17 نوفمبر، 2024 2:47 ص
Search
Close this search box.

قراءة في كتاب سكة حديد برلين

قراءة في كتاب سكة حديد برلين

دراسة في تطور ودبلوماسية قضية سكة حديد برلين- بغداد حتى عام 1914
عرض/ د. عبد الجبار العبيدي
المؤلف :الاستاذ الدكتور لؤي بحري
الناشر: شركة الطبع والنشر الأهلية – بغداد 1967
ساعدت جامعة بغداد على نشر الكتاب
يقع الكتاب في 179 صفحة من القطع الكبير،يحتوي على المقدمة والخاتمة وقائمة المصادر العربية والاجنبية الموثقة وكثير من البحوث والدراسات العلمية التي زادت من قيمة الدراسة وصحتها وأهدافها .
يقدم المؤلف مشروع سكةحديد بغداد على اساس انشاء سكة حديدية تربط بين برلين والقسطنطينية (اسطنبول ) التي كانت عاصمة الامبراطورية العثمانية ومحاولة استمرار المشروع لربط القسطنطينية ببغداد ومنها الى البصرة والكويت..مشروع استراتيجي حيوي لحماية وتقدم الدولة العثمانية..ولتقوية الصلاة بينها وبين القوة الصناعية الكبرى التي ظهرت بعد قيام الوحدة الالمانية سنة 1870 لتقوة العلاقات السياسية والصلات التجارية بينهما.
لقد عالج المؤلف الموضوع الانف الذكر معالجة سياسية وتاريخة في دولة كانت تمر بأقسى حالات التشرذم والفوضى والدكتاورية من جهة..وبوجود العناصر الوطنية التي ارادت لتركيا ان تكون دولة ديمقراطية دستورية تتماشى مع توجهات الامم الاخرى التي تعيش حواليها من جهة ، والبعيدة عنها والمرتبطة بها بعلاقات دبلوماسية وتجارية كألمانيا من جهة اخرى.
ومن خلال تجارب المؤلف العلمية استطاع ان يعرض وجهة نظر الدولة بحيادية تامة في وقت كان الصراع السياسي مشتدا بين الاصلاحيين والدكتاتوريين ..كل منهما يريد لنفسه حكم الدولة وله اساليبه الدعائية التي احيانا تغطي على الحقيقة التاريخية.لكن حيادية المؤلف وعلميته في البحث حالت دون التعتيم على الحقائق العلمية والسياسية فجاءت دراسته واعية بينت الحقائق التاريخية منها وعرضت للقارىْ صفحة ناصعة من ذلك الصراع المحتدم على السلطة.
ونقطة هامة يشير اليها الباحث حين يصف السلطان عبد الحميد الثاني بأنه كان شديد الحماس لربط اجزاء الدولة بعضها ببعض لأمكانية نقل المعدات والقوات المسلحة الى اية جهة وقت الحاجة ، خاصة بعد ان هزمت الدولة العثمانية في حربها مع روسيا عام 1878 ، ضاربا عرض الحائط محاولة الاصلاح الجذري الذي ترغب فيه جماعات الاصلاح..متجها الى سياسة مركزية قوية لتقوية اواصر الحكومة المركزية في القسطنطينية بالاجزاء الاخرى الخاضعة للامبراطوية العثمانية بعكس ما كانت تطالب به الشعوب من نظرية الانفتاح والاصلاح والاستقلال ومبدأ تقرير المصير..
من هذا الخضم الصعب والمتناقض وموقف الدول الأوربية وخاصة بريطانيا صاحبة المستعمرات الكبرى في الهند وشبه الجزيرة العربية والخليج العربي والتي كانت تخشى امتداد النفوذ الالماني عبر تركيا الى العراق والخليج العربي ،وتهديد مصالحها في شبه القارة الهندية درة التاج البريطاني ىنذاك.،من هنا خرجت فكرة سكة حديد بغداد الى ميدانها العملي ..والذي كان سببا غير مباشر لقيام الحرب العالمية الأولى بين المانيا والحلفاء عام 1914 والتي حالت دون تنفيذها ..لذا بقيت كمشروع استراتيجي يرتبط بالتطور التاريخي والسياسي لتركيا الحديثة.
البحث يقع في فصلين اساسيين يتبعهما ملاحق اخرى تسبقها المقدمة وتليهما الخاتمة وقائمة المصادر والوثائق والمحاضرات ومقالات الصحف والتقارير الرسمية التي غطت جوانب البحث تغطية علمية متكاملة.
لقد كتب العديد من المؤرخين حول هذا الموضوع بعد الاخ الاستاذ لؤي بحري وجاءت دراساتهم مكملة لهذه الدراسة الوثائقية المعتمدة من مصادرها الأصلية ..وقد دونت تلك الدراسات في المجلات العلمية لتصبح مجموعة وثائقية متكاملة يعتمد عليها في دراسة البحوث المستقبلية.
ونقل الأستاذ عامر محسن الكاتب العراقي الأستراتيجي في جريدة الاخبار اللبنانية والمتخصص في استراتيجات المشاريع الكبرى ..ملاحظة كتبها جمال باشا في 2نوفمبر عام1914 الذي اعتقد ان المشروع سوف يُدخل المانيا في نزاع مع الدول الاوربية – وقد صدقت الملاحظة – بعد ان اكد عليها الاخ المؤلف الدكتور لؤي بحري ..بدراسته الموثقة والتي هدفت لتحدبث الدولة العثمانية لتتماشى مع التطور الاوربي الحديث لضمان مصالحها السياسية والاقتصادية من المشروع.
لكن رغم الاعتراضات فقد ساهمت بريطانيا بأكمال الخط بعد الحرب الاولى من سامراء الى بغداد ضمانا لمصالحها الاستراتيجية..
ويمكن اليوم الاستفادة من هذا الخط الحيوي في مشروع سكة حديد طريق الحرير المقترح من الصين الى اوربا والذي يربط الصين بباكستان وايران والعراق والخليج العربي وتركيا الحالية..ولقد نفذت الصين الجزء الاكبر منه اليوم عن طريق بناء الجسر العملاق الذي ربط الصين بالباكستان والذي طوله يقرب من 835 كم مربع كمرحلة أولى..حتى اصبح جاهزا للعمل به اليوم ..ومن المقرر ربطه بأيران ليصبح طريقا دوليا وعالميا لربط كل هذه الاجزاء البعيدة ببعضها البعض كالعراق والكويت والخليج في ميادين التجارة والنقل . .انها دراسة علمية رصينة انتجت مثل هذا المشروع الحيوي الكبير..نعم..
دراسة مهمة تستحق المراجعة.
وفي الختام ألحق المؤلف البحث بقائمة الصواب والخطأ للوقوف على ما جاء فيه من هفوات في الطباعة والنقل .
يتحدث المؤلف :
في الفصل الأول من هذا الكتاب عن: الوصول براً الى الهند ليكون بديلا عن الخطوط البحرية البعيدة والمعقدة والمُكلفة اقتصاديا.
ويذكر المؤلف ان فكرة هذا المشروع قد بدأت مبكرا منذ سنة1600 بعد انشاء شركة الهند الشرقية البريطانية للوصول الى الهند والمحافظة على المستعمرات البريطانية هناك بعد تشكيل البعثة البريطانية بقيادة السير فرانسيس جسني والذي قدم تقريره اقترح فيه تثبيت انشاء هذا الخط الحيوي ضمانا لمصالح اوربا وبريطانية على الخصوص في اسيا الوسطى وسوريا والعراق ليكون استكمالا لخط مواصلات السفن التجارية.
وتوسعت الفكرة مع الزمن لتشمل بلجيكا والنمسا وبلغراد حتى القسطنطينية لتصبح اوربا والشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا والهند وحدة واحدة من حيث خطوطها التجارية البرية اضافة الى الخطوط التجارية البحرية ..لامكانية تثبيت السيطرة الاوربية مع الدولة العثمانية…وهكذا توالت الدراسات الاوربية بكل همة وقدرة وتصميم لانشاء افضل الطرق البرية للاستفادة من الامكانيات الاقتصادية لما وراء البحار ..وخاصة بعد فتح قناة السويس البحرية .
ان مشروع سكة حديد برلين – تركيا زاد من اهتمام الدول الاوربية بمشاريع طموحة ومهمة لكنها واجهت اشكاليات اقتصادية وسياسية مع الدولة العثمانية التي اتجهت نحو الافلاس المالي في ذلك الوقت .
لم تترك فرنسا الفرصة ان تفلت من يدها حين فكرت بسكة حديد جديدة مع انكلترا لضمان مصالحها في الشرق الاوسط واسيا الصغرى.منها مشروع البنك العثماني ومشروع الفون كولاس.
ونتيجة لهذا التسابق أنشأ اول خط حديدي يربط اوربا بأسطنبول بعد ان اقتنع السلطان عبد الحميد بهذا المشروع لربط سوريا والعراق بالدولة العثمانية حتى ولو استدانت تركيا من الاخرين في سبيل تنفيذ هذا الخط الحيوي ضمانا لمصالحا الاسترا تيجية في المنطقة.لكن تخوف السلطان عبد الحميد من ازدياد النفوذ الفرنسي والبريطاني أتجه السلطان نحو المانيا القوية ضمانا بعدم وجود اطماعا لها في تركيا كما كان يتصور..من هنا بدأت تنفذ مشروع سكة حديد بغداد معها.
هذا المشروع بدأ من النظر الى نهضة الاقتصاد الألماني وظهور الحاجة لاسواق تجارية جديدة لتصريف منتجاتها المتزايدة ..رغم تحفظ المستشار بسمارك من اثارة حفيظة بريطانيا ضد بلاده.
غير ان سياسة التحفظ الالمانية قد تغيرت بعد استلام وليم الثاني الحكم عام 1888،الذي كان يؤمن بسياسة الانفتاح نحو الدولة العثمانية ودول الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا لتقوية مركز المانيا الاقتصادية – نظرة صائبة في هذا التوجه – فكان خط سكة حديد برلين اسطنبول بغداد احد الاهتمامات الاستراتيجة للمستشار الجديد .
من هنا بدأ التفكير الجدي في تنفيذ هذا المشروع الحيوي الرابط بين الدولة العثمانية واوربا ولربما بين العالم الخارجي. فكانت سكة حديد بغداد برلين على رأس الاولويات في عام 1903 رغم المعارضة البريطانية له.وقد لحقت بريطانية بهذه المعارضة كل من فرنسا وروسيا خوفا من التوسع الالماني في املاك الدولة العثمانية..
تحليل تاريخي من قبل المؤلف يوحي بمتابعة هذا المشروع بصورة هامة ودقيقة هادفة.
ويتابع المؤلف الكتابة العلمية الموثقة في هذا المشروع الهام ليعطيه عنوانا جديدا في الفصل الثاني بعنوان … المانيا وأمتياز سكة حديد بغداد..
ويقع الفصل الثاني في أكثر من 50 صفحة وفيه يتحدث المؤلف عن اهم الاسباب التي دعت المانيا وتركيا على الاتفاق في مد هذا الخط بينهم وايصالها الى العراق والخليج مستقبلأ ،حيث اعتبر الانتهاء منه حدثا مهما في تاريخ البلدين بعد ان حصلت موافقة القيصر الالماني على المشروبعد ان دخلت المانيا منطقة نفوذ الدولة العثمانية املا في تحقيق تطلعاتها في العراق ومنطقة الخليج.
ان الاصرار على المشروع والتدخل الالماني والظروف الدولية المتأزمة ساعدت على قيام نذر الحرب في عام 1914 ..الا ان هذه الظاهرة اخفت المشروع وخسرت تركيا بتوقفه اغلب ممتلكاتها في العراق ومنطقة الخليج وخاصة بعد ان خسرت المانيا الحرب ضد الحلفاء في عام 1918.
ويختتم المؤلف هذه المسألة أنها دخلت مرحلة الانتهاء بين الدولتين بعد ان اكتفت بايصال خط السكة الحديدية الى بغداد هذه السكة التي سميت في العراق بسكة الخط العريض والتي أكتسبت أهمية اقتصادية وعسكرية وسياسية دولية كبرى.
وبقيام الحرب العامية الاولى عام 1914أنهار المشروع تماما بجملته بعد ان تحولت الصراعات الى من يكسب الحرب التي ستقوم..
وجاء نشرالكتاب في اطار مهمة المصالح الالمانية والتركية والاوربية معا ، ولتعزيزنشر المعرفة بقوانين النزاعات الدولية المسلحة .استعرض الكتاب مختلف القضايا التي عاصرت المهمة..وقدم المؤلف المعلومات والافكار والحقائق التي رافقته بطرق ميسرة ،مما يجعله مرجعا ومرشدا لكل من يتناول المسائل ذات الصلة بالقوانين الدولية والنزاعات العامة..كما يلبي الكتاب احتياجات الممارسين من ذوي الخبرة والاكاديميين والعاملين في مجال المعرفة العلمية والانسانية والاعلامية .
هذا بالاضافة الى ان الكتاب يعرض المعلومات عرضا جذابا بهدف تيسير وصولها الى طائفة عريضة من الجمهور والباحثين.وقد لمست ان للمؤلف قابلية علمية تقدر ان تجيد في مجالها العلمي الكبير.
ملاحظة :كنت اتمنى على الباحث ان يرفق بهذه الدرسة خرائط الخط للدول التي سيمر بها الخط..ومسار السكة للتوضيح .
مع خالص التقدير والاحترام.
[email protected]

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة