خاص: كتبت- سماح عادل
فيلم The Snowman أو “رجل الثلج” هو فيلم جريمة وإثارة وغموض، وهو مقتبس من رواية نرويجية ل”جو نيسبو”، حملت نفس الاسم، وحققت نجاحا كبيرا على المستوى الأدبي، وهي الرواية السابعة في سلسلة تناولت شخصية المحقق “هاري هول”.
البداية..
بدأ الفيلم بداية هادئة، حيث طفل في حوالي العاشرة من عمره ينادي على أمه ليعلمها أن عمه قد أتى لزيارتهم، لتخبره أمه أنه يأتي يوم الثلاثاء، لكنه أتى في يوم آخر على غير عادته، يقوم الرجل بمساعدة الأم حيث يجلب لها المواد الأساسية للمنزل، ويجلس إلى المائدة بصحبة الأم وطفلها يسأله بعد الأسئلة، وحينما يجيب الطفل إجابات خاطئة يصفع الرجل الأم، ثم تقع على الأرض من شدة الصفعات، وتقع حبوب القهوة التي كانت تشغل نفسها في تنقيتها، فيأخذ الطفل حفنة من تلك الحبوب ويخرج من المنزل ويصنع رجل الثلج واضعا حبوب القهوة لتحديد عينيه وفمه.
ثم يتسلل إلى المنزل مرة أخرى ليجد الرجل يشارك أمه السرير، وأمه تخبره أنه يجب أن يبلغ عائلته بأنه والد الطفل، فيقرر ألا يزورهما مرة أخرى ويتركهما ويرحل، ويتشبث به الطفل خائفا من هجرانه لهما.
هجر..
لكن الأم تركب سيارتها وتصطحب ابنها معها في سيارة حمراء، يظن الطفل أنها ستلحق بالرجل لكنها تذهب إلى بحيرة مغطاة بالثلج بسبب الشتاء وكثرة الثلوج، فينبهها الطفل ويوقف السيارة ويفتح الباب ويخرج منها، ويطلب من أمه أن تخرج لكنها تتصلب في سكون، فتقع السيارة في الماء بعد أن يتكسر الثلج من ثقل السيارة، ويصرخ الطفل مطالبا أمه ألا تتركه لكنها تنظر له في أسى.
محقق..
ثم يبدأ الفيلم بالمحقق “هاري هول”، الذي يبدو في حالة مزرية، وهو يتغيب عن عمله كمحقق في الشرطة، ثم يهدده مديره فيقرر أن لا يتغيب مرة أخرى. ويتعرف على زميلة جديدة نقلت من مدينة أخرى، ويطلب منها أن تقله ويفتش في أوراقها، ليكتشف أنها تحتفظ بأوراق قضية قديمة، ثم يحدث اختفاء لإحدى السيدات، ثم تتكرر الاختفاء، ويحاول “هاري هول” تفسير أمر تلك الاختفاءات بمساعدة زميلته الجديدة، خاصة وأن تلك الاختفاءات يجمعها قاسم مشترك، وهو إنها تقع في فصل الشتاء وقت تساقط الثلج، ويوجد في بيت الضحية أو في مكان وقوع الاختفاء أو اكتشاف جثة الضحية رجل من الثلج، عينيه وفمه من حبوب القهوة. كما أن الضحايا جمعيهم من النساء اللاتي لديهن أطفال أو قمن بعمل إجهاض لأطفالهن.
انتقام..
بعد سلسلة من الأحداث التي عانت من بعض الفجوات، نكتشف أن تلك الزميلة هي ابنة أحد المحققين الذي قتل على يد القاتل المتسلسل الذي يقوم بتلك الجرائم، لكن بدت جريمة قتله وكأنها انتحار فحفظت الشرطة القضية، فتحاول الابنة البحث عن القاتل للانتقام منه، ثم يدور الشك نحو رجل أعمال شهير له علاقات نسائية عديدة، وهو يتعاون مع أحد الأطباء الذي يقوم بعمل عمليات إجهاض للنساء.
ويظل الفيلم لوقت طويل يوهم المشاهد أن هذا الرجل هو المشتبه به، لكن عند قرب النهاية تظهر خيوط أخرى، حيث يتعمد القاتل الاحتكاك بالمحقق “هاري”، وإرسال رسالة تهديد له، أو الإبلاغ عن اختطاف إحداهن قبل أن يقتلها، ليكشتف “هاري” أن القاتل هو صديق لصديقته السابقة، والتي أنجب منها طفلا لكنه تخلى عنه، حيث قرر أن يترك تلك الصديقة تربي ابنها وحدها، ويحاول “هاري” إنقاذ صديقته السابقة بعد أن فتش منزل القاتل الذي، تيبن أنه طبيب متخصص في الهورمونات، ليكتشف أنه قرر قتلها.
البيت القديم..
ثم يلاحق “هاري” هاتف صديقته ليجره القاتل إلى البيت القديم الذي كان يعيش فيه مع والدته المنتحرة، ويقوم بعمل محاكاة لحكايته القديمة، حيث يجلس ابن “هاري” مكانه ويجلس صديقة “هاري” مكان أمه، ويطلب من “هاري” أن يجلس مكان والده العنيف، ويسأل “هاري” عدة أسئلة مهددا بقطع رقبة صديقته، لكن “هاري” ينقذها ويهرب القاتل فيجري ورائه، ويدور حديث بين “هاري” والقاتل، فيخبره “هاري” أنه أخطأ حين حمل أمه الذنب لأن الذنب الحقيقي ذنب والده الذي لم يكن يريده والذي قرر هجره هو ووالدته.
دارت أحداث الفيلم في النرويج، والفيلم يعاني من فجوات، لذا كان الإخراج يعاني من مشاكل، حيث تركت بعض النقاط العالقة دون توضيح، كما كان إيهام المشاهد بقاتل آخر غير محبوك، وكان الكشف متأخرا. كما ساد الفيلم هدوء لا يتناسب مع موضوعه البوليسي، وامتلأ بمشاهد دموية قاسية.
حرية المرأة في الاحتفاظ بطفلها..
كما أن الفيلم اعتمد على حكاية بوليسية عادية اعتمدت على قضية اجتماعية هامة ومؤثرة، لكنه لم يعبأ بمناقشتها أو التعرض لها بعمق فقد تناولها بسطحية شديدة، هذه القضية هي تربية الطفل بدون أب، وتأثيرات ذلك على الطفل نفسه اجتماعيا ونفسيا، في مجتمع أوربي غربي، حيث تتمتع المرأة بحرية الاحتفاظ بطفلها دون الحاجة إلى ذكر اسم والده أو الاستعانة به، لكن هل هي حرة حقا؟.
طرح الفيلم تساؤلا دون أن يعبأ بالإجابة عنه أو مناقشته بشكل جدي، فالمجتمعات الأوربية والغربية تدعي أنها تتمتع بحرية حقيقية وأنها أعطت النساء حقوقهن، لكن في الواقع النساء تعاني في تلك المجتمعات من ذكورية بغيضة ومن ظلم اجتماعي، فحين أتيحت للمرأة حرية الاحتفاظ بطفلها وتربيته رغم عدم وجود أب، أو تخلي الأب عنه، أو حتى عدم معرفتها بالوالد الحقيقي نتيجة لتعدد علاقاتها الجنسية، لم يحميها المجتمع من تبعات ذلك. فلم ينظم المجتمع طريقة مناسبة لكي يلتزم الأب تجاه طفله وإنما أعطاه المجتمع الحرية الكاملة في التخلي عن طفله، وعدم إعطاءه اسمه أو أمواله أو اهتمامه ورعايته، تحت دعوى أن الأم هي من تقرر الاحتفاظ بالطفل بحريتها الكاملة أو تختار إجهاضه بحريتها الكاملة أيضا.
لكن مع ذلك مازال المجتمع يعتمد على المعايير الأبوية، وان الأب هو رب الأسرة وراعيها، لذا ينشأ الأطفال في مجتمع أبوي كل قيمه تعتمد على أهمية دور الأب داخل الأسرة، فيجد نفسه يشعر بالنقص في ظل عدم وجود أب يحميه ويرعاه ويسانده نفسيا واجتماعيا، ويصبح عدم وجود أب له أو عدم معرفته بوالده عقدة تشوه نموه وتطوره النفسي والاجتماعي، وتجد الأم صعوبة كبيرة في التعامل مع الطفل، وتشعر دوما أنها مذنبة تجاهه، وهذا ما حدث مع صديقة “هاري” السابقة، والتي قرر التخلي عنها هي وطفلها لأنه، كما يعترف في الفيلم أناني ومدمن ولا يريد أن يربط مصيرهما بمصيره، ويجد الطفل نفسه عرضة للتعامل مع أكثر من أب هم أصدقاء أمه الحميمين، الذين يتتابعون في حياته وهذا يجعله أكثر اضطرابا.
كما ن العلاقات خارج للزواج أيضا وتفشيها، وحدوث حمل متخلف عنها ومن ثم إجهاض تعد مشكلة اجتماعية أخرى، وقد حاول القاتل في الفيلم الانتقام من والده التي انهارت نفسيا بهجر والد طفلها لها، وقررت التخلص من حياتها وحياة ابنها لتتخلص من عبء اجتماعي لم تعد تطيق التعامل معه. القاتل حمل أمه الذنب في كل ما حدث له، حيث فقد دفء الأسرة وتربي في ملجأ وشعر بالضياع، لكنه لم يحمل والده ذلك، رغم أنه هو المسئول الأول عن ذلك التخلي.
الفيلم لا يأخذ موقفا واضحا، لم يدن السيدات كما لم يدافع عنهن، فقط جاءت جملة “هاري” قبل مقتل القاتل بنفس طريقة موت والدته، غرقا في البحيرة، جاءت مؤكدة على أن والدته ليست هي من أرادت التخلي عنه وإنما والده من فعل.
الفيلم..
فيلم The Snowman تم إنتاجه في المملكة المتحدة وصدر سنة 2017، بعد يومين فقط من طرحه في دور العرض الأمريكية، تعرض الفيلم لحالة سريعة من الفشل، بعدما حقق إيرادات وصلت إلى 8 ألاف دولار فقط، وقد تكون آراء النقاد الذين أكدوا أن الفيلم لا يصلح للمشاهدة، سببا واضحا لخسارة الفيلم، بعدما لفت نجم الفيلم “مايكل فاسبندر” إلى أنه يعرف السبب وراء آراء النقاد السلبية تجاه الفيلم، حيث قال: “إن قصة الفيلم لم تكن كاملة مع فريق العمل مع بدء التصوير، وأن المشاهد سيلاحظ أن هناك تقطيعات غير مفهومة في أحداثه، أظهرت مشاهد العمل غير متناغمة في بعض الأحيان”.
شارك في بطولة الفيلم كل من (ريبيكا فيرجسون، كلوى سيفينى، فال كليمر)، وإخراج “توماس ألفريدسون”. تكلف الفيلم 35 مليون دولار وحقق أرباح تقدر بـ 43.1 مليون دولار.