17 نوفمبر، 2024 12:24 ص
Search
Close this search box.

 “فيليب روث”.. قدم صورة عميقة عن إشكاليات الأقليات في أمريكا

 “فيليب روث”.. قدم صورة عميقة عن إشكاليات الأقليات في أمريكا

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“فيليب روث” روائي أمريكي، يعد أحد أعمدة الرواية الأميركية المعاصرة، وكان المرشح الذي يوضع دائما في قائمة الترشيحات لجائزة «نوبل» للأدب، دون أن يفوز بها.

فاز “فيليب روث” بعدة جوائز هامة أهمها جائزة “وليم فوكنر” وجائزة “كافكا” و”نوبوكوف” إلى “البولتزر” فقد حاز 35 جائزة أمريكية وعالمية.  حصلت رواياته 28 كلها على جوائز من رواية “وداعا كولومبس” 1959 إلى “كل شخص” 2006 الحائزة على جائزة “وليم فوكنر”، حتى “الشبح خارجا” 2007 حيث حصلت على جائزة “بيللو” من نادي القلم الأمريكي.

بسبب الطابع العالمي لرسائله داخل رواياته يعتبر “فيليب روث” من كبار كتاب الأدب ما بعد الحرب العالمية الثانية، وقد ظل دائما محافظا على إنتاج روائي غزير ذي نوعية عالية، فقد برع في رصد حياة الطبقة الوسطى، ونظرا لكونه منتميا إلى عائلة يهودية قدم صورة عميقة عن إشكاليات المجتمع الأسري الضيق وتقاليد الأقليات في الولايات المتحدة الأميركية.

نشأته..

ولد في مدينة “نيو ارك” في “نيوجرسي” الأميركية في 1933 ونال شهادة بكالوريوس في الفنون من جامعة شيكاغو التي أصبح أستاذا فيها فيما بعد وفي جامعات أخرى.

مع صدور روايته “وداعا كولومبوس” في 1959 لفت انتباه النقاد، وتحولت الرواية إلى فيلم سينمائي أخرجه “لاري بيرس”. وتحكي “وداعا كولومبوس” قصة شاب يهودي، وترصد الإشكاليات التي تتعرض لها الأسر اليهودية من الطبقة المتوسطة بعد الحرب العالمية.

التاريخ..

اتجه “فيليب روث” نحو التاريخ، ركزت روايات الأولى على المجتمع اليهودي في “نيو جيرسي”، الولاية التي ولد فيها، من خلال تمازج محسوب بين السيرة الذاتية والخيال، ثم فتح مجال كتابته من خلال استخدام روائي لتناقضات الوضع اليهودي في إسرائيل “عمليّة شايلوك 1993″، أو الانحرافات العنيفة المرتبطة بالثقافة الأميركية المضادة في السبعينات “حكاية رعويّة أميركيّة 1973″، أو سلبيات المكارثيّة كما في رواية “تزوّجت شيوعياً 1997” أو استبداد الاستقامة السياسية على خلفية انبعاث الروح القمعية التي كشفت عنها فضيحة كلينتون-لوينسكي “اللوثة الإنسانية 2000”.

ميزة “فيليب روث” في روايته تفادي إعطاء الدروس أو تقسيم العالم بين ضحايا وجلادين. رواياته ليست حكاية سياسية، بل رواية حقيقية حيث تستكشف سلوكيات الناس في تناقضاتها وترددها وتعقيداتها. قدرته الروائية تدفع القراء لإدراك الحقيقة وراء خرافة المجتمع، حيث يقدّمها بأسلوب ساخر من خلال وضوح رؤيته.

تبدو رواياته على أنها من الأعمال الروائية الصعبة حيث تدور الأحداث حول الموت والحياة، الإرث المريض والقيم الأخلاقية، وقد قدمته لجنة تحكيم الجائزة في نادي القلم على أن “رواياته شفافة، تسيطر على الأفكار وتشل التفكير، ببساطة وفطرة تعكس رؤية فذة للحياة، ولا يبتعد كاتب الرواية عن الحقائق كما لا ينظر إلى الأشياء بدونية وازدراء أو يستغرب وجودها، إنما يواصل البقاء بقوة رغم صعوبة خسران الذات”.

موقعه ككاتب..

أجرى “روث” حوارا مع “غوسلين سافينيو” لصحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية بعد صدور المجلد الأول من أعماله عن مكتبة “لابلياد “الشهيرة حكي فيه عن بداياته الروائية وانشغاله بتحديد موقعه ككاتب: “في تلك الفترة لم أكن على وعي بما أفعل، وكان دليلي الوحيد أسئلة من قبيل: ما هي نقطة قوتي؟ ما الذي يدفعني إلى الكتابة؟ عن ماذا أبحث؟».

تقاعد..

صرح “فيليب روث” عندما اقترب من عامه الثمانين في 2012، بأنه تقاعد عن الكِتابة.  وكان قد توقف قبل ذلك التصريح بعامين عن الكتابة، وفي السنوات التالية ومنذ تصريحه المعلن، أمضى الوقت منشغلا ببعض الأمور. مثلا، كتب رسالة طويلة وحماسية إلى ويكيبديا، مُتحديا هذه الموسوعة الإلكترونية، داخلا في نزاع معها لأنها لم تكن شاهدا موثوقًا فيه على حياته الخاصة، تراجعت ويكيبديا في النهاية وأعادت ترتيب التدوين عن حياة “روث” بشكل كامل، كذلك  ظل على اتصال منتظم مع “بليك بيلي”، والذي عينه ككاتب رسمي لسيرته الذاتية، حيث جمع “بيلي” بالفعل 1900 صفحة من الملاحظات لكِتاب يتوقع أن يصل إلى نصف هذا الحجم.

أشرف “روث” على نشر المجلد العاشر والأخير في طبعة مكتبة أمريكا لأعماله  بعنوان “لماذا أكتب؟” والمجلد عبارة عن نوع من التجميع النهائي، وتشذيب التراث، فإنّه يحتوي على مجموعة مختارة من المقالات الأدبية المكتوبة في الستينات والسبعينات، النص الكامل لـ”دكان الحديث”، مجموعة من حواراته ومقابلاته التي أجراها في عام 2001 مع كتاب آخرين، العديد منهم من الأوروبيين؛ وقسم من المقالات والعناوين الوداعية، حيث نشر العديد منها هنا في المجلد لأول مرة. ليست مصادفة، أن ينتهي الكِتاب بعبارة من ثلاث كلمات “ها أنا هنا”.

عاش “فيليب روث” حياة تقاعدية هادئة في الجانب الغربي الشمالي لمنهاتن.  حيث منزله في “كونيتيكت” وكان قد اعتاد أن يعزل نفسه لنوبات طويلة من الكِتابة في ذلك المنزل،  وأصبح يستخدمه فقط في الصيف، يرى أصدقاءه، يذهب إلى الحفلات الموسيقية، يتحقق من بريده الإلكتروني، يشاهد الأفلام القديمة لـ فيلم سترك. كما زاره “ديفيد سايمون”، مبتكر مسلسل “ذا وير”، حيث يصنع مسلسلا صغيرا من ستة أجزاء مأخوذ من رواية “مؤامرة ضد أمريكا”، وفيما بعد قال “روث” أن روايته في أيدي أمينة.

أصبح شيخا..

وفي آخر حوار معه قبل وفاته أجراه “تشارلز ماكغراث” وترجمه “أحمد أبو الخير” نشر في “نيويورك تايمز” في 16 يناير 2018. يقول “فيليب روث” عن وصوله إلى سن الخامسة والثمانين. وهل يشعر بأنه أصبح شيخا: “نعم، في خلال عِدة شهور سأنتقل إلى منطقة أعمق في كبر السن متحركا تدريجيا وبشكل أكثر عمقا كل يوم نحو وادي الظلام الرهيب. الآن، من المثير للدهشة أن أجد نفسي في نهاية كُل يوم، أني ما زلت هنا. أدخل إلى السرير في الليل، أبتسم وأفكر “عشت يوماً آخر”. وبعدها أندهش مجددا لأنني استيقظت بعد ثماني ساعات ورأيت أن هذا صباح اليوم التالي وهذا يعني أنني مستمر في الوجود هنا.

“نجوت ليلة أخرى” وهذا ما يسبب لي الابتسام مرة أخرى. أخلد للنوم مبتسما، وأصحو مبتسما. وأنا ممتن للغاية لأنني ما أزال على قيد الحياة. علاوة على ذلك، عندما يحدث ذلك، كما حدث، أسبوع وراء أسبوع وشهر يتبعه شهر، منذ اليوم الذي بدأت فيه استخلاص رسوم الضمان الاجتماعي، أصبح ذلك ينتج الوهم بأن هذا الشيء لن يصل أبدا إلى نهاية، على الرغم بالطبع، من معرفتي بأنه من الممكن أن يتوقف كل ذلك في لحظة. أمر يشبه أن تلعب لعبة، يوما بعد يوم، وهي لعبة محفوفة بالمخاطر وحتى الآن، حتى في ظل الصعاب، أنا فقط مستمر في الفوز.  سنرى إلى أي مدى يمكن لحظي الصمود”.

وعن افتقاده للكتابة يقول: “لا أفكر في هذا. وذلك بسبب أن الظروف التي دفعتني منذ سبع سنوات للتوقف عن كتابة الرواية، لم تتغير. وكما قلت في “لماذا أكتب؟” حيث بحلول عام 2010، كان عندي شك قوي بأنني كتبت العمل الأفضل وأي شيء تلاه سيكون وضيعا وقليل القيمة. في ذلك الوقت لم يعد في جعبتي الحيوية العقلية أو الطاقة اللفظية أو اللياقة البدينة المحتاجة لأزيد وأتحمل الهجوم الطاغي من أي مبدع كبير في أي مدة على هذا البناء المعقد كما هو مطلوب في الرواية. كل موهبة لديها شروطها، طبيعتها، هدفها، قوتها وبالطبع فترتها، فترة ولايتها، التي يمكن أن تمتد مدى الحياة. لا يمكن لأي فرد أن يكون خصبًا في إنتاجه مدى الحياة”.

خمسون عاما في الكتابة..

وعن رؤيته لخمسين عاما قضاها ككاتب يقول: “أتذكرها بابتهاج وامتعاض. بخيبة وحرية. بإلهام وعدم يقين وشك. بالغزارة والخواء. بالقوة المتوهجة والتخبط، بالمخزون اليومي من الازدواج القلق الذي تتحمله أية موهبة، وأيضا الشعور بعزلة هائلة. والصمت: خمسون سنة في غرفة ساكنة كما هو الحال في قاع بركة، وعندما يسير كل شيء على ما يُرام، أنتج بصبر ومشقة الحد الأدنى من النثر الصالح للاستخدام.

الواقع الأمريكي..

في مقالته الشهيرة “كتابة الرواية الأمريكية” ناقش فيها أن الواقع الأمريكي مجنون جدا لدرجة أنه غالبا ما يتجاوز خيال الكاتب وكان ذلك في 1960. أما عن رأيه في الواقع الأمريكي في وقت إجراء الحوار يقول: “لا أعرف أحدا توقع أن تكون أمريكا مثلما نعيشها هذه الأيام. لا أحد ربما باستثناء صاحب النظر الثاقب هنري لويس منكن، الذي وصف بشكل شهير الديمقراطية الأمريكية كما لو أنّها “عبادة الحمير للثعالب” لذا فلا أحد كان يمكنه أن يتخيل نكبات القرن الواحد والعشرين أن تُلِم بالولايات المتحدة الأمريكية، وأكثر الكوارث إذلالا لن تظهر ولكن، لنقل، قد تظهر إنما ليس بهذا الشكل المخيف مثل شخصية الأخ الأكبر الأورويلية، ولكن في شكل كوميديا مرتجلة سخيفة ومشؤومة لمهرج متبجح. كم كنت ساذجا في 1960 لأعتقد أنني أمريكي أعيش في أوقات عبثية، منافية للعقل! يا له من أمر غريب! ولكن فيما بعد، ما الذي يمكن معرفته في 1960 عن 1963 أو 1968 أو 1974 أو 2001 أو 2016؟”.

وعن روايته “مؤامرة ضد أمريكا” التي نشرت في 2004 والتي يبدو أنها كانت تنبؤية عن واقع أمريكا بشكل مخيف يقول: “على الرغم مما قد يبدو بالنسبة لك من استبصار رواية “مؤامرة ضد أمريكا”، فبكُل تأكيد يوجد فارق واحد ضخم بين الظروف السياسية التي أخترعها داخل النص الروائي للولايات الأمريكية في 1940 وبين الكوارث السياسية التي تُرعبنا هذه الأيام.

فهناك اختلاف في المكانة بين الرئيس ليندبيرج وبين الرئيس ترامب. تشارلز ليندبيرج، في حياته كما هو في روايتي، من الممكن أن يكون عنصريا حقيقا ومعاد السامية ومتعصبا لتفوق البيض على الملونين، ومتعاطفا مع الفاشية، ولكنه كان أيضا- بسبب الفرادنية في إنجازه الاستثنائي حيث الرحلة عبر المحيط الأطلسي عندما كان في الخامسة والعشرين- كان بطلا أمريكيا واقعياًقبل 13 سنة من جَعلي إياه يفوز برئاسة الجمهورية، تاريخيا، كان لندبرج الطيار الشجاع الصغير الذي في عام 1927، وللمرة الأولى، طار دون توقف فوق الأطلنطي، من لونج آيلند (بنيويورك) حتى باريس. فعلها في 33 ساعة ونصف في مقعد وحيد، داخل طائرة أحادية المحرك، مما جعله نوعًا ما، من طراز ليف إريكسون القرن العشرين، أو الملاح ماجلان، واحدا من أقدم المرشدين في عصر الملاحة.

بالمقارنة، يعد ترامب محتال كبير، هو مجموع الشر الناتج عن عيوبه، خاليا من أي شيء إلا الأيديولوجية الضحلة لهذا المصاب بجنون العظمة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة