خاص : ترجمة – د. محمد بناية :
مكبرات الصوت بالقرب من حدود “إيلام” إبان الحرب، دفعت شاب مجند يقضي الغروب في سماع الأغاني ويغرق في سحر الكلمات؛ إلى اكتشاف عالم الشعر والشعراء.
يقول “عبدالجبار كاكايي”، لو أعود مرارًا إلى بداية هذا الطريق الطويل، كنت سأختار الشعر مجددًا، لأن لذة قراءة القصيدة لا تضاهي أي شيء بالنسبة لي.
وفيما يلي نص حوار صحيفة (همشهري) الإيرانية؛ التابعة لبلدية “طهران”، مع هذا الشاعر عن الأدب والشعر في عصر الـ (كورونا)؛ ومكانة الشعر في المجتمع..
زمن “أدب العامة”..
“همهشري” : برأيك أي تأثير للشعر والأدب على حياتنا في هذه الأيام الصعبة ؟
“عبدالجبار كاكايي” : للأدب، برأيي، مكانتين مختلفتين في المجتمع.
الأولى: أدب النخبة، حيث إنشاء القصص والروايات التي تُطرح بالعادة في الأوساط الأدبية، وهذا النوع لا يحظى، منذ سنوات، باهتمام هذا النوع الأدبي.
الثانية: الأدب والأعمال المقدمة للعامة.
“كورونا” أجبرت الشعب الإيراني على التعاطي مع الفن والأدب !
“همهشري” : هل للشعر أن يكون ملاذًا وعلاج في هذه الأيام الصعبة ؟
“عبدالجبار كاكايي” : الأدب برأيي؛ أثبت نفسه كمسكن في الفترات الاجتماعية المختلفة، لكنه بالنهاية مسكن غير قوي.
والشعب الإيراني لا يتأثر ويتطور بالقدر الذي يُشبه “ثورة أكتوبر”، في “روسيا”، لمجرد قراءة رواية. كذلك الحال بالنسبة للرسم أو السينما.
ووباء (كورونا) يُثير، (بغض النظر عن المرض والعلاج؛) بداخلنا بعض القضايا. وقد دفعت الفواصل الاجتماعية، وحزن الفراق، وتأخر زيارة الأباء والأمهات والأقارب مع الحاجة إلى ذلك، ذهن البشر للتحول باتجاه الشعر والأدب.
فالأسر مضطرة حاليًا للمحافظة على الفواصل الاجتماعية، وأهل الأدب بمقدورهم تبادل كتب الأدب القديم.
كذلك عُقدت، على مدى العام ونصف المنصرم؛ الكثير من المهرجانات المختلفة وأشتملت على أعمال تعالج مشاكل الـ (كورونا).
عزلة الشعر وتهميشه في “إيران اليوم”..
“همهشري” : كان الشعر وسيلة الإيرانيين الأولى، ما هي أبرز التغييرات التي طرأت على مكانة الشعر في المجتمع على مدى التاريخ ؟
“عبدالجبار كاكايي” : في تاريخ “إيران”، وبالنظر لإنعدام المنافسين: كالمسرح، والسينما وفنون التجسيد الحديثة، إرتبط معظم أبناء الشعب بالشعر والأدب.
واللغة تموج بالجمل القصيرة. تدريجيًا. ثم اقتصر الأدب على الخاصة، في فترة الحداثة، التي بدأت بالعهد “القاجاري”. وبمرور الوقت تراجعت نسب طباعة الكتب.
ووفق الدكتور “داوري”، دخل الشعر مرحلة العُسرة، حيث ظهر منافس قوي للشعر، لاسيما بعد أن تحمل التصوير جزء من عبء الخيال الشعري. ثم تغييرت مكانة الشعر تدريجيًا. كنا أمة الشعر، وكان الفن الأول للإيرانيين هو الشعر. لكن الشعر يعيش حاليًا حالة من العزلة والتهميش.
فترات الشك..
“همهشري” : لماذا يعيش الشعر حالة من العزلة والتهميش ؟
“عبدالجبار كاكايي” : الفكر عنصر أساس في الشعر. وقد أمتلك شعراء مثل: “حافظ” و”سعدي” و”مولانا جلال الدين الرومي”؛ آفاق واسعة ساعدتهم على تلبية احتياجات البشرية.
بينما لا يلبي الشعر الحالي احيتاجات المخاطب. من جهة أخرى تنعدم الآفاق الفكرية. فالمجتمع يُصارع بين الحداثة والتقليد، وتعاني الأجيال الإيرانية من تيارات الشك.
ففي أوساط “العصر القاجاري”؛ كانت هناك شكوك في قبول التنمية، وبالتالي لم نتمكن من تحقيق التنمية. وبنفس مقدار الإنجازات الجميلة للتنمية في الغرب، فقد كانت مصحوبة بالنسبة لنا بالألم والبلاء.
وفي فترات الشك، لا يعلم الشاعر ماذا عليه أن يقول، ومن ثم يفضل التحول باتجاه المشاعر الشخصية، ومثل هذه الأعمال لا يُكتب لها البقاء. والميول المتشددة، قبل عقود؛ بشأن العودة إلى التقاليد، جعلتنا نهرب من الحداثة، مع الإبتعاد في الوقت نفسه عن التقاليد. وفي ظل هذه الأجواء انعدمت آفاق الرؤية.
تأثير الوباء..
“همهشري” : برأيك هل أثرت أجواء الـ (كورونا) على السليقة واختيار الأعمال الأدبية والفنية ؟
“عبدالجبار كاكايي” : كانت فترة جيدة للبعض؛ جلبوا خلالها حزم مقترحات. وانحسرت أنواع التسلية.
على سبيل المثال؛ عند إلغاء حفل موسيقي صاخب، تتشكل تدريجيًا موسيقى للخلوة البشرية، لا تحتاج إلى مسرح.
والمهتمون بالأدب يعتبرون هذه الفترة؛ فرصة تساعدهم على طرح موضوعات أدبية جادة. وربما لذلك السبب كان الاهتمام بـ”يوم سعدي”، خلال العام الحالي، أكبر من أي وقت مضي.
تعطل أدبي وفني..
“همشهري” : كيف أثر فيروس (كورونا) على حياتك ونشاطك ؟
“عبد الجبار كاكايي” : حياتي تغيرت كالكثيرين؛ وتعطلت المحافل الأدبية والليالي الشعرية. وتعطلت كذلك الحفلات الموسيقية، وبالتالي تراجع إنتاج الأعمال الموسيقية.
ولأنني أعمل أيضًا في مجال الأغاني؛ فقد واجهت بعض التغييرات التي كانت مؤثرة من المنظور الاقتصادي.
وحاليًا أفكر لو أنني من سكان القرى، ربما حينها لما عايشت مثل هذه الأجواء على هذا النحو.