✍️محمد ساجت السليطي.
تناول الكاتب والصحفي العراقي المعروف حسن العلوي في كتاب له (عمر والتشيع) شخصية عمر إبن الخطاب في قسمين وهو ما كان الكتاب عليه، القسم الأول يتناول شخصية عمر من حيث النشأة وحياته في الإسلام ووصوله إلى الخلافة، ومميزات شخصيته في الحكم والادارة، والاجتهادات التي قام بها، والقرارات والسلوكيات التي تفرد بها، وحتى الأخطاء التي وقع فيها، والقسم الثاني يتناول شخصية عمر من المنظور الشيعي أي علاقته مع الشيعة والتشيع، يستعرض هذه العلاقة من جانبين، الجانب الأول العلاقة مع رموز التشيع الأول كالإمام علي بن ابي طالب وأولاده، والصحابة الذين التفوا حول الإمام وعقدوا الولاء له، والجانب الثاني علاقة عمر مع الشيعة، من علماء وفقهاء ومتكلمين واصحاب منابر – خطباء – وكذلك الشعراء بالإضافة إلى عامة الشيعة طبعاً، والذين يتأثرون بكل تأكيد بهذا العالِم أو بهذا الفقيه أو بذلك الشاعر أو الخطيب.
الجانب الأول يقول فيه العلوي أن العلاقة بين الإمام علي وعمر، هي علاقة وطيدة، لا يمكن لإنسان منصف تمعن في التاريخ جيداً أن ينكرها (مع وجود انقطاع في العلاقة أستمر ستة اشهر بعد وفاة النبي) ، حيث أن هذان الشخصان كانا قريبين جداً من بعضهما، وكان عمر لا يتخذ قراراً مصيرياً وحاسماً إلا واستشار علياً فيه، بالإضافة إلى أنه سنَ الكثير من القرارات والتشريعات من مشورة الإمام علي ورأيه، كمثل اختيار التقويم الإسلامي من هجرة الرسول من مكة إلى المدينة، كما أنه ولى الكثير من أصحاب الإمام علي على الأمصار ، وغيرها الكثير من القرارات الإدارية والقضائية، وفي كل مرة يقول فيها عمر (لا ابقاني الله لمشكلة ليس لها أبا الحسن، أو قوله لا ابقاني الله في أرض ليس فيها أبا الحسن)، ومن مصادق هذه العلاقة الوطيدة، هو زواج عمر من ابنة الإمام علي – ام كلثوم – ، وتسمية الإمام علي أحد أولاده باسم عمر، كل هذه الحقائق وغيرها الكثير كشفها العلوي في كتابه، ويبين أن الامتداد الشيعي وهو الجانب الثاني، ينقسم إلى تيارين، الأول وهو الغالب والأكبر (تيار القطيعة) كما يسميه العلوي، وهو التيار الذي يقول إن الإمام علي بقي جليس البيت، واضعاً سيفهُ على الحائط، متخذاً المقاطعة طيلة الفترة التي سبقت توليه الخلافة، ويكذّب هذا التيار قصة زواج ابنة الإمام علي بعمر، حيث أن بعضهم يقول إن هذا الزواج حدث بدون أرادة الإمام علي ، وهذا التيار ممتد في عمق التاريخ الشيعي، وإلى يومنا هذا، ويحوي بداخله على الكثير من الفقهاء والمراجع (الفرس بالخصوص لأسباب تاريخية وسياسية) ، والكثير من خطباء المنابر أصحاب المعرفة البسيطة، والثقافة المحدودة، ومثلهم من الشعراء والرواديد، يتبعهم في هذا غالبية عامة الشيعة، ومن يشذ عنهم هو التيار الآخر الذي يسميه العلوي (تيار المشاركة) ، وهو التيار الذي يُقِرّ بعكس ما يقر به التيار سالف الذكر، ويضم هذا التيار نخبة من العلماء والفقهاء الشيعة (أكثرهم عرب) ، وما يميز هذا التيار أنه يحوي بداخله على أشخاص يمثلون فلتات من فلتات المذهب الشيعي (من حيث امتلاك النزعة التنويرية، والملكة العقلية والمنطقية، والحس الأدبي العالي، والمبادرات الاجتماعية الفعالة) ، كالسيد محسن الأمين، والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والسيد محمد حسين فضل الله، والشيخ محمد مهدي الخالصي، والسيد موسى الصدر، والشيخ احمد الوائلي، وغيرهم.
ينتقد العلوي بشدة ما اسماه (بتيار القطيعة)، ويضعّف ويوهّن بكل ما لديهم من أدلة نقلية، ويعرض الكثير من الأسباب التاريخية والسياسية والدينية التي أدت إلى انتشار هذا التيار دون غيره، وكذلك يبين العلوي الآثار والمخلفات الاجتماعية والسياسية الوخيمة التي يتسبب بها وتسبب بها الاعتقاد والتصريح بما يُعتقد ويُصرح به داخل هذا التيار – من مثل التفرقة بين المذاهب الإسلامية، وإعطاء الذريعة للمتطرفين للقيام بالمذابح والمجازر والجرائم المذهبية التي تمنع حدوث الاستقرار والأمان والتقدم – ، وأقرَ العلوي بأهمية أن يكون الرواج والانتشار (لتيار المشاركة) ، الذي أتفقَ مع ما يمتلك من ادلة تاريخية وسياسية، واشادَ بشخوص هذا التيار ورموزه، وأكدَ على الجوانب والانعكاسات الإيجابية على المستويات الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تنتج عن رواج هذا التيار وانتشاره.
المواضيع الأخرى التي تطرق لها الكاتب كثيرة، فلا يمكن الإحاطة بجميع مواضيع الكتاب على كل حال، إلا أني أود أن اذكر منها، نقد العلوي للفئة التي تسمى (بالمستبصرين) في فصل اسماه مثالب المستبصرين، وهم الأشخاص الذين تحولوا من الذهب السني إلى الشيعي، فقال عنهم العلوي من بعد ما أقر بحريتهم في إختيار المذهب، إنهم يكتبون في مواضيع كُتبَ فيها مئات الكتب – كمثل موضوع سب عمر وذكر مثالبه – ، أي أنهم برأي العلوي لم يأتوا بشيء جديد على مستوى الفكر والتأليف، ويقول أنهم يعنون بجوانب معينة من التاريخ ويتركون أخرى، ويذكرون مواقف معينة من التاريخ ويغضون النظر عن أخرى، وهذا منهج انتقائي، لا يداني الحقيقة بشيء. وأيضاً تطرق العلوي بالإطراء على كل من المدرسة العلمية المصرية التي تمثلت بكتابات (عباس محمود العقاد، وطه حسين، وعبد الرحمن الشرقاوي، وغيرهم) ، والمدرسة العلمية العراقية (المتمثلة بعلي الوردي)، والمدرسة الخطابية الشيعية التنويرية (المتمثلة بالشيخ احمد الوائلي)، واشاد أيضا بدور وعلمية (علي شريعتي)، يقول العلوي أن القراءة التي قدمتها هذه المدراس للتاريخ هي أفضل قراءة وأقربها إلى الحقيقة والمنطق، بسبب المناهج والاساليب العلمية الحديثة التي تمتلكها والتي استخدمتها هذه المدارس وشخوصها في تناول ودراسة الموضوعات التاريخية، وهذه المدارس جميعها تقر وتقول بمبدأ ونظرية المشاركة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب.
نشرَ العلوي نشرَ كتابه هذا في عام ٢٠٠٧، أي في الفترة التي استعرت فيها نيران الحرب الطائفية في العراق، محاولةً منه للتخفيف من لهبها الذي أحرق آلاف الأرواح من الشعب العراقي، حيث أهدى العلوي كتابه هذا إلى الرمز الذي وهنَّ الفتنة الطائفية، وبيّنَ قوة اللحمة والوحدة بين أبناء الشعب العراقي، ألا وهو الشهيد الخالد عثمان العبيدي، ونص الاهداء بقلم العلوي يقول :
«إلى ابن اعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي عثمان بن علي العبيدي
إليه رجلا أنقذ سبع أرواح من الموت غرقا بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي
وعند الثامنة تعانقت الروحان وهبط الجسدان معا تحت مياه الجسر المشترك
وحسبك أنك حبر هذه السطور.»
يقول العلوي أن هذا الكتاب هو محاولة للترويج لنظرية المشاركة، وسيراً على طريق السلم الاهلي الذي يبدأ برأي العلوي من لحظة التصالح مع التاريخ.
أخيراً الكتاب جميل وممتع، بغض النظر عن نسبة الحقيقة والمصداقية التي جاءت فيه، كُتبَ في فترة مهمة وعصيبة في تاريخ العراق، والغرض الذي كُتبَ من أجله غرض نبيل وإنساني ووطني، كما أنني قرأت كتابا رائعاً جاء في معرض النقد والرد على عليه – حيث بينَ الكتاب الجوانب والمواضيع التي اهملها وتغافل عنها العلوي – والكتاب للأستاذ مختار الأسدي بعنوان (التشيع بين السياسة والتاريخ والواقع) ، والعلوي رجل مجيد جداً لعلوم السياسية والتاريخ وبارع جدا في فنون البلاغة والصياغة الادبية ، وهو ذلك الصحفي المخضرم المعروف صاحب المؤلفات العديدة، وأخ أهم مفكري القرن العشرين العراقي الكبير «هادي العلوي» .
✍️محمد ساجت السليطي.