8 أبريل، 2024 8:16 م
Search
Close this search box.

فيلم “هس!.. الفتيات لا يصرخن”.. إعدام الضحية بلا رحمة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: كتبت- سماح عادل

فيلم “هس!.. الفتيات لا يصرخن” فيلم إيراني درامي، يناقش قضية هامة جدا في مجتمع مغلق ومتشدد مثل المجتمع الإيراني، وهي التحرش بالأطفال، وخاصة الفتيات الصغيرات من قبل أناس يستعين بهم الأهل في الأعمال مثل حارس البناية والسائق.

البداية..

بدأ الفيلم بعريس يستعد لاستقبال عروسته والتقاط صور الفرح معها، ويرشده المصور كيف يستقبل عروسه ويعطيها الورد ثم تجيء العروس وملابسها مغطاة بالدم،  ثم يغمى عليها، ثم يبدأ الفيلم بالموسيقى وأسماء فريق العمل، ثم يتم اقتياد العروس إلى قسم الشرطة ولا تتكلم هناك وتصر على الصمت رغم محاولات المحقق استنطاقها، ثم مشهد للعريس وهو يقابل المحقق، ويسأله المحقق عن معلومات تخص خطيبته التي أوشكت على أن تكون زوجته، يسأله هل كان يعرف أنها هربت من حفل خطوبة سابق وانتحرت قبل زفاف سابق.

يتفاجيء العريس بما عرفه عن خطيبته التي استمرت خطبته لها عام غير ثلاث سنوات كان فيها زميل دراسة معها في نفس الجامعة، ويذهب إلى منزله ويقطع صورها وهو غاضب، ويطلب منه والده نسيان الأمر مذكرا إياه أنه كان يرفض من البداية تزويجه من تلك الفتاة.

جنون..

ثم يلجأ والدا الفتاة إلى محامية معروف عنها أنها تنجح في القضايا الصعبة ويقولون لها أنهم مستعدين لإثبات جنون ابنتهم أو تعاطيها للمخدرات حتى تنجو من تلك التهمة لأنهم لا يملكون غيرها، لا تظهر المحامية تعاطفا في البداية، وتذهب لمقابلة السجينة التي نعرف أن اسمها “شيرين”، وترفض “شيرين” التحدث رغم محاولات التقرب من المحامية، فتلجأ المحامية إلى الاستعانة بخطيبها وإحضاره إلى جهة التحقيق بعد رفض مبدئي منه، ووقتها تقرر “شيرين” التحدث لكن دون حضور خطيبها، وتبدأ في قص حكايتها على المحقق والمحامية.

اعتداء..                                                             

تحكي “شيرين” عن أن والدها كان مشغولا بالعمل وكذلك أمها التي كانت تجهز فساتين الزفاف، فتلجأ أمها إلى السائق لكي يوصل ابنتها إلى المنزل ويذهب بها إلى المدرسة بسبب كثرة انشغالاتها، ويتبين من ديكور منزلها  أنها من أسرة ميسورة الحال، فيستغل السائق الذي يدعى “مراد” انشغال الوالدين وتواجده مع الطفلة “شيرين” فترة طويلة فيعتدي عليها جنسيا، وتحاول هي مقاومته فيهددها بالقتل، وترتعب “شيرين” لكنها تحاول إبلاغ أمها بالأمر عن طريق حكاية قصة وهمية عن صديقة لها، لكن أمها لا تهتم وتسكتها وتطلب منها ألا تتعامل مع تلك الصديقة.

وتحاول أخبار المعلمة ومديرة المدرسة لكنهما أيضا لا تهتمان بها، فتجد نفسها وحيدة ومحاصرة وتشعر بالخوف الشديد، وتبدأ الكوابيس تهاجمها ليلا وتمتنع عن تناول الطعام وتصبح نحيفة وصامتة، كل هذا ولم تلاحظ أمها شيئا، وبعد عدة سنوات من الاعتداء تترك أسرة “شيرين” المنزل ويختفي السائق، وتحاول “شيرين” أن تعيش حياة طبيعية لكن شيء ما داخلها قد كسر.

وحين تقدم لها أول عريس ووافقت على الخطبة شعرت بالخوف الشديد وكأن شيئا يحاصرها، وداهمتها الأوهام فهربت من الخطوبة إلى منزلها القديم، ثم حين أقنعتها أمها أن العريس سيسافر إلى أمريكا وافقت على أمل أن تترك بلدها وذكرياتها البائسة، لكن أيضا ظلت تشعر بملاحقة “مراد” لها رغم أنه لم يكن يلاحقها، لكن الخوف كان قد انزرع بداخلها فانتحرت لأنها كانت تشعر أنها ماتت منذ أن اعتدى عليها “مراد”.

حب..

ثم تعرفت “شيرين”على خطيبها الحالي وأحبته كثيرا وبدأت تشعر أن الحياة ستصبح مفرحة أخيرا، ويوم زفافها وهي تلتقط الصور انفرط عقدها فذهبت لتصلحه على أن تلتحق بعريسها مرة أخرى، وهي توشك على ركوب المصعد سمعت صراخ فتاة صغيرة يحاول حارس البناية أخذها إلى غرفته رغما عن إرادتها، وتذكرت وقتها ما كان يحدث لها فجرت إلى غرفة الحارس وطرقت الباب بعنف، وخلصت الطفلة من حارس البناية ثم التقطت قطعة حديدة وضربت الحارس حتى مات.

تعاطف المحقق والمحامية مع “شيرين” حتى وجوه السجانات في الفيلم كانت تشي بالتعاطف، وحين علم خطيبها بالأمر انفعل واظهر حزنا عليها، وتم القبض على “مراد” والذي أنكر معرفته ب”شيرين” لكن والداها تعرفا عليه، كما وجدت الشرطة في منزلة صور وأدلة عن اعتداءات كثيرة بلغت 27 اعتداء على طفلات صغيرات، ومع الضغط عليه اعترف وتم الحكم عليه بالإعدام.

وصمة..

على الجانب الآخر وعند محاكمة “شيرين” لم تتعاطف المحكمة معها بل أصر المدعي العام على جرمها، وأنه لا دليل أن حارس البناية كان يعتدي على الأطفال، وحاول المحقق والمحامية التواصل مع أهل الطفلة التي خلصتها “شيرين” من يد الحارس، لكن والداها رفضا التعاون، ورغم أن الوالدين قد اكتشفا أن الحارس كان يعتدي على ابنتهما إلا أنهما رفضا الاعتراف بذلك أو السماح للطفلة بالتحدث، لأن الأب وعلى حسب قوله له سمعة وسط المجتمع ويخاف على صورته وسمعته وكرامته، وحين حاولت الأم مساعدة “شيرين” أجبرها الأب على الكتمان وعرض الوالد على على المحقق أن يدفع دية “شيرين” أو يوكل لها محامي آخر.

قانون جائر..

وعندما لم تجد المحكمة دليلا على إدانة حارس البناية أو تجد أفراد من عائلته لكي يتنازلوا عن القضية ويقبلوا الدية، حكمت بالإعدام على “شيرين” دون مراعاة تعرضها للاعتداء وهي طفلة، حاول خطيبها البحث عن أهل الحارس بمساعدة المحامية، واستطاعا بالفعل أن يجدا أخ له لكن حكم الإعدام كان سريع التنفيذ حيث تم تجهيز “شيرين” لتعدم في اليوم التالي، ورغم اتصالات المحامية بالقائم على تنفيذ الإعدام وإظهاره بعض التعاطف إلا أنه أوضح لها أن الأمر يتعلق بالسلطات التي يجب أن توقف حكم الإعدام.

وجد الخطيب أخا الحارس مدمنا وقد تعاطى جرعة فتم نقله إلى المستشفى ومات هناك، لذا فقد اصطحبت “شيرين” إلى تنفيذ حكم الإعدام بها وهي ترتعش، وتصرخ،رغم أن الفتيات في المجتمع الايراني غير مسموح لهن بالصراخ. توقف الفيلم على ذلك المشهد مقدما صورة أخيرة لطفلات خارجات من المدرسة كلهن يرتدين الحجاب رغم حداثة سنهن وواحدة منهن تبتسم في براءة.

الإخراج ممتاز، وأداء الممثلين جاء بارعا خاصة البطلة التي قامت بدور “شيرين” والخطيب والمحامية التي تعاملت بثبات وبجرأة تدل على قوة شخصية، وجاءت الصورة قاتمة تناسبا مع موضوع الفيلم المأساوي والموسيقى حزينة.

ظاهرة عامة..

الفيلم هام جدا ينتقد انغلاق المجتمع وتشدده والذي يتسبب في كوارث، فرغم أن الاعتداء الجنسي على الأطفال ظاهرة تشهدها كل المجتمعات تقريبا سواء المنغلقة أو المتفتحة، بسبب وجود عناصر مريضة اجتماعيا ونفسيا، إلا أن تعامل المجتمع الإيراني مع تلك الظاهرة اتصف بالظلم، خاصة الظلم الذي يقع على النساء فأولا الطفلات هم الضحيات للاعتداء ورغم ذلك وبحسب تقاليد المجتمع وعاداته المجحفة يمنعن من التبيلغ عن ذلك الاعتداء، لأن ذلك يعني وصمة كبيرة ستلحق بهن وبأسرهن، ويتم التكتم على الأمر بكل الطرق، وبالتالي يستمر المجرم في ممارسة جرائمه التي تتعدد وتتراكم دون عقاب أو محاسبة.

وقد أشارت المحامية في المحكمة إلى وجود اعتداءات على النساء البالغات أيضا، وأن نسبة قليلة جدا من النساء من يبلغن عن الاعتداء لكن معظم النساء يخفن من التبيلغ حتى لا يتم وصمهن اجتماعيا.

كما أن المجتمع الإيراني متشدد في العقوبات القانونية على الجرائم، حيث حكم بالإعدام على “شيرين” رغم أنه كان من الممكن إعطاءها حكم بالسجن لأنه قتل له ظروف وملابسات تبطل كونه قتل عمد، ولا أعلم بشأن تسريع الإجراءات، هل الفيلم اختصر الفترة الزمنية ما بين الحكم وتنفيذ الإعدام أم أن هناك تنفيذ سريع لحكم الإعدام حتى لو ظهرت أدلة جديدة.

لكن يتضح كون المؤسسات القانونية والقضائية في إيران تعاني من مشاكل ولا تتعامل بإنسانية مع الناس وخاصة النساء، الفيلم جريء ومدهش لأنه تناول أمور مسكوت عنها في المجتمع ولم يخش فضحها أو تعريتها.

إما ما يمكن استنتاجه عن المجتمع الإيراني من خلال الفيلم، باعتبار أن السينما مرآة للمجتمع وظروفه الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية بمعنى ما، هو مدى انغلاق وتشدد المجتمع الإيراني الذي يفرض الحجاب على النساء وحتى على طفلات صغيرات في عمر الزهور، ومدى الظلم التي تتعرض له المرأة في إيران وانعدام الرحمة تجاهها، لكن على الرغم من انغلاق المجتمع نجد بعض الأسر الغنية تترك بناتها في صحبة ذكور غرباء، رغم أن الحكم الإسلامي الذي يعد المظلة التي يعتمد عليها المجتمع الإيراني لا يبيح انفراد الطفلات مع الغرباء من الذكور، ولنا أن نتخيل شكل الجحيم الذي تعيش فيه النساء في إيران.

الفيلم..

من إخراج وتأليف المخرجة “بوران درخشنده “، و من إنتاج سنة 2013،  الفيلم مأخوذ عن كتاب باسم (هس.!.. الفتيات لا يصرخن) عن حادثة إعدام “ريحانه جباري” المظلومة، و”ریحانه جباري” (1988 – 2014) هي مصممة ديكور إيرانية، أدينت  في عام 2007 بتهمة قتل موظف استخبارات إيراني سابق وقالت أنها قتلته “دفاع عن النفس” بعد أن حاول اغتصابها، ولكن المحكمة في إيران لم تأخذ بما قالته “ريحانة” واتهمتها بالقتل العمد وتمت إدانتها بالإعدام شنقاً، أثارت هذه القضية حالات من الاستنكار والتعاطف من العديد من الجهات والهيئات في دول العالم وأصبحت محط اهتمام الرأي العام في بعض الدول.

حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم من وجهة نظر الجمهور في مهرجان فجر الحادي والثلاثين، وشارك في عدة مهرجانات دولية منها (مهرجان تركيا وساباولو، كرالا، تشناي، بنغلور، بونه، ارواين ولندن) كما تم تكريم المخرجة الإيرانية “درخشندة” في المهرجان السابع للفيلم الإيراني بولاية سان فرانسيسكو الأميركية.  حصل الفيلم على  الجائزتين الرئيسيتين لأفضل فيلم وأفضل ممثلة من مهرجان “فيجي” الدولي للأفلام بدورته الخامسة المقامة في تركيا. إلى جانب مشاركته في الدورة الأولى من المهرجان الدولي للأفلام العائلية بأنقرة، الفيلم تم تصويره بالكامل تقريبًا بالرمادي والأسود والبني.

المخرجة “بوران درخشنده “، مواليد 1951، هي مخرجة ومنتجة أفلام وكاتبة سيناريو إيرانية. ولدت في مدينة كرمانشاه وتخرجت في الإخراج السينمائي من المدرسة المتقدمة للتلفزيون والسينما بطهران عام 1975. بدأت نشاطها السينمائي في التمثيل في الأفلام، ومن ثمّ انتقلت إلى الإخراج، وكانت هي بنفسها كاتبة السيناريو والمنتجة لمعظم أفلامها أيضًا، لها أعمال سينمائية كثيرة والعديد من الأفلام القصيرة والوثائقية.

لعبت الممثلتان الرئيسيتان في الفيلم “طناز طباطبايي” بدور “شيرين” و“مريلا زارعي” بدور المحامية، وشارك في تمثيل الفيلم كل من: (وبابك حميديان وجمشيد هاشم بور وشهاب حسيني وستاره اسكندري وهادي مرزبان وفرهاد آئيش ومائدة طهماسبي).

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب