خاص: كتبت- سماح عادل
فيلم “أقوى من الحب” فيلم مصري صدر في فترة الخمسينات، يتناول قضية شائكة تخص المجتمع المصري في ذلك الوقت، وهي دور المرأة في المجتمع، وداخل الأسرة.
الحكاية..
بدأ الفيلم في القطار، حيث تبحث الفتاة “سهير” الذي تقوم بدورها الممثلة “شادية” ومساعدتها عن مكان داخل القطار، لتجلس في كابينة بها أحد الرجال النائمين في هدوء، ثم يدور حديث بين “سهير” والرجل الذي تعرف أن اسمه “مجدي” ويقوم بدوره الفنان “عماد حمدي”، وأنه يرسم ببراعة حين يعطيها صورة لوجهها، ثم تعرفه بنفسها وأنها تعلمت الرسم في ايطاليا، كما أنها تعمل سكرتيرة في أحد المعارض التي يعرض اللوحات الفنية، ثم يقوم برسم صورة أخري لمساعدتها، كل ذلك وهو فاقد لذراعه الأيسر. تشعر “سهير” بكم الإحباط واليأس الذي يشعر بهم “مجدي”، وتقرر أن تدعمه وتشجعه علي المجيء إلي المعرض في اليوم التالي لكي يتعرف علي مدير المعرض.
عند الوصول ينتظر طفلان صغيران “مجدي” ويحدثانه، وتلاحظ “سهير” ذلك لتعرف أنهما طفليه، ثم يرحل “مجدي” في سيارة بسائق إلي فيلا فخمة، يمتنع بواب الفيلا عن الوقوف ترحيبا ب”مجدي”، فتنهره الابنة الكبرى وتطلب منه حمل الحقيبة عن والدها.ثم تستقبلهم الدادة والطفل الثالث، ونعرف أن الأم تعمل طبيبة وأنها لن تستطع الحضور علي الغداء. تسال الابنة “مجدي” وهو يرسم في غرفته عن تناوله للعشاء لكنه يخبرها أنه سيتناوله مع والدتها حين تعود للمنزل من العمل.
جفاء..
ونري في المسشتفي الدكتورة “أمينة” التي تقوم بدورها الفنانة “مديحة يسري” وهي تعمل بجد حتى أنها لا تهتم بالرد علي مهاتفات ابنتها، ثم تعود “أمينة” للمنزل وهي تعطي الأوامر للخدم في حسم، تستقبل “مجدي” في فتور رغم غيابه عدة أيام عن المنزل، ثم تجلس لمائدة العشاء وهي تستمع لحديثه دون انتباه، ويجد “مجدي” أن اللحمة غير مقطعة لقطع صغيرة فيمتنع عن تناول طعامه، ولا تلاحظ “أمينة” ذلك بل تبرر ذلك بكون الطباخ جديد.
ثم يذهبان إلي غرفة المكتب يحتسيان القهوة، وتخبره الدكتورة أنها ستنشغل بقراءة بحث مهم وحين يشعل سيجارته لا تهتم بإشعالها له فيتذكر حنان “سهير” وهي تشعل له عود الكبريت تخفيفا عليه بسب بذراعه المفقود. يذهب “مجدي” للنوم في غرفته التي ينام فيها وحده، وتظل “أمينة” في المكتب لتكمل قراءة البحث.
احتفاء..
في اليوم التالي يذهب “مجدي” إلي المعرض ويتقابل مع “سهير” ويري بعض اللوحات المعروضة، ثم يحتفي به مدير المعرض ويثني علي الصورتين الذي رآهما ويطلب منه لوحة جديدة يرسمها في غضون أسبوع، ويشعر “مجدي” بالحرج والقلق لكن تشكر “سهير” المدير بعد رحيل “مجدي” لأنه عامله بحفاوة.
يرسم “مجدي” لوحة فيها صورة “سهير” وصورته وبينهما طفلين في شكل عائلة من العصر البدائي، حيث تنير “سهير” الطريق للأسرة بينما “مجدي” يقوم بالعمل الشاق. وحين يقابل المدير يسرف الثلاثة في وصف اللوحة كفلسفة ل”مجدي”، الذي يقتنع أن دور المرأة هي إنارة الطريق للرجل ودعمه لكي يقوم هو بالعمل الشاق، وهي عملها رعاية الأولاد ودعم الزوج.
اقتراب..
ثم يحدث اقتراب ما بين “سهير” و”مجدي” نتيجة معاملة “سهير” الحانية له واهتمامها، ويؤكد دوما “مجدي” أثناء مقابلته ل”سهير” علي أنه هو الذي يجب عليه الإنفاق علي تكاليف الخروجات لأنه هو الرجل، حتى وإن كان ما يملكه قليل لكنها لابد وأن تلتزم بذلك في خطاب أقرب إلي المباشرة .
يشعر الأولاد بغياب والدهم الذي أصبح مشغولا بخروجاته مع “سهير” وبالرسم، خاصة حينما تقاضي أول أجر علي لوحته، مما شجعه علي تأجير مرسم يرسم فيه لوحاته ويتقابل مع “سهير”.
ثم ينشر خبر عن “مجدي” وعن لوحاته في إحدي المجلات ويذكر المحرر فيها أن من دفعه إلي ممارسة فن الرسم هو حبه ل”سهير”. تقرأ “أمينة” ذلك الخبر وتشعر بالخجل من أن يعرف زملائها في العمل بذلك. وتذهب إلي المنزل لتوبخ “مجدي” علي حبه لفتاة تافهة علي حد قولها، فيواجهها “مجدي” بما يدور في ذهنه طوال أربع سنوات من انقطاعه عن العمل، بسبب حادثة حدثت له وأفقدته ذراعه وتولي “أمينة” مهمة رعاية الأسرة ماديا.
رعاية الأولاد..
يقول لها “مجدي” أنه غير راضي عن هذا الوضع، وأنه يريدها أن تكون امرأة مهمتها الوحيدة رعاية الأولاد والزوج، وأن تقوم بطاعته لأن الأديان جميعها تأمر المرأة بإطاعة زوجها، وأن تترك عملها والعيش في حدود ظروفه المادية القليلة، وتعيش في المرسم الضيق الذي استأجره عوضا عن الفيلا الفاخرة التي تعيش فيها الآن. ثم يأمرها أن تحضر السيجارة التي سقطت منه فتخرج “أمينة” بتعالي من غرفة المكتب دون أن تنحني لتعطيه السيجارة .
يذهب “مجدي” ل”سهير” ويقرر أن يتزوجها، وتشعر “سهير” بالتردد لأنه لا تريد أن تهدم أسرة “مجدي”، ويحاول “مجدي” إقناعها أنه يحبه هي وأن زوجته لم يعد لها مكان في قلبه، لكنها تشترط عليه أن يعطي لزوجته فرصة أسبوع قبل إتمام إجراءات الزواج، علي أن يرسل لزوجته خطاب يطلب منها العودة.
عودة..
يرسل “مجدي” خطابا متعجرفا يشترط فيه علي “أمينة” أن تترك عملها وتأتي لتعيش معه هي والأولاد، والمثير للأمر أن “أمينة” توافق وتأتي إلي مرسم “مجدي” بعد أن غيرت مظهرها الجاد وفردت شعرها في تسريحة تشبه تسريحة “سهير”. وتقول له أنها ستعود إليه. وحين تسقط السيجارة من يده تنحني لتلتقطها له وتعطيها ل”مجدي” الذي يعود إليها دون الاهتمام بأمر “سهير” وينتهي الفيلم علي ذلك.
تبعية المرأة أمر بديهي..
الفيلم مليء بالأحداث ويناقش فكرة واحدة يحاول تكريسها وتأكيدها طوال الفيلم سواء من خلال الخطاب المباشر من البطل “مجدي” أو من الشخصيات الأخرى، كما يدعم تلك الفكرة بالرموز مثل رمز سقوط السيجارة ومساعدة “مجدي” في التقاطها من الأرض .
وهذه الأفكار التي تهاجم المرأة العاملة وتكرس لفكرة أن مكان المرأة هو البيت ورعاية الأولاد وطاعة الزوج طاعة عمياء، بل والخضوع له هي أفكار حرص علي تسييدها ونشرها وتكريسها في السينما المصرية عدد من صناع السينما، وأصبحت أشبه بموجة.
فالفيلم يصور المرأة العاملة بنموذج سيء للتنفير منها، امرأة صارمة حاسمة تعامل الخدم بحسم وشدة وتعامل زوجها بتجاهل وعدم اهتمام، وتتجاهل أولادها تماما وكإن لا وجود لهم في حياتها، وهذا النموذج بتلك التفاصيل مقصود لينفر المشاهد من نموذج المرأة العاملة الكادحة ليقلل من حجم عملها في الخارج ويصورها في صورة سلبية.
في حين أن “سهير” النموذج المقابل رغم أنها تعلمت أيضا بل ولديها مهنة وهي الرسم والسكرتارية، إلا أنها مقتنعة تمام الاقتناع أن دورها الأول والأوحد طاعة الرجل ورعاية الأسرة والأطفال. وكإن الفيلم ربط ما بين حنان المرأة وطيبتها ولطفها وبين خضوعها وطاعتها للرجل.
والغريب أن تقبل تلك المرأة العاملة الأمر في النهاية وتنساق لفكرة الإخضاع والخضوع وكإن هذا هو الصحيح الذي يسود في النهاية، وهي تعترف بخطأها وتعود لصوابها، ولم يهتم الفيلم بدور تلك الطبيبة في رعاية المرضي وفي جعل المرضي يشفون .
كان من الأولي نشر فكرة المساواة ما بين الرجل والمرأة وأن لكل عمل لابد أن يقوم به في داخل المنزل وخارجه، وأن التعاون بينهما لابد وأن يسود دون خضوع واحد منهم للآخر. علي أن يحترم عمل المرأة ويعطي مكانته التي يستحقها، لكن صناع الفيلم أبوا إلا أن يرسخوا فكرة خضوع المرأة للرجل بشكل مطلق وحرموها حقها في أن تعمل في الخارج، وأن تكون لها ذمة مالية منفصلة عن زوجها وأن يكون لها دور في رعاية الأسرة ماديا.
والغريب أن هذه الأفكار لم تكن نابعة من عموم المجتمع المصري في وقت الخمسينات، والدليل أن الفيلم نفسه يعترف بخروج عدد كبير من النساء للعمل في الخارج، لذا كيف يكون المجتمع مقتنعا بتلك الأفكار ويسمح للنساء بالتعليم والعمل ومنافسة الرجال، علي حد قول إحدى الشخصيات في الفيلم. إذن نحن أمام أفكار تحاول أن تحاصر المرأة التي خرجت للعمل وتحصر دورها في أن تكون تابعة للمجتمع مع دور السينما في نشر الوعي والأفكار الاجتماعية الهامة.
الفيلم..
فيلم “أقوى من الحب” هو فيلم سينمائي رومانسي درامي مصري، من إنتاج 1953 إخراج: “عز الدين ذو الفقار” و تأليف: “محمد كامل حسن المحامي” وبطولة: “شادية، عماد حمدي، مديحة يسري، زينات صدقي، حسن البارودي، محمد شوقي”.