خاص: كتبت- سماح عادل
فيلم Dev فيلم هندي درامي يتناول قضية سياسية شائكة، وهي التحارب بين الهندوس الذين يمثلون الأغلبية من سكان الهند والمسلمين الذين يمثلون الأقلية. وكيف أن هذا التحارب يدار سياسيا.
الحكاية..
تدور الحكاية في العاصمة بومباي، حيث يذهب شاب مسلم يدعى فرحان إلى العيش في العاصمة، وبسبب كونه مسلما تشك فيه الشرطة وتقبض عليه وتحقق معه، وتسأله عن علاقات بينه وبين دولة باكستان، وهي دولة معادية للهند وكانت فيما سبق جزء من دولة الهند الكبرى وحدث الانفصال، ويقول فرحان أنه خريج قانون، وأنه ذاهب للعيش مع والده.
ثم يقتل والد فرحان في مظاهرة سلام، ويشعر فرحان بالسخط، فينضم إلى حزب سياسي يدعى البحث عن العدالة والمساواة، وأنه يضم إليه المسلمين ليدافعوا عن حقوقهم داخل الهند بقيادة سياسي يدعى لطيف، ثم يكتشف فرحان أن لطيف هذا يدبر الأحداث ويكلف رجاله بوضع متفجرات في أماكن عبادة للهندوس. وعلى الجانب الآخر يقوم رجل سياسي هندوسي بعمل اعتداءات على أماكن المسلمين، فهو ينظم رجاله ويدفعهم إلى أماكن تواجد المسلمين فيقتلوا الرجال والنساء والأطفال بوحشية، ويغتصبون النساء قبل قتلهم ويحرقون المسلين أحياء.
مصالح فردية..
ونجد ضابطين في الشرطة صديقان منذ 30 عاما، ديف الذي يقوم بدوره الممثل الشهير اميتاب باتشان، وتيج. وديف يتصرف بنزاهة تجاه أحداث العنف والشغب، وحين حدثت أحداث عنف أخيرة قتلت فيها النساء بعد اغتصابهن والأطفال والرجال، طالب ديف الناس الذين بقوا بعد المجزرة بإبلاغ الشرطة بالحقيقية. وكان لطيف قد عقد اتفاق مع السياسي الهندوسي يحقق مصالحه هو بشكل فردي، لأنه يستخدم العنف ليحقق مكاسب سياسية كما يفعل نظيره الهندوسي، وحين يتوصل إلى اتفاق يعد السياسي الهندوسي بأن يسكت عن ما حصل في المجزرة الأخيرة، وأن يجبر الناس الذين ينتمون للحزب معه على السكوت عن ماحدث لهم ولذويهم. ويخطب لطيف في الناس ويقول لهم أن الحكومة لن تنصفهم ولن تحقق لهم العدالة، لكنه رغم ذلك ينصحهم بالسكوت على ما جرى لهم وأن لا يقولوا لأحد عن ما حدث، وأنهم جميعا يجب أن يلتزموا بقراره هذا.
مقاومة..
وتقف فتاة واحدة فقط في وجه لطيف، وتسأله: ولماذا نسكت عن ما حدث لنا؟، هذه الفتاة تدعى عاليا، فيغضب لطيف ويذهب إلى غرفة عاليا لكي يهددها بأن تسكت وألا تخالف القرار الذي اتخذه بالسكوت عن ما جرى لهم، وإلا يعتبر رغبتها في الحديث عن المجزرة وما حدث فيها خيانة له.
ويذهب الضابط ديف إلى المنزل الذي يجتمع فيه المسلمون ويعيشون حياة فقيرة بائسة، حيث يعيشون في غرف صغيرة، والمنزل عبارة عن عدة طوابق، ويطلب منهم ديف الإدلاء بشهادتهم بخصوص المجزرة الأخيرة التي حدثت لهم. ويصمت الجميع بحضور لطيف ماعدا عاليا التي تذهب للتحدث مع ديف، تقول له أنها لديها شيء لتقوله، وتحكي له عن تواطؤ بعض عناصر الشرطة مع مرتكبي المجزرة من الهندوس، وتشير له على عنصرين من الشرطة ضللاها هي وقريبة لها، حين حاولتا الاختباء وحماية أنفسهما وأرشداهما على طريق فيه عناصر مشاغبة، مما أدى إلى قتل صديقتها الحامل وأمها وطفلها، وإصابة عاليا نفسها لولا إنقاذ فرحان لها.
فتبدو على لطيف ملامح الغضب، ثم تذكر عاليا أن ذلك السياسي الهندوسي الشهير الذي تنتشر صوره في الجرائد كان بصحبة المشاغبين الذين قتلوا أهل عاليا وعشيرتها في المجزرة، ويسأل ديف الناس إذا كان أحدا آخر شاهد ذلك السياسي في المجرزة، فيرفع عدد كبير من النساء أياديهن، يتبعهن بعض الرجال في تحدي واضح لقرار لطيف بالسكوت عن ما جرى ونسيانه.
نزاهة شرطي..
ويذهب ديف إلى السياسي الشهير ويقبض عليه، مما يغضب رئيس الوزراء الهندوسي ويستدعي ديف بحضور صديقه ومديره تيج، ويسأله له كيف يقبض على سياسي شهير لمجرد أن امرأة قدمت فيه شكوى، ويأمره أن يطلق سراح السياسي الشهير. فيرفض ديف ويهدد رئيس الوزراء تيج بأنه هو رئيسه وأنه هو المسئول عن أفعال ديف، ويتم إطلاق سراح السياسي الشهير والذي يذهب إلى رئيس الوزراء في مكتبه ويطلب منه الموافقة على أن يقوم بالانتقام من تلك الفتاة التي أبلغت عنه وأهلها، يقصد عاليا.
ويسمح له رئيس الوزراء بذلك رغم أنه يقول له في سخرية أن يخفف من غضبه، ويأمر تيج الذي كان متواجدا في مكتب رئيس الوزراء أن يكون موجودا مساء لأجل ما سيفعله السياسي الهندوسي. ويجهز السياسي رجالة ويسلحهم ويركبون السيارة للذهاب إلى المنزل الذي به عاليا وقومها، لكنها تكون قد هربت لأن لطيف أراد الانتقام منها ومن فرحان و وأرسل في طلبهما، فنصحها فرحان أن تهرب، فترتدي النقاب وتذهب إلى بيت الضابط ديف لأنها لا تعرف غيره، وتحميها زوجته وتأويها.
مجزرة..
ويقوم لطيف بضرب فرحان ضربا مبرحا، ثم يذهب رجال السياسي الشهير إلى المنزل ويحبسون الناس بغرض حرقهم أحياء، كل سكان المنزل، ويقف تيج يتفرج على ما يحدث وكأنه يحمي المشاغبين الهندوس ويرعى ما يفعلونه بالمسلمين. ويذهب ديف بعد أن يتم القبض على سيارة لطيف ورجاله، ويجدون فرحان فيها مصابا، ويحذر فرحان ديف من أن السياسي الهندوسي سوف ينتقم بعد خروجه من السجن. فيسرع ديف إلى المنزل ويندهش حين يجد تيج يشاهد المجزرة دون أن يحرك ساكنا. وحين يأمر ديف رجاله بمنع المجرزة ومنع إحراق الناس يمنعه تيج، ومع ذلك يحاول ديف، مع رجاله القليلين الذين نفذوا أوامره، إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ونشاهد الناس وهم يحترقون أحياء. ويذهب ديف إلى منزله غاضبا وساخطا ويحكي لزوجته في ألم عن ما حدث للمسلمين من حرق وهم أحياء، رجال وأطفال ونساء.
تقرير..
ويكتب ديف تقريرا بما حدث ويرفعه إلى رئيس الوزراء، فيحرض رئيس الوزراء تيج على التحرك قبل أن يصل أمر التقرير الذي كتبه ديف للإعلام، ووقتها سيضر تيج. يذهب تيج لصديق عمره ليعاتبه، ظنا منه أن ديف هو من بدأ العداوة بينهما وأنه حوله من صديق حميم لعدو لدود، لكن ديف يخبره أنه فعل الصواب الذي يريح عقله وضميره.
ويجهز ديف تقريره لرفعه للمحكمة، ويتحدث مع زوجته وعاليا وفرحان، اللذان أصبحا يعيشان معه في بيته، ويسأله فرحان عن الجدوى في ظل حكومة لا توقف العنصرية بل تشجعها، وسياسيين يتآمرون على الناس. فيقول له ديف أنه لابد وأن يدافع عن الحق حتى وإن كان ذلك سببا لموته، وأن القضاء الهندي عادل.
ويقتل ديف على سلالم المحكمة، يقتله عنصران من الشرطة حرضهما تيج، وينظر تيج إلى ديف، وحين يقترب فرحان منه محاولا إسعافه يهم تيج بقتله، لكن يقف ديف بجسده المدمى أمام فرحان، ويتلقى الرصاصات بدلا من فرحان ليموت. ورغم ذلك نجد تيج يحضر جنازة ديف دون أن توجه له أصابع الاتهام، وحين تسأله زوجته عن من قتل زوجها يقول لها أن الأمر خاضع للتحقيق.
ندم..
ثم يتخيل تيج ديف معه في منزله، ويلومه وهو يحتسي الخمر عن ما فعل، متهما ديف بأنه هو من خان الصداقة الطويلة، وأنه هو من دافع عن المخربين ويقصد بذلك المسلمين، ثم يقتل نفسه بحضور فرحان، الذي أتى لمنزله لأن تيج دعاه وسأله عن علاقته بديف، فاخبره فرحان أنه بمثابة أب روحي بالنسبة له. ولا ينتهي الفيلم إلا بعد أن يأخذ فرحان تقرير ديف وشهادات الناس، ويذهب بها إلى المحكمة، ولا نعرف بماذا ستحكم المحكمة، فكانت نهاية الفيلم مفتوحة. وربما ذلك دليل على عدم انتهاء المشكلة، وأنها مازلت قائمة.
جرأة ومباشرة..
الإخراج جيد، واختيار الممثلين والديكورات والتصوير، والأكثر براعة من كل ذلك قصة الفيلم التي تناولت بشكل مباشر وواضح قضية هامة وخطيرة، تخص المجتمع الهندي، وهي الاقتتال العنصري ما بين الهندوس الذين يمثلون أغلبية والمسلمين الذين يمثلون أقلية. وقد كشف الفيلم بكل جرأة ووضوح عن ملابسات هذا الاقتتال، الذي تعتبر الحكومة والشرطة الشركاء الأكبر فيه، إلى جانب السياسيين الذين يبتغون تحقيق مصالح سياسية فردية لهم، فيستخدمون ذلك الاقتتال لصالحهم ويضحون بدماء الشعب بطائفتيه.
كما كشف الفيلم عن وحشية المجازر التي تحدث بحق المسلمين الذي يمثلون الأقلية، وأيضا سعي بعض السياسيين المسلمين لزرع الفتنة بتفجيرات يروح ضحيتها الأبرياء من الهندوس، وكأن الفيلم يقول أن العنصرية ليست موجودة في أذهان الشعوب، وإنما هي موجودة كلعبة يحركها السياسيون لأجل مصالحهم، ومن يخرج عن حدود تلك اللعبة اللعينة يقتل. كما كشف الفيلم عن فساد الحكومة والتي غالبا ما تأتي بسياسيين فسدة ليمسكوا بزمامها، وكذلك فساد كثير من عناصر الشرطة، لكن مع ذلك يبقى الأمل موجودا بوجود عناصر شريفة، مثل الضابط ديف وفرحان وعاليا، وبوجود قضاء هندي نزيه كما أقر الفيلم بذلك.
لكن يحسب للفيلم جرأته في تناول قضايا مجتمعية شائكة، وتصويره للمجازر بوضوح وتفصيل وكأنه بذلك يحاول تنفير الناس من العنف ومن أضراره ونتائجه، التي تتنافى مع أبسط قواعد الإنسانية. وأيضا يجعلنا كمتفرجين من الخارج نقدر أهمية السينما الهندية، التي تتطرق إلى موضوعات شائكة دون رقابة تمنعها أو تمنع وصولها للناس، وقدرتها على تشريح الفساد السياسي والعنصرية. ورغم بعض الدراما المبالغ فيها استطاع الفيلم مخاطبة الجماهير بمباشرة وكأنه يسعى إلى إصلاح أمر هام وخطير يهدد سلام المجتمع وأمنه عن طريق كشفه وفضح مساوئه وتقديم رؤية بشأنه.
ديف هو فيلم درامي هندي عام 2004 من إخراج “جوفيند نيهالاني”. في حفل توزيع جوائز فيلم فير الخمسين، فاز الفيلم بجائزة فيلم فير لأفضل فيلم (نقاد)، وفازت كارينا كابور بجائزة فيلم فير لأفضل ممثلة (نقاد) عن أدائها.