24 نوفمبر، 2024 12:11 م
Search
Close this search box.

فيلم Birdman.. فقاعة الشهرة التي تظل تداعب خيال البطل

فيلم Birdman.. فقاعة الشهرة التي تظل تداعب خيال البطل

 

خاص: كتبت – سماح عادل

فيلم Birdman or The Unexpected Virtue of Ignorance أو الرجل الطائر أو (الفضيلة غير المتوقعة للجهل) هو فيلم مميز، بدء من عنوانه الذي هو عبارة عن اسمين لا اسم واحد، إما الرجل الطائر أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل، وهذا يعني أن صناعه قد أرادوا أن يكون مميزا في كل تفاصيله وهذا ما حدث، يحكي عن ممثل في عمر الستين عاما، كان يقوم ببطولة أفلام حركة شهيرة، وكان يؤدي شخصية الرجل الطائر، وقد حقق نجاحا هائلا وشهرة كبيرة بتلك الأفلام كما ربح ملايين الدولارات، لكن ومع مرور العمر وفقدانه لوهج الشباب انتقلت الأدوار للممثلين الأصغر منه، وبدأت الشهرة تخبو وتختفي، وبدأ إحساس أنه غير موجود، وأنه فقد شهرته ومعنى حياته يتسرب إليه، ومثل ذلك أزمة حياتية بالنسبة له..

البداية..

يبدأ الفيلم في غرفة البطل ريغان تومسون، في مسرح برودواي، وهو يعتبر من أكثر المسارح احترافا في الولايات المتحدة، وهو مسرح لأداء وتقديم مسرحيات ومنها الموسيقية. ومسرح برودواي يقع في مدينة نيويورك ويحوي 500 مقعد أو أكثر.

فقد اختار ريغان أن يؤلف وينتج ويخرج مسرحية على أكثر المسارح شهرة في أمريكا، لكي يستعيد شهرته التي تسربت من بين يديه، وقد اختار رواية لكاتب شهير تصادف أنه كان حاضرا في إحدى الحفلات التي مثل فيها ريغان وهو شاب في المدرسة الثانوية، وقد أرسل إليه منديلا ورقيا يأتي مع كأس الخمر، كتب له فيه إطراء، وقد ظل ريغان محتفظا بهذا المنديل طوال سنوات عمره، لأنه إطراء من كاتب شهير كان ملهما له واعتقد أن عرف من وقتها أنه سيصبح ممثلا، لذا ممتنا لهذا الكاتب قرر أن يمثل روايته في مسرحية وقام وكتاباتها بنفسه.

يظهر ريغان وهو عار إلا من سروال داخلي، يفكر كثيرا، ثم يذهب لعمل بروفة من الممثلين، المسرحية يمثل فيها أربعة ممثلين سيدتان وممثل آخر بجانب ريغان،  لكن أدائه مريعا، وقد دبر ريغان له حادثة بسيطة حيث سقط شيئا على رأسه لكي يتسنى له تغييره.

وتقترح إحدى الممثلات صديقها ليأتي مكان الممثل الذي أصيب وهو أيضا ممثل مسرحي معروف، ويقبل ريغان بعد أن يقابل مايك ويجد أدائه رائعا، وحين يطلب مايك أجرا كبيرا يوافق ويسعى لرهن منزل له كان سيتركه لابنته لكي يمول المسرحية جيدا.

ثم يتعرف المشاهد على ابنته التي تساعده في إدارة المسرحية وتقوم ببعض الأعمال الإدارية البسيطة، حين يستدعاها لتصطحب مايك إلى مصمم الملابس.

العروض التجريبية..

ثم تبدأ العروض التجريبية، وهي عروض يحضره فيها جمهورا يعي جيدا إنها عروضا تجريبية، لكنه مع ذلك يدفع مالا لتذاكر بأسعار مخفضة، ويفاجئ ريغان أن مايك يخرج عن الأداء أثناء العرض التجريبي، فيقرر أن يفصله، لكن المنتج التنفيذي وصديقه يرفض ذلك لأن مايك جلب مزيدا من الجمهور، فيقرر ريغان التحدث مع مايك ويذهبان لتناول القهوة في أحد المقاهي القريبة من المسرح، ويتعامل مايك بعنجهية مؤكدا لريغان أنه مجرد ممثل هوليودي وأنه حتى لا يعترف بشهرته، يؤكد مايك أنه معروف في العمل المسرحي أكثر من ريغان، ثم تأتي إحدى المعجبات لتلتقط صورة مع ريغان وتتطلب من مايك أن يلتقط الصورة هو. ويلاحظ المشاهد تغيير ملامح مايك الذي كان يتباهي منذ قليل بنفسه.

ثم يخبر مايك ريغان أن العروض التجريبية هي للتجريب والوصول إلى الأداء الأفضل، وأن ما يهم حقا رأي نقاد المسرح والذين لهم سلطة كبيرة حتى في إيقاف مسرحية ما، ويشير لسيدة عجوز في آخر المقهي ليعرف ريغان أنها ناقدة مسرحية شهيرة، وأن نقدها للمسرحية هو ما سيحدد بقاءها أو توقفها، ثم يذهب مايك للناقدة فتسخر منه متسائلة هل أصبح هوليووديا ليقول لها أن هوليوود هي من أتت إليه، ثم يسخر منها في المقابل قائلا أن الناقد شخص فشل في أن يكون كاتبا، وأنه بمثابة مخبر فشل أن يكون جنديا، وتلك كناية عن أن الناقد هو شخص حاقد وفاشل يعطي الأحكام وهو لا ينخرط فعليا في التجربة.

صوت داخلي يتبعه..

تتسارع حركة الفيلم ونجد ريغان مصحوبا دائما بصوت، صوت الرجل الطائر، تلك الشخصية التي كان يمثلها واشتهر بها، لكنه لم يعد ملائما لها بسبب ترهل جسده وعلامات الشيخوخة التي بانت على جسده الستيني، وتظهر مخاوف ريغان حين يتحدث إلى زوجته السابقة وأم ابنته سام حين يخبرها أنه كان في إحدى الطائرات وجورج كلوني كان في المقاعد الأمامية، وحين دخلت الطائرة في منطقة خطرة كان الناس يرتعبون ويصلون لكي يبقوا إحياء، وهو كل ما يشغل باله أنه لو سقطت الطائرة سوف يكون وجه جورج كلوني على الصفحات الأولى للصحف لا وجهه هو، وسألها أتعرفين أن فرح فاوست ماتت في نفس يوم موت مايكل جاكسون، مشيرا إلى أن موت مايكل جاكسون أحدث ضجة كبيرة في حين لم يثر موت فرح فاوست الكثيرين.

فقاعة الشهرة..

كما يتعرف المشاهد علي ريغان أكثر حين تقول ابنته لمايك أنه لم يكن موجودا، وأنها لم تشعر به كأب، فهو قد غرته الشهرة عن أن يكون زوجا حقيقيا وأبا حقيقيا، واعترف هو نفسه لزوجته السابقة أنه كان أبا مريعا، وزوجا سيئا. حتى في تعامله مع صديقته الحالية والتي استمر معها عامان، لم يكن مهتما، ولم يكن يقول لها كلاما مشجعا، بل كان يسخر منها ويستهزئ بها.

يشعر ريغان بالتوتر الشديد لأنه يريد إنجاح تلك المسرحية لكن الظروف الخارجية تعاكسه فمايك متعجرف، والناقدة قالت له أنه ليس ممثلا ولا تعترف بشهرته، وأنها تكرهه وأمثاله، تقصد ممثلي هوليوود الذين يعطون الجوائز لبعضهم البعض على أفلام رسوم متحركة وأفلام إباحية، ويختلقون فقاعة الشهرة، وأن التمثيل الحقيقي هو في المسرح.

لكن الفيلم أظهر وجه النقادة القبيح أيضا، فهي متعجرفة ومغرورة، تعطي أحكاما مبهمة وعامة، ولا تتطرق إلى تفاصيل العمل المسرحي من آلية العمل والتمثيل والإخراج، هي أيضا تعتبر نفسها سلطة ولها قوة وتستطيع تدمير أية مسرحية أو جعلها شهيرة.

يوم العرض الأول..

يظل صوت الرجل الطائر يلاحق ريغان، ويتخيل نفسه يطير ويحلق في السماء، ويحرك الأشياء بأصابعه، فهو من داخله يشعر أنه هو نفسه الرجل الطائر ذو القوى الخارقة،  يمل في منتصف الطريق ويفكر في العودة عن تحقيق حلمه وإلغاء المسرحية، لكنه يشحن طاقته ويقرر أن يمثل بكل ما يملك من موهبة، وفي يوم العرض الأول يطلق النار على نفسه في المشهد الأخير، حيث بطل المسرحية يقتل نفسه بعد أن يتأكد من خيانة حبيبته وتخبره إنها لا تحبه، فيقول أنه ليس موجودا.

لكنه حتى حين يقرر أن يقوم بمشهد قوي يخلد ذكراه كممثل يفشل في إكماله على الوجه الصحيح، فبدلا من أن يوجه المسدس على رأسه وجهه إلى أنفه، وخسر أنفه بدلا من أن يخسر حياته. ونجد الناقدة قد كتبت عنه مقالا نقديا يمتدح ما فعل واصفه أدائه بما فوق الواقعي.

ويحقق النجاح والشهرة التي سعى إليها وكان في شوق لاستعادتها ليس فقط بسبب أدائه على المسرح، وإنما حتى حين أغلق عليه باب المسرح وهو يدخن سيجارة، بعد أن رأي ابنته ومايك يتغازلان واضطر أن يمشي عاريا في أشهر شوارع نيويورك وصوره الناس، وبلغت المشاهدات له الآلاف.

انتهي الفيلم نهاية مفتوحة ومتسقة مع الخط العام للفيلم، الذي يعتمد على تخيلات البطل وإدماجها بين المشاهد كأنها حقيقة، فقد خرج من الشباك في غرفة المستشفى بعد أن فك الأربطة عن وجهه وحلق عاليا وقد رأته ابنته وابتسمت لذلك.

التغييرات الاجتماعية الهائلة..

كما أشار الفيلم من خلال سام ابنة ريغان، والتي أدمنت على المخدرات، وكانت في مركز إعادة التأهيل ثم خرجت، لكن والدها رغم ذلك لم ينشغل بمساعدتها ودعمها وإنما انشغل بأوهامه الذاتية وأحلامه.الى التغييرات الاجتماعية الهائلة.

وفي أحد حوارات ريغان مع ابنته نبهته أنه بعيد عن التغييرات التي تحدث في المجتمع، يسخر من التدوين ومن تويتر وفيس بوك، ويعسى إلى استعادة شهرته، فقد نبهته أن الزمان تغير منذ التسعينات تلك الفترة التي كان فيها مشهورا إلى ما بعد بداية ألفية الثالثة، حيث زمن الفيلم في 2014، فإذا أراد استعادة شهرته لابد وأن يواكب التغييرات المتسارعة التي تحدث في المجتمع لا أن ينغلق على نفسه.

ثنائية التمثيل أو الإبهار..

يحكي الفيلم عن التمثيل في هوليوود والأفلام التي تخطف المشاهد بالعنف والرعب والحركة المبالغ فيها، فيقول الرجل الطائر لريغان إنها تخطف أنفاس المشاهد وتخرجه من رتابة حياته ومللها، في محاولة منه لإقناع ريغان لأن يعود إلى نوعية تلك الأفلام، بدلا من تمثيل المسرح الذي رآه الرجل الطائر تمثيلا فلسفيا يعتمد على الجدال والثرثرة.

ربما يشير الفيلم عامدا إلى تلك الثنائية، أفلام تغيب وعي المشاهد، تعتمد على الإبهار وخطف الأنفاس، وإعطاء الممثلين الجهلة وغير المثقفين الجوائز والشهرة والأموال، وتوزيعها على شلة من الممثلين، والاحتفاء بالعنف والحركة والديكور ومشاهد لا معنى لها. والإعلاء من شأن شباب الجسد ووسامته والقوة العضلية، ومن يمر عليه الزمن وتدهسه الشيخوخة يدهسه النسيان كذلك.

في مقابل تمثيل المسرح، التفاعل الحي مع جمهور حقيقي يشاهد الممثل، مناقشة قضايا إنسانية هامة، الاعتماد على الأحاديث والحوار بين الناس لا على الحركة والإبهار، وإن كان الفيلم يشير أيضا إلى بعض المساوئ مثل النقاد الذين يتخذون من أنفسهم سلطة لا تقهر، ويستعرضون بنقد يخلو من حياد أو موضوعية أو دقة أو فهم حقيقي للتمثيل المسرحي.

مشهد طويل..

الفيلم مميز في إخراجه، فقد كان بمثابة مشهد واحد متواصل، حيث لم يقطع المخرج المشاهد بل جعلها ملتصقة ببعضها البعض، نجد الكاميرا تقترب من وجه الممثل، تنقل انفعالاته وملامح وجهه غير عابئة بما حوله، كما تتنقل في ممرات المسرح الكئيبة وذات الديكور القديم، تشعر المشاهد أن ممرات خلايا مخ البطل الذي لا يتوقف عن التفكير ومحادثة نفسه، لكنها حين يتفق مع  صوته الداخلي صوت الرجل الطائر ويصدق في كونه يحلق في الهواء ويمتلك القدرات الخارجة، نجد الكاميرا تتجول في الشارع الواسع وتصوره وهو يطير فرحا.

استخدمت الموسيقى بشكل مميز حين كان ريغان يغوص في خيالاته، كانت حركة الكاميرا مميزة في اقترابها من وجوه الممثلين، وكأن التركيز كان عليهم، كما كانت الإضاءة مناسبة للحالة العامة التي كان الفيلم يريد بثها في نفس المشاهد، وديكور مسرح بورودواي الذي أشعرني بشكل شخصي ببعض الكآبة، ديكور لمكان قديم عريق مثل عليه ممثلين كبار ومميزين لكنه ديكور يبعث على الكآبة أحيانا خصوصا بممراته الضيقة.

 

الفيلم..

هو فيلم كوميديا سوداء أمريكي 2014 من إخراج “أليخاندرو غونزاليز إيناريتو” الذي قام بالمشاركة في كتابته وإنتاجه. الفيلم تلقى إشادة هائلة من النقاد، وقد اُعتبر أحد أفضل أفلام 2014 من قبل عدة منظمات مثل “معهد الفيلم الأمريكي” و”المجلس الوطني للمراجعة”. ترشح لسبعة جوائز “غولدن غلوب” في الحفل الثاني والسبعون، من ضمنها أفضل فيلم – موسيقي أو كوميدي وأفضل مخرج، وربح أفضل سيناريو.

ربح “كيتون” جائزة أفضل ممثل، بينما “نورتن وإيما” ترشحا لأفضل ممثل مساعد وأفضل ممثلة مساعدة على التوالي. في حفل توزيع جوائز الأوسكار السابع والثمانون، ربح الفيلم جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج ل”غونزاليز إيناريتو” وأفضل سيناريو أصلي وأفضل تصوير سينمائي من أصل تسع ترشيحات.

طاقم التمثيل..

“مايكل كيتون” بدور “ريغان طومسون”/ الرجل الطائر

“إدوارد نورتون” بدور “مايك شاينر”، ممثل مسرحي مشهور.

“إيما ستون” بدور “سام طومسون”، ابنة “ريغان” ومساعدته.

“نعومي واتس” بدور “ليزلي”، حبيبة “مايك”.

“زاك غاليفياناكيس” بدور “جاك”، محامي “ريغان” وصديقه.

“أندريا ريسبوروج” بدور “لورا”، ممثلة وحبيبة “ريغان”.

“أيمي رايان” بدور “سيلفيا طومسون”، زوجة “ريغان” السابقة ووالدة “سام.

في 10 يوليو، 2014 تم الإعلان بأن فيلم “الرجل الطائر” سوف يكون الفيلم الافتتاحي لمهرجان البندقية السينمائي الواحد والسبعون، إلى جانب فيلم محسن مخملباف الجديد. في 17 أكتوبر، 2014 تم إصدار الفيلم بشكل محدود في أمريكا الشمالية حيث تم عرضه في 4 صالات فقط. في 14 نوفمبر 2014، صَدر في جميع أنحاء البلاد في 857 صالة عرض.

تلقى الفيلم مراجعات إيجابية جداً من قبل النقاد. حصل الفيلم على تقييم 92% على موقع الطماطم الفاسدة مع متوسط تقييم 8.4/10، بناءً على 252 مراجعة، حيث كان الإجماع النقدي للموقع: “قفزة مثيرة للأمام للمخرج أليخاندرو غونزالس إناريتو، الرجل الطائر هو عرض فني طَموح مدعوم بقصة غنية وأداء متميز من مايكل كيتون وإدوارد نورتون”. أعطى ميتاكريتيك الفيلم 88 من 100 بناء على 48 مراجعة نقدية.

تلقت طريقة التصوير، التي أظهرت الفيلم بأكمله يبدو كلقطة طويلة واحدة، إشادة نقدية ضخمة بسبب التنفيذ الموفق في إظهارها. وتلقى الأداء إشادة كبيرة أيضا وبالأخص أداء كيتون، بيتر ديبروج من مجلة Variety وصف أداء كيتون بـ “عودة هذا القرن”. روبي كولن من صحيفة The Daily Telegraph أعطت الفيلم 5/5، مع ثناء خاص باللقطات الطويلة لايمانويل لوبزكي، مصور الفيلم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة