7 أبريل، 2024 2:54 ص
Search
Close this search box.

قراءة في كتاب “نساء الإدارة”

Facebook
Twitter
LinkedIn

تأيف: أ.د. بسمان الفيصل

عرض: د. أشرف صالح محمد

تقر شريعة حمورابي في العراق اعترافًا واضحًا بحق المرأة على وجه التحديد في البيع والتجارة والتملك والوراثة والتوريث، بينما قادت الملكة سميراميس بابل لخمس سنوات من الرخاء. وفي مصر، شاركت المرأة الرجل في العمل، وكذا في القصر الفرعوني؛ حيث وصلت الحكم وكانت سلطتها قوية في اختيار الزوج، وفي شئون البيت والحقل. وعلى العكس مما تقدم فقد كانت المرأة في عصر الإغريق والروم مسلوبة الإرادة، فقد ظلمها القانون اليوناني تمامً؛ فحرمها من الإرث والتعليم والطلاق. إلا أن تطور الحضارة الإغريقية شهد مزيدًا من الحقوق لمشاركة النساء في البيع والشراء، وهذا ما شهده أيضًا العصر الروماني، مع وجود ملاحظات تخص وضعها الاجتماعي، والتي تبدو انتقاصًا وفق معايير الحقب اللاحقة.

والأشد قسوة في التعامل مع المرأة كان في الصين والهند، أما في بلاد فارس فكان الأمر مختلفًا بعض الشيء، حيث كان لها حق تملك العقارات وإدارة شئونها المالية. أما عن نظرة الأديان للنساء، فاليهودية أعطتها حقوقًا محددة، أما المسيحية فاعتبرتها قيمة روحية عالية ومنحتها المساواة مع الرجل، وبالنسبة للإسلام أُعطيت النساء الحقوق المالية كالإرث، والتجارة، والإعفاء من النفقة، واعتبر تعليمها فرض عين.

لقد اختار الأستاذ الدكتور بسمان الفيصل موضوعًا يبدو شائكًا بعض الشيء، وهو يتناول النساء في الإدارة (إصدار الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2016)، ولعل منشأ الإشكالية هنا إقراره بوجود اختلاف بين الرجل والمرأة في الممارسات الإدارية، وبالتالي فهو يجتهد ليشرح مضمون الاختلاف، واستحقاقاته، وتداعياته، ومظاهره. مع ملاحظة أنه يبذل جهدًا في الانصياع للحقائق دون الخضوع المطلق لضغوط المثالية من جهة، أو ضغوط المنظومات الاجتماعية والقيمية من جهة أخرى.

سيارات نساء الإدارة

تختلف طرائق وصول ومغادرة العاملين، ومنهم النساء إلى مؤسستهم، وهذا الاختلاف له دواعيه ويخضع أيضًا لطبيعة نظام النقل الوطني، وكذا نظام النقل المؤسسي. وعلى الرغم من التسهيلات الزمانية والإجرائية لاعتماد وسائل النقل المختلفة، فهناك مَنْ تشعر أن فرصتها في التميز وجلب الاهتمام والأنظار تكمن في اقتناء سيارة خاصة في الذهاب والمغادرة، وتتحرك بها منفردة أو بصحبة بعض مَنْ تريد التفضل عليهن من زميلاتها. وعادةً ما تكون تلك السيارات من الأنواع الحديثة وتتميز بقدر واضح من الرفاهية، وقد يكون الاختلاف بين مستويات تلك السيارات، وما يعبر عن قيمتها ميدانًا للتنافس الصامت والتباهي الخفي. وبالتالي يصبح المجيء للعمل ليس إلا فرصة لاستعراض القدرات المالية للعائلة أو الزوج.

العطر ونساء الإدارة

تتغير روائح العطور تبعًا للنظام الغذائي ومستويات التوتر وزيوت الجلد، وبالتالي فالعطر الواحد يمكن أن يعطي رائحتين مختلفتين على امرأتين مختلفتين. ويلاحظ أن المستوى المادي للنساء يقود إلى خيارات مختلفة خاصةً وأن العطور ذات الجودة العالية عادةً ما تكون مرتفعة الثمن، وقد يكون ثمنها جزءًا من التباهي باستخدامها في إشارة خفية لإمكانات صاحبة العطر. وحيث أن استخدام العطور له أهدافه وفقًا لمَنْ تستخدمه، فمنهن مَنْ تعتقدن أن العطر جزء من شخصيتهن، وبعضهن يرين فيه مدعاة لفرض الاحترام على الآخرين، بينما تجدن أخريات في العطور ميدانًا للمباهاة. ويُعتقد أن اللاتي يقمن بأعمال السكرتارية ومكاتب المديرين الأكثر قدرة على اختيار العطر الذي يناسب رؤساءهن في العمل، بل وأن الكثير من القرارات قد تنضج باستخدام عطر فواح.

 

مكاتب نساء الإدارة

تبدو مكاتب النساء عالم خاص وحده، وهو مليء بالأسرار وفيه خيارات شكلية وموضوعية تعبر عن اهتمامات صاحبة المكتب وربما مزاجها وتفضيلاتها، فالمديرات خاصةً إذا ما تمتعن بميزة الغرفة المستقلة وفقًا لوصفهن الوظيفي، هنا ستكون الحرية في الخيارات أكثر اتساعًا؛ وبالتالي قد نرى ورودًا وتابلوهات، وربما عبوة من الشوكولاتة الفاخرة، وقطعتين من الزجاج غير محدد المعالم. أما حقيبة المديرة، فهي عنوان لقدر من الصرامة الممزوجة بالرقة والأنوثة، ترجو منها إرسال رسائل محددة ع رفاهيتها المالية وقدرتها على مجاراة الموضة. يحتل المكتب نهاية الغرفة، هي أرادت من ذلك أن ترى خطوات الزائر إن كانت وئيدة أم مضطربة، فتقيس بدرجة ذكائها وفراستها ما في صدر هذا القادم سواء موظفًا كان أم موظفة. تنساب بعض الموسيقى الهادئة وهي تتابع أعمالها من على شاشة الكمبيوتر وتنظر أحيانًا إلى ورق ملون أمامها، وكأنها تخطف بعض الوقت لأهمية ما لديها رغم أن هناك مَنْ جاء بعد استدعاء. تتعمد الدخول إلى غرفتها بطرق رتيب من كعب حذائها العالي الذي تعتقد أنه يكسبها قدرًا من الرشاقة والحضور، وربما الجمال والتأثير.

الفارسة الإدارية

يظهر أحيانًا في نمط سلوك واحدة من نساء الإدارة منحى قيادي تدعمه كاريزما شخصية مقترنة بأناقة ومسحة من الجمال الأنثوي مدمجة في تركيبة من السمات الشخصية كالثقة المفرطة بالنفس والتحفز والنظرة التحليلية. ويتحقق أن تتوفر ظروف مناسبة تثبت هذا الاستثناء من خلال قدراتها المتميزة في أول تكليف أو مواجهة مع أحداث استثنائية في المؤسسة. وهنا يجد المديرون أن لديهم فارسة يمكنهم الالتجاء إليها، حيث تحمل في جعبتها ما هم بحاجة إليه من بعض الهدوء والمزيد من المعلومات عن مؤسستهم. وهكذا تأتي فرصة صدارتها للمشهد الإداري، فتستحق لقب “الفارسة”؛ ومن ثَمَّ الناطق الرسمي باسم الإدارة، بل وسيفها المسلط على رقاب المعترضين.

وبالتالي؛ يُعَدّ رضاها شرطًا لرضا الإدارة العليا معبرًا عنه ماديًا واعتباريًا، وإن حصل العكس فعدم رضاها يعني انفتاح أبواب جهنم على مَنْ يخاطر باعتراض مزاجها الإداري ورؤيتها. إن وجود هذه الفارسة يقود إلى ظهور تنظيم غير رسمي (شلة) يتخذ منها قيادة له، حيث ينخرط فيه العديد من الذكور قبل الإناث، وتتولى هي تصنيف مستوى إخلاصهم لرؤيتها، ويبدو أن نساء هذا التنظيم يشعرن بالمزيد من الطمأنينة في وجودهم تحت جناح حمايتها ورعايتها وبالتالي يمارسن بدورهن التسلط على زملائهم في العمل. والملف للنظر خفوت ظاهرة الفارسة مع تغيير القيادة الإدارية، والمؤلم هنا تحملها لمواقف الماضي ولوحدها في انكشاف تام أمام أوضاع جديدة في المؤسسة لا تتيح لها ممارسة أعمال الفارسة التي اعتادت عليها سابقًا، فنجاح الأمس ليس بنجاح الغد، ولكل قيادة منهجها في إدارة ما يسمى بـ “المشكلة الإدارية”، وباختلاف مضامينها.

 

المراجع:

بسمان الفيصل المحجوب (2016)، نساء الإدارة.- عمان: دار الأكاديميون للنشر والتوزيع.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب