13 أبريل، 2024 5:49 ص
Search
Close this search box.

فيلم “المسابقة الرسمية” .. أو “المقاومة” بنكهة كوميدية ساحرة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – د. مالك خوري :

فيلم (المسابقة الرسمية)؛ للمخرجين: “ماريانو كون” و”غاستون دوبرا”، والذي عُرض كفيلم افتتاح لـ”مهرجان القاهرة السينمائي الدولي”، مثل خروجًا مرحبًا به عن سلسلة طويلة من الأفلام التي كان المهرجان يستهل بها دوراته السابقة. هو من نوع الأفلام التي تكمن قوتها في قدرتها المميزة والثاقبة على التناول النقدي للثقافة السينمائية المهيمنة اليوم، خصوصًا في إطار الهيمنة الوحشية والمدمرة لرأسمالية المقايضات والسمسرات لضمان تركيب الفيلم “الأمثل” للتسويق في المهرجانات السينمائية الكبيرة.

فنحن نعيش اليوم ضمن حلقة ثقافية تُهيمن عليها العلاقات التي تفرض نفسها من قبل مجموعات وأفراد من “الفنانين” المُسّيرين كبشر “آليين” تجمعهم حالة متضخمة من “الأنا”، التي تحيل حيواتهم كفنانين إلى كابوس حقيقي من اللهاث من أجل التمييز والاعتراف من قبل السوق السينمائي.

وهذا الواقع لم يُعد يقتصر كما في السابق على “فناني” اللحظة و”الكومبارسات”؛ الذين يتحولون فجأة وبقدرة قادر إلى “نجوم” تحصد الملايين في سوق النخاسة التسويقية. فهو أضحى اليوم يلقي بظله حتى على المجموعات التي كانت تتشدق بالسابق بحرصها على “القيم الفنية” و”الإبداعية” في السينما. وهو واقع لم يُعد يوفر حتى من كانوا في السابق يتغنون برؤيتهم المعقدة للطبيعة السياسية الطبقية للصناعة السينمائية المهيمنة.

والفيلم الذي يبدأ من التجسيد المفارق لشخصية المتمول الذي يستهل مسيرة تحقيق فيلم سينمائي، لمجرد كون مثل هذا العمل يُحاكي ما يُمثل لديه من إعادة الروح “لأنا” تُعاني من أعراض تهالكها؛ وهو الآن في الثمانينات من عمره، يتحول في نهايته إلى تجسيد مبدع وخفيف للحالة الأعم والأوسع التي تطال ما هو أعمق وأشد وقعًا في صلب ما تُعاني منه السينما في هذه المرحلة من تاريخها. والمال الذي يبدو هذا “المنتج” مستعدًا لإنفاقه بلا حساب لشراء “مواهب” و”نجوميات” معروضة في سوق “البورصة” السينمائية لضمان نجاح فيلمه في مسابقات المهرجانات السينمائية، يُمثل مجازًا لأسلوب أصبحت الصناعة السينمائية المهيمنة تتبعه لإضفاء “شرعية” فنية على منتجاتها التي تطرحها للاستهلاك السريع في السوق.

وفي هذا الإطار من التنافس في سوق الاستهلاك، يتحول كل مشارك في اللعبة إلى متسابق يجهد لدغدغة “الأنا” النرجسية التي تحكمه عبر إثبات تفوقه على الآخرين. هنا يرفض الفيلم إعطاء أي فرصة لأي من شخصياته للهروب من هذا الآتون الوجودي الذي يُدمر أي معالم إبداعية فنية قد تكون لديهم، أو حتى أعطاءهم فرصة للتواصل الإنساني فيما بينهم. فالكل هنا يخضع بالنهاية لنفس أصول اللعبة المدمرة ومفاعيلها. فبدءًا من الممول، (خوسيه لوي غوميز)، إلى الممثلين: “فبليكس” (أنتونيو بانديراس)؛ و(إيفان) “أوسكار مارتينيز”، إلى المخرجة “لولا” (بينيلوبي كروز)، الكل يتعامل بوحشية الحيوانات التي تتناهش للحفاظ على وجودها وتفوقها داخل عالم تحول إلى غابة من الصراعات العبثية التي لا ترحم ولا تُهادن. ويتحول الفيلم تدريجيًا إلى نسخة كوميدية ساخرة من مسلسل (Hunger Games)؛  لكن مع عينة ذات نوع آخر من الفصائل البشرية المتنافسة فيما بينها تحت العين المهيمنة لنظام متسلط لا يرحم…

ولا تقف اللعبة عند هذا الحد. فنراها تنتقل في نهاية االفيلم إلى محيط المهرجانات والصحافة والإعلام السينمائي الذي لم تُعد لتمويهات حيثياته التي تدعي التعقيد، أو حتى تلك الحيثيات البليدة فكريًا، أي قيمة جدية في البورصة الاستهلاكية لصناعة السينما. فهي أضحت اليوم مجرد ديكور بلا هوية يُضفي بعض “التسلية” لمن يصبو لأمجاد إبداع فني غابر، أو لمن يطمح لأن يكون إضافة مستقبلية في هذه اللعبة القائمة.

الفيلم يُجسد لحالة سينمائية مهيمنة على عالمنا اليوم.. ويكفي لنا أن نراها تُعيد رسم وتأطير نفسها في وجوه العديد ممن نقابلهم ونحن نجول بين قاعات العرض في دار “الأوبرا” وحولها ونحن نلهث باحثين عن فيلم لا يُجاري الحالة المأساوية للسينما السائدة.

ونبفى متفائلين بسينما بديلة مقاومة.. و(المسابقة الرسمية) هو فيلم يجعل من “المقاومة” متعة ذكية ومحترفة.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب