9 أبريل، 2024 11:44 م
Search
Close this search box.

فيلم “ريش”.. مغامرة سينمائية متماسكة الأركان تهزّ المهرجانات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: كتب- يوخنا دانيال

يواصل فيلم “ريش” للمخرج “عمر الزهيري” تحقيق النجاحات والجوائز في المهرجانات السينمائية المختلفة مثل كان والجونة.. وكان آخرها في مهرجان قرطاج العريق في تونس، حيث فاز بأربع جوائز كبيرة من بينها جائزتي أفضل فيلم وأفضل ممثلة للبطلة “دميانة نصار”. بالطبع هذا الفيلم تسبقه سمعته من مهرجان إلى آخر، ولذا يفوز بسهولة بالجوائز والإعجاب من النقّاد والمختصين.

لكن بما أنه فيلم روائي، فإنه ينتظر اختبارا في دور العرض السينمائي، من خلال إقبال الناس على مشاهدته، والحكم على التجربة السينمائية المختلفة الجديدة. إذ أن الفوز بالجوائز لا يعني بالضرورة نجاحا جماهيريا أو قبولا بين المشاهدين، الذين تربّوا على تقاليد سينمائية تقليدية معروفة، لكي ترضي هذه الجماهير، وتكسب أموالهم في شباك التذاكر.

لكن هذا الفيلم ليس هكذا، بل أبعد ما يمكن عن تقاليد السينما المصرية المعتادة. إذ يبدو للمشاهد كفيلم فقير، مصنوع بإمكانيات متواضعة، بعيدا عن أستوديوهات الصوت، بحوار قليل، ببطلة صامتة، من الناس العاديين، وممثلين لا علاقة مسبقة لهم بعالم التمثيل، أما الحكاية فإنها فانتازية وغرائبية جدا، لكن في أجواء فقيرة وواقعية بامتياز.

لذا يمكن اعتبار الفيلم منذ التخطيط حتى التنفيذ، مغامرة سينمائية متماسكة الأركان، متناسقة في أركانها المختلفة. وهذا الذي جعل أعضاء لجان التحكيم منبهرين بهذه المغامرة السينمائية. التي رغم الفانتازية المحيرة التي تتضمنها، والتي يعرفها جميع من سمع بالفيلم، فإن الفيلم لن يخرج أبدا من شروط الواقع والواقعية السينمائية. وهذا يوصل الفيلم إلى نهايته المحتومة والمنطقية.

ورغم أن النهاية لا تشبع المشاهد تماما، إلا أنها تؤدي إلى تغيير كبير في شخصية البطلة الصامتة الصابرة كل شيء، فتصبح إنسانة جديدة تماما. وربما هذه هي الرسالة النهائية في الفيلم التي على المشاهدين الانتباه لها، بدل التوقف كثيرا عند الجانب الفانتازي. وبهذا المعنى فإن الفيلم فيمنستي أو نسوي، يعزز دور المرأة وحضورها في المجتمع. وهذا يحصل في الواقع والحياة مع البطلة “دميانة” الصعيدية، التي تصبح فجأة نجمة المهرجانات، وضيفة متكررة على برامج التوك شو.

ولا يمكن فصل البطلة “دميانة” (أم ماريو) والممثلين الآخرين عن البيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم، ولا عن الإخراج والتصوير وباقي العناصر الفنية والتقنية، مما يجعل الفيلم تجربة مختلفة ينغمس فيها المشاهد في عالم يبدو له كأنه غير موجود واقعيا، لأن الفيلم لا يشير بوضوح إلى موقع الأحداث أو زمنها، إلا من خلال إشارات بسيطة ومن خلال الكلام بالطبع.

وكان بالإمكان حتى الاستغناء عن الكلام وجعل الفيلم صامتا كليا، لكن الكلام كان مهما كي نشاهد أن البطلة صامتة ومستكينة طوال معظم وقت الفلم. فيلم “ريش” تمكن من إيصال رسالته الفنية والإنسانية بسهولة إلى المشاهدين في مهرجان كان وقرطاج، لكن في مهرجان الجونة ورغم فوزه بجائزة الفيلم العربي، فقد واجه اعتراضات من بعض  ممثلي وممثلات السينما المصرية، ونظروا إليه للأسف كأنه تشويه لسمعة مصر، ومتاجرة بآلام الفقراء.

أمر لم يكن في الحسبان أبدا، وربما يساهم في أبعاد الجمهور عن مشاهدة الفيلم عند عرضه في دور العرض السينمائي. كما تعرض للنقد السلبي بين بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الفيلم أصبح لاحقا موضع تنازع بين بعض التيارات السياسية، المعارضة والموالية للنظام.

ومن وجهة نظر النقد “الثقافي” فإن الطريقة التي عامل بها الإعلام المرئي بطلة الفيلم “دميانة” أو “أم ماريو”.. كشفت عن سطحية بعض هؤلاء الإعلاميات، واستصغارهم لهذه السيدة من خلال ملاحظات وأسئلة غير لائقة. إحداهن في مهرجان الجونة تقول لها أن المخرج قد فتح لك “باب رزق” جديد. عشان تحسّني عيشتك.

وللأسف ان هذه الإعلامية المعروفة جدا، والتي كانت زوجة لواحد من أهم الممثلين في مصر. لا تدرك معنى أو قيمة أن يكون الإنسان بطلا لفيلم، فيلم نال جائزة مهمة في أهم مهرجان سينمائي عالمي. البطولة السينمائية يا هانم، تعني مزيد من الكرامة والرفعة للإنسان. تعني مزيدا من المكانة والتأثير الاجتماعي. السينما مش دكانة أو بوتيك يسترزق منها الإنسان.

وعلى القنوات التلفزيونية كانت الأسئلة الموجهة لها ساذجة أيضا، وتستصغر عقل هذه السيدة. ويبدو أن هناك بالفعل فجوة ثقافية بين القاهرة والصعيد. وبالمقابل هناك تطرفا لا مبرر له في الدفاع أو الهجوم على الفيلم بين النقاد وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي. وكأن الأمر هو مجرد تصفية حسابات إيديولوجية غير مبنية على تحليل موضوعي للفيلم نفسه.

وشخصيا لا اعترض على خروج فنانين من العرض أو انتقاد بعضهم للفيلم علنا. بل اعتبره شجاعة أدبية خصوصا أنهم جميعا كانوا يعلمون أن الفيلم سيفوز بجائزة الجونة الكبرى للفيلم العربي. وعلينا أن نقبل وتشجع  ثقافة الاختلاف في القضايا الثقافية والفنية، بدل التهييج والتسييس التي يلجأ إليها بعض النقّاد والأكاديميين. لكن من الضروري أيضا الانتباه إلى إنجاز هذا المخرج الشاب “عمر الزهيري” الذي يعيد اسم مصر والسينما المصرية إلى عالم الجوائز والمهرجانات بعد غياب طويل.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب