15 نوفمبر، 2024 9:19 م
Search
Close this search box.

قدرات جهاز المخابرات الوطني العراقي كأحد ركائز الأمن القومي ….. التحديات والحلول

قدرات جهاز المخابرات الوطني العراقي كأحد ركائز الأمن القومي ….. التحديات والحلول

ا.م.د. محمد كاظم المعيني
باحث في مركز الدراسات الاستراتيجة والدولية
جامعة بغداد
Email: [email protected]
المقدمة:
لما كان الأمن يشكل احد اهم الهواجس والحاجات الانسانية اللازمة للعيش والحياة المستقرة والهادئة منذ خلق البشرية، سعى الانسان الى ايجاد وسائل، وتطوير آليات تساعد على تحقيق امنه، لتستجيب الى التهديدات والاخطار التي قد تواجهه، وبسبب توسع المجتمعات وظهور الدوله الحديثة وما صاحب ذلك من تعقد الحياة وتنوع المخاطر، اصبحت هناك ضرورة ملحة لتنظيم أمن الانسان والمجتمع من خلال تأسيس هيئات او مؤسسات مختصه بالآمن تتناسب مع طبيعة المخاطر المركبة التي تواجه الدولة والمجتمع والفرد وتهدد وجودهم، بمعنى مأسسة الآمن. تعد اجهزة المخابرات في مختلف دول العالم وعلى اختلاف مسمياتها واختصاراتها احد اهم الركائز الرئيسية التي يقوم عليها الامن القومي لاي بلد؛ فهو صمام الامان ضد اي خرق من الخارج او تسريب من الداخل على مختلف المستويات (العسكرية والامنية، الثقافية والاجتماعية، العلمية والتكنولوجية، الصحية والغذائية، والامن السيبراني)، وهو مؤسسة قائمة بذاتها ترتبط مباشرة بصانع القرار ويتركز عملها على الخارج بالتنسيق مع اجهزة الامن المختلفة والقوات المسلحة بكل صنوفها، يعتبر جهاز المخابرات الوطني العراقي من الاجهزة الرائدة على نطاق منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي؛ فتاريخه يوازي تاريخ دول وهذا الامر اكسبه خبرات وعلاقات وامكانات واسعة على الصعيدين الدولي والاقليمي، اذ تاسس اول جهاز للمخابرات في العراق عام 1973، وسمي بمديرية المخابرات ثم تغير الاسم الى جهاز المخابرات العامة العراقي، واستمر ذلك لغاية عام 2004، وبعدها تغير الاسم الى جهاز المخابرات الوطني العراقي INIS. تكمن اشكالية البحث في كيفية توفير الأمن؟ وعلى من يقع هذا الأمر؟ وماهو تأثير جهاز المخابرات في تعزيز الأمن القومي، ومن هنا تأتي فرضيتنا في قدرة اجهزة المخابرات بمساندة متخذ القرار الأمني والسياسي بتقديم البدائل القرارية والحلول المناسبة ضد اي خرق أمني او نشاط معادي قد يهدد الأمن القومي.

المحور الاول: الامكانيات
بما ان الأمن حاجة وضرورة ملحة للعيش؛ فلا بد من صناعته، وصناعة الأمن تتطلب بنية سياسية واجتماعية واقتصادية مستقرة، والمتصدي للقرار الأمني يجب ان يمتلك الرؤية اللازمة لوضع الخطط والاهداف بما يتناسب مع الامكانيات المتاحة، وله القدرة على تشخيص التحديات والمعرقلات وعزلها عن التهديدات والمخاطر، ويجب ان يكون على مستوى عالي من الخبرة والثقافة الأمنية تؤهله على وضع البدائل القرارية والخيارات الاستراتيجية لمتخذ القرار، لمعالجة التحديات وادارة المخاطر والازمات.
هناك تعريفات كثيرة لمفهوم المخابرات يمكن اختيار مانراه مناسب في ورقتنا البحثية؛ فهو يرتكز بالدرجة الاساس على جمع المعلومات التي يصعب الحصول عليها وتحليلها بسبب سريتها وغموضها، وهي النشاط السري للدولة لفهم الكيانات الأجنبية أو التأثير عليها، وبصورة اكثر تحديدا تعرف الأستخبارات بأنها مجموعة العمليات والأنشطة السرية، التي تبدأ من التخطيط وجمع المعلومات الى التحليل ورفعها الى متخذ القرار بشكل سري وفوري.
يعتمد العمل الاستخباري بشكل اساس على النوع وليس الكم، وهو عمل فني تصقله الموهبة والخدمة والخبرة والتجارب والممارسة التدريجية(يعني اي ضابط ممكن ان يشغل اي منصب عسكري الا العمل الاستخباري) ، وهو عمل حساس يسترعي ان يكون ارتباطه مباشرة بصانع القرار ولا يمر بسلسلة المراجع الروتينية التي تستنفذ وقتاً وجهداً حتى يحصل على النتيجة المطلوبة بالسرعة والسرية اللازمة لنجاح المهمة، ويجب ان يملك السلطة في تقييم جميع القيادات المدنية والعسكرية، ويقوم عمل المخابرات على جمع المعلومات، فالمعلومة هي اساس العمل الاستخباري، واحترافية ونجاح اجهزة المخابرات في العالم تكمن بمدى سرعة ونوعية المعلومة التي تحصل عليها، الى جانب ادارة النشاطات الاستخبارية المرتبطة بمكافحة التجسس والارهاب وانتاج اسلحة الدمار الشامل، وكل مايهدد الأمن القومي من مخاطر المخدرات والجريمة المنظمة، وحماية الآثار والموارد الطبيعية من التهريب او التخريب.
ان الغاية الاساسية من جمع المعلومات الاستخباراتية، هي لتزويد ولتوجيه متخذ القرار التنفيذي على رسم السياسة العامة للحكومة في كل المجالات، وهذه المعلومات تشكل شريان حياة الحكومة، اذ تكمن قيمة وأهمية هذه المعلومات بدقتها ونوعيتها وتحليلها وتوزيعها وتقييمها، ولا تكمن قيمتها بحجمها.
بحسب الدستور العراقي النافذ؛ فأن الجهاز تحت السيطرة المدنية ويرتبط بمجلس الوزراء، ويخضع لرقابة البرلمان ويعمل وفق القانون وبموجب مباديء حقوق الانسان، يعمل الجهاز على تدعيم المصلحة العليا للدولة، ولايعمل على دعم او تقويض المصالح الضيقة الحزبية والفردية والعرقية، ووظيفة رئيس الجهاز يكون مستشار رئيسي لرئيس الحكومة في الامور الاستخبارية المرتبطة بالأمن القومي ومن ضمن اعضاء (مجلس الأمن الوطني) ، واشترك الجهاز بالعديد من العمليات النوعية في الخارج والداخل، لاسيما في مكافحة الارهاب ومحاربة واعتقال قيادات داعش، والقبض على بعض الشخصيات المطلوبة للقضاء العراقي.

المحورالثاني: التحديات
ان مقياس نجاح اي عمل هو مدى مايحققه من نتائج، ونجاح الجهد الاستخباري والامني يرتبط بما يشعر به المواطن بالامان، ولعلنا نتفق بعدم وجود استقرار وفي بعض الاحيان تدهور امني واضح؛ بسبب الطريقة العشوائية التي يعمل بها الجهاز وبقية الاجهزة الاخرى؛ لان كل جهاز يعمل بكل الاتجاهات وبدون تنسيق، فضلاً عن مايتمتع به العدو من سبق استخباري.
بالرغم من أن الأداء البشري والقرار السياسي يمثلان أهم عوامل التأثير المباشر في العملية الاستخباراتية، فان العامل البشري يتأثر بعوامل البيئة الداخلية والخارجية والتي ستلقي بظلالها وتداعياتها على المشهد الأمني على شكل تحديات تؤثر بشكل مباشر او غير مباشر على فعالية عمل الجهاز، يمكننا في هذا المحور تعيين مجموعة من هذه التحديات التي نراها تشكل عقبة بوجه العمل الاستخباري، ومنها تحديات عامة واخرى خاصة:-
اولاً: التحديات العامة
جدلية السرية والشفافية: وهذا التحدي يشمل الانظمة الديكتاتورية والديمقراطية على حدٍ سواء، فالشفافية بالانظمة الديمقراطية التي يفرضها القانون تحتم على صناع القرار مشاركة المعلومات مع المؤسسة التنفيذية او البرلمان او حتى الرأي العام، ولكن سرية واهمية المعلومة الاستخبارية، يستدعي اخفاؤها وحجبها عن الآخرين ولو لفترة محددة، لحماية المصالح العليا للدولة والحفاظ على امنها القومي الامر الذي قد يعمل أزمة بين الحكومة والمعارضة.
الخطأ البشري: لاسيما في العمليات الارهابية التي تشكل خطراً كبيراً على المجتمع والحكومة معاً، اذ تعتبر الهجمات الانتحارية من اصعب المهمات والعمليات في مجال الاستخبارات، فعندما تتوفر المعلومات عن وجود انتحاري فان الأسلوب المتبع لدى أجهزة المخابرات هو تحييد الهدف واطلاق النار عليه، فاذا كانت المعلومة دقيقة وصحيحة تكون المهمة والواجب ناجحاً، والعكس اذا قتل الشخص الخطأ بسبب معلومة غير صحيحة، قد يحرج الحكومة ويسبب احتجاجات شعبية*.
ضعف التنسيق والتعاون: بسبب نقص الفهم المتبادل وضعف او عدم وجود العلاقات بين المؤسسات الأمنية والاستخبارية الاخرى وتقاطع مسؤولياتها وتتداخل صلاحياتها، مما يؤدي الى عدم نضج العمليات المشتركة أو غيابها، اذ تتفاقم أوجه القصور هذه بسبب نقص التنسيق والتفاهم بين عمليات جمع المعلومات والمؤسسات الاستخباراتية، مما يعيق القدرة على التخطيط الاستراتيجي والقيام بعمليات في بيئة المعلومات.
الفجوات في الوعي والمسؤوليات: هناك خلاف بين مؤسسات الاستخبارات حول من يقع عليه مسؤولية جمع المعلومات ومن يحللها، وهذا بسبب انعدام الخبرة وضعف لغة الحوار، وعدم تحديد المهام والواجبات وتقسيم العمل، مما يؤدي الى اهدار الفرص وتقليل الكفاءة التشغيلية.
قلة الخبرة: الناتج عن النقص في التدريب والتعليم، مما يؤدي الى نشوء كوادر استخباراتية ضعيفة وغير كفوءه.
ثانياً: التحديات الخاصة
التعيين والتطوع: اذ يعد قرار حل الجيش والهياكل الأمنية الاخرى الخاطيء الذي اصدره الحاكم المدني في العراق (بول بريمر) الرقم 2 في 23 آيار 2003، الذي احدث فراغاً امنياً وتراجعاً كبيراً في اداء المنظومة الأمنية العراقية، يعد اهم تحدي واجه المؤسسة الأمنية وجهاز المخابرات بشكل خاص، وتسبب في موجات الفوضى والارهاب والعنف، والاخطر من هذا ما ترتب على ذلك من قيام الادارة الامريكية بمحاولة بناء قوات مسلحة وأمنية جديدة بدون عقيدة وطنية، معتمدة على سياسة المحاصصة، وبعيدة عن الكفاءة والخبرة، وبالتالي عمل جهاز المخابرات خارج سيطرة الحكومة العراقية لغاية نهاية سنة ٢٠٠٨، وكانت كل نشاطات الجهاز خاضعة لسلطة الائتلاف المؤقتة، الذي يقوم مدير الجهاز برفع تقاريره الى سلطة الائتلاف بدلا من مجلس الحكم الانتقالي، وبعد ذلك التأريخ تغيرت الاجراءات واصبحت تقارير الجهاز ترفع الى رئيس الحكومة؛ ولكن تفتقد تلك التقارير والمعلومات الى السرية المطلوبة في تلك الحالات، كون الجانب الامريكي ظل يملك اليد الطولى في عمل واداء الجهاز ولغاية اليوم، فهو المسيطر على اجهزة المراقبة والاستطلاع وهو من يزودنا باغلب المعلومات.
محدودية الامكانيات المادية واللوجستية : بسبب التخصيصات المالية المتواضعة من قبل الحكومة، فالعمل الاستخباري يتطلب موارد مالية تختلف عن بقية مؤسسات الحكومة الا خرى، فهو بحاجة الى اجهزة متخصصة في مجال التنصت والمراقبة يراعى فيها متابعة اي تطور او تحديث يطرأ عليها للحصول على افضل النتائج، فضلاً عن موضوع تجنيد المصادر والعملاء من اجل الحصول على المعلومات بشكل سريع ومباشر، وهذا الامر يحتاج الى ميزانية ليست بالقليلة، (اذ هناك اجهزة استخبارية ميزانيتها المعلنة تساوي ميزانية دول)*، الى جانب التأهيل والتدريب وجلب الخبراء، او الدورات المتخصصة سواء في الداخل او الخارج، والتي تنتج كوادر من الضباط والمنتسبين على مستوى عالي من الجهوزية والاداء، وكل هذا من شأنه ان يؤدي الى قصور في عمل جهاز المخابرات، اذ لم تتجاوز اجمالي نفقات الجهاز لعام 2019 اكثر من 252 مليار دينار، وفي موازنة 2021 بلغ مجمل الانفاق حوالي 280 مليار دينار، في حين طرأت زيادة ملحوظة في مستوى الانفاق في موازنة 2023 بلغت 307 مليار دينار، بما يساوي 236 مليون دولار تقريباً، وهذا الرقم لايتناسب مع حجم التهديدات والمخاطر والاعباء والمسؤوليات التي يضطلع بها الجهاز* ، علماً ان هذا الرقم يذهب 90% منه كرواتب ومخصصات.
غياب القانون: يفتقد الجهاز الجديد الى قانون ينظم عمله لغاية يومنا هذا، مما يشكل عائقاً كبيراً امام عمل وهيكلية واداء الجهاز، وواجبات وحقوق منتسبيه، وهو امر غريب لايحصل سوى في العراق، اذ عجز البرلمان عن تشريع القانون الخاص بالجهاز منذ تشكيل اول برلمان بعد التغيير في 15/ 12/2005، ولم تقرأ مسودة القانون سوى مرة واحدة وظل القانون منسياً في الدولاب، يعود السبب وراء ذلك من وجهة نظرنا المتواضعة الى عدم وجود الرغبة والاتفاق السياسي حول ذلك الملف، لانه وببساطة هناك تعارض وربما تقاطع بين عمل الجهاز وبين اداء وتصرفات اغلب اعضاء البرلمان والقادة السياسيين، لاسيما في مجالي الاتصال والتخابر مع الخارج Outbounding، ومسالة التنصت Bugging **.
غياب الاستراتيجية: تفتقد الاجهزة الاستخبارية للتخطيط الاستراتيجي؛ فلايمكن تصور قيام جهاز المخابرات بدور حقيقي وفعال بدون وضع رؤية واضحة تحدد فيها الاهداف والآليات، والتهديدات والمخاطر، تستطيع من خلالها رسم خطة استراتيجية للعمل الاستخباري تتناسب مع الامكانيات والاولويات، وهذه الاستراتيجية تكون جزءاً من الاستراتيجية الشاملة.
الاستقلالية والولاء: فبعد قرار حل الجهاز بعد عام 2003، جاءت اغلب التعيينات داخل الجهاز عبر مبدأ المحاصصة الحزبية والولاءات الفرعية، وليس على اساس المواطنة والكفاءة، وبالتالي سترجح المصلحة الفرعية للحزب او الطائفة على حساب المصلحة العليا للوطن، وهذا من شأنه ان يضعف عمل واداء الجهاز.
التحليل الخاطيء: هناك معلومات كثيرة جداً ممكن ان يحصل عليها الجهاز من خلال المصادر البشرية (المراقبة، الجواسيس، المصادر المزروعة، المعتقلين)، او من خلال المصادر الفنية (التنصت، الاقمار الصناعية، الاختراق الالكتروني)، وهذه المعلومات بحاجة الى تدقيق وفحص وتحليل استخباري ومقاطعة معلومات، والتحليل يعتمد على معلومات خام متناثرة تحتاج الى اعادة تفكيك وتركيب لتتحول المعلومة الى معرفة، فالمحلل هو من يضبط العمل الاستخباري ويحدد مدى الاستفادة من المعلومة واهميتها، وهذا مانفتقده بشكل واضح في اجهزتنا الاستخبارية بسبب قلة الكوادر المتقدمة والمدربة في هذا المجال، على الرغم من وجود مديرية خاصة بالتحليل في جهاز المخابرات الوطني.
الاهمال: ظهر ذلك جلياً في عدم او بطيء استجابة الاجهزة الأمنية الاخرى للتقارير التي يرفعها جهاز المخابرات الوطني عن اي خرق او تهديد أمني، ففي كثير من الاحيان يقدم الجهاز تقارير قبل حدوث العمل الارهابي من دون ان يأخذ المسؤولين اي اجراء بذلك، وهناك حوادث وشواهد كثيرة على ذلك الاهمال من قبل الاجهزة الامنية والاستخبارية التنفيذية.

المحور الثالث: الحلول والتوصيات
كل اجراء ممكن ان نتخذه لمعالجة التحديات يعتبر حلاً للمشكلة وبالوقت نفسه يمكن اعتماده كتوصية لصانع القرار، ومن خلال بحثنا ومتابعتنا لهذا الملف، يمكننا وضع بعض الحلول التي نراها مناسبة لتحقيق افضل النتائج والارتقاء بمستوى عمل الجهاز، ومن هذه الحلول المقترحة في هذه الورقة البحثية:-
الانتساب: يجب وضع معايير وضوابط مبنية على اسس علمية واحترافية يراعى فيها التخصص والشفافية في القبول، وبعيدة عن المحاصصة والمحسوبية *، يخضع فيها المطوع الى جملة اختبارات نفسية وبدنية وأمنية، والناجح في الاختبارات يدخل في دورات تاهيلية وتدريبية من قبل كوادر متخصصة من شانها انتاج ضباط على مستوى عالي من الكفاءة همهم الوحيد خدمة الوطن والدفاع عنه.
التجدد: مع تقاعد الضباط والمنتسبين الاكثر خبرة في مقابل صعوبة ايجاد المهارات المطلوبة في المستقبل لرفد المؤسسات الاستخبارية، تظهر الحاجة الى تعزيز وسد النقص في الكوادر لاسيما الدماء الشابة، بما يسمى تجنيد افراد (جيل الالفية) الذي يعطي فرصة لمختلف المؤسسات الاستخبارية والامنية في تنويع قاعدة المواهب، ودمج مهارات وتصورات جديدة، مع طرح تحديات جديدة بالوقت نفسه، اذ قد يتبع هؤلاء الافراد مسارات مهنية غير تقليدية، وتعزيزاً لذلك فقد شهدت الأجهزة الأمنية بشكل عام وجهاز المخابرات بشكل خاص سلسلة من التغييرات في المناصب في ظل حكومة السيد السوداني، وهي خطوة لتجديد القيادات وتبادل الخبرات، لاسيما اذا كانت مبنية على اساس المهنية والأحترافية، انطلاقاً من مبدأ بقاء القائد الأمني او العسكري بمنصبه لاكثر من 4 سنوات قد يضعف أداءه ويقلل عطاءه ويزيد من غروره واحتمالية فساده.
التنسيق والتعاون: تعيين ضباط ارتباط، او مسؤولي اتصال على مستوى عالي من الخبرة، ومتخصصين في عمليات جمع وتحليل المعلومات للمؤسسات الاستخبارية، لتحقيق تعاون وتواصل أفضل، وبناء تفاهمات مشتركه على مستوى العمليات، والمساعدة على تطوير وتدريب كوادر الاستخبارات، وتحقيق نتائج استخبارية اكثر تركيز وسرية على بيئة المعلومات، ويمكننا تتويج ذلك بالسعي لبناء مركز للانذار المبكر يضم ضباط ارتباط من مختلف الاجهزة الامنية العاملة، لتجاوز العمل الروتيني وتحقيق سرعة الاستجابة.
الميزانية: بالرغم من التخصيصات المالية المتواضعة التي يحصل عليها جهاز المخابرات الوطني، وبغض النظر عن الاسباب والمسببات، يمكن للحكومة ايجاد فرص لمشاريع استثمارية* يرجع نفعها لميزانية الجهاز، سواء على مستوى الخارج او الداخل، وبالوقت نفسه تكون هذه المشاريع اشبه بمحطات لجمع المعلومات الاستخبارية وتجنيد المصادر، وهذا الامر تتبعه تقريبا كل اجهزة مخابرات العالم، ويعتبر من ضمن الموارد السرية للجهاز، لايطلع عليها سوى رئيس الحكومة ومدير الجهاز، وبالتالي يمكننا تفعيل واعادة تشكيل مديرية المشاريع التي كانت تعمل في السابق والغيت بعد التشكيل الجديد للجهاز.

الخاتمة
يمتاز جهاز المخابرات الوطني العراقي بأهمية استراتيجية كبيرة، اذ لايمكننا معرفة واعطاء القيمة الحقيقية للجهاز الا بعد اختبار نتائج عمله وتقييم اداءه، فسرعة الحصول على المعلومة، والتحليل الصائب لها، يساعد صناع القرار باتخاذ القرار الرشيد، لاسيما ونحن نعيش في عالم مليء بالفوضى والهواجس والمخاطر والشكوك، ولعلنا لانجانب الحقيقة اذا قلنا هناك غياب واضح لاستراتيجية امنية وطنية تستطيع معالجة التحديات والمخاطر التي يعاني منها البلد بين الحين والآخر، وبالتالي سيكون الجهاز ضعيفاً وربما عاجزاً عن حل اشكاليات الامن ومكافحة الارهاب، في ظل تكالب عشرات اجهزة المخابرات الدوليه، فكل جهاز يعمل وفقاً لمصلحة حكومته والتي غالبا ماتتقاطع او تتعارض مع مصلحتنا الوطنية، وهذا يشكل عائقاً وتحدٍ خطير لمؤسستنا الامنية ولجهاز المخابرات، وبالرغم من ذلك لابد لنا ان نشيد بمساهمات الجهاز في تحقيق النصر على اخطر تنظيم ارهابي بالعالم الا وهو تنظيم (داعش)، والذي لازال الجهد الاستخباري مستمراً في تعقب العناصر والقيادات الارهابية، بالرغم من انتهاء الصفحة العسكرية للحرب على هذا التنظيم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة