خاص: كتبت- سماح عادل
فيلم “قلوب العذاري” فيلم مصري أبيض وأسود، يحكي عن قصة حب تواجه بعض المشكلات لكن تنتهي بالسعادة.
الحكاية..
البطل “حسين” ابن الباشا الذي يقوم بدوره الممثل “كمال الشناوي”، يعيش في مصر بصحبة إحدي الراقصات، ووالده الذي يعيش في العزبة مع ابنته “وفاء”، غاضب عليه لأنه يعيش مع راقصة ويشرب الخمر ويعيش حياة الاستهتار واللهو.
يذهب إليه الرجل الذي يعمل في مزرعة والده، “الحاج كامل” لكي يبلغه رسالة من أبيه، ويجد لديه الراقصة التي تتعامل بتعالي وسخرية معه ، ويحاول “الحاج كامل” إقناع “حسين” بالعودة إلي العزبة. ثم نشاهد “نعمت”، التي تقوم بدورها الفنانة “شادية”، تحكي عن “حسين” وكيف أنها لم تقابله منذ ثلاث سنوات، تحكي لأخته “وفاء” التي تعد صديقة مقربة لها، ويحكيان الاثنتان عن “حسين” وكيف كان يلهو مع “نعمت” وهم أطفال.
اشتياق..
وتظهر “نعمت” اشتياقا شديدا ل”حسين”، وعندما يعود “حسين” تستعيد “نعمت” الألفة والانسجام بينها وبينه، مثلما كان أيام الطفولة، ويبدءان في الشعور بالانجذاب الشديد. في الوقت الذي تحب فيه “وفاء” ابن بيه آخر في عزبة مجاورة يقوم بدوره “رشدي أباظة”.
وفي أحد الليالي وحينما أقيم أحد الأفراح تحدث الكارثة ويختلي “حسين” ب”نعمت” في أحد الغرف ويمارسان العلاقة الحميمة، يتزامن ذلك مع مرض والدها.
ثم تأتي الراقصة التي يعيش معها “حسين” وتحبه بجنون لكي تعيده إليها ويرجع إلي مصر، وحين يرفض تنتحر. ويتهم “حسين” بقتلها ويتم القبض عليه وسجنه.
مأزق..
وتجد “نعمت” نفسها في موقف حرج، حيث تظهر عليها علامات الحمل جراء تلك الليلة التي قضتها مع “حسين”، ونظرا لأن والدها يعاني من مرض في عينيه فلم يلاحظ ذلك، كما حاولت هي إخفاء الأمر بارتداء الملابس الواسعة، ساعدتها خالة لها تعيش بقربها.
وتظل “نعمت” تلوم نفسها أمام خالتها متهمة نفسها بأنها خاطئة وأنها جلبت إلي أبيها العار. ثم تلد بمساعدة الخالة، وتحاول أن تقتل نفسها لأنها فعلت تلك الفعلة الشنيعة وتنقذها الخالة، ثم تكتب لأبيها خطاب لأنه ذهب إلي القاهرة لعمل عملية جراحية في عينيه لكي يستعيد الرؤية، وتزوره “وفاء” التي ذهبت مع والدها إلي القاهرة لكي تتابع جلسات محاكمة أخيها “حسين”.
ويقع الخطاب الذي تعترف فيه “نعمت” بخطيئتها في يد “وفاء”، التي تقرأ نصفه لوالد “نعمت”، ثم تأخذ الخطاب وتقنع والدها بالنزول إلي العزبة حتي لا تتدهور صحته، أكثر جراء تأثير جلسات المحاكمة علي نفسيته.
فضيحة..
تذهب “وفاء” مسرعة إلي “نعمت” لتسألها عن من هو والد طفلها، فتخبرها “نعمت” أنه أخيها “حسين” وتطلب منها الاعتناء بالطفل حني عودتها من زيارة أبيها في مصر، وجلبه معها إلي العزبة. وبالفعل تعتني “وفاء” بالطفل الذي تخبئه “نعمت” في منزل الخالة.
وفي أحد الأيام يرى أحد الفلاحين “وفاء” وهي تقابل حبيبها “أحمد” ويتغزلان في بعضهما البعض، ثم يراقب ذلك الفلاح “وفاء” أكثر فيراها تدخل منزل الخالة وتلاعب طفلا صغيرا، فيستنتج أنها أنجبت ذلك الطفل من علاقتها ب”أحمد” وينشر هذا الفلاح الخبر في أنحاء العزبة. ويصل الخبر إلي خادم الباشا أبو” وفاء” ويخبره الخادم بالخبر في حضرة “الحاج كامل” الذي أتي لتوه من مصر ليسلم علي الباشا.
العار..
يثور الباشا ثورة عارمة قائلا أنه سيقتل الرجل الذي غرر بابنته وسيقتل ابنته لأنها جلبت له العار، وتهرب “وفاء” سريعا وهي تحمل خطاب “نعمت”، معها تذهب لمقابلة “أحمد” وتشرح له الأمر وتعطيه الخطاب، في الوقت الذي يحاول فيه “الحاج كامل” تهدئة الباشا وإقناعه أن الأمر ممكن أن يمر بسلام إذا تزوج “أحمد” من ابنته. ثم يجيء “أحمد” إلي بيت الباشا ليثبت براءته ويعطيه خطاب “نعمت”، فيطمئن الباشا لما حدث، ثم يقول له “الحاج كامل” أنه سيأخذ هذا الدليل ويدور به في أنحاء العزبة لكي يعلن براءة “وفاء” من تلك الجريمة الشنيعة.
وتجيء “نعمت” أثناء ذلك بعد أن تهب “وفاء” إلي منزلها لتخبرها بالأمر، ويتعرف “الحاج كامل” علي خطاب ابنته في حين يمتنع الباشا عن إعطاءه الخطاب لكنه يصر علي أخذه، ويطلب من ابنته قراءة الخطاب فتقول له أنها أخطئت وتطلب منه الصفح، فيقول “الحاج كامل” أنها لطخت شرفه ويطلب من الباشا أن يبتعد عنه حتي لا يتوسخ. ويذهب بابنته إلي منزلهما لكي يوبخها أكثر ويحاول إجبارها علي الاعتراف بمن فعل بها هذا. لكن “نعمت” ترفض التصريح باسم “حسين” رغم ضرب أبيها لها، ثم يجيء الباشا و”أحمد” في محاولة لإنقاذ “نعمت” من يد أبيها الباطشة.
اعتراف..
وتعترف “نعمت” في النهاية لأبيها باسمه وهو ابن الباشا “حسين” في غرفة مغلقة. فيخرج “الحاج كامل” وهو يشعر بانكسار شديد ويقول له الباشا من هو الفاعل لكي نجبره علي الزواج منها أو نقتله، فيجيبه “الحاج كامل” أنه ابنه، فيتحول موقف الباشا تماما إلي النقيض، ويرفض تزويج ابنه إلي “نعمت”، في ظل حضور “حسين” الذي أعلنت براءته وذهب إلي بيت أبيه، لتخبره أخته “وفاء” بالأمر، وهو في طريقه إلي منزل “نعمت” لإنقاذها ويتعثر في الخالة التي تعرفه علي ابنه .
ثم يدخل “حسين” ويعلن طلبه للزواج من “نعمت”، لكن الباشا يصر علي الرفض ويخرج من المنزل، فتعطيه ابنته “وفاء” الطفل فيحول الطفل موقف الباشا سريعا، ويوافق علي الزواج، وينتهي الفيلم بمشهد مضحك حين يبلل الطفل ملابس الباشا ويعطي الباشا الطفل ل”لحاج كامل”.
صورة نمطية..
الإخراج جيد، لكن به بعض الثغرات البسيطة، واهتم الفيلم بتصوير مناظر جميلة للريف، كما احتوي علي عناصر الفيلم المصري المتعارف عليها التي كانوا يضعونها بها للرواج وهي الأغاني. وكانت قصة الحب لطيفة، لكن الفيلم كما أفلام مصرية كثيرة وقع في فخ تنميط صورة المرأة والانحياز للصورة التقليدية الذكورية عنها، حيث تصنف أفلام كثيرة مصرية المرأة ما بين نوعين لا ثالث لهما، امرأة جريئة، معدومة الأخلاق تصاحب الرجال بحرية، وتقوم بعمل علاقات حميمية غير مشروعة، وغالبا ما تكون أما راقصة تعمل في كباريه أو تعمل في مهنة من هذا القبيل، وقد قامت بدور تلك المرأة “برلنتي عبد الحميد” في هذا الفيلم. حيث يقوم “حسين” بمشاركتها الحياة العابثة المستهترة من خمر وسهر واستهتار.
وامرأة عفيفة طاهرة، تميل إلي الخنوع والاستكانة والطاعة، علي خلق كريم تطيع أهلها وترضي مجتمعها وتتبع قواعد الشرف والأخلاق الذكورية المصرية، وهي هنا بطلة الفيلم “نعمت ووفاء” أيضا، سواء كانت تنتمي للطبقة الفقيرة مثل “نعمت” أو للطبقة الغنية مثل “وفاء”، امرأة تتزوج لتمارس العلاقة الحميمية بشكل مقبول دينيا واجتماعيا، ولا تخرج أبدا عن قواعد المجتمع المتعارف عليها، تميل إلي الخجل والصوت الهادئ المستكين.
لكن هذه المرة هذا النموذج البريء الطاهر قد تم التغرير به تحت دعوي الحب، وقد خرج عن استكانته، فقد ارتكبت “نعمت” الإثم الكبير وانصاعت لرغباتها ومارست علاقة حميمة خارج إطار الزواج الشرعي والمجتمعي، وإن كان قد حدث ذلك في لحظة ضعف شيطانية، والطريف أن “نعمت” نفسها مقتنعة أن شرفها يكمن في جسدها الذي منحته في لحظة ضعف لرجل أحبته بكل جوارحها.
الشرف لدي المرأة في الأفلام المصرية يكمن في قطعة من الجلد يتم اختراقها، وإن حدث ذلك دون مراعاة القواعد الاجتماعية الذكورية التي تقضي بأن تتزوج المرأة من رجل بمعرفة رجل مسئول عنها، سواء أبوها أو أخوها أو عمها أو أي رجل من عائلتها مسئول عنها، إلي رجل آخر يرضى عنها ويصبح مسئولا عنها هو أيضا، وإن سلمت قطعة جسدها المحببة دون قبول ذكر من عائلتها ومباركة ذلك التسليم مجتمعيا، تصبح خاطئة تستحق الموت وتصبح جالبة للعار، وضعت رأس والدها وأهلها في الطين ووسختهم، كما قال “حسين رياض” بشكل صريح في الفيلم.
وأصبحت ساقطة سقطت في مستنقع الرغبة، ودوما ما يرتبط الموت بذلك السقوط فالمرأة التي تسقط لا حل لها سوي الموت، لا مغفرة ولا رحمة ولا فرصة ثانية، والموت هنا حدث للراقصة رغم أنها هي التي اختارته، لأن حبيبها الذي أحبته بعمق وقوة اختار ألا يقترن بها أو يتزوجها.
قتل الخاطئة..
ولم يقرر الفيلم وصناعة قتل “نعمت”، ربما لأن الحب كان عذرها لكنه لم يكن عذرا في أفلام أخرى، وكان تبرير عدم قتلها إنجابها طفل أصبح هو المدخل لإنقاذها من مصيرها المحتوم، وأب حنون وطيب لكن حتى هذا الأب الحنون والطيب لم يتورع عن ممارسة العنف عليها وخنقها.
لا نعلم إن كانت تلك الأفكار السائدة حول المرأة هي من الواقع الحالي في المجتمع المصري في أواخر الخمسينات وقت صناعة الفيلم، لكن حتى إن كان تصوير النساء بتلك الطريقة نابع من المجتمع فإن السينما عليها دور كبير في الارتقاء بوعي الجماهير، وفي نشر الأفكار الإنسانية الراقية، وفي نصرة الفئات المستضعفة في المجتمع لا التأكيد علي اضطهادهم والتأكيد علي تنميط الصور عنهم. وللأسف هذا ما فعلته السينما المصرية تجاه المرأة المصرية حيث ساهمت في رسم صورة ذهنية عنها رجعية وذكورية.
وهل يمكن القول أن معظم صناع السينما المصرية كانوا من أصحاب الفكر الرجعي التقليدي الذكوري الذي يمجد من شأن الرجل ويقلل من شأن المرأة.
ثغرات..
وبالنسبة للثغرات داخل الفيلم، فهي حدثت حين أخبرت “وفاء” “حسين” أن “نعمت” لم تخبر أباها باسمه رغم أنها ظلت في بيتها ولم تذهب إلي بيت “نعمت” بعد أن أخذها أبوها معه، وأيضا خروج “حسين” السريع بعد الحكم عليه بالبراءة في الجلسة التي حوكم فيها. وأيضا تحول موقف الباشا بسهولة لمجرد حمله لطفل ابنه، وقد كان أداء الممثل الذي قام بدور الباشا غير معبر حتي في هذا الموقف. كما حوت المشاهد الأخيرة للفيلم مبالغة معروفة في الأفلام الصمرية، في وصف المرأة بصفات سيئة، وفي التضخيم من أمر الشرف الذكوري، وفي انفعالات المرأة نفسها التي تشعرنا أنها قامت بعمل كارثة كونية.
الفيلم..
فيلم “قلوب العذارى”، أُصدر سنة 1958، من إخراج “حسن الإمام” ومن أداء “شادية وكمال الشناوي”. كاتب سيناريو “حسن الإمام”، حوار “محمد عثمان”، المنتج”أفلام الشمس”، تمثيل “شادية، كمال الشناوي، حسين رياض، أمينة رزق، أحمد علام، كريمان، رشدي أباظة، برلنتي عبد الحميد”.