13 أبريل، 2024 4:10 ص
Search
Close this search box.

في ديناميات التطور النوعي للسينما المصرية بين “1952 و1971”

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : دراسة بقلم – د. مالك خوري :

شكلت السنوات ما بين: 1952 و1971؛ المرحلة السياسية الأولى لما بعد إنتهاء الحكم الملكي في “مصر”، والفترة الأولى للحكم الجمهوري، والتي انتهت بوفاة الرئيس؛ “جمال عبدالناصر”، الرئيس الأول لهذه الجمهورية. وجسدت هذه المرحلة أيضًا بزوغ نهضة مفصلية، كمًا ونوعًا، في تاريخ السينما المصرية. فالمحصلة العامة لهذه السنوات تمخضت عن تغيرات جذرية طالت كل أوجه الثقافة السينمائية في “مصر” ككل، بما في ذلك إنتاج مجموعة ضخمة من الأفلام التي عبرت، ولو بنسب متفاوتة، عن مستوى متقدم من الإبداع والتنوع في الأسلوب والثيم والتقنية، ونجاحات هامة في مجالات التوزيع المحلي والعربي.

قبل الإشارة إلى بعض مظاهر التغيير الهامة التي حدثت خلال هذه الحقبة القصيرة نسبيًا، من الضروري وضع بعض النقاط على الحروف؛ (أو إعادة الاعتبار إلى الحقيقة)، فيما يتعلق بمرحلة ما قبل 1952، والتي يحلو للبعض تصويرها بأنها تُمثل فترة “ذهبية” في تاريخ السينما المصرية. ففي حين لا يمكننا تجاهل أن تلك السينما شهدت بالفعل وضع الأركان التأسيسية للسينما المصرية وحققت نجاحات ضخمة في توسيع شعبية الفن السينمائي في “مصر” والعالم العربي ككل، يبقى من الخطأ تجاهل العوامل السلبية الهامة التي كانت تُعاني منها السينما في هذه الفترة كصناعة وطنية ناشئة. من ناحية أخرى، فان الفهم العلمي للمتغيرات النوعية التي حدثت خلال فترة ما بعد 1952، يرتبط إلى حدٍ كبير بفهم أعمق لطبيعة الواقع النوعي لسينما ما قبل 1952.

السينما في أواخر العهد الملكي..

في الفترة السابقة مباشرة للثورة، وبشكل خاص بين عامي: 1945 و1951، مرت السينما المصرية بمرحلة نمو هائلة كان من الصعب خلالها؛ في أغلب الأحوال، إيجاد عدد كافٍ من الممثلين والتقنيين لخدمة الإنتاج الكبير في الأفلام. ووفق المخرج الراحل؛ “محمد خان”؛ (An Introduction to Egyptian Cinema, 1969, p.34)، أقام المخرجون صلات مع المغنيين والمغنيات والراقصات ولم ينزعجوا من تدريب أو اكتشاف مواهب شديدة. ويوفر “خان” سياقًا تاريخيًا أوسع لهذا النمو المذهل في صناعة السينما المصرية.

ويربط “خان” هذا النمو بشكل مباشر بوقوف “مصر” إلى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية؛ وفقًا للاتفاقيات “الإنكليزية-المصرية”، والتي زودت “بريطانيا” ببعض القواعد الإستراتيجية. وأدى هذا إلى ظهور شرائح اجتماعية جديدة ذات موارد مالية أكبر، وبدأ عدد كبير من الشركات التي لم يكن لها أي علاقة بصناعة السينما في إنتاج الأفلام باعتباره عملاً تجاريًا. ويُضيف “خان”، أنه بعيدًا عن أن عدد كبير من الشركات السينمائية الجديدة بدأت في الإنتاج كعمل تجاري لا علاقة له بالسينما، فإن هذه الشركات؛ (التي كان بعضها غير مرخص)، كانت أيضًا تُتاجر بالسوق السوداء بأفلام لم تُعرض بعد. فكانت هذه الشركات تحصل على دعم من وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت مسؤولة عن توزيع هذه الأفلام بالسعر العادي، بينما كانت الأفلام التي لم تُعرض بعد يجري تحويلها واستيرادها من الخارج، ثم تُعيد تلك الشركات بيعها إلى شركات محلية مرخصة بأسعار باهظة.

وفي خضم “الازدهار” التجاري، أصبحت السينما المصرية راسخة شكلاً في موازاة النموذج الهوليوودي، وأضحت تتميز بنظام نجومي ضخم خاص بها. وتُشير بعض وثائق تلك الفترة إلى أن أجور بعض الممثلين وصلت أحيانًا إلى نصف ميزانية الفيلم بكامله تقريبًا. كما شهدت تلك الفترة أيضًا قفزة في عدد دور العرض من مئة في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي إلى: 244 قاعة في عام 1949، في حين أنشئت أربعة استوديوهات سينمائية حديثة بالإضافة إلى “استوديو مصر” ذي المكانة الفنية الرفيعة. كما ارتفع الإنتاج السينمائي ذاته إلى أكثر من خمسين فيلمًا في السنة؛ بين عامي: 1945 و1950، خالقًا بذلك سوقًا ضخمة للفيلم المصري في بلدان عربية أخرى، ومتيحًا لصناعة السينما المصرية أن تُرسخ بثبات التأثير العربي الشامل. علاوة على ذلك بدأ رأسماليون عرب يُلاحظون الإمكانيات الهائلة للاستفادة من الصناعة الناجحة.

بيد أن هذا المنطق الأحادي في التعامل مع السينما فقط كأداة لتحقيق الربح الاقتصادي، أدى من ناحية ثانية إلى نشوء سينما غير واضحة المعالم، ومصممة لإرضاء كل الأذواق في نفس الوقت، إلى درجة أنه أصبح من الصعب تصنيف الأفلام التي يجري إنتاجها حتى بلغة “النوع” (Genre)؛ المعروفة على نطاق واسع. ويُقدم “محمد خان”؛ (المرجع السابق)، مثالاً عن ملصق دعائي نموذجي لأحد الأفلام من تلك الفترة يُعلن عن: “كوميديا درامية، قصة حب مصحوبة بالأغاني والرقصات”. وبالنهاية، فإن أفلام هذه الفترة أضحت تنقسم إلى مجموعتين: الميلودراما، وأفلام الهزل والإيفيهات الكوميدية التي كانت تتخللها الأغاني والرقصات.

لكن في موازاة النجاح التجاري لسينما الثلاثينيات والأربعينيات، كان هناك أيضًا تضييق صارم من قبل رقابة الحكم الملكي على محتوى ومواضيع وحتى أشكال تعبير الأفلام التي كان يسمح لها بأن ترى النور. وما ساهم برسم معالم هذا التضييق وترسيخه كان إصدار “وزارة الشؤون الاجتماعية”؛ عام 1947، لقوانين جديدة ذهبت إلى ما هو أبعد من الإشارات التقليدية عن الأخلاق العامة والحشمة. فقد منعت تلك القوانين صراحة تصوير أي مناظر قد: “تؤذي المصريين”؛ وأي موضوعات قد تدعم الميول الشيوعية أو تنتقد نظام الحكم الملكي. كما منعت تلك القوانين: “عرض المناظر التي تُشجع على تمزيق النظام الاجتماعي، مثل الثورات والتظاهرات والاضرابات”، كما جرى منع تصوير: الفقر، وحياة الفلاحين، ودعوات التمرد، والتشكيك في الأعراف الاجتماعية.

وكان واضحًا أن هاجس الحكومة الملكية كان الخوف من التوترات السياسية المختمرة في البلاد. وقد ألهمت الشدائد التي عانتها طبقتي الفلاحين والعمال المصريين نمو معارضة أوسع انتشارًا وأعمق تعبيرًا عن القاعدة الشعبية. وتجسد ذلك في الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومة؛ في عام 1946، علاوة على الاضرابات الكبرى والتظاهرات التي قام بها العمال في المراكز الصناعية مثل: شبرا الخيمة، وطنطا، وبورسعيد.

السينما المصرية والمتغيرات في قانون الرقابة..

بالرغم من العديد من التحديات والعقبات والأخطاء التي جابهتها، فإن السينما في فترة ما بعد سقوط النظام الملكي مباشرة شهدت ظهور توجهات وعناوين مختلفة ساهمت بتوسيع آفاق السينما المصرية، شكلاً وموضوعًا، إلى حدود لم يسبق لها أن وصلت إليه منذ تأسيسها. كما أدت التغييرات في البُنى التحتية لهذه السينما إلى فرز أفلام أكثر محاكاة وتنوعًا وعمقًا في معالجتها للقضايا المركزية التي كانت تُجابهها “مصر” والمنطقة العربية في تلك الفترة.

ففي عام 1955؛ ألغت “وزارة الإعلام العام” المعايير الرقابية التي فُرضت في شباط/فبراير 1947، وشرعت قوانين جديدة. ووفقًا للباحث السينمائي الراحل؛ “علي أبوشادي”، فبالرغم من مما كان يحويه القانون الجديد من ثغرات كثيرة، واحتفاظه بعناصر مقيدة فقد مثل تقدمًا كبيرًا بالمقارنة مع قوانين 1947؛ (“السينما والسياسة”، ص. 53). فبعكس القانون المصري الجديد لعام 1955، فقد كان القانون القديم يفصل بصراحة وبالتفصيل ما كان يتوجب منعه.

في الواقع؛ فإنه بعد ثورة تموز/يوليو 1952؛ أصبحت الرقابة مقصورة على الموضوعات المعنية: “بتعكير الصفو العام” وبالإساءة إلى: “المعايير الأخلاقية”، لكن بشكل ترك تفسير هذين الدليلين لاجتهاد الرقيب، الذي (استنادًا إلى نظرة سريعة لحصيلة أفلام تلك المرحلة)؛ لم يكن أشد، أو أقل تزمتًا أو “ليبرالية” من أقرانه في دول العالم الأخرى. وهنا لا بد من التذكير بأن القانون الملكي كان من الوجهة العملية نسخة شبه حرفية من “قانون هيز” (Hays Code)؛ في “الولايات المتحدة”، والذي رسم حدودًا ذاتية لما كان مسموحًا للصناعة السينمائية الأميركية بتصويره أو التعاطي معه؛ (هذا “القانون” بقي معمولاً به من: 1934 إلى 1968).

التأميم ودور القطاع العام..

من أهم القضايا التي ما زالت تُثير نقاشات لدى تقييم تلك الحقبة؛ هي الخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية بتأميم صناعة السينما؛ عام 1960. ففي الستينيات، وفي إطار تأميم هذه الصناعة لصالح الحكومة، تم أيضًا تأميم “بنك مصر” وشركاته، والتي كان من بينها “شركة مصر للتمثيل والسينما”، وكذلك بعض شركات التوزيع الكبيرة، مثل “الشروق” و”دولار فيلم”، وبعض الاستوديوهات الكبرى مثل: “مصر” و”نحاس” و”الأهرام” و”جلال”، لكن ظلت بعض شركات الإنتاج والتوزيع وبعض الاستوديوهات الصغيرة في مِـلكية خاصة. ومما لا شك فيه، أن التدخل الشامل للحكومة كان له سلبيات خصوصًا لجهة التوسع والانتفاخ البيروقراطي للمؤسسة المصرية العامة للسينما لمجموعات كان يجري تعيينها من خارج المجتمع السينمائي. وأدى هذا بشكل مباشر إلى خلق هوة ضخمة بين السينمائيين والبيروقراطية بشكل عام، والتي اتسمت ممارساتها بعدم القدرة على فهم القضايا المتشابكة في هذا المجال المُعقد للنشاط الثقافي. وفي حين ساند معظم صناع الأفلام، من حيث المبدأ، ظهور القطاع العام واستخدامه في تشجيع تطوير سينما أكثر إلتزامًا اجتماعيًا وسياسيًا، وحتى أكثر إبداعًا في نواحي الأسلوب والتناول الفني؛ (علاوة على مساهمته في تحسين جودة صنع الأفلام في البلاد)، فإنهم بدئوا أيضًا يُعانون من السيطرة الخرقاء لبيروقراطية الحكومة وممارساتها. وأصبحت خلال تلك الفترة العلاقة بين الحكومة وبعض صناع الأفلام المرتبطين بالقطاع الخاص؛ (وإلى درجة أقل في القطاع العام)، أكثر توترًا وتشنجًا.

توسع ديموغرافية المخرجين الجدد..

بيد أن سلبيات تلك المرحلة لا يمكن مقارنتها بالإيجابيات التي تمخضت عنها، خاصة لجهة مساهمة القطاع العام في التطوير الجذري للقدرات البشرية والفنية للثقافة السينمائية المصرية. فبالرغم من اصطدام الإيجابيات بالعوائق اللوجستية والبيروقراطية والمالية، فقد ساهم القطاع العام في المحافظة على السينما المصرية باعتبارها صناعة وتجارة وفن في الوقت نفسه. ويقترح الباحث والناقد؛ “علي أبوشادي”، على سبيل المثال؛ أن القطاع العام ما بين عامي: 1963 و1972 في الواقع أتاح فرصة عمل لستين مخرجًا من أصل خمسة وثمانون مخرجًا أخرجوا جميعًا: 430 فيلمًا خلال الفترة ذاتها. هؤلاء المخرجون الستون قدموا: 149 فيلمًا من القائمة التي ضمت: 153 فيلمًا أنتجها القطاع العام، والأفلام الأربعة الأخرى كانت من الإنتاج المشترك مع دول أخرى، وصنعها مخرجون غير مصريين؛ (أبوشادي، “السينما والسياسة”، ص و1972. 55-56). ويُضيف “أبوشادي”، أن القطاع العام في الواقع أتاح في المجال أمام ظهور مواهب سينمائية جديدة، على الرغم من أن نسبة إنتاجه من مجموع إنتاج الصناعة السينمائية المصرية خلال سنواته العشر؛ لم تتجاوز الـ 30 بالمئة. فقد استطاع هذا القطاع إعطاء فرصة الإخراج الأول لستة وعشرين مخرجًا، في حين وفر القطاع الخاص الفرصة لسبعة عشر مخرجًا فقط في الوقت الذي أنتج فيه سبعين بالمئة من إجمالي الفترة نفسها؛ (المرجع السابق، ص. 56).

توسع مروحة المواضيع والمصادر السينمائية..

يقول الناقد “سامي السلاموني”؛ أنه من غير المقبول السماح في المحو التدريجي للذاكرة الجمعية لتلك الفترة الشديدة الأهمية للسينما المصرية، خصوصًا من أجل الاستفادة من إيجابيات ما أنجزته:

“حين نذكر فيلم (الأرض)؛ فلا يمكننا إلا أن نتذكر أن القطاع العام هو الذي أنتجه، كما أنتج فيلم (المومياء) و(البوسطجي) و(الحرام) وعشرات الأفلام الأخرى، والأسماء الجديدة ظهرت نتيجة لدعم القطاع العام فيما يُشار إليها أنها (سينما الستينيات)، والتي ما كان لها أن توجد دون دعم هذا القطاع، والذي سنظل نتفجع على فقده، ونستطيع أن نتخيل شاهين وهو يطلب قرضًا خارجيًا من موزع لبناني لتوزيع فيلمه، ولكان فيلم (الأرض) هو ما كشف له أن أفلام الفلاحين وجلاليبهم لا سوق لها.” (“الأرض.. ذكريات من الأيام الجميلة” في الأعمال الكاملة، تحرير: يعقوب وهبي، المجلد الثالث، ص. 27-37).

ففي ظل الظروف السياسية الجديدة في “مصر”؛ خلال تلك الفترة، لم يُصبح فقط من الممكن التعاطي سينمائيًا مع قضايا العدل الاجتماعي والتحرر الوطني والنضال ضد الهيمنة الاستعمارية في المنطقة، بل شجعت هذا الاتجاه تحديدًا، كما شجعت التعاطي معه عبر استلهام أشكال وأساليب سينمائية لم تكن معهودة من قبل في السينما المصرية. إذ بالمقارنة مع النجاحات الاقتصادية التي تميزت بها السينما المصرية في فترة ما قبل أوائل الخمسينيات، أدى صعود الاهتمام بقضايا اجتماعية وسياسية مفصلية وتغير الجو العام للثقافة السينمائية المصرية إلى تحول كمي ونوعي في مستواها العام وذلك على عدة صعد. ومن سمات هذه الفترة التغير الواضح في اهتمامات المنتجين المصريين، سواء في القطاع العام أو الخاص. من ضمن التغيرات الهامة في تلك الفترة كانت محاولة الاستفادة السينمائية مما كانت تُقدمه الثقافة المصرية الحداثية من أدب القصة، وكتابات لأمثال: “توفيق الحكيم، وطه حسين، ويحيى حقي، ونجيب محفوظ، وصلاح جاهين، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف السباعي، وعبدالرحمن الشرقاوي، وثروت أباظة، ولطفي الخولي” وغيرهم.

متغيرات في البُنى التحتية البشرية والثقافية لصناعة السينما..

في عام 1959؛ تم إنشاء “المعهد العالي للسينما”، الذي أصبح من أوائل الكليات السينمائية على المستوى الجامعي في دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. ولعب المعهد دورًا حاسمًا في تدريب أعداد ضخمة من صناع الأفلام الشباب المحترفين، وأفاد صناعة السينما المصرية والعربية بتدفق هائل للمواهب الفنية والتقنية. وبهذا استطاعت السينما المصرية أن تستفيد الكثير من المواهب المخضرمة، وأضافت، بشكل خاص منذ بدايات الستينيات، طاقات ومواهب وقدرات جديدة جاءت في معظمها من المعهد العالي للسينما ومعاهد الفنون الأخرى والتي كانت تقوم بتخريج دفعاتها الأولى. وبهذا، استوعبت هذه السينما طاقات قديمة وجديدة في الإخراج، كما في مجالات الكتابة المحكمة للسيناريو، والتصوير السينماتوغرافي التعبيري والاستخدام الدينامي لحركة الكاميرا، والاستعمال المتطور للتوليف بشكليه الكلاسيكي و”المونتاجي”، وتصميمات البلاتوه الواقعية الاجتماعية، والحرفية في استخدام “الميزانسان” كأساس تعبيري وثيمي في بناء الإطار البصري للقطة و”الجملة” السينمائية، والموسيقى التصويرية الجامعة ما بين التراثية والتجديد.

كل هذا رافقه تطور واضح وغير مسبوق بعمقه وجرأته في طرح مواضيع مركزية خطيرة وأساسية في أبعادها وملامحها الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، وما رافق هذا من إزدياد الاهتمام بتطوير الأسس النظرية للأسلوب السينمائي، والانفتاح على ما يجري عالميًا لجهة نشوء مدارس وتوجهات سينمائية جديدة خارجة عن السياق التقليدي المُهيمن للسينما الأميركية. وخاصة في: “إيطاليا وفرنسا”. كما ساهم بشكل محوري في هذا التطور في الثقافة النظرية، الانفتاح الواضح الذي ظهرت ملامحه في خضم توجه الكثيرين من الطلاب المصريين المهتمين بالسينما بمنح للدراسة بمعاهد السينما والفنون في “الاتحاد السوفياتي” والدول الاشتراكية الأخرى في حينه في “أوروبا الشرقية”؛ مثل: “بولندا وهنغاريا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا”.

رافق هذه التطورات انفتاح واضح ودعم ممنهج من قبل الدولة على المشاركة في مهرجانات وندوات ونشاطات سينمائية عالية المستوى في “كان” و”فينيسيا” و”برلين” و”موسكو” وغيرها. كما تطور حجم التبادل الثقافي، بما فيه السينمائي، مع دول مثل: “الجزائر والهند والصين وكوبا”. وساهم الدور الطليعي الذي كانت تلعبه “مصر”؛ في تلك الفترة، في دعم حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في انفتاح سينمائييها ونُقادها على السينما في هذه الدول، كما ساهم بتوسيع اهتمامهم باتجاهات سينمائية تجريبية ومستقلة وثورية جديدة أخرى كانت قد بدأت تظهر في “الولايات المتحدة” وفي دول “أميركا اللاتينية”. كل هذا لعب دورًا هامًا في إغناء وتوسيع الأفق الفني والفكري والسياسي للسينما المصرية والعربية بشكلٍ عام خلال تلك الفترة وما بعدها. وشهدت الستينيات من القرن الماضي بشكل خاص ظهور عدد كبير من نقاد السينما، الذين جاؤوا إليها من الأدب والمسرح والفلسفة. وبعد مظاهرات 1968؛ أسست مجموعة من المخرجين والنقاد الشباب: “جماعة السينما الجديدة”؛ التي ساعدت في خلق أجواء جديدة أكثر جذرية في اختلافها أسلوبًا وفكرًا مع السينما السائدة محليًا وعربيًا.

كما استطاعت معظم الأفلام التي تم إنتاجها في فترة الخمسينيات والستينيات أن تصل إلى مروحة واسعة من المشاهدين سواء على الصعيد الديموغرافي الاجتماعي والطبقي والجغرافي، أو على مستوى الثقافة والتعليم. وأنطبق هذا أيضًا في توسع القدرة على تصدير الفيلم المصري إلى الخارج، وذلك من خلال التطوير الممنهج والبناء على النجاحات السابقة تاريخيًا في توزيع الفيلم المصري في أسواق السينما في العالم العربي، وحتى، وإن بدرجة أقل، في الأسواق الإفريقية والهندية.

أفول المرحلة..

هذه الفترة الهامة في تاريخ السينما المصرية بدأت بالأفول بسرعة وبثبات بعد التغييرات السياسية والاقتصادية والثقافية في “مصر”؛ والتي بدأت معالمها بالتبلور بعد أقل من سنة من موت الرئيس؛ “جمال عبدالناصر”، عام 1970. وجدير بالذكر هنا، أنه بعد التغيرات السياسية التي طرأت بعد وفاة الرئيس؛ “عبدالناصر”، كان أهمها على صعيد السينما، تصفية “المؤسسة المصرية العامة للسينما” وإنشاء هيئة عامة تضم مع السينما المسرح والموسيقى في منتصف عام 1971. وتوقفت الهيئة عن الإنتاج السينمائي واقتصر نشاطها على بعض التمويل للقطاع الخاص. وبدأ انحسار دور الدولة في السينما حتى إنتهى تمامًا من الإنتاج الروائي، وبقيت لدى الدولة شركتان فقط إحداهما للأستوديوهات والأخرى للتوزيع ودور العرض. وسرعان ما أضيفت تعديلات هامة من قبل “وزارة الثقافة”؛ عام 1976، شملت بشكل أساس تفسيرات رقابية جديدة أكثر صرامة وتفصيلاً من تلك التي تم إدراجها في قانون 1956.

نحو المستقبل..

كل ما نوهت إليه في هذا العرض المقتضب؛ يصب في خانة التشديد على أهمية إعادة النظر في التشويهات النمطية والمغلوطة علميًا وتاريخيًا في قراءة هذه اللحظة المفصلية في تاريخ السينما المصرية. حيث أن هناك تعمد واضح ترجع جذوره إلى فترة بدايات السبعينيات من القرن الماضي لصبغ تلك الفترة من تاريخ السينما المصرية بتعميمات سلبية مغلوطة لا علاقة لها سوى بقشور من واقع تلك المرحلة المفصلية في تاريخ تلك السينما. وفي الوقت الذي كان بالإمكان تمحيص وتطوير إمكانيات الاستفادة من الكثير من تجارب تلك المرحلة، فإن بعض التعميمات التي هيمنت على الفكر الجمعي لكثير من العاملين في حقول السينما فيما بعد أدت عمليًا إلى اختزال تجربة سينما فترة الخمسينيات والستينيات في توصيفات سطحية تُقرنها بالمعاناة، والقمع، وانعدام الحرية، والرقابة، و”طغيان” القطاع العام، وما إلى ذلك.

إن النظر إلى المستقبل اليوم وفي هذه الفترة الصعبة التي تُمر بها السينما في “مصر” والعالم العربي؛ تستدعي استحضارًا جديًا ورصينًا لتاريخنا الثقافي. وهذه الدعوة ليست بهدف البكاء على الأطلال ولا النوستالجيا، بل تدخل في إطار محاولة الاستفادة من تجارب الماضي، بسلبياته وإيجابياته، من أجل استلهام أسس أقوى لاستنهاض جديد نأمله لهذه السينما العريقة والرائدة.

ملحق:

“لائحة من 84 نموذج من نتاج الأفلام المصرية بين 1952 و1971”

1952

“رَيَّا و سكينة”، صلاح أبوسيف

1953

“في شرع مين”، حسن الإمام

“بائعة الخبز”، حسن الإمام

“صراع في الوادي”، يوسف شاهين

“دايمًا معاك”، هنري بركات

“ارحم دموعي”، هنري بركات

“حب في الظلام”، حسن الإمام

“نساء بلا رجال”، يوسف شاهين

“بلال مؤذن الرسول”، أحمد الطوخي

“عبيد المال”، فطين عبدالوهاب

“دهب”، أنور وجدي

1954

“الوحش”، صلاح أبوسيف

“جعلوني مجرمًا”، عاطف سالم

“درب المهابيل”، توفيق صالح

“حياة أو موت”، كمال الشيخ

1955

“أيامنا الحلوة”، حلمي حليم

“شاطيء الذكريات”، عزالدين ذوالفقار

1956

“أين عمري”، أحمد ضياء الدين

“صراع في الميناء”، يوسف شاهين

“شباب امرأة”، صلاح أبوسيف (وأمين يوسف غراب بحسب IMBD)

1957

“الفتوة”، صلاح أبوسيف

“رد قلبي”، عزالدين ذوالفقار

“لا أنام”، صلاح أبوسيف

“الوسادة الخالية”، صلاح أبوسيف

“لن أبكي أبدًا”، حسن الأمام

“الجريمة والعقاب”، إبراهيم عمارة

1958

“باب الحديد”، يوسف شاهين

“جميلة بوحريد”، يوسف شاهين

“امرأة في الطريق”، عزالدين ذوالفقار

“سيدة القصر”، كمال الشيخ

1959

“أنا حرة”، صلاح أبوسيف

“دعاء الكروان”، هنري بركات

“أحنا التلامذة”، عاطف سالم

“صراع في النيل”، عاطف سالم

“بين الأطلال”، عزالدين ذوالفقار

“حسن ونعيمة”، هنري بركات

1960

“بداية و نهاية”، صلاح أبوسيف

“نهر الحب”، عزالدين ذوالفقار

“المراهقات”، أحمد ضياء الدين

“بين السماء والأرض”، صلاح أبوسيف

1961

“في بيتنا رجل”، هنري بركات

“وا إسلاماه”، إنريكو بومبا وأندرو مارتن

1962

“اللص والكلاب”، كمال الشيخ

“الخطايا”، حسن الإمام

“الزوجة 13″، فطين عبدالوهاب

“الشموع السوداء”، عزالدين ذوالفقار

“صراع الأبطال”، توفيق صالح

1963

“الناصر صلاح الدين”، يوسف شاهين

“الأيدي الناعمة”، محمود ذوالفقار

“أم العروسة”، عاطف سالم

“الباب المفتوح”، هنري بركات

“الساحرة الصغيرة”، نيازي مصطفى

“زقاق المدق”، حسن الإمام

“شفيقة القبطية”، حسن الإمام

1964

“بين القصرين”، حسن الإمام

1965

“الجبل”، خليل شوقي

“الحرام”، هنري بركات

“الراهبة”، حسن الإمام

“فجر يوم جديد”، يوسف شاهين

1966

“القاهرة 30″، صلاح أبوسيف

“جناب السفير”، نيازي مصطفى

“سيد درويش”، أحمد بدرخان

“مراتي مدير عام”، فطين عبدالوهاب

1967

“السمان والخريف”، حسام الدين مصطفى

“الزوجة الثانية”، صلاح أبوسيف

“إضراب الشحاتين”، حسن الإمام

“معبودة الجماهير”، حلمي رفلة

1968

“الرجل الذي فقد ظله”، كمال الشيخ

“المومياء”، شادي عبدالسلام

“البوسطجي”، حسين كمال

“الناس والنيل”، يوسف شاهين

“قنديل أم هاشم”، كمال عطية

“المتمردون”، توفيق صالح

“القضية 68″، صلاح أبوسيف

1969

“الأرض”، يوسف شاهين

“شيء من الخوف”، حسين كمال

“ميرامار”؛ كمال الشيخ

“أبي فوق الشجرة”، حسين كمال

“يوميات نائب في الأرياف”، توفيق صالح

1970

“الاختيار”، يوسف شاهين

“غروب وشروق”، كمال الشيخ

“نحن لا نزرع الشوك”، حسين كمال

1971

“زوجتي والكلب”، سعيد مرزوق

“ثرثرة فوق النيل”، حسين كمال

نقلاً عن موقع: (سينماتك).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب