوّل إلى سرقة أدبية فاضحة وسطو وانتحال مع سبق الترصّد.
ظاهرة السرقات الأدبية، أو ما أطلق عليه النقاد المعاصرون، من باب التهذيب اللفظي للظاهرة، التناص، قديمة، منذ العصر ما قبل الإسلام. نظرا لاعتماد الشعراء على الرواية الشفهية، وانعدام ظاهرة التدوين، إلا ما كُتب ورُسم على الحجارة الملساء أو العظام المسطّحة أو القراطيس الجلدية أو ورق البردي في منطقة النيل، وغيرها من الكتابات المسمارية والطينيّة والنقشيّة على الصخور البركانية.
غير أنّ بعض الكتاب والشعراء، في بلاد الشرق والغرب، وقعوا تحت سطوة الإعجاب والتأثر الشديد بأدباء سابقين لهم في الزمان، بعدين عنهم في المكان، رغم اختلاف الجنس واللغة والملّة. فقد تأثر الشاعر الإيطالي دانتي، في الكوميديا الإلهية، برسالة الغفران لشاعر الفلاسفة، وفيلسوف الشعراء أبي العلاء المعري. كما تأثر الشاعر الفرنسي لامارتين في قصيدته (بحيرة الزيتون) بالشاعر الفذ و شاعر الحكمة، أبو الطيب المتنبي في قصيدة في وصف (بحيرة طبريّة).
إذن، نحن أمام ظاهرة قديمة في الأدب العربي والأدب العالمي على السواء. لكن هناك كتاب وأدباء يلجأون، خفية، إلى عملية السطو على إبداعات غيرهم دون ورع أخلاقي أو رادع ضميريّ. إنّني، وإذ أثير هذه الجائحة الأدبية في أدبنا المعاصر، لا أعني التشارك في طرق المعاني والأفكار، لأن هذه الأخيرة، كما يقول الجاحظ، “مطروحة في الطريق، يعرفها العجمي والعربي، البدوي والقروي، وإنما الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ”.
وإنّها أتكلّم على أسلوب الطرح والمعالجة.
نحن أمام مصنفين أدبيين، وهما روايتان، الأولى للروائية الأردنية ذات الروح الفلسطينية “عندما تزهر البنادق”، بديعة النعيمي، والثانية “يس”، للكاتب الفلسطيني أحمد أبو سليم. وبين الروايتين فارق زمني من حيث الإصدار. فقد صدرت رواية (عندما تزهر البنادق– دير ياسين) للرواية بديعة النعيمي، عن دار فضاءات للنشر و التوزيع بالأردن، سنة 2020 م وكانت قد أنهت كتابتها في 29 / 09 / 2019، كم هو مدوّن في نهاية الرواية .
بينما صدرت رواية (يس) للروائي الفلسطيني، أحمد أبو سليم عن الاتحاد، للكتاب و الأدباء الفلسطينيين – الأمانة العامة، بدعم من الثقافة – بيت لحم ، سنة 2021 م. من خلال قراءتي للروايتين، وجدت تشابها عجيبا بين بعض المقاطع، الواردة فيهما. فالإضافة إلى تناولهما- تحت عنوان متماثل – موضوعا واحدا، ومجزرة ومذبحة دير ياسين، التي اقترفتها العصابات الصهيونية في نيسان سنة 1948م. فقد ظهرت في رواية (يــس) للأديب الفلسطيني أحمد أبو سليم، الكثير من المقاطع السرديّة المشابهة لمثيلتها في رواية (عندما تزهر البنادق – دير ياسين) للأديبة الأردنية بديعة النعيمي. مع العلم أنّ رواية (عندما تزهر البنادق – دير ياسين) هي السابقة زمنيّا كتابة وطباعة بنحو سنة أو أكثر.


وهو لعمري لا يتعلق الأمر بتوارد خواطر، ولا هو ضرب من ضروب التناص، أو التأثر الشديد، أو الاقتباس، و إنّما تفسيره، لا يعدو كونه سرقة أدبية، مع سبق الإصرار والترصد، وسطو أدبي، بعيد عن اللياقة الأدبية، وخارج عن دائرة التناص.
في الفصل الأول المعنون بالمجزرة، وفي الصفحة الأولى استهل أحمد أبو سليم روايته بقوله: “هل يمكن للذاكرة أن تصاب بالصدأ، وتهترىء؟” ص 9. مأخوذ و محوّر من المقطع “النصف الأول من ذاكرتي صدئ، صدئ جدا، يا دكتور، لقد صدئت” ص74 من رواية (عندما تزهر البنادق) لبديعة النعيمي. وأيضا ورد في رواية (يس) قول أحمد أبو سليم: “كانت معلقة هناك، على جدران الذاكرة لا تبرحها أبدا” ص9، وهي عبارة مأخوذة من العتبة التالية، مع تصرّف فيها، بأسلوب منسلخ: “كم من السنين ستصمد صورة قريتنا وهي معلّقة على جدران الذاكرة دون أن تسقط” ص 115.
فالقارئ للروايتين، يكتشف ذلك التشابه العجيب والغريب بين بعض المقاطع السردية. وهي – لعمري – ليست ناتجة عن توارد خواطر، وهي ليست من جنس التاثّر والتأثير، ولا من التناص في شيء. بل هي باختصار ووضوح، سطو أدبي بأسلوب غير أدبي، وسرقة مدبّرة بليل. وبما أن رواية “عندما تزهر البنادق” للروائية الأردنية بديعة النعيمي، هي الأسبق صدورا 2020 م، ورواية “يـس” للروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم. هي اللاحقة صدورا 2021 م، فإن ظاهرة السرقة الأدبية لا لبس فيها.
وقد ظهرت تلك السرقة الأدبية المشينة في الفصول الخامسة من رواية “يــس” للروائي الفلسطيني أحمد أبو سليم؛ ففي الفصل الأول، المعنون ب (المجزرة)، ظهرت في الصفحات التالية: ( 9- 10 – 11 – 13 – 14 – 19 – 25 – 30 – 34 – 37 – 39 – 40 – 43 – 44 – 48 – 54 – 57 – 59 – 60 – 61 – 67 – 71 . )، أمّا في الفصل الثاني، الموسوم بعنوان (المخيّم)، فقد وردت تلك السرقة الأدبية في الصفحات التالية: ( 80 – 83 – 87 – 102 – 104 – 108) . كما ظهرت تلك السرقة الأدبيّة أيضا في الفصل الثالث المعنون ب (السجن)، وفي الصفحات الآتية: (142 – 147 – 165 – 171) . وأيضا في الفصلين الرابع المعنون ب (الخال) وفي الصفحات التالية: (180 – 182 – 183 – 184 – 185 – 186 – 188 – 189 – 195 – 196 – 198 – 199 – 204 – 205 –214 – 215 – 216 – 217 – 218) . ولم يخل الفصل الخامس والأخير، المعنون ب (الصورة) من السرقة الأدبية، حيث ظهرت في الصفحات: (235 – 237 – 238 – 242).


وإذا كانت المحاكاة سلوكا أدبيا جائزا في العرف الأدبي والفنّي، بل وفي جميع النشاطات والسلوكات إلى درجة التقليد، كما هي عند الإنسان والحيوان، فلا يمكن قبولها، عندما تتحوّل إلى سطو فاضح، أو انتحال لأفكار الغير وإبداعاتهم، دون تحديد المصدر أو المرجع، أو الإشارة إليه تلميحا أو تصريحا.
وأنا هنا – وأعوذ من الأنا – لست قاضيا، أقيم محكمة لإعدام عمل، وإحياء عمل آخر على حسابه، بعيدا عن العدالة والقسطاس وروحهما. إنّما الأمر متعلّق بمحاولة الحدّ من ظاهرتي السرقة الأدبية والعلمية اللتين شاعتا في هذا العصر، بسبب تطوّر تكنولوجيا النتّ وسرعة الاتّصال والتواصل. فقد أضحى العالم قرية صغيرة في عالم التواصل الالكتروني. إنّ الناقد – كما صوّره ميخائيل نعيمة في كتابه (الغربال)– حين يبدي آراءه السلبية حول عمل أدبيّ ما، “لا يقصد أنّ يشوّه سمعته”. ويقول أيضا: “عليهم أن يعلموا أنّ عمل الناقد لا يقتصر على تقويم تقويم الآثار والتعريف بمحاسنها ومساوئها فحسب؛ بل عمله يشبه عمل الصائغ الّذي ينظر إلى قطع من المعادن ويفصل بعضها عن بعض، فيسمي واحدة منها الذهب والأخرى شبهه وعند ذلك تحلّ الواحدة مكان الأخرى. هذا ما يفعله الناقد. زد على ذلك أنه ليس مقوّم فحسب، بل هو مبدع ومولّد ومرشد” *
* علي فضيل العربي – روائي وناقد جزائري.
هامش:
* راجع نعيمة، ميخائيل الغربال ـ ط 9/ مؤسسة نوفل، بيروت، 1971ـ ص 13 و 17.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب