15 نوفمبر، 2024 2:41 م
Search
Close this search box.

” قاسم محمد عباس “.. كشف عن جوهر التصوف الإسلامي ورصد محرقة الحرب

” قاسم محمد عباس “.. كشف عن جوهر التصوف الإسلامي ورصد محرقة الحرب

خاص : كتبت – سماح عادل :

“قاسم محمد عباس”؛ كاتب عراقي.. أمتهن تحقيق الكتب التراثية، وكرس معظم إشتغاله على هذه الكتب.. وقد أصدر نحو 30 كتاباً، وكانت له طريقته البارعة في تحقيق الكتب وكشف كنوزها.

التصوف..

من أبرز أعمال، “قاسم محمد عباس”، الدراسة التي أعدها بعنوان (هكذا تكلم الحلاج)؛ وسعى فيها إلى نقد آراء الاستشراق في التصوف الإسلامي عموماً، وإعادة النظر في عمل الباحث الغربي، “ماسينيون،” على “الحلاج” بشكل خاص، ودحض مقولاته التي تزعم وجود “الفقر الميتافيزيقي” في الإسلام.

كما حقق “قاسم محمد عباس”، للحلاج، “الأعمال الكاملة”؛ وهو كتاب يتألف من مقدمة طويلة، وسيرة لـ”الحلاج”، وضم نصوص: “الطواسين، وبستان المعرفة، والأقوال، ونصوص الولاية، والروايات” أو “الأحاديث”، و”الديوان”.. يقول “قاسم محمد عباس”؛ في مقدمة هذا العمل: “إن أية محاولة لتوثيق حياة الحلاج تعني القيام بتوثيق فكري لتاريخ الولاية الصوفية، وتلمس الجذر الأول لها، بسبب أن المراجعة التاريخية لحياة الحلاج إنما تعني إستحضار ما هو عقائدي وتاريخي وسياسي متعلق بمحاكمة الولاية الصوفية”.

قدم “قاسم محمد عباس”؛ أيضاً، دراسة في رسائل (عين الأعيان)، وفيها مراجعة تاريخية للمشروع الصوفي الإسلامي برمته، مستخدماً منطق البحث والتقصي والمقارنات بين رسائل “ابن عربي” المختلفة، ودارساً الظرف السياسي والاجتماعي والثقافي؛ الذي ظهر وكتب فيه، كما حقق وراجع مجموعة من كتاباته.

يقول الباحث، “حميد فرج العبيدي”، عن أعمال “قاسم محمد عباس”: “في دراسته لأفكار الحلاج، يضع قاسم عباس عنواناً لكتاب أسماه (هكذا تكلم الحلاج)، ومنذ البدء يورد عدداً من الشروط التي سيلتزم بها عند بحثه في أفكار هذا المتصوف فيقرر في التمهيد:

“نقد جهود الاستشراق، الذي توجه مباشرة إلى النص الصوفي، وتحديداً جهود، (ماسينيون)، ومن دار في فلك أطروحته، حيث أنها أثرت، وإلى حد بعيد، في تفاصيل تلقي الإسلام وروحانيته في الفكر الغربي.

الإبتعاد عن تكرار آراء طائفة كبيرة من المستشرقين، عن طريق النقد المباشر لمحاولات الاستشراق ستغني عن الرجوع إلى مواقف عديدة كررت مفاصل تلك المحاولات الأولى.

هنالك تصورات دخيلة على تصوف الحلاج، وباختلاف المصادر، أدت إلى وجود تعارضات منطقية من الوجهة العقائدية، التي ينحدر عنها تصوف الحلاج، ومنها أن المعرفي الديني لا يخضع لمفهوم التطور للوصول إلى عزله، وهذا في حقيقته إلغاء لتطور المعرفي الإنساني برمته.

التأكيد على كشف العلاقة بين إصرار الأطروحة الاستشراقية على الأصل الدخيل لتصوف الحلاج؛ وبين جعل الأصل الإسلامي نسبي النزعة باعتباره الموقف الرسمي.

إنكار مقولة عدم أصالة التصوف الإسلامي وبالتالي خطل الرأي القائل بتصفيق فكرة إمكانية وفاعلية الأصل الإسلامي للقيام بأي تصادم روحاني.

إن الروحانية في الإسلام لا تحدد بمضمون معين، بل بشكل هذه الروحانية، ما دفع الآخر إلى اعتبار ثنائية، (مضمون شكل)، هذه الروحانية صفة سلبية في أساسها”.

التقصي والجمع..

يضيف، “حميد فرج العبيدي”، عن طريقة “قاسم محمد عباس” في العمل: “وقاسم لا يبدأ بالكتابة إلا بعد أن ينتهي من الحديث والتقصي وجمع الحقائق والمصادر, ثم يؤسس بعد ذلك لمفردات البحث, التي تؤهل دراسته لكي تكون على أحسن ما يرام, وليس هذا فحسب فهو يقرأ ثم يقارن, ثم يرتب مفردات البحث, بل أكثر من ذلك يضع لبحثه ترتيباً يبتدعه هو, كما فعل عند تنقيبه لمخطوطات تخص الحلاج مثلاً؛ فيقول: “فالتفسير الذي تركه الحلاج يتضمن مجمل مواقفه المتناثرة في الطواسين، وكنت قد وجدته أولاً في مخطوط، (حقائق التفسير)، لأبي عبدالرحمن السلمي, ثم وجدته بخط “المرحوم” لويس ماسينيون, فقمت بترتيبه حسب ترتيب المصحف, وقابلت بين النسخ التي عثرت عليها”.

ولم يبتعد “قاسم عباس” عن هذه المنهجية في دراسته لرسائل “ابن عربي”، (عين الأعيان)، فيقرر في مقدمة الكتاب بأنه: “عندما يتحدث عن ابن عربي فهو يتحدث عن المشروع الصوفي الإسلامي قاطبة, لأن المراجعة التاريخية لسيرته, تتطلب إستحضار تطور موقفه الروحي, الذي تشكل على أساس أنه حلقة الوصل الحساسة بين التراث الفكري السابق عليه, وبين كل الإنجازات الثيوصوفية التي جاءت بعده، وهو – أقصد “قاسم” – من أول وهلة أشار إلى أنه اعتمد في تحقيق هذه الرسائل على كتاب “ابن عربي”، (الفتوحات الملكية), إلا أنه يشير إلى أهمية المصادر التاريخية التي ترجمت له, ويبدأ رحلة البحث والتقصي والمقاربة والمقارنة والإستنتاجات وصولاً إلى الحقائق التي لا تقبل الشك أو تمثل جُل الحقيقة”.

فيدرس ولادته ونشأته وتربيته ثم طريقة تعلمه, والثقافة السائدة في عصره, ودرجة التطور السياسي في الدولة ومدى قوة حكامها سواء من الخلفاء أو الوزراء ومن على شاكلتهم, مع الإشارة أن المغرب العربي الذي ترعرع فيه كان يقابله الإنهيار والإنحلال الذي بلغته الدولة العباسية. في عهد الخليفة “المستنجد بالله”؛ ثم انتقال عائلته إلى “أشبيلية” في سنة 568 هـ؛ ودرس جميع علوم عصره, ثم تزوج من امرأة لأسرة معروفة كان لها الدور الواضح في دفعه إلى الطريق الصوفي, ثم اجتماعه بالفيلسوف، “ابن رشد”، وتأثره به وبمنهجه الفلسفي, وبدأ مناظراته مع مختلف الجماعات والملل, فأصطدم بالمعتزلة والفلاسفة والفقهاء والملاحدة، فيصل “قاسم” إلى حقيقة؛ وهي: “أننا نعتقد أن أبعاد الصراع المنهجي، كانت قد إمتدت إلى المغرب في ذلك الوقت, ولا نتفق مع الآراء التي تذهب إلى أن المغرب كان بمنأى عن صراع الحركات التجديدية لبعده عن منطقة الصراع المنهجي المتمثلة بالمشرق”.

ويواصل “حميد فرج العبيدي”، عن أسلوبه: “وينشئ، قاسم محمد عباس، أسلوباً رائعاً في التعبير عن ما يكتشفه من قراءاته وتتبعاته للمراجع والمخطوطات, ثم يبدأ بالتقييم قائلاً: “وهكذا فإن الصوفية إندفعوا إلى توفير معان جديدة للقاموس الإسلامي، فالحياة تشير إلى ما يحيا فيهم وهو الحق وواقع الأمر أن الله ذاته هو الذي يريد وحدته بلسان من يشاء من مخلوقاته”، ويستمر عباس في هذا السرد فيقرر: “أن التجربة التي تؤسس هذا النص هي تجربة طهر أصيل يتقرب الله من خلالها من وظيفتها الحقيقية, المتمثلة بإلتقاط الحقيقة وقولها بإخلاص إلهي ليتخلى الإنسان بعدها عن تخريب اللغة عبر تشويهها واستخدامها بأشكال مزيفة, وبهذا التخلي وحسب يتخذ الإنسان المحقق بكلمته, وهذا هو التقرب الذي يقترحه الصوفية لمجال كلمة التوحيد للوصول إلى التصور المجرد لوحدة الموضوع الذي يشهد به الكلام” .

شارع المتنبي..

في مقال له بعنوان: (إحراق الكتب والكتبيين في شارع المتنبي للراحلين)، على موقع (الحوار المتمدن)؛ يقول “قاسم محمد عباس”: “لم يكن شارع المتنبي بمكتباته ووراقيه وباعة كتبه على علم بأن قوى الظلام على مشارف حصن الثقافة الأخير في بغداد، لم يعلموا أنه يوم ستختلط فيه الحروف بدماء البشر، لم يتوقع أحد منهم بأن فكرة الإندثار والمحو تعيد سيرتها الأولى. وأنت تقف وسط هذا الشارع لا ترى إلا إختلاط الكتب بالأجساد، وتداخل الجدران بالبنايات المقابلة، لترى حجم تخلف وجهل وظلامية الهولاكيين الجدد الذين قاموا بهذه الجريمة، فمعلوم للمهتمين بالتاريخ أن مثل هذا المشهد قد تكرر كثيراً، ومحارق الكتب ومشاهدها في تاريخنا معلومة ومعروفة التفاصيل منذ حرق مكتبة (الإسكندرية)، وحتى شارع المتنبي. إن القضية برمتها تنطوي على فكرة المحو، محو الفكر ومناجزته بكل وحشية ودموية”..

بغداد السحر..

عبر مقال آخر له بعنوان: (إستعادات بغدادية عن الوزيرية وحكمت الحاج وآخرين)؛ يقول “قاسم محمد عباس”: “لكي أفهم الحياة العامة في بغداد، وحياة الجموع والنخب البغدادية عامة، ومنها وقائع حياة القادمين إليها، وتقدير جموح هذه المجموعة التي لا يمكن نكران دورها الحقيقي في صنع جانب مهم من شهرة بغداد ثقافياً ومكانياً، يجب أن نحاول تقويم الأهمية المتفاوتة للطبقات التي وفدت لبغداد، لمساهمة هذه الطبقات بإنعاش تاريخ المدينة إنسانياً، وتقديم دفقات إبداعية تسببت بظهور زوايا وأمكنة، ومقاه، وملتجآت، وقيم مكانية نادرة، بل حتى إحياء مناطق كانت ميتة قبل ذلك. قضيت سنوات طويلة في المساحة التي تمتد بين رأس شارع المغرب وبين ساحة الباب المعظم مروراً بكلية الفنون الجميلة وصولاً لمقهى الجماهير في الكرنتينة، فما رأيت الرصافة إلا بأسرار تلك البقعة، وما نظرت لإحياء دمشق وعمان والإسكندرية والقاهرة وغيرها، إلا بعيني هذا المكان، حفظتني زماناً في طينها ومائها. أعود إليها هذه الأيام فأجدها عارية، مكسورة، وصفرة الفتنة تجول فوق نوافذها وعلى واجهات بيوتها”.

ويستطرد “قاسم محمد عباس”؛ عن بغداده: “منذ منتصف الثمانينيات خطوت نحو الأشجار المتدلية من أسوار بيوتها، أدمنت مقاهيها، ورائحة أشجارها تطوح عند الغروب تلفح وجوه الغادين والعائدين منها. وصلت إليها اليوم بعد الظهر وكان المكان خالياً من ساكنيه، أبواب موصدة، ركنت سيارتي قرب مدخل زاوية مكتشف المكان ومؤسسه الشاعر، (حكمت الحاج)، وسرت نحو عوالم راحت تتطاير روائحها ووجه، (حكمت)، يلوح في الأفق كروح تطوف في سماء المكان. فما أن إنعطف من أمام محطة الوقود التي تقع في الجهة المقابلة لشقة الشاعر، (حكمت الحاج)، حتى تتبدى من بعيد صور وجوه تطوف في سماء الشارع، نظارات (حكمت الحاج)، ضحكة خالد مطلك، نظرات عبدالخالق كيطان، قصيدة المماحي للشاعر، (وسام هاشم)، تنتشر كمرايا فوق رؤوس المارة، ونظرات ضياء العبدلي ترصد ما يتجلى في المشهد، أتوقف في مدخل الشاعر باحثاً عن اليافطة الداكنة اللون لكافتيريا (الخضراء). الهجران هي الكلمة الوحيدة المناسبة التي تنفع لوصف الجمال المباد لهذا الزقاق الذي تتصادى بين جدرانه ونوافذه قصائد ونساء، ومصائر وتحولات، أقف في مواجهة شقة الشاعر، (حكمت الحاج)، لأجدها مكاناً بلا ملامح. الشعور بالإنقباض الذي تخلفه صورة أطلال الشقة تشير إلى أن الأمكنة لن تظل خالدة إطلاقا، فلماذا تبقى هناك ذكرى جميلة؟ أو ذكرى مطبوعة في المخيلة، هل لأنني عاجز الآن عن استعادة المكان كما كان، أو كما يتكون في ذاكرتي؟ أم لأنني ألوي عنق زمن تائه خال من أي متعة للاكتشاف”.

 المحرقة..

ويقول الكاتب “حسين السكاف” عن روايته “المحرقة” في مقال بعنوان “قاسم محمد عباس.. رائحة الشواء البشري تؤسّس لخواء الروح”: ” خلال الحرب مع إيران يجد مروان نفسه في فضاء رمزي، حيث رائحة الشواء البشري تؤسّس لخواء الروح. فصل مرير من التاريخ العراقي، يستعيده الكاتب العراقي قاسم محمد عباس من خلال روايته. حكاية من حكايات الحرب التي أكلت أبناء العراق من دون ذنب، وأيضاً، من دون أيّ مكسب يُذكر. كل شخوص هذه الحكايا ضحايا، في رواية «المحرقة» (دار المدى) للعراقي قاسم محمد عباس. ينتمي المؤلف إلى جيل يدرك مدى خيبته، هكذا تأكل الحرب أبناءها: حتى الناجي من بينهم يحنّ على الدوام، إلى موته المؤجل”.

ويقول د. أثير محمد شهاب في مقال له بعنوان “محرقة قاسم محمد عباس: طبقية الشخصية” :”رواية المحرقة لقاسم محمد عباس دخلت في إشكالية التجنيس، وهي تشبه الكثير من الروايات العراقية التسجيلية التي تسعى إلى تغليف الخطاب السيري بمجموعة من الموجهات المفترضة التي تحول المتن من السيرة إلى الرواية، ومع قبول متن التسجيل الذي هو إعادة إنتاج لتاريخ عراقي مرت به الأجيال العراقية، فقد نجح الروائي في وضع خطة الهروب كجزء من موجهات متن الرواية، مثلما هي رواية سليم مطر في وضع شخصية البطل في أكثر من صورة حتى تتحقق عملية الهروب، ومع هذا التمثل الهروب لشخصية غسان وقيام مروان بالدور البديل، إلا أن نتائج الهروب قد وضع العائلة في دور من الانهيار المستمر، من مرض الأب إلى موته إلى زواج ياسمين ابنة عمه إلى موت الأم. وقد وجدنا أن شخصيات قاسم محمد عباس كلها تتحرك على نحو واع من التفكير من دون أن تكون هناك لحظة لتأمل طبيعة القول، وما قد يصدره (س) من الشخصيات و(ص)، لذلك وجدناه يزج شخصياته في الجامعة (كنوع من الإقناع)، من شخصية (عبد الوهاب الأمين إلى منير) تارة إلى شخصية كمال تارة أخرى (العازف على الكمان) دلالة على نوع ثقافي بديل، ويبتعد قليلا إلى قارئة الرواية في شخصية (ليليان)، أجد أن الروائي قد امتلك أدواته في إدارة الحوار والتنقل من فضاء إلى آخر بمهارة سردية تثبت خصوصية رواية أسهمت فيها أجيال عراقية غيّبتهم الحرب وأخذت من أجسادهم قطعا صغيرة وكبيرة”.

المكان..

والكاتب “قاسم زيدان” في مقالة “قراء ة غير نقدية لرواية قاسم محمد عباس  المحرقة” يقول: “نحن أمام تنوع فريد في (المكان)، العنصر الأهم في العمل المسرحي والسينمائي.. المكان في الرواية والذي تم اختياره بقصدية أو بخيالٍ روائي غير مقصود متنوع تنوعاً أخاذاً فنحن أمام بيت العائلة المليء بالذكريات، جدار ساعات وقفت برحيل البطل إلى مصير مرعب، حديقة تشبه قلب الأم، جبهة حرب، مستشفى، غرفة ليليان التي في المستشفى، سكن طبيبات، بيت ساهرة الشبة مظلم المليء بالأسرار، بيت ليليان، سجن، طرق موحشة، المحرقة الهائلة التي تبدو كفمٍ للجحيم..هذه الأمكنة ستكون حتماً عاملاً مهماً في إغناء صورة السينما لأنها متنوعة أصلاً وسوف لا تسمح بالتكرار الصوري كما إنهما ستحفز المخرج السينمائي إلى اكتشاف مناخات ساحرة تعمق محرقتنا الكبرى التي لم تخمد نارها حتى الآن. ما أدهشني في هذه الرواية هو تلك الشفافية العالية في السرد وفي اللغة، والتي كانت لا تحتاج إلى تكلفٍ وتزويق، لغة ٌ منحت الأحداث ذلك الدفق العالي من الحسية وسرية البوح، نعم كانت الشخصيات غير متسربلة بماض ٍ أو تاريخ غامض بل كانت جديرة بالوضوح والكشف، وذلك ما جعلها نماذج إنسانية حقيقية هي أقرب إلى مصيرِ ملايينٍ أحرقتهم أو لفحتهم نيران المحرقة” .

وفاته..

توفى “قاسم محمد عباس”، منذ يومين بعد صراع مع المرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة