خاص: كتبت- سماح عادل
فيلم “نادية” فيلم مصري بالأبيض والأسود، يتناول قصة حب لكن علي خلفية تلك القصة يتناول القضية الفلسطينية.
الحكاية..
يبدأ الفيلم بالبطلة “نادية” التي تقوم بتمثيله الممثلة “عزيزة أمير”، وهي تدرس لأطفال في مدرسة، وتحكي لهم عن الشجاعة والبطولة للجنود الذي يحاربون في فلسطين وهي مدرسة في أحد المدارس، ولها أخت أصغر منها تدعي “ثريا” تقوم الممثلة “شادية” ببطولته، لكن “نادية” تظهر حزنا كبيرا حينما ترى أحد الجنود وهو “مدحت”، الذي يقوم بدوره الممثل “محمود ذو الفقار”. وتوبخها أختها الصغيرة “ثريا” التي لا تهتم إلا بنفسها وبأحلام الفتيات الصغيرات في ذلك السن، توبخها بسبب تمسكها بالحزن، لنعرف أنها تعاني ذلك الأسى من موت شقيقها الأصغر، الذي تولت رعايته وتربيته مع أختها “ثريا”، وقتل في أثناء كفاحه في حرب فلسطين.
تطوع..
ويحاول “مدحت” أن يخفف عنها فينصحها بالتطوع للعمل كممرضة، لكي تقوم هي أيضا بدورها في الكفاح الوطني. وبالفعل تذهب “نادية” للتطوع بالعمل كممرضة، وتشعر بالرضى ويخبو حزنها علي فقد أخيها قليلا. وفي نفس الوقت تسعي أختها “ثريا” إلي جذب انتباه “مدحت”، لكنه يجدها فتاة صغيرة تهتم بكل تلك الأشياء التي تهتم بها الفتيات في ذلك السن، الملابس والمظهر والتنزه في الخارج، كما أنه انجذب منذ البداية لأختها “نادية”.
سوء فهم..
ترسل “ثريا” خطابا لأختها “نادية” تبلغها فيه أن “مدحت” ينتوي خطبتها، وتحزن “نادية” لأنها كانت قد شعرت ببعض الانجذاب نحو “مدحت”، ويذهب صديق ل”نادية” يعمل معها في نفس المدرسة لكي يتطوع هو أيضا في الكفاح، ويقوم بدوره الممثل “سليمان نجيب”، ويظهر من أفعاله أنه يحب “نادية” كثيرا لكنها لا تهتم لأمره، ويكون بمثابة الوسيط بين “نادية ومدحت”.
أسر..
وحين يتأخر “مدحت” في أحد مهامه العسكرية، حيث يتواجدون جميعا في منطقة واحدة “مدحت” و”نادية” والصديق، تقرر “نادية” الذهاب للبحث عنه برفقة الصديق، وصديق آخر يقوم بدوره “محمود شكوكو”، ويتم أسرهم لدى قوات الاحتلال.
ويقدم الفيلم شخصيات العدو حيث يقوم رجل بالتحدث باللغة العبريةـ ويقوم رجل آخر بالترجمة له، ويبدو ذلك طريفا في فيلم مصري قديم، والرجل الذي يترجم يقوم بدوره الممثل “شفيق نور الدين”. وفي الأسر يتعامل “شفيق نور الدين” بلطف مع الأسري المصريين، ويعبر عن محبته للمصريين لأنه عاش وسطهم وكانوا يعاملونه بود ومحبة. بل ويمتد الأمر إلى أن يهاجم مشروع الاحتلال ويشكو من قلة الطعام والشراب ويعتبر ذهابه إلى الكيان المحتل خطأ كبير.
إنقاذ..
ثم يستمر الفيلم في القصة الرئيسية، حيث تتم مهاجمة المكان الذي تتواجد فيه “نادية “وأصدقاءها من قبل الجنود المصريين، ويستطيع الجميع الهرب وذلك بمساعدة “مدحت” ويلجئون إلى قوات الصليب الأحمر، ويمدحهم “مدحت” بسبب محاولاتهم لمعالجة المصابين. وتترك “نادية” لأنها جريحة هناك، بينما يواصل الآخرون طريقهم.
كشف الحقيقة..
ثم تذهب “نادية” إلي مصر، ويحاول “مدحت” مقابلتها لكنها ترفض، وتعترف لصديقها بأنه بعد أن عبر لها عن انجذابه ذهب إلي أخرى، ويحاول ذلك الصديق توبيخه، بينما تأتي “ثريا” لتقدم لأختها خطيبا آخر كانت قد تعرفت عليه، بعد أن يئست من محاولات التقرب من “مدحت”. وتكتشف “نادية” أن “ثريا” ستتزوج بشخص آخر غير “مدحت”، وتذهب إليه خارج غرفتها في المستشفى لتعلن له حبها وينتهي الفيلم علي ذلك.
الإخراج جيد، واستخدم صناع الفيلم ديكورات وأدوات تعكس حالة الكفاح في القضية الفلسطينية، حتى أنهم استخدموا طائرة كالتي تستخدم في ذلك الوقت.
حب وجهاد..
وعلي مستوي السيناريو اعتمد علي قصة حب بموازاة الحكي عن الكفاح في فلسطين واعتباره أمر شجاع ووطني، حتى أنهم تكلفوا عناء جلب رجل يجيد العبرية، وصورا العدو، كما وقع الفيلم في فخ السخرية من الشخصية اليهودية، حين قام الممثل “شفيق نور الدين” بالتحدث بشكل معين ترسخه السينما المصرية دوما عن اليهود.
لكن تناوله للقضية الفلسطينية كان هاما، خاصة أن الفيلم صنع بعد سنة واحدة من 1948، تلك السنة المعروفة تاريخيا بتمكن الاحتلال من الأراضي الفلسطينية.
المرأة مستقلة..
علي مستوى قصة الحب كان الفيلم تقدميا في تصويره لشخصية المرأة، حيث أن من حقها أن تتخذ صديقا مثلما فعلت “نادية” مع صديقها “سليمان نجيب”، حتى أنها صارحته أكثر من مرة أنها لا تريد أن تتزوج منه وإنما هو مجرد صديق مقرب. وفكرة الصديق هذه فكرة غريبة عن السينما المصرية، ولا يتم تداولها كثيرا، فنشعر أن شخصية “نادية” شخصية مستقلة تعتز بقوتها وبقدرتها علي إدارة الأمور، وعلي التعامل بندية مع الرجال.
وهذا أيضا نادر علي الأفلام المصرية، وربما تقديم تلك الشخصية المستقلة لبطلة امرأة بسبب أن شخصية “عزيزة أمير” نفسها شخصية قيادية، وهي واحدة من أهم صناع السينما المصرية في مرحلة البدايات. ونتساءل كيف كانت ستكون نماذج الشخصيات النسائية في أفلام السينما المصرية لو أتيح لقيادات نسائية الاستمرار في صنع الأفلام المصرية، ولم تترك الساحة للذكور الذي فرضوا أنماط معينة للمرأة المصرية في أفلامهم.
في حين يأتي نموذج “ثريا” متوافق مع النموذج المعتاد والمتعارف عليه في السينما المصرية للفتاة، تلك التي تهتم بالسهرات والأزياء وبالمظاهر وباجتذاب رجل لكي تتزوج منه وفقط، وهذا بالنسبة لها أقصى أحلامها كفتاة.
رواج تجاري..
ولأن السينما منذ بدايتها في مصر كانت تصنع بهدف تجاري لأجل كسب المال، اهتم الفيلم بوضع شخصية “شكوكو” لكي يلقي الجمل الكوميدية ويعطي روحا كوميدية للفيلم، كما اختيرت “شادية” لكي تقوم بأداء بعض الأغنيات، لأن الأفلام في ذلك الوقت كانت تحقق الرواج التجاري بالغناء والكوميديا، كما تم وضع استعراض راقص داخل الفيلم، حين ذهبت “ثريا” بصحية “مدحت” لأحد الأماكن الراقصة للسهر.
بغض النظر عن استعمال بعض مظاهر الترويج التجاري المعروفة للأفلام المصرية، إلا أن الفيلم كان موجها بشكل مباشر لمساندة القضية الفلسطينية، التي كانت مشتعلة في تلك الوقت وكانت تلهب مشاعر الجماهير في المنطقة العربية بأكملها.وهذا يحسب لصناع الفيلم وللإنتاج.
الفيلم..
فيلم “نادية”، أُصدر 7 فبراير 1949، أول إخراج ل”فطين عبد الوهاب”
مدة العرض100 دقيقة، قصة وحوار “يوسف جوهر” وسيناريو “فطين عبد الوهاب”. البطولة “عزيزة أمير، محمود ذو الفقار، سليمان نجيب، شادية”، التصوير”وحيد فريد”، المنتج “أفلام عزيزة أمير”.